ملخص
من الأحداث اللافتة والمؤثرة في مسار بيا في رئاسة الكاميرون وعده في 1987 بعدم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض بعدما تجاوزت بلاده أزمة النفط قبلها بسنوات من دون حاجة إلى "مساعدة من الخارج".
فجَّر إعلان الرئيس الكاميروني بول بيا، وهو الأقدم في العالم، حيث قضى نحو 43 عاماً في الحكم، الترشح للفوز بولاية رئاسية ثامنة جدلاً غير مسبوق ليس في شأن حظوظه فحسب، بل أيضاً بسبب حقيقة الديمقراطية في هذا البلد الواقع في أفريقيا الوسطى وتفشي الفساد فيه.
وتولى بيا السلطة في عام 1982، وهو يبلغ الآن 92 سنة، ودفع تردده في الإعلان عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقب إجراؤها في الـ12 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إلى ترشح عدد من حلفائه السابقين.
ونظراً إلى ظهوره الإعلامي القليل، واكتفائه بنحو ثلاثة خطابات في السنة إلى شعبه، لقب بول بيا بـ"الأسد" و"اللغز"، حيث يحيط بشخصيته كثير من الغموض على رغم استمراره في الحكم لمدد طويلة.
زعزعة النسيج الاقتصادي
على رغم أنه يواجه انتقادات لاذعة في شأن طموحاته السياسية، فإن بيا يفاخر بتحقيق "استقرار نسبي" في البلاد بعد صراع مسلح دامٍ اندلع في عام 2017 بين المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية وأخرى ناطقة باللغة الفرنسية، وهو صراع قضى فيه نحو 6500 شخص، فيما نزح 600 ألف شخص.
ونجحت جماعة "بوكو حرام" المتشددة في نيجيريا في التمدد إلى الكاميرون في عام 2013، لكن بيا وحكومته نجحا في الحد من قدرات المجموعة والتقليص من الخطر الذي تمثله.
ومع ذلك يواجه الرجل انتقادات حادة، خصوصاً مع استفحال الفساد في البلاد، حيث عد الباحث السياسي الكاميروني حمادو حبيبو أن "وصول بول بيا إلى السلطة كان نقطة تحول سلبية في تاريخ البلاد، حيث ورث دولة في طور النمو الاقتصادي، وزاخرة بالأمل، وتضم شباب نشط، لكن بيا دمر مكاسب حققها سلفه أحمدو هيدجو من بنى تحتية على غرار كاميرون إيرلاينز (الخطوط الجوية الوطنية) ومنشآت أخرى كبرى".
وأردف حبيبو في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" أن "نظام بيا قام بتفكيك النسيج الاقتصادي والاجتماعي للكاميرون، التي كانت بلداً يحتذى به في السابق، لكنه الآن بات لا يفارق التصنيفات الدولية للدول الأكثر فساداً، وحتى الوضع الأمني لا يختلف كثيراً، إذ يواجه كثير من المتاعب".
وأكد المتحدث أن "العجز عن الحفاظ على السلم واضح للعيان في الكاميرون، فالأزمة في المنطقتين الشمالية الغربية والجنوبية الغربية مستمرة، إذ يواجه الشمال الأقصى انتهاكات جماعة ’بوكو حرام‘، وانعدمت الطمأنينة في البلاد بانتشار الاختطافات في منطقة أداماوا وعمليات السطو على الطرقات في الشمال، الأمن بات بالفعل مهدداً في جميع أنحاء البلاد".
أزمة صندوق النقد
من الأحداث اللافتة والمؤثرة في مسار بيا في رئاسة الكاميرون وعده في 1987 بعدم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض بعدما تجاوزت بلاده أزمة النفط قبلها بسنوات من دون حاجة إلى "مساعدة من الخارج".
وقد صفق البرلمان في الكاميرون لهذا الإعلان آنذاك، لكن البلاد دخلت في أزمة اقتصادية حادة في عام 1988 دفعت حكومة بيا إلى اللجوء بالفعل إلى صندوق النقد، واعتبر معارضوه آنذاك أن تلك الخطوة تمثل "أول إخفاق له" في سدة الحكم.
وضع أمني مقلق
وفيما تشهد الساحة السياسية حراكاً لا يهدأ في محاولة لإيجاد منافسين جادين لمواجهة بيا، فإن الوضع الأمني لا يزال معقداً هو الآخر في البلاد في ظل عدم حل أزمة الانفصال التي اندلعت قبل سنوات، وأيضاً أعمال عنف متقطعة.
