ملخص
يمثل الانتقال إلى الذكاء الاصطناعي العام التحدي الإستراتيجي الأكثر إلحاحاً لأميركا، فهذا النوع من الذكاء الاصطناعي يتميز بقدرته على تطوير كود البرمجة وإعادة إنتاج نفسه واتخاذ قرارات مستقلة، وهذا يشمل إمكان شن هجمات سيبرانية قادرة على شل الاقتصادات والبنى التحتية داخل أميركا وخارجها، ويزداد هذا التحدي تعقيداً في عالم يتجه نحو التعددية القطبية ويتسابق فيه الجميع للسيطرة على الذكاء الاصطناعي، مما قد يدفع أميركا نحو التعاون مع خصوم إستراتيجيين مثل الصين لمواجهة هذه التحديات.
نادراً ما تتاح لقادة الأمن القومي فرصة اختيار القضايا التي يهتمون بها أو مدى اهتمامهم بها، فهم غالباً ما يكونون خاضعين لظروف خارجة عن إرادتهم، وقد أدت هجمات الـ 11 من سبتمبر (أيلول) 2001 إلى قلب مسار خطة وضعتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش (الابن)، تضمنت خفض التزامات ومسؤوليات الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وكذلك دفعت ثورات في العالم العربي بالرئيس باراك أوباما إلى العودة لمنطقة الشرق الأوسط إبان محاولته إخراج الولايات المتحدة منها، وقلبت حرب روسيا على أوكرانيا مسار الأمور لدى إدارة بايدن في شأن تحقيق هدف مفاده إرساء علاقات "ثابتة وقابلة للتوقع" مع موسكو كي تنصرف إلى التركيز على المنافسة الإستراتيجية مع الصين.
وربما يتمكن صناع السياسة من توقع المسارات والقوى التي تتولد عنها تلك الحوادث التي تفرض نفسها على أجنداتهم إلا أنهم يفشلون في الغالب في التخطيط لأصعب تجليات هذه القوى، وبالتالي فإنهم يسارعون إلى إعادة صوغ المفاهيم وتعديل الإستراتيجيات في سياق الاستجابة لتداعيات ذلك النوع من الحوادث.
ويحمل التقدم السريع للذكاء الاصطناعي الذي يتضمن إمكان ظهور "الذكاء الاصطناعي العام"، واختصاراً "إي جي أي" نذراً تنبئ بأنه قد يتسبب في اضطرابات أشد قوة من سابقاتها، فمؤشرات التغيير الجذري المقبل موجودة في كل مكان، وقد جعلت بكين وواشنطن من القيادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي أولوية إستراتيجية، فيما تتسابق الشركات الأميركية والصينية على الوصول إلى تحقيق الذكاء الاصطناعي العام، وتتناول التغطيات الإعلامية إعلانات شبه يومية عن تحقيق اختراقات تكنولوجية ونقاشات عن فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي، ومخاوف من أخطار عالمية كوارثية على غرار انفلات جائحة يسببها عنصر مرضي فتاك يركّب بواسطة الذكاء الاصطناعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا توجد طريقة لمعرفة المسار الدقيق الذي سيتطور من خلاله الذكاء الاصطناعي أو كيف سيؤثر تحديداً في الأمن القومي، ولذلك ينبغي على صناع السياسات تقييم ومناقشة جدوى الإستراتيجيات المتنافسة للذكاء الاصطناعي بتواضع وحذر، وسواء كنت متفائلاً أو متشائماً في شأن آفاق الذكاء الاصطناعي فإن قادة الأمن القومي بحاجة إلى أن يكونوا مستعدين لتكييف خططهم الإستراتيجية للتعامل مع أحداث قد تفرض نفسها على صناع القرار خلال هذا العقد، إن لم يكن خلال هذه الفترة الرئاسية، ويجب على واشنطن أن تستعد لمقايضات سياسية محتملة وتحولات جيوسياسية، وأن تحدد خطوات عملية يمكن اتخاذها اليوم للتقليل من الأخطار وتعزيز القدرة التنافسية الأميركية، فبعض الأفكار والمبادرات التي قد تبدو اليوم غير قابلة للتطبيق أو غير ضرورية قد تبدو ملحة وبديهية في ضوء التجربة لاحقاً.
