ملخص
باريس سان جيرمان الذي تحول من نادٍ يعتمد على نجومية الأفراد إلى آلة جماعية ساحقة، منح ريال مدريد ومدربه الجديد تشابي ألونسو درساً قاسياً برباعية نظيفة في قبل نهائي كأس العالم للأندية.
هل من المبكر وصف هذا الفريق بـ"باريس سان جيرمان الكلاسيكي"؟ ربما، إذ إن هذه النسخة من العملاق الباريسي لم تبدأ بالتشكل فعلياً إلا خلال الأشهر الثمانية الماضية، لكن بعد مشاهدة فرق مثل ليفربول وأرسنال وإنتر ميلان تسقط أمام تألقهم الأوروبي، بدأ هذا الأداء يصبح القاعدة الجديدة لباريس سان جيرمان، وقد أثبتوا الآن قدرتهم على إطاحة الكبار على الساحة العالمية.
وكان ريال مدريد العريق، أحد أبرز عناصر الجذب في كأس العالم للأندية للجمهور الأميركي، هو أحدث ضحاياهم.
القول إن تشابي ألونسو تلقى صدمة واقعية على مقعد تدريب ريال مدريد قد يكون مبالغاً فيه قليلاً، فالفجوة بين الفريق الذي ورثه، وذلك الكيان الكروي المتكامل الذي بناه لويس إنريكي، كانت واضحة قبل حتى أن تبدأ المباراة، لكن إن كان لاعب الوسط السابق يطمح لتحديث فريق سانتياغو برنابيو، فلا يزال أمامه طريق طويل قبل أن يتمكن "الغلاكتيكوس" من الاقتراب مما تم بناؤه في باريس.
وقال ألونسو "إنها الأيام الأولى في هذا العصر الجديد لريال مدريد، هناك هوامش للتحسن. الهزيمة مؤلمة، وعلينا الاعتراف بذلك، لكنها ستوضح لنا الجوانب التي نحتاج إلى تطويرها".
لا يعاني باريس سان جيرمان نقصاً في أي موقع بالملعب، لذلك فهو آلة كروية متكاملة بلا عيوب. لقد ضخ ناصر الخليفي المليارات في هذا الفريق، لكن الآن – من دون الاعتماد على النجوم البارزين كجزء من هويتهم – بات باريس سان جيرمان بالفعل قوة لا تقهر على مستوى العالم.
لقد توجوا بالفعل أبطالاً لأوروبا، وهو اللقب الذي كثيراً ما اعتبر الكأس المقدسة بالنسبة إليهم، وسيكون رفعهم كأس العالم للأندية بمثابة تأكيد مزدوج على جودتهم، وعلى حساب تشيلسي، يبدو أن ذلك الاحتمال يكاد يكون حتمياً.
لكن للوصول إلى النهائي، كان على باريس سان جيرمان أن يهزم القوة العظمى في عالم اللعبة – مما يمكن اعتباره أميركا كرة القدم - وعلى عكس اللامبالاة الواسعة التي أبدتها الجماهير في الجانب الآخر من الأطلسي تجاه هذه البطولة، فقد بدا هذا اللقاء وكأنه مباراة مصيرية منذ لحظاته الأولى.
داخل استاد "ميتلايف" المملوء ببحر من اللون الأبيض، كانت الأجواء مشحونة، وبدأ الفريقان المباراة بعزيمة واضحة للحفاظ على هذا التوهج.
أظهر الطرفان نية هجومية واضحة منذ البداية، إذ سجل ريال مدريد محاولته الأولى خلال 74 ثانية فقط، قبل أن يجبر تيبو كورتوا على تدخل حاسم بعد لحظات.
لقد تصدى الحارس البلجيكي لمحاولتين رائعتين، الأولى بإبعاد تسديدة فابيان رويز المتقنة، والثانية بمنع نونو مينديز من التسجيل من مسافة قريبة جداً بطريقة شبه مستحيلة، لكن لم يكن بوسعه الصمود طويلاً، على رغم أنه كان البطل في مواجهة ربع النهائي أمام بوروسيا دورتموند.
