ملخص
تستقبل النباتات المعلومات البيئية وتجمعها من خلال آليات مختلفة تشمل جذورها وأوراقها وأزهارها. ويمكن أن تشمل هذه المعلومات كمية الضوء والماء والمغذيات المتاحة، إضافة إلى وجود الحيوانات المفترسة أو مسببات الأمراض.
كثر يعتقدون أن النباتات مجرد كائنات جامدة لا تمتلك ذاكرة تخولها تذكر بعض التفاصيل، لكن العلم يقول عكس ذلك تماماً، إذ إن النباتات تتمتع، ككائنات حية شديدة التكيف، بقدرة استثنائية على إدراك بيئتها المتغيرة باستمرار والاستجابة لها، وبذلك يمكنها التعلم والتكيف مع محيطها من خلال قدرة تعرف باسم ذاكرة النبات، وهي ضرورية لبقائها في عالم متغير.
وقد استكشفت دراسات علمية في الأعوام الأخيرة المعرفة المتعلقة بذاكرة النبات، وأشارت إلى أن هذه الذاكرة تنظم من خلال آليات متعددة، آمنة، ومرنة، وأحياناً زائدة على الحاجة.
تنظيم المعلومات
تستقبل النباتات المعلومات البيئية وتجمعها من خلال آليات مختلفة تشمل جذورها وأوراقها وأزهارها، ويمكن أن تشمل هذه المعلومات كمية الضوء والماء والمغذيات المتاحة، إضافة إلى وجود الحيوانات المفترسة أو مسببات الأمراض، ومن ثم تستخدم النباتات هذه المعلومات لضبط نموها وتطورها بطرق تعزز صحتها وبقاءها. على سبيل المثال، تمر النباتات خلال فصل الربيع بفترة طويلة من درجات الحرارة الباردة، مما يساعدها على تحديد الوقت المناسب لإنتاج الأزهار.
وتعد الآليات الجزيئية المعقدة الكامنة وراء ذاكرة النباتات موضوع بحث علمي مكثف. وقد كشفت البحوث الحديثة عن شبكة متعددة الطبقات من المكونات المشاركة في هذه الظاهرة، بدءاً من الإدراك الحسي، وصولاً إلى مسارات الإشارات داخل الخلايا. ومن خلال فك رموز هذه الآليات، يأمل الباحثون في اكتساب فهم شامل لكيفية تشفير النباتات لذكريات محيطها والاحتفاظ بها.
عوامل تحفيز
إلى ذلك يتفق العلماء على أن الجوانب التطورية لذاكرة النبات ترتبط بعوامل بيئية تحرك نموها، وتسهم الضغوط البيئية المختلفة، مثل تقلبات الظروف المناخية، وتوافر العناصر الغذائية، والتفاعلات مع الكائنات الحية الأخرى، في اختيار السمات المرتبطة بالذاكرة والحفاظ عليها.
ويؤدي استقلاب النبات، وهو المحرك المسؤول عن تحويل ضوء الشمس والعناصر الغذائية إلى طاقة وكتلة حيوية، دوراً أساساً في عملية تكوين الذاكرة. وقد سلطت الدراسات الحديثة الضوء على الدور المباشر للمسارات الأيضية في تكوين ذاكرة النبات واستدعائها. ومن خلال دمج التنظيم الأيضي مع الإشارات الجزيئية، يمكن للنباتات ضبط استجاباتها لإشارات بيئية محددة، وهذا ما يعزز فرص بقائها ونجاح تكاثرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وللحصول على فهم شامل للتعقيدات الكامنة في ذاكرة النبات، يسخر العلماء قوة النمذجة الرياضية، وعبر الجمع بين المعرفة البيئية والفسيولوجية والتنموية والآليات الجزيئية، توفر هذه النماذج رؤى قيمة حول آلية عمل ذاكرة النبات، وتستخدم كأدوات لكشف تعقيدات الاستجابات التكيفية والتنبؤ بسلوك النبات في ظل الظروف البيئية المتغيرة.
طريقة عمل
كالبشر، للنباتات ذاكرة أيضاً، وإن كانت تختلف في طريقة عملها، فمثلاً تستشعر عديد من النباتات البرد الطويل خلال فصل الشتاء وتتذكره لضمان إزهارها في الربيع، وتحدث هذه "الذاكرة فوق الجينية" من طريق تعديل بروتينات متخصصة تسمى "الهيستونات"، وهي مهمة لتعبئة وفهرسة الحمض النووي في الخلية.
يحدد أحد هذه التعديلات على "الهيستونات" تعديل جيني يسمىH3K27me3، وهكذا في حال الإزهار تتسبب الظروف الباردة في تراكم هذا التعديل الجيني في الجينات التي تتحكم في الإزهار. وقد أظهرت دراسات سابقة كيف ينتقل هذا التعديل الجيني بدقة من خلية إلى أخرى، بحيث تتذكر النباتات في الربيع انتهاء الشتاء، مما يسمح لها بالإزهار في الوقت المناسب. وبمجرد أن تزهر وتنتج البذور، تحتاج البذور إلى نسيان "ذاكرة" البرد هذه حتى لا تزهر مبكراً عند حلول الشتاء.
في السياق ذاته، يؤكد العلماء أن للنباتات أنواعاً مختلفة من الذاكرة، تماماً كما هي الحال لدى البشر. فلديها ذاكرة قصيرة المدى، وذاكرة مناعية، وحتى ذاكرة عابرة للأجيال. على سبيل المثال، يحتاج "مصيدة فينوس" وهو أحد النباتات آكلة الحشرات إلى أن تلامس حشرة اثنتين من شعيراتها على أوراقها حتى تنغلق، فتتذكر أن الأولى قد لمست، وهذا لا يدوم سوى 20 ثانية تقريباً، ثم تنسى، فيما تتذكر شتلات القمح أنها مرت بفصل الشتاء قبل أن تبدأ بالإزهار وإنتاج البذور، أما بعض النباتات المجهدة فتنتج ذرية أكثر مقاومة للإجهاد نفسه، وهو نوع من الذاكرة العابرة للأجيال.
وفي حين أن الذاكرة القصيرة المدى في "مصيدة فينوس" تعتمد على النشاط العصبي، فإن الذكريات الطويلة المدى تعتمد على علم الوراثة فوق الجينية، أي التغيرات في نشاط الجينات التي لا تتطلب تعديلات في شفرة الحمض النووي كما تفعل الطفرات.
التنبؤ بالأحداث
وبينما كان يعتقد سابقاً أن التعلم الترابطي تحتكره الحيوانات، إذ يعتبر الدماغ والجهاز العصبي المركزي أساسين في تكوين الذكريات، فقد أشارت بحوث عالمة البيئة الأسترالية مونيكا غاليانو إلى أن النباتات لديها القدرة على التنبؤ بالأحداث المستقبلية بناءً على ارتباطها بأحداث سابقة.
تمحورت دراسات غاغليانو حول تعليم شتلات البازلاء التنبؤ بموقع مصدر الضوء، من خلال ربطها بمروحة وضعت الشتلات في متاهة على شكل حرف Y، مع مصدر ضوء ومروحة في أعلاها.
أجري الاختبار على مدى أيام عدة، إذ استجابت النبتة لعمليات التمثيل الضوئي في غياب الضوء، ونمت إلى حيث كان الضوء موجوداً آخر مرة. وعند تشغيل المروحة غيرت النبتة مسار نموها تحسباً لوصول الضوء من مصدر جديد.