ملخص
تضمنت التعديلات بنداً إضافياً يمنع "أي فلسطيني أقام في إسرائيل بصورة غير قانونية من الحصول على مكانة قانونية، لأي سبب كان، ولمدة 10 سنوات"، مع سريان فوري، وهذا الحظر وفقاً للقانون المعدل يشمل الأزواج والوالدين والأطفال وطالبي اللجوء وضحايا العنف.
بعد أكثر من سنتين، رفض خلالهما مسؤولون في جهاز الأمن الإسرائيلي تطبيق مشروع قانون "تعديل على قانون المواطنة وقانون الدخول إلى إسرائيل"، الذي صودق عليه في فبراير (شباط) عام 2023 أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ورئيس الائتلاف في الكنيست أوفير كاتس، في مايو (أيار) الماضي، أن إسرائيل ستباشر بإبعاد مئات من المواطنين العرب الفلسطينيين القاطنين داخل الخط الأخضر والقدس ممن دينوا بمخالفة "الإرهاب" وتلقي مخصصات مالية من السلطة الفلسطينية من إسرائيل إلى مناطق الضفة الغربية، إلى جانب سحب مواطنتهم أو تصريح بالإقامة الدائمة منهم.
إلا أن الأحزاب اليمينية داخل الكنيست الإسرائيلي لم تكتف بهذا القدر من العقاب، ومارست ضغوطاً هائلة خلال السنوات الأخيرة الماضية إلى أن أقر الكنيست بالقراءة النهائية وبغالبية أصوات الائتلاف وأصوات نواب كتل المعارضة، وبدعم من الحكومة التاسع من يوليو (تموز) الجاري، قانوناً يوسع تعريف "ابن عائلة" من دين "بالإرهاب"، ويمنح السلطات الإسرائيلية صلاحية "سحب المكانة القانونية بصورة جماعية ومن دون فحص فردي"، من فئات واسعة تشمل الأزواج والوالدين والأطفال، وكذلك طالبي اللجوء الفلسطينيين وضحايا العنف أو الجرائم، وغيرهم ممن يندرجون تحت "الحالات الإنسانية"، وذلك في حال الاشتباه بأن أحد أقربائهم، حتى من الدوائر البعيدة، "ضالع في نشاط أمني".
والحديث هنا يدور عن آلاف العائلات الفلسطينية التي تسعى إلى لم شملها، التي ستحرم من الحصول على مكانة قانونية أو قد تطرد من إسرائيل، من دون توجيه أية تهمة مباشرة إلى أفرادها.
وتضمنت التعديلات بنداً إضافياً يمنع "أي فلسطيني أقام في إسرائيل بصورة غير قانونية من الحصول على مكانة قانونية، لأي سبب كان، ولمدة 10 سنوات"، مع سريان فوري، وهذا الحظر وفقاً للقانون المعدل يشمل الأزواج والوالدين والأطفال وطالبي اللجوء وضحايا العنف.
قانون طوارئ
وأقر قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل والمعروف باسم "لم الشمل" للمرة الأولى كقانون طوارئ (أمر ساعة) في عام 2003، لحرمان آلاف العائلات الفلسطينية في إسرائيل، أحد الوالدين فيها من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأيضاً من لبنان وسوريا والعراق وإيران من لم الشمل، بحيث إذا كان أحد الوالدين من المنطقة الممنوعة، لا يحق له ولأبنائه، الحصول على مواطنة، أو حتى إقامة دائمة في إسرائيل، بما يشمل حرمانه من ترخيص للعمل في إسرائيل، أو حتى الحصول على رخصة سياقة.
وجرى تمديده على صورة قانون موقت منذ عام 2003، حتى مارس (آذار) من العام الحالي، لكونه يتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية، ويسند القانون من الناحية القضائية، إلى قانون المواطنة الإسرائيلية وقانون الدخول إلى إسرائيل لعام 1952 اللذين يشملان قيوداً كثيرة إلى حد المنع، على دخول الفلسطينيين والعرب.
وقد قام الكنيست عام 2008 بتعديل "البند 11" في قانون (سحب المواطنة) الذي يسمح بسحب مواطنة كل مواطن إذا ما "قام بعمل فيه شيء من خيانة الأمانة لدولة إسرائيل"، وقد يتضمن هذا التعريف وفقاً لحقوقيين أخذ جنسية أو إقامة في واحدة من الدولة العربية والإسلاميّة المعرفة كدولة عدو، وأيضاً قطاع غزة، كما يمكن التعديل من سحب الجنسية حتى من دون تجريم جنائي.
وطالب المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل "عدالة" بإلغاء القانون، لما يحمله من أهداف أيديولوجية وديموغرافية عنصرية بين اليهود والفلسطينيين، تمنع قيام حياة أسرية على خلفية الانتماء العرقي القومي.
وفي ما انتقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القانون، محذراً من خطورته على الفلسطينيين، اعتبرته منظمة العفو الدولية " شاهداً جديداً على ارتكاب إسرائيل لجرائم الفصل العنصري."
أمر احترازي
خطورة التعديلات الجديدة دفعت "جمعية حقوق المواطن" في إسرائيل، و"مركز الدفاع عن الفرد"، و"منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان"، التقدم بالتماس عاجل إلى المحكمة العليا، طالبت فيه بإصدار أمر احترازي لوقف تنفيذ التعديل الجديد على قانون المواطنة، واعتبرت أن التعديل "يقوض إجراءات لم شمل آلاف العائلات الفلسطينية ويتسبب بأذى جسيم لها"، مشددين على أن الإجراءات الجديدة تمزق عائلات فلسطينية بأكملها وتقطع أوصالها، وتشرذمها بصورة سافرة وجائرة من دون توجيه أية تهمة مباشرة إلى أفرادها الذين لم يرتكبوا أية مخالفة، ولم يشاركوا أو يعلموا أو يدعموا شيئاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك يفرض عليهم عقاب جماعي غير قانوني، يطاول أيضاً أزواجهم وأطفالهم الحاصلين على الجنسية أو الإقامة الإسرائيلية".
وأشار الالتماس إلى أن "الأشخاص الذين ستفرض عليهم العقوبة ليسوا ملزمين بأن تكون لهم أية علاقة فعلية بالشخص المنسوب إليه النشاط الأمني، ولا يشترط أن يكون هذا الأخير على دراية بوجودهم أصلاً، أو بتأثير أفعاله عليهم".
ووفقاً لبيان المنظمات فإن التعديل الجديد يفاقم "التمييز القائم أصلًا في قانون المواطنة المعمول به منذ عام 2003، الذي يمس بصورة خطرة بحق الفلسطينيين في الحياة العائلية"، مؤكدة أن "التعديل يتجاوز مبدأ أساسياً في القانون ينص على أن الإنسان يحاسب على أفعاله هو، لا على أفعال غيره"، ومحذرة في الوقت نفسه من أن "إقراره انتهاك فاضح لحقوق الأطفال والنساء وكبار السن الذين لم يقترفوا أي ذنب".
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الكنيست أن ذريعة القانون "أمنية" بحتة لعدم وصول عناصر معادية لدول إسرائيل، اتهم مركز "الدفاع عن الفرد" تل أبيب بتضليل العالم، لأن ادعاءاتها الأمنية لتبرير القانون تخفي خلفها اعتبارات ديموغرافية، ولا تتجاوز نسبة الذين نفذوا عمليات ضد إسرائيل 0.02 في المئة فقط من بين 100–140 ألفاً دخلوا إسرائيل عبر لم الشمل.
مكانة قانونية
ووفقاً لما رصده مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بيتسليم" فإن الأبعاد الكارثية للقانون تقع عندما يضطر آلاف من الأزواج إلى العيش على انفراد، وحين فصل الأولاد عن ذويهم عند بلوغهم 12 عاماً، أو سيصبحون مخالفين للقانون.
ويعيش في إسرائيل نحو 13 ألف فلسطيني متزوجين/ات من إسرائيليين/ات، مع وثائق موقتة، تجعلهم مطالبين باستمرار بتجديد إقاماتهم، وفي حال وفاة الزوج أو الزوجة ممن يحمل الجنسية الاسرائيلية، يجري ترحيلهم على الفور.
وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بإلغاء القانون الذي يمنع الإسرائيليين من الإقامة مع أزواج وزوجات فلسطينيين وفلسطينيات، وبدورها أكدت جمعية حقوق الإنسان في إسرائيل أن القانون "ينتهك بصورة سافرة الحق في الحياة العائلية، ويعزز سياسة التمييز ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، لكونهم المتضررين منه".
مكافحة الإرهاب
وفي ظل حالة الطوارئ المستمرة منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، سن الكنيست سلسلة من القوانين وعدل على أخرى بما يتلاءم مع ما سمته "خطورة خاصة"، وينص التعديل الجديد المقترح "رقم 11" لقانون "مكافحة الإرهاب"، على سبيل المثال لا الحصر، الذي من المتوقع مناقشته في الكنيست خلال أيام، على إلغاء شرط موافقة النيابة العامة قبل فتح تحقيقات جنائية في ما يعرف كـ"جرائم تعبير عن تأييد للإرهاب"، مما يمنح أفراد الشرطة صلاحيات واسعة لفتح تحقيقات بصورة مباشرة استناداً إلى تقديراتهم الذاتية، من دون رقابة وتخويل لفهم رمزية التعبيرات، أو حتى منشورات تضامن مع ضحايا الحرب على غزة، أو اقتباسات دينية.
وبحسب محامين من مركز "عدالة" فإن التعديل المقترح "غير دستوري، ويتعارض مع مبادئ القانون الجنائي، ويكرس انتقائية صارخة في تطبيق القانون"، وأضافوا في بيان "يشكل المقترح انتهاكاً جسيماً للحريات الأساسية وعلى رأسها الحق في حرية التعبير، والحق في المساواة والحق في الإجراءات القانونية المنصفة، ويكرس ممارسات سلطوية تعسفية تستخدم لقمع الأصوات المعارضة، خصوصاً من المجتمع العربي الفلسطيني".
وطالب المركز الحقوقي الذي يركز على حقوق الأقلية العربية في إسرائيل، في رسالة قانونية عاجلة للمستشارتين القانونيتين للحكومة وللكنيست، ورئيس لجنة القانون والدستور، ومفتش عام الشرطة، بضرورة بوقف مسار تشريع هذا المقترح وسحبه على الفور، لما يحمله من خطورة على ما تبقى من هامش الحريات في اسرائيل، ويقوض كلياً مبدأ سيادة القانون.