في هذا الحر الخانق، بدا ريال مدريد وكأنه في الجحيم أمام ضغط باريس سان جيرمان، وقد تباطأ راوول أسينسيو في تشتيت الكرة داخل منطقة جزائه، فخطفها منه عثمان ديمبيلي، الذي راوغ كورتوا – وتعرض للعرقلة أثناء ذلك – لكن فابيان كان في المكان المناسب ليضع الكرة بسهولة في الشباك الخالية.
وتكررت القصة نفسها بعد ثلاث دقائق فقط، حين أخطأ زميل أسينسيو في قلب الدفاع، أنطونيو روديغر، في تمرير الكرة إلى الخلف، فخانته سمعته المعروفة بعدم الاتزان، ليستغل ديمبيلي الموقف مرة أخرى وينقض على الكرة، وبحلول الوقت الذي رفع فيه المدافع الألماني رأسه من منتصف الملعب، كان ديمبيلي قد انطلق بالفعل، والنتيجة كانت محسومة سلفاً. سدد الكرة بدقة إلى الزاوية اليسرى السفلى، ليرفع نجم باريس سان جيرمان رصيده إلى 35 هدفاً هذا الموسم.
وقال ألونسو بعد المباراة "كانت هذه لحظة صعبة جداً بالنسبة إلينا بعد مرور 10 دقائق فقط. باريس سان جيرمان فريق منظم ومستقر، ونحن لا نزال في بداية الطريق، لا يعني أنك ستكون أفضل لمجرد أنك تتحلى بالشجاعة. عليك أن تعرف كيف تلعب تلك الدقائق، ولم يكن الأمر سهلاً، كنا متأخرين بهدفين ولم نستطع أن نثبت أقدامنا".
وبعد التأخر بهدفين خلال أول 10 دقائق، حاول ريال مدريد إظهار بعض علامات الحياة، خوفاً من أن يلقوا المصير القاسي نفسه الذي لقيه إنتر ميلان في نهائي ميونيخ.
وتوجهت الأنظار بطبيعة الحال نحو نجم باريس السابق كيليان مبابي، الذي يخوض حالياً معركة قضائية ضد ناديه القديم بسبب أجور غير مدفوعة، لعله يكون المنقذ. وقد انطلق داخل منطقة الجزاء متجاوزاً اثنين من زملائه السابقين، وحاول تسديد كرة مؤثرة، لكن القائد المتألق ماركينيوس تصدى له ببسالة، واحتفل بتدخله كما لو كان هدفاً. لم يكن هذا اليوم يوم مبابي.
ولم يطل الانتظار حتى وجد باريس سان جيرمان مزيداً مما يفرح به، وبتمريرات رائعة من لمسة واحدة بين أشرف حكيمي ودوي وديمبيلي نُسجت هجمة منظمة أتاحت للظهير المغربي المنطلق أن ينفرد بالجناح الأيمن، فيما كان فابيان ينتظر داخل منطقة الجزاء، وعندما وصلت إليه الكرة العرضية، لم يتعجل الإسباني، بل تحلّى بالهدوء، تاركاً فيديريكو فالفيردي، الذي كان يندفع للخلف يائساً، يتجاوز الموقف بنفسه، قبل أن يضع الكرة بلمسة ناعمة في الشباك، مؤكداً لكرة القدم من مستوى خيالي، وأن باريس سان جيرمان بات بعيداً عن المتناول، وكل ذلك قبل التوقف الأول لشرب المياه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلف مرمى دوناروما، كانت المساحة الصغيرة المخصصة لمشجعي باريس سان جيرمان المتعصبين محاطة بالكامل بالجماهير البيضاء المذهولة في مقاعدها.
لم يكن مفاجئاً أنهم الوحيدون الذين يصدرون الضجيج في تلك اللحظات. فسواء كانوا أقل عدداً أم لا، فإن هذا الفريق الباريسي لا يحتاج إلى "الرجل الـ12" لإنجاز المهمة.
أما خفيتشا كفاراتسخيليا، فكان يعاقب الجهة اليمنى لريال مدريد بأسلوبه الفوضوي المعتاد طوال المباراة، حيث فرض هيمنته على فيديريكو فالفيردي الذي وجد نفسه في غير مركزه، ليزيد من سوء حظه بمواجهته للنجم الجورجي.
وحتى ترينت ألكسندر أرنولد، الذي تابع اللقاء من المدرجات بسبب الإصابة، لم يكن ليقدم أداءً أفضل لو كان في الملعب.
لكن ديمبيلي هو من استغل الجهة اليسرى لما بدا أنه الهدف الرابع لباريس سان جيرمان بعد دقيقتين فقط من بداية الشوط الثاني، إلا أن تألقه وهدف دوي أُلغي بداعي التسلل الطفيف. المرونة غير المتوقعة لثلاثي الهجوم الذي يشكله إنريكي تزيد من صعوبة التعامل معهم، إلى جانب الجودة الفردية العالية التي يتمتع بها كل من ديمبيلي وكفاراتسخيليا ودوي.
كانت هذه لحظة تنفس موقتة لريال مدريد، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل. فقد أشارت تبديلات الشوط الثاني إلى أن ألونسو ألقى بالمنشفة، بعدما أخرج فينيسيوس جونيور وجود بيلينغهام، ودفع بالمخضرمين لوكا مودريتش (40 سنة) وداني كارباخال (33 سنة)، العائد لتوه من إصابة في الرباط الصليبي بعد 268 يوماً من العلاج، حيث مر على عودته 10 أيام فقط. وأمام نسخة باريس المتوهجة والمتحركة، بدا هذا وكأنه حكم بالإعدام على اثنين من أساطير مدريد الحقيقيين، خصوصاً أن هذه المباراة شكلت الفصل الأخير لمودريتش بالقميص الأبيض، منهياً بذلك مسيرة دامت 13 عاماً حافلة بالإنجازات. وقال ألونسو مطمئناً "سيذكر كأيقونة في عالم كرة القدم – لن يذكر بسبب مباراة اليوم."
لم يكن أمام ريال مدريد طريق للعودة. هذا الشعور كان سائداً منذ الدقيقة السادسة، قبل أن يضاعف البديل غونسالو راموس معاناة ريال في الدقائق الأخيرة، مسجلاً الهدف الرابع هذه المرة. وكما فعل زميله ديمبيلي من قبل، احتفل راموس بالهدف مكرماً ذكرى صديقه وزميله في المنتخب البرتغالي ديوغو جوتا، من خلال إعادة تمثيل احتفاله الشهير المستوحى من ألعاب "بلايستيشن". وقال راموس "كل ما أردته هو تسجيل هدف لأهديه إلى صديقي."
عند وصول النتيجة إلى (4 - 0)، رأى الحكم أنه لا داعي لوقت بدل ضائع – وكأنها لفتة رحمة.
مثال آخر يضرب بفريق عملاق من أوروبا، إذ واصل إنريكي إثبات صحة تحوله الفلسفي في باريس، ذلك التحول الذي لم يكن ليتحقق لولا رحيل مبابي إلى مدريد.
التركيز على الجماعة بدلاً من الفرد بات واضحاً وفعالاً بدرجة كبيرة، وهو نهج يبدو أن تشابي ألونسو يسعى إلى محاكاته، وهو يتأمل في فريقه "الحلم" المليء بالنجوم، الذي يبدو في طريقه لإنهاء الموسم من دون أي لقب.
وأضاف ألونسو "أستطيع القول إنهم (أفضل فريق في العالم). إنهم يلعبون كمنظومة واحدة، وسيكون من الصعب مواجهتهم. بالتأكيد هذا يشكل تحدياً لنا، ومن منظورنا الذاتي، هو تحد لتحسين أنفسنا."
أما باريس سان جيرمان فقد يكون على موعد مع رباعية تاريخية. تشيلسي شق طريقه بصعوبة إلى نهائي كأس العالم للأندية، مستفيداً جزئياً من تجنبه الجانب الأصعب من القرعة، والذي ضم أبطال أوروبا إضافة إلى ريال مدريد ودورتموند وبايرن ميونيخ. لكن إنزو ماريسكا لم يعد قادراً على الهرب من مواجهة الفريق الباريسي. وبعد مشاهدة العملاق الأخير يسقط بالضربة القاضية أمام قوة باريس، لن يكون من المبالغة القول إن "البلوز" الطموحين سيعلقون آمالهم على معجزة عند ظهر الأحد في أميركا.
© The Independent