Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بي بي سي" مسؤولة عن أزماتها… ولا أحد سواها

بدءاً من غلاستونبري ومروراً ببرنامج "ماستر شيف" وانتهاء بخروج نادية حسين منها، تورطت "هيئة الإذاعة البريطانية" في سلسلة من الفضائح المتفاقمة خلال الأسابيع القليلة الماضية. فما سبب استمرارها في إلحاق الضرر بنفسها

حان الوقت لكي ترتب "بي بي سي" بيتها الداخلي وتستعيد الثقة قبل أن يفوت الأوان (غيتي)

ملخص

بي بي سي تغرق في أزمة داخلية حادة بسبب فضائح تحرّش، قرارات تحريرية مرتبكة، وإنهاء مثير للجدل لتعاونها مع نادية حسين، وسط اتهامات بسوء الإدارة والتمييز. وفي ظل تراجع الثقة الجماهيرية واقتراب نهاية الميثاق الملكي في 2027، تواجه المؤسسة لحظة مصيرية تهدد مستقبلها واستقلاليتها.

تمر هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بأزمة حقيقية في قطاع البث. فقد عاشت المؤسسة العامة في المملكة المتحدة أعواماً صعبة، بلغت ذروتها خلال الأسابيع الأخيرة بسلسلة فضائح متواصلة. وتعرضت لهجوم عنيف من اليسار واليمين السياسيين على حد سواء، مما دفع إلى دعوات تطالب باستقالة عدد من كبار مسؤوليها، بمن فيهم المدير العام. وفي كل ذلك، لا يمكن للهيئة أن تلوم أحداً سوى نفسها.

خلال أواخر يونيو (حزيران) الماضي، أثار قرار "بي بي سي" نقل حفلة فرقة الراب بانك "بوب فيلان" من مهرجان غلاستونبري مباشرة موجة استياء، بعدما قاد الثنائي هتافاً مناهضاً للجيش الإسرائيلي. ثم أعقبت ذلك استجابة مرتبكة من الشبكة، اعتذارات متسرعة وإدانات رسمية وتعديلات استعجالية في السياسات التحريرية. وخلصت مراجعة إلى أن أحد الأفلام الوثائقية عن غزة انتهك المبادئ التحريرية، بينما منع عرض فيلم آخر عن الأطباء في غزة. إلى جانب ذلك، تتفاقم الفضيحة المتعلقة ببرنامج "ماستر شيف"، والتي وصلت إلى ذروتها بإقالة مقدمي البرنامج كليهما. فقد استُغني أولاً عن غريغ والاس، بعد اتهامه بالتحرش الجسدي غير المرغوب فيه، والتعري غير اللائق، والإدلاء بتعليقات ذات طابع جنسي تجاه زملائه. ثم تبعه زميله في التقديم جون تورود بعد مزاعم باستخدامه لغة عنصرية.

وبينما تبدو إقالة والاس وتورود مبررة في ضوء الشهادات الصادمة التي خرجت من كواليس البرنامج، فإن ما يصعب فهمه هو القرار الذي اتخذته "بي بي سي" بإنهاء تعاونها مع نادية حسين الطاهية المحبوبة التي وجهت هذا الأسبوع انتقادات حادة لمؤسستها السابقة في مقابلة إذاعية. كانت حسين فازت ببرنامج "ذا غريت بريتيش بيك أوف" The Great British Bake off عام 2015 بصفتها خبازة هاوية، وألقت حينها خطاباً مؤثراً شاهده أكثر من 14.5 مليون مشاهد على شاشة "بي بي سي"، قالت فيه "لن أضع حدوداً لنفسي مجدداً. لن أقول بعد اليوم ’لا أستطيع. فأنا أستطيع وسأفعل‘". لكن خلال الشهر الماضي، وبعد عقد من التعاون الذي أثمر برامج طبخ وسفر وأفلاماً وثائقية من بينها عمل تناول اضطراب القلق الذي تعانيه، أعلنت "بي بي سي" بصورة مفاجئة عن استبعاد نادية من خريطة برامجها، في رسالة ضمنية مفادها "أنت لا تستطيعين، ولن تفعلي".

وبعد صمت طويل، أفصحت نادية أخيراً عن رأيها خلال حلقة بودكاست بعنوان "نحتاج إلى التحدث"، قالت فيها للمضيف بول سي برونسون "’بي بي سي‘ تحتفظ بك ما دمت مفيداً لها. وبمجرد أن تتوقف عن الانسجام مع القالب الذي تريده، فلن يكون لك مكان فيها". وخلال حديث مطول دام نحو ساعتين، وجهت حسين انتقادات لاذعة إلى مؤسستها السابقة، مشيرة إلى أنهم "باعوها حلماً بمستقبل تلفزيوني"، لكنها كانت "تعامل دائماً كما لو أن جائزتها يمكن أن تسحب منها في أية لحظة". وتقول "كنت أشعر دائماً بأن علي أن أكون ممتنة... لكن الامتنان لا ينبغي أن يتحول إلى قيد يكتم الصوت".