التفكير الخلّاق
ليس من معيار مشترك لتعريف "الذكاء الاصطناعي العام" ولا توافق حول كيفية وزمن أو حتى إمكان ظهوره، واليوم باتت النماذج الطليعية للذكاء الاصطناعي قادرة بالفعل على أداء مهمات معرفية تتزايد أعدادها وتنويعاتها بصورة مطردة، وتتفوق فعلياً على أفضل البشر في المهارة والقدرات، ومنذ انطلاق "تشات جي بي تي" عام 2022 تزايدت قوة الذكاء الاصطناعي عبر قفزات كبرى وطفرات واسعة، ومن المنطقي تصور أن تلك النماذج ستغدو أكثر قوة واستقلالية وانتشاراً خلال الأعوام المقبلة.
وفي المقابل فمن غير المرجح أن تعلن حقبة "إي جي أي" عن نفسها عبر لحظة زلزالية على غرار ما فعله الزمن النووي حينما اختبر أول سلاح من ذلك النوع، وكذلك فإن الظروف الاقتصادية والتكنولوجية ليست مواتية تماماً بالنسبة إلى المخططين الأميركيين، على جري عادتهم في الماضي، فمثلاً خلال الحقبة النووية سيطرت الحكومة الأميركية على التكنولوجيا الجديدة وكان لدى المخططين عقدين من الزمن لتطوير أطر السياسات قبل ظهور منافس نووي، أما اليوم فإن صناع السياسات يملكون قدرة أقل ووقتاً أقصر للتكيف، فالصين بالفعل منافس تقني شبه متكافئ وعدد قليل من الشركات الخاصة يقود عملية التطوير، والذكاء الاصطناعي تكنولوجيا عامة الاستخدام تنتشر في كل جزء تقريباً من الاقتصاد والمجتمع.
وفي هذا السياق المتغير بسرعة ينبغي لقادة الأمن القومي تخصيص موارد التخطيط المحدودة للأحداث المحتملة ولكن المثقلة بالتحديات، فهذه الأحداث لا تمثل مجرد اضطرابات للوضع القائم بل مؤشرات على مستقبل بديل.
تخيل مثلاً أن شركة أميركية تدّعي أنها حققت قفزة تكنولوجية ثورية نحو الذكاء الاصطناعي العام، إذاً سيتعين على القادة اتخاذ قرار في شأن كيفية استجابة الحكومة الأميركية إذا طلبت الشركة أن تُعامل كـ "أصل من أصول الأمن القومي"، وهذا التصنيف قد يمنح الشركة دعماً حكومياً يمكن أن يساعدها في تأمين منشآتها والوصول إلى بيانات حساسة أو مملوكة والحصول على شرائح إلكترونية أكثر تقدماً، مع تجنب بعض اللوائح التنظيمية، وعلى الجانب الآخر، قد تعلن شركة صينية أنها حققت الذكاء الاصطناعي العام قبل أي من منافسيها الأميركيين.
لا يمكن وضع مسألة التخطيط لحقبة الذكاء الاصطناعي العام في أيدي رؤيويين يرسلون إلى مخابئ بعيدة
سيتعين على صناع السياسات الذين يتعاملون مع هذه السيناريوهات أن يوازنوا بين تقييمات متضاربة وأحياناً متناقضة، مما سيؤدي إلى اختلاف في الأحكام في شأن مقدار الأخطار المقبولة وأي المخاوف يجب إعطاؤها الأولوية، ومن دون قدرات تحليلية مستقلة وقوية فقد تجد الحكومة الأميركية صعوبة في تحديد ما إذا كانت ادعاءات الشركات موثوقة، كما سيتعين على قادة الأمن القومي النظر فيما إذا كان التقدم التكنولوجي الجديد قد يمنح الصين ميزة إستراتيجية، فإذا كانوا يخشون أن يمنح الذكاء الاصطناعي العام بكين القدرة على اكتشاف واستغلال الثغرات في البنية التحتية الحيوية الأميركية بسرعة تفوق قدرة الدفاعات السيبرانية على سدها، فقد يوصون باتخاذ إجراءات مثل محاولة إبطاء أو تخريب تطوير الذكاء الاصطناعي في الصين، وهي خطوات قد تؤدي إلى تصعيد خطر الصراع الجيوسياسي، ومن ناحية أخرى فإذا كان القادة أكثر قلقاً من احتمال استخدام جهات غير حكومية أو إرهابية لهذه التكنولوجيا الجديدة لصنع أسلحة بيولوجية كارثية، فقد يفضلون التعاون مع بكين لمنع انتشار تهديد عالمي أكبر.
