Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذهب مصر في قبضة سوق واحدة... طفرة بيعية أم خلل بهيكل التصدير؟

استوردت البلاد في 6 أشهر ذهباً خاماً بـ1.1 مليار دولار وصدرت حلي ومشغولات وفضة بـ3.9 مليار دولار

تؤشر نظرة أدق إلى هيكل الصادرات إلى استحواذ الإمارات وحدها على 3.2 مليار دولار من حصيلة تصدير الذهب (رويترز)

ملخص

يأمل قطاع تصنيع المجوهرات في مصر في بلوغ قائمة الـ10 الكبار في تصدير المعادن الثمينة والحلي والأحجار الكريمة بحلول عام 2027.

تطورت عوائد تصدير الذهب والمعادن النفيسة على نحو لافت في الأعوام الـ10 الأخيرة، مما يفسر زهو القطاع المصنع في البلاد، بـ194 في المئة من النمو في عوائد التصدير خلال النصف الأول من العام الحالي، بإجمال 3.93 مليار دولار، بحسب بيانات شعبة الذهب والمعادن النفيسة باتحاد الصناعات المصرية.

لكن نظرة أدق إلى هيكل هذا الرقم تشير إلى استحواذ الإمارات وحدها على 3.2 مليار دولار من تلك الحصيلة، مما يعني أن هذا النمو يأتي مدفوعاً باستهلاك سوق واحدة، مما يجعله مسار تقلب تبعاً لشهية البلد المستورد وحاجته، لكن ثمة من يرى في هذا المسار أمراً منطقياً بالنظر إلى تحول الدولة الخليجية إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الذهب في المنطقة، بالتالي استيعابها الكمية الأكبر من الصادرات، في ظل القرب الجغرافي الذي يخفف على المصدرين كلفة الشحن.

في عام 2023، استوردت الإمارات ذهباً بقيمة 75.2 مليار دولار، لتصبح بذلك ثالث أكبر مستورد للمعدن في العالم، وخلال العام نفسه، كان الذهب أكثر المنتجات استيراداً (من بين 1210 منتجات) في الإمارات.

كيف تطورت صادرات الذهب؟

وأخذت عوائد تصدير الذهب والمعادن النفيسة في مصر مساراً متصاعداً خلال العقد الأخير، ففي عام 2015 بلغت صادرات القاهرة من الذهب 585 مليون دولار، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ثم تطور الرقم في العام اللاحق ليصل 6850.8 مليون دولار، قبل أن يقفز إلى مستوى 2.5 مليار دولار بحلول عام 2016، و2.07 مليار دولار في عام 2017، و1.4 مليار دولار عام 2018، وصولاً إلى 3.26 مليار دولار في العام الماضي.

وتلفت حصيلة صادرات الأشهر الستة الأولى من العام الحالي إلى قدرة القطاع ربما على مضاعفة هذا الرقم بحلول نهاية العام الحالي، إذا ما استمرت وتيرة التصدير كما هي من دون تغيير فاعل.

لكن في المقابل، كانت واردات الذهب الخام التي تستوردها مصانع القطاع قياسية، فالبيانات التي استقتها "اندبندنت عربية" من أحدث تقرير إحصائي للبنك المركزي المصري - أبريل (نيسان) الماضي – تؤشر إلى أن واردات البلاد من المعدن الأصفر وحده بلغت في العام المالي الماضي وحده 1.9 مليار دولار، في حين استورد المنتجون في الربعين الأول والثاني من العام المالي الحالي 1.175 مليار دولار، ليبقى الرهان قائماً على قدرة القطاع على إضفاء القيمة المضافة عبر التصاميم والأذواق المختلفة.

كم تنتج مصر؟

وتنتج البلاد من الذهب الخام سنوياً نحو 15.8 طن، يأتي غالبه من منجم "السكري"، إلى جانب منجمي "حمش" و"إيقات" في وقت تكثف خلاله جهود دفع إنتاج القطاع التعديني، باستهداف جذب استثمارات سنوية تقدر بمليار دولار بحلول نهاية العقد الحالي، مع السعي نحو رفع الإنتاج إلى 800 ألف أونصة سنوياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب وزير البترول والثروة المعدنية المصري كريم بدوي، ارتفع إنتاج مصر من الذهب والفضة 14 في المئة خلال العام المالي السابق ليسجل 640 ألف أونصة، في وقت سجل إجمال مبيعات المعدنين 1.5 مليار دولار بزيادة 57 في المئة على أساس سنوي.

ويشير بيان لـ"شعبة الذهب" إلى أن النمو المسجل في عوائد الصادرات خلال النصف الأول من العام يشمل الذهب الحلي والذهب الخام والمعادن الثمينة، بما في ذلك الفضة، ويعزو البيان تطور صادرات الذهب والمعادن النفيسة إلى انتعاش الطلب العالمي وسط تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية، والتطور اللافت في صناعة المشغولات الذهبية والحلي، بجانب جهود القائمين على الصناعة للترويج في خارج البلاد.

ماذا تستهدف القاهرة؟

وبحسب البيان، تطورت صناعة الذهب في مصر خلال الأعوام الأخيرة، فيما تقدمت البلاد على قائمة البلدان المصدرة للذهب من المركز الـ94 عالمياً في عام 2022 إلى المركز الـ54 بنهاية عام 2023، وسط مساع إلى استهداف أعلى عوائد تصديرية في تاريخ القطاع على المدى المنظور، وبلوغ قائمة الـ10 الكبار في تصدير المعدن الأصفر بحلول عام 2027.