 

ربما لا ترقى تصريحات نادية إلى مستوى الفضائح الأخطر التي أحاطت ببرنامج "ماستر شيف"، لكنها مع ذلك تسلط الضوء إلى نزعة "بي بي سي" إلى التسبب في أذى لنفسها. وعرفت حسين بسلسلة من البرامج الناجحة على القناة، مثل "مغامرة نادية في الطعام البريطاني"، و"رحلة نادية الآسيوية"، و"خبز نادية اليومي"، و"المغامرة الأميركية السريعة لنادية". وأظهرت هذه البرامج كلها دفئها الإنساني الفريد وحضورها الجذاب ووصفاتها المفاجئة أحياناً (مثل لازانيا أصابع السمك). ومنذ البداية، كان اسم نادية وحده جزءاً محورياً من العلامة التجارية. كذلك، كانت هويتها المسلمة عنصراً أساساً في صورتها العامة، لا سيما في نظر "بي بي سي" نفسها. فخلال وقت أصبح فيه موضوع التنوع حاضراً بقوة في النقاش العام، وكانت الانتقادات تتصاعد ضد النمط الذكوري الأبيض المهيمن على الإدارة العليا للهيئة، برزت نادية كامرأة محجبة تفوز في برنامج يحمل اسم "أعظم بريطاني". وأحبها الجمهور، حتى إن معجبيها أطلقوا على أنفسهم وسم #Nadiyators على مواقع التواصل الاجتماعي. وليس من المستغرب أن أحد نقاد التلفزيون وصفها ذات مرة بأنها "هدية للتلفزيون، وربما للأمة".

وبطبيعة الحال، فإن الحصول على وظيفة مدى الحياة ليس أمراً مفروغاً منه في صناعة الإعلام المسموع، ولا سيما في ظل المناخ الحالي، ولا ينبغي أن يكون احتمالاً مضموناً. إن تغيير مقدمي البرامج التلفزيونية أمر جيد، إذ يسمح للمواهب الجديدة بارتقاء السلم الوظيفي. ولكن، وكما أظهرت الفضائح الأخيرة قد يتطلب الأمر بعض التجاوزات الجسيمة قبل أن توافق "بي بي سي" على فسخ علاقتها المهنية مع نجومها الذكور الأكثر ربحية. قد لا نعرف أبداً ماذا كانت تتقاضاه حسين مقابل تقديم برامج الطبخ الخاصة بها، مع أنه من المنطقي افتراض أن ما كانت تتلقاه كان قطرة في بحر مقارنة، على سبيل المثال، بالراتب السنوي البالغ 1.3 مليون جنيه استرليني (نحو 1.744 مليون دولار) الذي دفعته "بي بي سي" لغاري لينيكر، مقدم برنامج "مباراة اليوم" الذي استقال خلال مايو (أيار) الماضي في ظروف غامضة، وكان عامه الأخير شهد خلافات متلاحقة [مع الهيئة]. وبالمثل لا يقارن راتبها مع مبلغ 475 ألف جنيه استرليني (نحو 637 ألف دولار) الذي كانت تدفعه إلى مذيع الأخبار هيو إدواردز، الذي تورط في فضيحة أضرت بسمعته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك، من المرجح أن نادية حسين التي لا تزال تتمتع بشعبية كبيرة لن تغيب طويلاً عن الشاشات، ويمكن المراهنة على أنها تخوض بالفعل محادثات مع جهات بث أخرى. لكن امتعاضها من الطريقة التي عوملت بها من قبل "بي بي سي" يسلط الضوء على انطباع متزايد بوجود خلل وظيفي وسوء إدارة على أعلى مستويات المؤسسة. ومهما كانت الأسباب الحقيقية وراء إنهاء التعاون معها، فإن الطريقة التي تم بها الأمر أثارت كثيراً من التساؤلات، لا سيما بالنظر إلى دعمها العلني للقضية الفلسطينية، وهو ما تطرقت إليه أيضاً في حلقة البودكاست الأخيرة.

ما يزيد الطين بلة أن هذه السلسلة من الفضائح تتزامن مع لحظة وجودية حرجة لهيئة الإذاعة البريطانية. فقد كشف تقرير سنوي أن 300 ألف أسرة إضافية توقفت عن دفع رسوم الترخيص [رسم سنوي إلزامي تدفعه الأسر في المملكة المتحدة مقابل حق مشاهدة البث التلفزيوني المباشر، سواء عبر جهاز تلفزيون أو عبر الإنترنت، ويعد المصدر الأساس لتمويل هيئة الإذاعة البريطانية]، وهو نظام تمويل يقر معظم الناس اليوم بصعوبة تطبيقه أو فرضه. يضاف إلى ذلك الضغط المتزايد من منصات البث الأخرى ذات التمويل الأفضل، إلى جانب قرب انتهاء الميثاق التأسيسي للهيئة خلال عام 2027 [وهو الإطار القانوني الذي ينظم عمل الهيئة ويصدر عن الحكومة البريطانية باسم التاج الملكي. ويجدد عادة كل 10 أعوام، ويتضمن أهداف الهيئة ومهامها العامة ومبادئ الاستقلال التحريري والعلاقة بينها وبين الحكومة، وآلية تمويلها والتزاماتها تجاه الجمهور]، مما يجعل مستقبل المؤسسة الوطنية البريطانية أكثر غموضاً من أي وقت مضى.

منذ شهرين فحسب، ألقى المدير العام تيم ديفي خطاباً حماسياً تحدث فيه عن الثقة في بعضنا بعضاً، وفي المعلومات وفي مؤسساتنا. وقال إنها "الغراء الذي يربطنا معاً". لقد حان الوقت لكي ترتب "بي بي سي" بيتها الداخلي وتستعيد هذه الثقة قبل أن يفوت الأوان.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير