Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كليوباترا اللغز" يكشف عن المرأة والأم والملكة المتفانية 

اعتبرها المؤرخون الرومان مشعوذة وعدها العرب ملكة متفانية

مشهد من معرض "كليوباترا اللغز" (خدمة المعرض)

ملخص

 يقدم "معهد العالم العربي" في باريس معرضاً ضخماً يتناول الملكة الفرعونية وريثة إيزيس، كليوباترا، بعنوان "كليوباترا اللغز"، فتحضر إلى باريس بعد مرور أكثر من 2000 عام على وفاتها من خلال معرض متنوع يعرّف الزوار بآخر ملكات البطالمة والمصريين، فتظهر كليوباترا المرأة والأم والملكة من خلال عرض لأحداث حياتها وتوقفٍ عند الأفلام والأعمال الفنية والمؤلفات التي تناولتها وتناولت حياتها القصيرة إنما الكثيفة.

ليس غريباً على "معهد العالم العربي" في باريس هذا النوع من المعارض التي تعرف بشخصيات فذة من التاريخ، فهو الحريص على التعريف بالثقافة الشرقية والعربية منذ تأسيسه عام 1980، حيث يقسم إلى عدة أقسام، فيقدم أولاً كليوباترا تاريخياً، كليوباترا الابنة ثم الزوجة فعشيقة يوليوس قيصر ثم زوجة مارك أنطوني، ثم يقدمها سياسياً فهي القائدة الحكيمة التي تخطط وتبني وتملك رؤية للمستقبل، وأخيراً يقدمها كما ظهرت في أبرز الأعمال الأدبية والفنية والتمثيلية المعروفة عالمياً، أعمال أنصفت الملكة الذهبية أحياناً وظلمتها في أحايين أكثر، ليكون هذا المعرض مبعثاً للفضول في الفرد الأوروبي والفرنسي ليأتي ويكتشف الحضارات المشرقية بطريقة تختلف عن الكليشيهات المنتشرة وبحلة جديدة، بخاصة مع ربط صورة كليوباترا بالقومية المصرية والنسوية المعاصرة.

وقد يكون المعرض المخصص لكليوباترا اليوم معرضاً مثيراً للجدل كحاملة اسمه تماماً، فآخر ملكات مصر والسلالة البطليمية لم تكن امرأة عادية ولا امرأة سهلة، بل على العكس فطالما خشي الرومان سطوتها واعتبروها امرأة لعوباً غاوية تسيطر على عقول الرجال وأفئدتهم وتنال منهم ما تشاؤه، كما حصل مع يوليوس قيصر وأدى إلى مصرعه، ومن بعده مارك أنطوني.

ومن ناحية أخرى اعتبرها المؤرخون العرب والمشرقيون ملكة جبارة حاولت طوال أعوام حكمها التي لا تربو على الـ 22 عاماً أن تحمي أولادها ومصر والإسكندرية بكل ما أوتي لها من حكمة عسكرية ودهاء سياسي، ثم عندما لم تفلح في مآربها آثرت الموت على الوقوع أسيرة جيش الرومان العدو على رأسه أوكتافيان.

لغز المرأة الحاكمة

أعوام كليوباترا في الحكم حافلة بالحروب والمؤامرات والاغتيالات والتحالفات، فكليوباترا السابعة أو كليوباترا كما هو متعارف عليه، المولودة سنة 69 قبل الميلاد في الإسكندرية، عاصمة مصر آنذاك، حكمت مصر وهي في الـ 17 من عمرها وتمسكت بالحكم وبأراضي مصر واستقلاليتها حتى آخر رمق لتكون آخر ملكة في المملكة البطلمية في مصر، ويعرف عنها وسع اطلاعها وعمق ثقافتها وإتقانها سبعة ألسن وعدم حاجتها إلى مترجمين، ويُعرف عنها كذلك دهاؤها السياسي وتحالفها المحنك دوماً مع رجالات روما، فإدراكاً منها للصعود الحتمي في القوة العسكرية والسياسية لروما، عززت علاقاتها مع يوليوس قيصر ومن بعده مع مارك أنطوني وكانت تحسب كل خطوة من خطواتها، وإن عنى ذلك ارتكاب الاغتيالات القاسية إنما الحتمية، فوريثة والدها بطليموس الـ 12 الشرعية، تزوجت من شقيقها بطليموس الـ 13 ثم أمرت بقتله، ثم تزوجت من شقيقها بطليموس الـ 14 وأمرت بقتله أيضاً، لتتخلص من شقيقتها أرسينوي الرابعة وتكون بذلك قد استأثرت بالحكم لنفسها، وهو ما كان سائداً آنذاك في السلالات الحاكمة.

يستعيد المعرض الذي يقدمه "معهد العالم العربي" تاريخ كليوباترا السياسي الممزوج بحياتها العاطفية وهي التي كانت عشيقة يوليوس قيصر ووالدة وريثه الوحيد قيصرون، ثم زوجة مارك أنطوني ووالدة أبنائه الثلاثة، وفد وصلت كليوباترا إلى السلطة عام 52 قبل الميلاد وعملت منذ ذلك الحين لتعيد لبلادها قوتها السابقة، وهي التي رفضت أن تكون مصر مجرد مستعمرة لدى الرومان، فارتبطت الملكة الفرعونية بقيصر وتحالفت معه واستعادت معه قبرص، ثم بعد وفاته عام 44 قبل الميلاد عادت لمصر وتفاوضت مع مارك أنطوني قبل أن تحكم معه وتصبح زوجته.

