Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كليوباترا ملكة الشاشة وشاغلة الثقافة الغربية

لطالما شكلت شخصيتها مادة مثيرة لإنتاجات عالمية بسبب حياتها التي انطوت على كثير من عناصر التشويق من الحب والكراهية والغدر والحروب

من الانتاجات الهوليوودية الأولى عن شخصية كليوباترا (موقع الفيلم)

ملخص

لطالما شكلت شخصية كليوباترا مادة مثيرة لإنتاجات عالمية بسبب حياتها التي انطوت على كثير من عناصر التشويق من الحب والكراهية والغدر والحروب

سواء كنتم من المشتركين في خدمة البث التدفقي العملاقة "نتفليكس" أم لا، لا بد أنكم سمعتم عن مسلسلها ذي الحلقات الأربع الذي يحمل اسم "الملكة كليوباترا" وأثار الجدل والغضب في مصر واليونان على حد سواء وحصل على أدنى تقييم جماهيري في تاريخ التلفزيون هو اثنين من 100 في موقع المراجعات الفنية "روتن توماتوز".

لم ينشب الجدل بسبب ضعف القصة أو ركاكة الإخراج أو الأداء التمثيلي الهزيل أو التمويل الشحيح، وإنما بسبب ما اعتبره كثيرون تزويراً وتزييفاً للتاريخ في طريقة تناول العمل، الذي وصفته "نتفليكس" في المقطع الترويجي بأنه "وثائقي"، لشخصية البطلة التي كانت منذ نشأة السينما مادة مثيرة لإنتاجات عالمية بسبب حياتها التي انطوت على كثير من عناصر التشويق من الحب والكراهية والغدر والحروب وأساطير لا حصر لها، منها ما هو حقيقي ومنها ما ترسخ في أذهان الجمهور بسبب تكراره في القصص والأعمال الفنية.

منبع إلهام لا ينضب

بعد أكثر من 2000 عام على وفاتها سنة 30 قبل الميلاد، لا تزال الملكة المصرية كليوباترا حاضرة بصورة معينة في الخيال الجماهيري، كامرأة تقطر ألقاً وسحراً، وفاتنة قاتلة جذابة ومغرية، تحب النساء التشبه بها في الحفلات التنكرية وموسم عيد الهالوين وجلسات التصوير الاحترافية والحفلات الموسيقية.

كيم كاردشيان من أكثر المعجبات بكليوباترا وقد تبنت إطلالتها مرات عديدة، وحتى مارلين مونرو ظهرت عام 1958 في مجلة "لايف" كنسخة ذات قوة إغراء مضاعفة، وفي عام 2012 اختارت مادونا الدخول في موكب مهيب مثل كليوباترا إلى حفل نهائي بطولة سوبر بول لكرة القدم الأميركية، بغض النظر عن دقة التصوير السينمائي والتلفزيوني لها، لم تمل وسائل الترفيه من تناول حكايتها التي جعلتها المنافسة الأشد في قائمة الشخصيات التاريخية التي ظهرت في أكبر عدد من الأعمال السينمائية إلى أن تغلب عليها نابليون بونابارت ودخل قائمة "غينيس" للأرقام القياسية في هذه الفئة برصيد يبلغ 189 فيلماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كليوباترا موجودة في عدد لا حصر له من اللوحات وألهمت معارض فنية كثيرة، ووصلت إلى مسارح "برودواي" و"ويست إند" و"البولشوي"، كما أنها تظهر في عروض الباليه منذ أكثر من 200 سنة، حيث يعود أول عرض مسجل لعام 1808 وكان بعنوان "أنطوني وكليوباترا" من تصميم الفرنسي جان بيير أومير، ونسجت حولها القصائد والمقطوعات الموسيقية ولوحات الأوبرا، وحتى مسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة والأبطال الخارقين والقصص المصورة لم تسلم من سحرها، في سلسلة قصص "حكايات التشويق" المصورة يذهب آيرون مان إلى مصر القديمة ويلتقي بالملكة العظيمة، وكذلك كانت شخصية متكررة الظهور في سلسلة قصص "أستريكس"، وهناك جزء كامل بعنوان "أستريكس وكليوباترا" وفي عام 2020 أنتجت "دريم ووركس" مسلسلاً بعنوان "كليوباترا في الفضاء" يستند إلى سلسلة قصص للأطفال صدرت بالعنوان نفسه عام 2014. كما أن كثيراً من الشركات التجارية استغلت ما اشتهر عنها من جمال في إعلانات للتسويق لمنتجات العناية بالبشرة وكريمات الترطيب ومحسنات الشعر وأجهزة مساج الوجه ، هناك خط إنتاج باسم كليوباترا يتضمن مجموعة متنوعة من الصابون والكريم وحليب الجسم من شركة بالموليف ، وكان لها ظهور حتى في إعلان لخدمة برايم التي تقدمها "أمازون" وهي تتصفح منتجات المتجر الإلكتروني الضخم على كمبيوتر لوحي، وعلى رغم الاختلاف حول جودتها ونكهتها، لا يمكننا تجاهل أشهر نوع لفائف تبغ ينتج في مصر، سجائر "كليوباترا".