 

بعد الإمارات، جاءت سويسرا بالمركز الثاني على قائمة الدول الأكثر استيراداً للمعادن النفيسة من مصر بـ705 ملايين دولار، وكندا ثالثاً بـ6.3 مليون دولار، وصولاً إلى تركيا في المركز الرابع بـ5.3 مليون دولار، ثم لبنان وإيطاليا والسعودية في المركز الثالث اللاحقة بحجم واردات متواضعة.

في حديثه لـ"اندبندنت عربية" يرى عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع محمد أنيس، أن استحواذ السوق الإماراتية على الغالبية العظمى من صادرات الذهب المصرية لا يعبر عن اختلال في هيكل التصدير بالاعتماد على سوق واحدة، إذ إنه مع تحول هذا البلد إلى سوق إقليمية فاعلة في تجارة وتداول المعدن خلال العقدين الأخيرين، أصبح منطقياً أن توجه إليه غالب الكميات المصدرة.

أي فرصة تنتظر مصر؟

ويضيف أنيس أنه مع استبعاد أسواق شرق آسيا البعيدة، فإن تصدير الذهب إلى الإمارات يعد البديل الأفضل حظاً في ظل ما يحظى به البلدان من قرب جغرافي يخفف من كلفة وضغوط الشحن على المنتجين، في وقت تشحن فيه سبائك ومشغولات الذهب والمعادن الثمينة جواً، لا براً ولا بحراً.

المتحدث قال إن عدداً من الأسواق الأفريقية حولت وجهتها في الأعوام الأخيرة من لندن وباريس كمركزين لبيع الذهب إلى الإمارات، خصوصاً في ظل انتشار خطوط الطيران الإماراتية وربطها مع تلك البلدان، لكنه يعود ليؤكد أن ما تنتجه مصر من الثروات المعدنية على تنوعها بصورة عامة، وخصوصاً الذهب، هو القليل للغاية، إذا ما قورن بالسودان الجار الذي ينتج رسمياً نحو 80 طن في العام الماضي، وربما ما يوازي تلك الكميات عبر التهريب، وهو ما لا يمنح مصر الفرصة لتكون من بين أكبر المنتجين على مستوى أفريقيا.

كيف تسّوق مصر الذهب؟

وراج نشاط القطاع التصنيعي للذهب في الآونة الأخيرة، إذ عرفت مصر حدثاً سنوياً في نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، هو معرض "نيبو" تستضيف فيه القاهرة عشرات الشركات العارضة والمنتجة والمستوردة للذهب، ويمثل فرصة لإنعاش مبيعات القطاع وصادراته عبر إبرام صفقات توريد وإنتاج لصالح الخارج، بجانب كونه محفلاً لاستعراض تطورات الصناعة من التصاميم الجديدة.

يقول رئيس شعبة الذهب والقائم على المعرض هاني ميلاد إن الحدث السنوي يهدف إلى جعل مصر مركزاً إقليمياً لصناعة وتجارة وتوريد المعدن النفيس، في وقت تمضي الحكومة المصرية نحو تبني إنشاء "مدينة الذهب" لتكون مركزاً صناعياً قرب العاصمة الإدارية الجديدة.

ويوضح المتحدث أن الشركات العالمية المشاركة تستهدف إبرام وعقد الصفقات التجارية مع مثيلاتها في مصر، في وقت يحرص فيه القائمون على القطاع على الترويج لتلك الصناعة ودفع صادراتها وتوسيع مساهمة النشاط في هكيل الصادرات المصرية ككل.

لماذا يحظى القطاع بأهمية كبرى؟

أما مستشار وزير التموين السابق لشؤون صناعة الذهب ناجي فرج، فيقول في تصريحات صحافية إن صناعة الذهب في مصر من بين أهم الصناعات القومية ذات الأهمية الكبرى، وتمثل قيمة مضافة اقتصادية وتسهم في جلب النقد الأجنبي للبلاد، بما تشارك به من عوائد التصدير.

ويلفت فرج إلى أن الشريحة الكبرى في هيكل قطاع تصنيع الذهب يمثلها صغار المصنعين في وقت يواجهون التحديات الاقتصادية الأكبر، داعياً إلى دعم تلك الفئات، وتعزيز دورها في قطاع تصدير الذهب والمعادن النفيسة.

وارتفع إنتاج مصر من الخامات التعدينية 39 في المئة خلال العام المالي الماضي ليصل إلى 26 مليون طن من الخامات والمنتجات التعدينية، صدرت منها القاهرة 1.4 مليون طن بقيمة 52.5 مليون دولار، في حين بلغت عوائد الثروة المعدنية في البلاد 446 مليون دولار بزيادة 131 في المئة عن العام المالي السابق، وفق بيانات وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية.

وأمام فاتورة استيرادية مكلفة من الذهب، يبقى التحدي الماثل أمام قطاع تصنيع المعادن الثمينة والحلي في مصر هو خلق قيمة مضافة عبر عمليات التصنيع وامتلاك التصميمات العصرية التي تناسب مختلف الأذواق، وهو مسار لا غنى فيه عن الاطلاع الدائم على أحدث صيحات الموضة في مجال صناعة ونقش الحلي والمشغولات الذهبية، ومن دون جعل الاعتماد الأكبر على تصدير السبائك فقط.

اقرأ المزيد