ملخص
استعاد الجيش السوداني مواقع في إقليم كردفان مع تصاعد القتال في محوري الغرب، وتفاقم الجوع في المدن ومخيمات النازحين.
قالت مصادر عسكرية سودانية إن الجيش و"القوات المشتركة" الحليفة تصدوا أمس الثلاثاء لهجومين متزامنين على مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور من الناحيتين الغربية والجنوبية من قوات "الدعم السريع" هدفا إلى التقدم نحو وسط المدينة ومقر قيادة الفرقة السادسة مشاة للجيش، في وقت بدأت فيه قوات الجيش عملية برية واسعة في إقليم كردفان مسنودة بغطاء جوي كثيف، وتمكنت بعد معارك عنيفة مع "الدعم السريع" الثلاثاء من استعادة السيطرة على منطقتي رهيد النوبة والحجاب بطريق مدينة بارا بشمال كردفان.
معارك مستمرة
وتقع منطقة رهيد النوبة على طريق الصادرات الغربي الرابط بين العاصمة السودانية وإقليم كردفان، مما يكسبها أهمية خاصة في سير العمليات الحربية.
وأوضحت مصادر ميدانية أن قوات الجيش بادرت إلى شن هجوم مباغت على "الدعم السريع" المتمركزة في المنطقة رهيد النوبة وأجبرتها على التراجع منها، تمهيداً للتحرك صوب السيطرة على منطقة جبرة الشيخ القريبة منها.
ويشهد محور شمال كردفان معارك مستمرة منذ أشهر عدة، تبادل خلالها الجانبان السيطرة على مدن عدة وبلدات النهود والخوي والدبيبات وكازقيل وأم اندرابة، لكن الجيش تمكن من استعادة بلدة أم اندرابة الاستراتيجية، التي تربط بين ولايتي شمال كردفان والنيل الأبيض والخرطوم.
وتتمركز قوات الجيش بصورة رئيسة في مدن الأبيض وأم روابة والرهد والسميح بشمال كردفان، بينما لا تزال قوات "الدعم السريع" تسيطر على مدينة بارا الحيوية إلى جانب مدن وبلدات الخوي والنهود وجبرة وحمرة الشيخ وكازقيل. ويسعى الجيش إلى استعادة مدينة بارا، إحدى أهم مدن شمال كردفان، بسبب أهميتها الاقتصادية واللوجستية بوقوعها على الطريق الرابط بين الخرطوم والأبيض.
وستمكن استعادة مدينة بارا الجيش من فتح طريق الصادرات الغربي الحيوي (بارا - أم درمان)، الذي أمنت به قوات "الدعم السريع" انسحابها من جنوب أم درمان عقب تحرير الخرطوم.
غارات جوية
في الأثناء تابع الطيران الحربي غاراته الجوية في إقليم كردفان، مستهدفاً بالقصف تجمعات ومتحركات "الدعم السريع" في مناطق أبو زبد والدبكر بغرب كردفان.
كما استهدفت الغارات تجمعات أخرى شرق مدينة بارا بشمال كردفان أدت إلى تدمير عدد من العربات القتالية وتحييد ما لا يقل عن 16 مسلحاً، كما هاجم الطيران تجمعات للميليشيات في مدينة النهود بغرب الإقليم.
وفي شمال دارفور أكدت مصادر عسكرية أن الجيش و"القوات المشتركة" و"المقاومة الشعبية" تصدوا أمس الثلاثاء لهجومين متزامنين من المحورين الغربي والجنوبي، بهدف التقدم نحو وسط المدينة ومقر قيادة الجيش.
ودارت مواجهات ومعارك عنيفة بين الجانبين، استمرت من منتصف الليل الإثنين الـ28 من يوليو (تموز) الجاري، حتى صباح أمس الثلاثاء، وتمكن خلالها الجيش وحلفاؤه من إحباط الهجومين، بينما قصف الطيران الحربي للجيش مواقع وتجمعات للميليشيات بمعسكر زمزم بالقرب من الفاشر، بحسب المصادر.
قصف مصاحب
ويقع مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش وسط مدينة الفاشر، وأتى الهجومان ضمن سلسلة هجمات شنتها "الدعم السريع" للسيطرة على المدينة على مدى أكثر من عام، مع الحصار الخانق الذي تفرضه عليها من دون أن تتمكن من الوصول إلى قيادة الفرقة السادسة للجيش والسيطرة عليها.
واستمر القصف المدفعي المصاحب للهجومين على وسط الفاشر وشماله طوال يوم أمس، مما أسفر عن مقتل مواطن، فيما ردت مدفعية الجيش بقصف صاروخي مستهدفة تمركزات "الدعم السريع" شرق المدينة.
في المقابل قالت "الدعم السريع" على منصاتها بمواقع التواصل الاجتماعي إن قواتها خاضت معارك بمدينة الفاشر حققت فيها تقدماً كبيراً نحو آخر مناطق سيطرة الجيش و"القوات المشتركة" بالمدينة، واقتربت من محيط الفرقة السادسة مشاة، وإنها على وشك إعلان السيطرة الكاملة على الفاشر.
ينتظرون الموت
في هذا الوقت لا يزال شبح المجاعة يخيم على مخيمات النازحين والأحياء السكنية بسبب نفاد السلع الغذائية وارتفاع المتوفرة منها في المحال التجارية إلى أرقام جنونية، بينما يتسارع تفشي وباء الكوليرا في معظم معسكرات النازحين، أبرزها طويلة وكلمة وعطاش والسلام، وسط تلوث مياه الشرب وانعدام الصرف الصحي.
وحذرت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين أمس الثلاثاء من أن الوضع الإنساني في دارفور عموماً والفاشر خصوصاً بلغ مرحلة الانهيار الكامل، وأن أي يوم يمر تزهق فيه مزيد من الأرواح.
تابع بيان عاجل للمنسقية، "الناس يأكلون الأمباز (علف الحيوانات)، مخلفات السمسم والفول وغيره من الحبوب الزيتية، كي يبقون أحياء، وبعضهم لا يجده. إنهم لا ينتظرون الغذاء، بل ينتظرون الموت، النساء والأطفال وكبار السن هم الفئات الأكثر تضرراً".
معدلات مرعبة
وكشف المتحدث الرسمي باسم المنسقية آدم رجال عن أن معدل التفشي اليومي لوباء الكوليرا في منطقة طويلة وحدها يتراوح ما بين 100 إلى 200 حالة، إذ وصل العدد التراكمي الإصابات إلى 2145 حالة (حتى أمس) مع 40 حالة وفاة، و207 حالات في مراكز العزل، بينما سجلت منطقة قولو في جبل مرة 23 إصابة وسبع وفيات.
وطالب بيان للمنسقية الأطراف المتحاربة بالوقف الفوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية فورية، مناشداً المجتمع الدولي، بإسقاط جوي عاجل للمساعدات قبل أن تتحول المجاعة إلى إبادة جماعية صامتة.
وقال بيان مقتضب لتنسيقية لجان المقاومة بالفاشر إن "الجوع يفتك بالناس ولم يعد في البيوت طعام، وليس في الأسواق خبز ولا في الأجساد ما يكفي للصبر، والموت يحاصرنا من كل جانب".
جوع ونزوح
في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، يتكدس المواطنون لساعات طويلة أمام مراكز بيع الذرة الرفيعة، في ظل النقص الحاد في المواد الغذائية والارتفاع المستمر لأسعار السلع الأساسية، في وقت تواصل فيه المدينة استقبال مزيد من النازحين من مدينة كادوقلي عاصمة الولاية، التي تشهد تدهوراً أمنياً وصحياً متزايداً. وكشف نازحون من العاصمة الولائية، عن تسارع نسبة النزوح من المدينة تحت ضغط الضائقة المعيشية وانعدام السلع.
وتعاني الدلنج ظروفاً إنسانية قاسية، تنعدم فيها السلع الأساسية بعد توقف الإمدادات التجارية من مدن الأبيض والخوي، بسبب إغلاق طريق "الأبيض – الدلنج – كادوقلي" من قوات "الحركة الشعبية - شمال" بقيادة عبدالعزيز الحلو و"الدعم السريع" المتحالفتين.
وفاة 13 طفلاً
في شرق دارفور، توفي 13 طفلاً بمعسكر لقاوة للنازحين، بسبب سوء التغذية والنقص الحاد في الغذاء، إضافة إلى تعرض المعسكر إلى هجمات من جماعات مسلحة.