عام 1998 وصلت ملكة مصر الشهيرة إلى عالم ألعاب الفيديو مع لعبة "صعود روما" الأولى في سلسلة "عصر الإمبراطوريات"، تلاها ظهور في أكثر من 20 لعبة منها "جحيم دانتي" و"كليوباترا ومجتمع المهندسين المعماريين" و "قَدَر كليوباترا".

يقدر أن هناك حوالى 34 مسلسلاً تلفزيونياً عن كليوباترا، نذكر منها على سبيل المثال تمثيلية تلفزيونية مكونة من جزأين بعنوان "كليوباترا" صدرت عام 1999 جسدت فيها ليونور فاليرا شخصية الملكة، وسبقتها في ذلك ميشيل نيوويل التي لعبت بطولة مسلسل مكون من ثماني حلقات بعنوان "كليوباترات" أنتجته "بي بي سي" عام 1983.

كليوباترا في السينما

رافقت الملكة المصرية الفن السابع منذ بداية نشأته، ولطالما اختيرت أجمل الوجوه لتجسيدها، وكان أول ظهور لها في فيلم فرنسي صامت، يحمل اسمها طبعاً، من إخراج جورج ميليس عام 1899، يعد أحد أوائل أفلام الرعب في السينما، حين يقوم رجل بتقطيع مومياء كليوباترا ثم يعيدها إلى الحياة.

وفي عام 1908، كان المخرج جيه ستيوارت بلاكتون أول من تناول العلاقة العاطفية بين "أنطوني وكليوباترا" في فيلم صامت يحمل اسميهما.

تلا ذلك فيلمان صامتان آخران عامي 1912 و 1917 بعنوان "كليوباترا ملكة مصر" و"كليوباترا" من بطولة هيلين غاردنر وثيدا بارا على التوالي.

كان فيلم "أنتوني وكليوباترا" القصير الصادر عام 1924 أول عمل غير صامت، جسد فيه فيل دانهام وإيثل تير دوري العاشقين التاريخيين. 
يعتبر كثير من النقاد أن فيلم "كليوباترا" الملحمي الصادر عام 1934 للمخرج سيسيل بي ديميل هو أهم عمل أنتج عن الملكة المصرية، وأولها وأكثرها تعرضاً للانتقاد (قبل كارثة نتفليكس طبعاً) بسبب التلاعب الذي طرأ على بعض أحداث القصة كي تتماشى والسياق الدارمي والحبكة السينمائية.

بفضل طريقة تصويره المبتكرة آنذاك وأزيائه المتفردة والديكورات وإدارة الحشود والأداءات التمثيلة الرائعة ترشح الفيلم لخمس جوائز أوسكار حصل منها على أفضل تصوير سينمائي، ولا يزال وجه النجمة كلوديت كولبير مرتبطاً إلى حد كبير في الذاكرة الشعبية الغربية بالملكة المصرية التي جسدها في الفيلم.

في السينما العربية، صدر عام 1943 فيلم "كليوباترا" من إخراج إبراهيم لاما وبطولة أمينة رزق في دور الملكة، وبدر لاما في دور أنطوني، وحقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً عند عرضه في الصالات المصرية.
ثم جاءت الحسناء فيفيان لي لتجسد كليوباترا في مرحلة فقدها عرش مصر وزيارة يوليوس قيصر للإسكندرية ولقائه بتلك المرأة الفاتنة والساحرة في فيلم "قيصر وكليوباترا" الصادر سنة 1945.

فيلم "ثعبان النيل" الصادر عام 1953 هو أول عمل يتبنى عنواناً مختلفاً، لكنه كالأفلام الأخرى التي سبقته ركز على المغامرات العاطفية للملكة التي لعبت دورها فيه روندا فيلمينغ.
كان لجميلة السينما العالمية والإيطالية صوفيا لورين نصيب باقتران اسمها بجميلة جميلات التاريخ في الفيلم الكوميدي "ليلتان مع كليوباترا" الصادر عام 1954، الذي تناول فيه المخرج ماريو ماتولي القصة من زاوية مختلفة بعيدة من المعارك والمكائد، ولكن من خلال عيني جندي روماني يزور الإسكندرية لخدمة الملكة ولديه قناعة بأنها تقتل أي جندي تختاره بعد قضاء ليلة واحدة معه.