ويتطلب تعزيز الجاهزية في مواجهة سيناريوهات الـ "إي جي أي" تحسين الفهم في ما يتعلق بمنظومة الذكاء الاصطناعي في أميركا وخارجها، وتحتاج الوكالات الحكومية إلى البقاء على إيقاع الركب بما يخص تطور الذكاء الاصطناعي بغية التعرف إلى الأماكن التي يرجح أن تشهد التطورات الجديدة فيه، وسيؤول ذلك إلى خفض خطر حدوث مفاجأة إستراتيجية ويسهم في إمداد الخيارات السياسية بمعلومات وافية عن ترتيب أولويات نقاط الهشاشة، وإمكان الاستفادة منها أيضاً في إبطاء تقدم الصين في الذكاء الاصطناعي.
كما يجب على صناع السياسات استكشاف سبل التعاون مع القطاع الخاص ومع دول أخرى، فشراكة عامة - خاصة قابلة للتوسع، ديناميكية وتفاعلية، تُعد ضرورية للاستجابة الإستراتيجية للتحديات الحالية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، وسيكون ذلك أكثر أهمية في عالم الذكاء الاصطناعي العام، فغياب الثقة المتبادلة بين الحكومة والقطاع الخاص قد يشل أية استجابة في وقت الأزمات، وفي الوقت نفسه سيحتاج القادة إلى تطوير سياسات لمشاركة المعلومات الحساسة والخاصة بالتطورات في الذكاء الاصطناعي المتقدم مع الشركاء والحلفاء، ومن دون سياسات مماثلة سيكون من الصعب بناء تحالف دولي قادر على الاستجابة لأزمة ناتجة من الذكاء الاصطناعي وتقليل الأخطار العالمية ومحاسبة الدول والشركات على السلوك غير المسؤول.
ذكاء عدائي
لن يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي العام (AGI) على تعقيد الديناميكيات الجيوسياسية القائمة، بل سيطرح أيضاً تحديات جديدة للأمن القومي، فتخيل هجوماً سيبرانياً غير مسبوق مدعوماً بالذكاء الاصطناعي يتسبب في فوضى عارمة داخل المؤسسات المالية والشركات الخاصة والوكالات الحكومية، ويؤدي إلى تعطيل الأنظمة المادية من البنية التحتية الحيوية إلى الروبوتات الصناعية، وفي عالم اليوم يعد تحديد الجهة المسؤولة عن الحرب السيبرانية بالفعل مهمة صعبة وتستغرق وقتاً طويلاً، فعدد كبير من الجهات الحكومية وغير الحكومية يمتلك الوسائل والدوافع لتنفيذ هجمات مزعزعة للاستقرار، لكن في عالم يزداد فيه تطور الذكاء الاصطناعي ستكون الأمور أكثر تعقيداً، وسيتعين على صناع السياسات التفكير في احتمال أن تكون عملية بهذا الحجم مقدمة لحملة عسكرية، أو ربما من تنفيذ وكيل ذكاء اصطناعي مستقل وقادر على التكاثر الذاتي.
ويتطلب التخطيط للتصدي لمثل ذلك السيناريو تقييم الكيفية التي تتمكن فيها قدرات اليوم من التوصل إلى التعامل مع تحديات الغد، ولا تستطيع الحكومات الاعتماد على ما يتوفر اليوم من أدوات وتقنيات كي تتوصل بسرعة وموثوقية إلى تقييم خطر ما، ناهيك عن اتخاذ تدابير مضادة فعالة، وإذا أخذنا بالحسبان القدرات المثبتة التي تحوزها أنظمة الذكاء الاصطناعي في المخادعة والتخفي والتنكر، فإن الأنظمة الحالية قد تعجز عن تحديد إذا ما كان أحد برامج أو وكلاء الذكاء الاصطناعي يعمل لمصلحته الذاتية ويدير نفسه بنفسه، أو أنه يعمل بالنيابة عن خصم ما، وبالتالي يحتاج المخططون إلى إيجاد طرق جديدة لتقييم دوافع الذكاء الاصطناعي وكيفية درء التصعيد.