وأعربت "شبكة أطباء السودان" عن بالغ قلقها إزاء الأوضاع الإنسانية المتدهورة في معسكر "لقاوة" للنازحين بمدينة الضعين عاصمة الولاية، الذي يضم أكثر من 7 آلاف نازح، معظمهم من النساء والأطفال. وقالت الشبكة في بيان أمس إنه "بجانب نقص الغذاء يتعرض النازحون لهجمات متكررة من مجموعات مسلحة، مما يهدد أمن وسلامة سكانه ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية".
ودعت الشبكة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى التحرك الفوري، لتوفير الغذاء والرعاية الصحية الأساسية للنازحين مع تأمين المعسكر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ألغام محرمة بالخرطوم
أما في العاصمة السودانية فكشف المركز القومي لمكافحة الألغام عن ثلاثة حقول ألغام مضادة للإنسان محرمة دولياً في منطقة المقرن وغابة السنط جنوب غربي الخرطوم، زرعتها الميليشيات خلال المعارك التي كانت دائرة في العاصمة.
وعد مدير المركز اللواء خالد حمدان أن قيام الميليشيات بزرع مثل هذه الألغام يشكل إضافة خطرة لسلسلة الانتهاكات التي ارتكبتها خلال الحرب الحالية، مما يتنافى مع الاتفاقات والمعاهدات الدولية، مشيراً إلى أن "اتفاق أوتاوا يحظر استخدام وتصنيع ونقل الألغام المضادة للأفراد، المخالفة لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ويعد السودان من أوائل الدول المنضمة إليه". وأضاف حمدان أن "هذه الألغام شديدة الخطورة، كونها مصنوعة من البلاستيك، مع كمية ضئيلة جداً من المعادن، مما يجعل اكتشافها صعباً للغاية ويتطلب فرقاً متخصصة، وأجهزة حديثة ذات قدرة عالية على التقاط الإشارات".
تأجيل الرباعية
دولياً وعلى نحو مفاجئ أعلنت مصادر دبلوماسية تأجيل اجتماع اللجنة الرباعية الذي يضم وزراء خارجية السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة، الذي كان مقرراً انعقاده اليوم الأربعاء بالعاصمة الأميركية واشنطن، لبحث سبل وقف الحرب في السودان.
ورجح السفير المصري لدى واشنطن معتز زهران تأجيل الاجتماع إلى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، مؤكداً اهتمام الرباعية بمواصلة الضغط من أجل التوصل إلى تسوية للأزمة السودانية.
الفرصة الأخيرة
وأشار المحلل السياسي والدبلوماسي السفير الصادق المقلي إلى أن "اجتماع الرباعية المؤجل كان الفرصة الأخيرة لإنقاذ السودان من الانهيار التام، بعد فشل المبادرات السابقة كافة لحل الأزمة في السودان، بما فيها مشاركتها مع السعودية في منبر جدة".
ولفت المقلي إلى أن "الاجتماع كان رتب له في أعقاب جولة ترمب على ثلاث من الدول الحليفة في منطقة الخليج ونهاية الحرب بين إسرائيل وإيران، التي لعب الرئيس الأميركي دوراً محورياً في وقفها عقب 12 يوماً فقط من اندلاعها".
رفض دولي وإقليمي
على صعيد ردود الفعل على إعلان تحالف "تأسيس" بقيادة "الدعم السريع" الحكومة الموازية في مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، دان الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل سلطة موازية بالسودان، وعده تهديداً لوحدة البلاد ومفاقمة لمعاناة الشعب، مشدداً على أن السلام لا يتحقق إلا بحوار شامل يفضي إلى حل دائم.
وأكد بيان لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي رفضه القاطع لتشكيل ما يسمى بالحكومة الموازية في السودان، مؤكداً اعترافه الحصري بمجلس السيادة الانتقالي والحكومة الانتقالية المدنية التي شكلت أخيراً.
كما جددت السعودية أمس رفضهما القاطع لتشكيل أية حكومة خارج الإطار الشرعي للدولة السودانية، محذرة من أخطار التمادي في خطط تقسيم السودان، والدفع به نحو سيناريوهات فوضوية مدمرة.
وكان تحالف "تأسيس" أعلن قبل ثلاثة أيام تشكيل مجلس رئاسي، برئاسة قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتسمية محمد حسن التعايشي، عضو التحالف والعضو السابق بمجلس السيادة الانتقالي، لرئاسة الحكومة الموازية.