وتضم الكاميرون 10 أقاليم، يشهد بعضها أعمال عنف أو هجمات من الجماعات المتشددة، وهي أحداث تقول السلطات إنها نجحت في الحد منها في إعلانات ينفيها منتقدو بول بيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الصعيد السياسي يحسب لبيا أنه فتح المجال للتعددية الحزبية في الكاميرون في نهاية الثمانينيات وذلك وسط حال من التحول الديمقراطي في أفريقيا ووسط ضغوط دولية عليه، ووعد الرجل آنذاك بـ"تعددية حزبية حقيقية"، لكن وعوده تلك سرعان ما تحولت إلى اتهامات له بخنق الحريات والعمل السياسي في البلاد.
وقاد الانقسام الذي تعرفه الكاميرون بين جماعات إثنية ولغوية مختلفة إلى دعم بقاء بيا رئيساً، إذ تسبب الصراع بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي في بروز استقطاب حاد حال دون ظهور معارضة موحدة في البلاد.
وقال الباحث السياسي الكاميروني فينسنت سوستين فودا إن "الوضع الأمني في الكاميرون مقلق للغاية، ففي أقصى الشمال شهدت هجمات جماعة ’بوكو حرام تصاعداً مثيراً للقلق، حيث تم تسجيل أكثر من 144 حادثة في أبريل (نيسان) وحده، شملت 41 حالة اختطاف و32 حالة وفاة".
وأشار فودا في تصريح خاص إلى أن "منطقتا الشمال الغربي والجنوب الغربي لا تزالان تنزفان بسبب صراع انفصالي لم يحل بعد، ويضاف إلى ذلك تفاقم حال انعدام الأمن في المدن الكبرى مثل ماروا وبوس وكونغولا، إضافة إلى موجات نزوح سكاني واسعة بسبب أعمال العنف والكوارث الطبيعية".
وشدد المتحدث على أنه "كان من الممكن أن تشكل الانتخابات الرئاسية فرصة لإعادة نسج الروابط الوطنية وتهدئة التوترات، لكن الظروف الحالية تجعل من هذا الاستحقاق خطراً محتملاً لتصعيد إضافي، نظراً إلى أن العملية الانتخابية ينظر إليها على أنها مغلقة وغامضة، ومسببة للاستقطاب والانقسام".
وحاولت "اندبندنت عربية" الحصول على تعليق من الحكومة الكاميرونية أو حزب الرئيس بيا "التجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني"، لكن لم يتسن ذلك.
لا معارضة حقيقية
ومنذ وصوله إلى دفة الحكم قام بول بيا بتغييرات سياسية مثيرة للجدل على غرار إلغاء منصب رئيس الوزراء وتعزيز صلاحياته كرئيس في خطوات بررها بمحاولة ترسيخ "الاستقرار السياسي والاجتماعي" في البلاد.
واتجهت أنظار الكاميرونيين كما الخارج الآن إلى المعارضة وما تملكه من أوراق لمنافسة بول بيا على منصب الرئاسة، خصوصاً أن تقدمه في السن وسط تقارير حول سلامته الصحية تثير مخاوف من "فراغ دستوري محتمل".
واكتسح بول بيا الاستحقاق الرئاسي في عام 2018 عندما فاز بنحو 70 في المئة من الأصوات، وهي نتائج شككت قوى المعارضة في صحتها.
وندد زعيم المعارضة ورئيس "حركة التحرير من أجل المصالحة في الكاميرون" موريس كامتو بمحاولات لمنعه من الترشح لمنافسة بيا، فيما تم منعه بالفعل من تنظيم اجتماع مع أنصاره.
وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية إبراهيم زين كونجي إنه "لا يوجد معارضة في الكاميرون، بل معارضة صورية وشكلية وخجولة، إذ تم في هذا البلد تصفية المعارضين السياسيين الحقيقيين أو استبعادهم وسجنهم أو فرارهم إلى الخارج، وهذا الأمر ينطبق على معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء مثل تشاد والكونغو الديمقراطية وغيرهما".
وأوضح كونجي أنه "على رغم أن هناك اعتراضاً كبيراً على استمرار حكم بول بيا في الكاميرون حتى من قبل الشعب نفسه، لا توجد معارضة حقيقية قادرة على وضع حد له من خلال انتخابات رئاسية أو غيرها".