شهد العقد التالي مجموعة من الإنتاجات السينمائية التي تحدثت عن كليوباترا بإنتاجات ضعيفة لم تعلق كثيراً في الأذهان إلى أن قدمت النجمة العالمية إليزابيث تايلر أداء لا ينسى سنة 1963 فيما يعد أشهر فيلم يحمل اسم "كليوباترا" وأكثر عمل ناجح في شباك التذاكر وبين صفوف النقاد، حين ترشح لتسع جوائز أوسكار ظفر بأربع منها، شارك ريكس هاريسون في بطولة الفيلم الذي أخرجه جوزيف مانكيفيتس.  

 

"استمري يا كليو" الكوميدي التاريخي هو الفيلم البريطاني الوحيد عن كليوباترا، يتناول الفيلم الصادر عام 1964 من بطولة سيدني جيمس الحكاية من زاوية مختلفة، إذ يتحدث عن غزوات روما لإنجلترا تحت قيادة أنطوني قبل عودته إلى روما وبعدها إلى الإسكندرية لإجبار كليوباترا على التنحي عن العرش.

أفرزت قصص أستريكس المصورة ثلاثة أفلام سينمائية هي، "أستريكس وكليوباترا" (رسوم متحركة 1968)، "أستريكس وأوبيلكس: مهمة كليوباترا" (نسخة مؤنسنة من بطولة مونيكا بيلوتشي 2002) و "أستريكس وأوبيلكس: المملكة الوسطى" (نسخة مؤنسنة من بطولة ماريون كوتيار 2023).

في ديسمبر (كانون الأول) عام 2020، أثار اختيار الممثلة الإسرائيلية غال غادوت للعب دور كليوباترا في فيلم مقبل، استياء شديداً في الأوساط العربية حتى قبل الشروع في إنتاج العمل الذي يتولى إخراجه باتي جينكنز، يتردد في الأوساط السينمائية منذ سنوات أن المخرج العالمي جيمس كاميرون يطمح إلى إنتاج عمل يتناول حياة كليوباترا، بينما يشتد التنافس بين أنجيلينا جولي وليدي غاغا لإقناع مخرج فيلم "تيتانك" وسلسلة "أفاتار" بإسناد الدور إلى إحداهما.

شخصية شكسبيرية

تجدر الإشارة إلى أن الهوس بكليوباترا كشخصية جذابة بدأ قبل السينما بكثير، إذ نشأ في الأدب والمسرح والشعر، في مسرحيته "أنتوني وكليوباترا" التي كتبها ويليام شكسبير عام 1606 وتعد واحدة من أعظم قصص الحب في الأدب العالمي، رسم لنا صورة الملكة بأنها امرأة لا تذبل مع العمر ولا يخبو ألقها مع تغير الأزمنة، فهي ذات تنوع لا متناه، وبينما تشبع النساء الأخريات الرغبة تقوم هي بتجويع صاحبها أكثر. كذلك كان الكاتب إتش رايدر هاغارد صريحاً في وصفه للملكة بقطعة من اللهب في روايته "كليوباترا" الصادرة عام 1889.

مسرحية "قيصر وكليوباترا" التي استند إليها الفيلم السينمائي بالعنوان نفسه المذكور سالفاً، تعد أول مسرحية عظيمة للكاتب جورج برناردشو. نشر العمل المكون من أربعة فصول عام 1901 وعرض لأول مرة على خشبة المسرح سنة 1906.

لم تكن كليوباترا ملكة عادية، ولم تكن حياتها نمطية، وستبقى حكايتها التي ربطت بين اثنتين من أعظم حضارات العالم القديم، وتميزت بجانب رومانسي عالي التركيز والنهاية الخالدة لها، عناصر تستحوذ على خيال صناع السينما والتلفزيون والفن بأنواعه كافة، وحتماً لن تكون سلسلة "نتفليكس" هي الأخيرة التي تنتج عنها، بل على العكس، ستحفز مزيداً من الإنتاجات، بخاصة المصرية، لنقض ما ورد فيها واستعراض قصة ملكة حقيقية من دون بهرجة وإضافات "هوليوودية" أو "نتفليكسية"!

المزيد من ثقافة