الاستعداد للأسوأ يتطلب إعادة تقييم الخطوات "المحايدة من حيث الجهة المنفذة"، مثل تعزيز الدفاعات السيبرانية وعزل مراكز البيانات التي قد تكون مخترقة ومنع تعطيل الطائرات المسيرة أو المركبات المتصلة بالشبكة، كما يجب على المخططين تقييم ما إذا كانت البروتوكولات العسكرية الحالية وخطط استمرارية العمليات قادرة على التعامل مع تهديدات من ذكاء اصطناعي عدائي، وسيزيد انعدام الثقة العام بالحكومة وشركات التكنولوجيا من صعوبة طمأنة السكان في حال انتشار معلومات مضللة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، ونظراً إلى أن وكيل الذكاء الاصطناعي المستقل لن يحترم على الأرجح الحدود الوطنية، فإن الاستعداد الكافي يتطلب إنشاء قنوات تواصل مع الشركاء والخصوم على السواء لتنسيق استجابة دولية فعالة.
كيفية تشخيص القادة لتأثيرات التهديد الخارجي ستحدد طريقة استجابتهم، ففي حال وقوع هجوم سيبراني سيتعين على صناع السياسات اتخاذ قرار فوري في شأن ما إذا كان ينبغي تنفيذ إيقاف مستهدف للأنظمة السيبرانية المادية الضعيفة ومراكز البيانات المخترقة، أو خشية من التكاثر السريع، فرض إيقاف شامل، قد يمنع التصعيد لكنه سيعطل الاقتصاد الرقمي والأنظمة التي تعتمد عليها المطارات ومحطات الطاقة. ويسلط هذا السيناريو الذي ينطوي على فقدان السيطرة الضوء على أهمية توضيح الصلاحيات القانونية وتطوير خطط الاستجابة للحوادث، وعلى نطاق أوسع يعزز هذا السيناريو الحاجة الملحة لوضع سياسات وإستراتيجيات تقنية لمعالجة كيفية ميل النماذج المتقدمة إلى السلوك غير المنضبط، وفي الحد الأدنى يجب أن يشتمل التخطيط على أربعة أنواع من الإجراءات، أولاً إجراءات "لا ندم عليها" يجب أن يتخذها اليوم صناع السياسة وأطراف القطاع الخاص في الاستجابة إلى حوادث من موقع القوة، وثانياً يجدر بذلك التخطيط وضع توجيهات إرشادية "لا تستعمل إلا في حالات الطوارئ" في مواجهات وضعيات مستقبلية ينطبق عليها ذلك الوصف، ومن المستطاع العمل باستمرار على تطوير تلك التوجيهات كلما ظهرت أخطار أو فرص أو مفاهيم جديدة تتعلق بها، وثالثاً يجب أن يستثمر ذلك التخطيط في قدرات تبدو حاسمة ومحورية عبر سيناريوهات عدة، وأخيراً يجب على التخطيط وضع سلم أولويات عن المؤشرات الباكرة والتحذيرات في شأن حالات الفشل الإستراتيجي، مع تكوين شروط عن مسار التصحيحات.
لا مكان للعادات القديمة
يجب أن يبدأ التخطيط لتأثيرات الذكاء الاصطناعي العام على الأمن القومي من الآن، ففي عالم يزداد تنافساً وتقلباً، ومع بيئة داخلية هشة اقتصادياً ومنقسمة سياسياً، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل مفاجآت غير متوقعة.
وعلى رغم أنه من الممكن أن يثبت الذكاء الاصطناعي في النهاية أنه "تكنولوجيا طبيعية"، أي تكنولوجيا مثل الإنترنت أو الكهرباء، تُحدث تحولاً في العالم لكن وتيرة تبنيها لها حدود طبيعية يمكن للحكومات والمجتمعات التحكم بها، فمن الحماقة افتراض أن الاستعداد للاضطرابات الكبرى سيكون مضيعة للوقت، ويسهم التخطيط لمواجهة التحديات الأشد صعوبة في مساعدة القادة على التعرف إلى القضايا الإستراتيجية العميقة، وصنع أدوات استجابة تنفع أيضاً في الحالات الأقل ضراوة، كما أنه من غير الحكمة افتراض أن ذلك النوع من التخطي سيولد ميولاً ونزعات غريزية لدى القادة تفاقم الأخطار أو تبطئ تطور الذكاء الاصطناعي، فخلال الحقبة النووية مثلاً أعطى التخطيط لمواجهة إرهاب نووي إلهاماً لمبادرات عالمية لتأمين المواد الانشطارية اللازمة في صنع أسلحة نووية، مما أدى بالنتيجة إلى عالم أكثر أماناً، كما سيكون من الخطر التعامل مع احتمال ظهور الذكاء الاصطناعي العام وكأنه مجرد "سيناريو طبيعي" في عالم الأمن القومي، فالمعرفة التقنية داخل الحكومة محدودة وغير متوازنة، والجهات المؤسسية التي ستشارك في الاستجابة لأي سيناريو تتجاوز بكثير الوكالات الأمنية التقليدية، ومن المرجح أن تحدث معظم السيناريوهات في الداخل والخارج في آن، وستعتمد أية استجابة بصورة كبيرة على قرارات جهات خارج الحكومة، بما في ذلك الشركات ومنظمات المجتمع المدني التي لا تملك مقعداً في غرفة العمليات بالبيت الأبيض وقد لا تضع الأمن القومي ضمن أولوياتها، وبالمثل لا يمكن تفويض التخطيط إلى المستقبليين أو الخبراء التقنيين المعزولين في مراكز بعيدة لصياغة خطط مفصلة في عزلة، بل يجب أن يغذي الاستعداد لمستقبل الذكاء الاصطناعي العام النقاشات الإستراتيجية الجارية اليوم.
وثمة نقاش نشط حول جدوى الإستراتيجيات المختلفة للفوز بسباق الذكاء الاصطناعي وتجنب حصول كارثة في سياقه، وفي المقابل فليس هناك سوى قليل من النقاش عن الكيفية التي قد يغير بها "الذكاء الاصطناعي العام" المشهدية الدولية وتوزيع القوى عالمياً والتحالفات الجيوسياسية، ففي عالم متعدد الأقطاب بصورة متزايدة، ترى القوى الصاعدة أن الذكاء الاصطناعي المتقدم وكيفية نشر الولايات المتحدة والصين لتقنياته وبنيته الرقمية، عنصراً أساسياً في طموحاتها الوطنية.
ومن المتوقع أن يساعد التخطيط الباكر والتجارب المشتركة مع الحلفاء والشركاء، والحوار المستمر مع الدول التي تسعى إلى تنويع رهاناتها الدبلوماسية، في ضمان أن تكون الخيارات الإستراتيجية ذات منفعة متبادلة، وأية إستراتيجية للذكاء الاصطناعي لا تأخذ بعين الاعتبار عالماً متعدد الأقطاب ونظاماً تكنولوجياً عالمياً أكثر توزيعاً ستكون محكومة بالفشل، وأية إستراتيجية أمن قومي لا تتعامل بجدية مع التأثيرات التحولية المحتملة للذكاء الاصطناعي العام ستصبح غير ذات صلة.
وقادة الأمن القومي لا يختارون الأزمات التي يواجهونها، لكن يمكنهم اختيار ما يستعدون له وكيفية تخصيص الموارد لمواجهة تحديات المستقبل، فالتخطيط للذكاء الاصطناعي العام ليس خيالاً علمياً ولا تشتيتاً عن المشكلات والفرص الحالية، بل هو وسيلة مسؤولة للاستعداد لاحتمال واقعي جداً لمجموعة جديدة من تحديات الأمن القومي في عالم متحول جذرياً.
ماتان تشوريف هو باحث بارز ومدير مساعد في قسم "الأخطار العالمية والناشئة" لدى "مؤسسة "راند" خلال إدارة بايدن، وشغل منصب النائب الرئيس لمدير فريق تخطيط السياسات التابع لوزير الخارجية.
جويل بريد هو مهندس بارز ومدير "مبادرة الجغرافيا السياسية للذكاء الاصطناعي العام" في مؤسسة "راند"
مترجم عن "فورين أفيرز"، 22 يوليو 2025