ويجسد المعرض كيف قضت كليوباترا على منافسيها وبنت على عهدها المعابد للمصريين واليونانيين على السواء، فهي التي ينسب إليها كذلك بناء سور منيع حول الإسكندرية، ويبدو جلياً في المعرض كيف عملت الملكة الفرعونية على معاقبة المسؤولين الفاسدين وحماية الفلاحين، وكيف كرّست مصر خزينة قمح الرومان وسندهم الزراعي والغذائي الذي لا بديل عنه، لتقول جملتها الشهيرة "بلا مصر، لا روما".

ومع ازدهار مصر وتحولها إلى المملكة الأغنى على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تضاعفت سطوة كليوباترا ومكانتها في روما وتضاعف معها توجس الرومان منها وحقدهم عليها ورغبتهم في التخلص منها، و بعد انتحار كليوباترا بطريقة لا أحد يعرفها بعد، وبعد اغتيال ابنها قيصرون الذي لم يكن ليترك حياً نظراً إلى أنه ابن يوليوس قيصر الوحيد والوريث الشرعي لروما، تحولت مصر إلى مقاطعة تابعة للإمبراطورية الرومانية، وعلى رغم التكهنات الكثيرة لا يزال انتحار كليوباترا يشكل لغز الألغاز وكذلك موضع قبرها وجثمانها، فذهبت جهود المؤرخين وعلماء الآثار الكثيرة والمكثفة لاكتشاف موضع قبرها أدراج الريح.

كليوباترا في الفن والأدب والسينما والمسرح

يقدم معرض "كليوباترا اللغز" مجموعة من المؤلفات التي تناولت حياة كليوباترا وأسطورتها كامرأة وكملكة، فتظهر تراجيديا ألكسندر سومي، وهي مسرحية شعرية من خمسة فصول، وكذلك تراجيديا شكسبير المعروفة في عالم الأدب، ومسرحية أحمد شوقي الشعرية "مصرع كليوباترا"، وتظهر كذلك دراسات تناولت كليوباترا باعتبارها امرأة وصمت التاريخ وغيرت فيه، ما يناهز 16 مؤلفاً من مختلف اللغات، معروضة لتأكيد حضور الملكة المصرية في روائع الأدب العالمي، ويظهر كذلك الغلاف الأصلي والفينيل لأغنية كليوباترا لمحمد عبدالوهاب (1898-1991) من عام 1973، مع العلم أن قصيدة كليوباترا كتبها الشاعر علي محمود طه في 24 بيتاً، لكن عبدالوهاب اختار منها 10 أبيات لتكون هي القصيدة المغناة، والقصيدة غزلية عاطفية ذات بعد تاريخي تصف أبياتها قصة الحب الشهيرة التي عاشتها الملكة كليوباترا، وهي القصة التي تسببت في انشقاق الأسطول الروماني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحضر كليوباترا في السينما كذلك، فيشاهد زائر المعرض مقاطع من أفلام سينما توقفت عند حياة الملكة الأفريقية، وذلك بتأدية أجمل الممثلات مثل كلوديت كولبير (1934) وسيلفيا لاي (1945) وصوفيا لورين (1953) والرائعة ليز تايلور (1963)، وطبعاً مونيكا بيلوتشي (2002).

وتعرض كذلك أجمل فساتين كليوباترا وأكثرها بريقاً وأغلاها، إضافة إلى ما وجد من مجوهراتها وآثارها، ليكرّس حائط بأسره لأنف كليوباترا الذي سبب الفتنة وغير وجه العالم، والذي قال عنه الفيلسوف الفرنسي باسكال "لو كان أنف كليوباترا أقصر بقليل لما كان وجه العالم على ما هو عليه اليوم".

رمز القومية المصرية والنسوية المعاصرة

يأتي هذا المعرض المخصص لكليوباترا اليوم ليكون نقطة التقاء بين الشعوب والحضارات وعودة للوراء، لكنه في الوقت نفسه وفي قسمه الأخير يبني جسراً بين حياة كليوباترا، المرأة الصارمة القوية الجبارة، وأهداف النسوية المعاصرة التي تدفع المرأة إلى التعلم والعمل وتحقيق ذاتها وتخطي الحواجز وكسب التحديات، فتظهر كليوباترا امرأة صلبة صلدة يمكن أن تكون المثال الذي يحتذى لدى نساء العالم اليوم، بخاصة بالنسبة إلى الحركات النسوية التي تطالب بدور المرأة في السلطة، فتتجلى كليوباترا أيقونة نسوية فرضت خلال أعوام حكمها صوتها وحضورها وسلطتها ضد المجتمع الذكوري.

وكذلك يعتبر بعضهم كليوباترا أول مقاوِمة وطنية ضد حركات الاستعمار الغربي لمصر، وهي مقاومة وطنية تجلت لاحقاً في الوقوف في وجه الاستعمار البريطاني (1882-1965)، وقد انتشرت الحركة الفرعونية خلال عشرينيات القرن الـ 20 وناشدت بالقومية المصرية ضد القوى الاستعمارية، سواء في الفنون مع محمود مختار (1891-1934) الذي أقام منحوتات ضخمة مرتبطة بالتاريخ المصري، أو كذلك في السياسة لشحذ الهمم مع عبدالناصر الذي استعاد أسماء تشير إلى مصر القديمة وحكامها العظام، مثل نيفرتيتي ورمسيس وكليوباترا، آخر الملوك وأشدهم شراسة في الدفاع عن أرض مصر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة