ملخص
يهرب الغزيون من النفايات نازحين وهذا ما تريده إسرائيل… هكذا عملت تل أبيب على تحويل القمامة لوسيلة تهجير.
عندما اندلعت حرب غزة، ركز العالم على الخسائر البشرية وبعدها انتقل الاهتمام نحو الأزمة الإنسانية، لكن في الحقيقة يعيش السكان في القطاع وسط جبال من النفايات المرعبة التي تنمو يوماً بعد آخر، حتى تكدس نحو نصف مليون طن من القمامة في مدينة الحرب، وأخذت أكياس "الزبالة" تحاصر السكان وتشجعهم على الهجرة.
قبل الحرب، كان 2.3 مليون غزي ينتجون 1770 طناً من النفايات الصلبة المنزلية يومياً، وتعمل بلديات غزة على جمع هذه القمامة بواسطة 73 مركبة جمع نفايات، إذ يعمل كل عامل جمع نفايات على خدمة نحو 3343 نسمة.
منع الوصول إلى مكبات النفايات
بصعوبة شديدة كانت بلديات غزة تجمع النفايات من شوارع وأحياء القطاع، وبعد ذلك ترحلها إلى مكبين رئيسين للقمامة وهما: مكب الفخاري في خان يونس ويخدم النصف الجنوبي من القطاع، ومكب جحر الديك ويخدم الجزء الشمالي من غزة، ويقع كلا المكبين بالقرب من الحدود مع إسرائيل.
عندما اندلعت الحرب وتقدمت القوات الإسرائيلية في غزة، منعت طواقم بلديات غزة من ترحيل النفايات المتكدسة في جميع أنحاء القطاع إلى المكبين الرئيسين، ويقول المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة طارق الهباش "انهارت خدماتنا منذ اليوم الأول للعدوان". ويضيف، "ترفض إسرائيل السماح لطواقمنا بالوصول إلى المكبات الرئيسة بالقرب من الحدود معها، وبهذا فإنها ترفض ترحيل أكثر من 500 ألف طن من النفايات المتراكمة في أحياء غزة. إن خروج مكبي الفخاري وجحر الديك عن الخدمة يجعل الحياة مستحيلة في القطاع والجميع يفكر في الهجرة".
ويوضح الهباش، "تعرض مكبي النفايات للقصف من القوات الإسرائيلية، وتم تدمير جميع مرافقهما خلال الأسابيع الأولى للحرب، إذ دُمر أسطول الآليات الثقيلة الموجود في المكبين بالكامل الذي يضم الجرافات والبلدوزرات والدماكات وغرف التخزين وورش الصيانة ومستودعات قطع الغيار، ولم نتمكن من الوصول إلى المكبين منذ ذلك الحين لوقوعهما في المنطقة العسكرية العازلة".
وعلى رغم القصف المتواصل والغارات التي لا تهدأ، فإن الحياة في غزة مستمرة وهذا يعني إنتاجاً يومياً للنفايات. واضطر الغزيون إلى إلقاء القمامة في مكبات عشوائية بين خيامهم وإلى جوانب شوارعهم وحتى أمام منازلهم.
200 مكب عشوائي يلقي فيها الناس جيف الحيوانات
تراكمت القمامة كثيراً في كل أرجاء غزة، فاضطرت بلديات القطاع إلى رمي النفايات في 200 مكب عشوائي في أكثر المناطق كثافة سكانية، وعلى رغم القصف بدأت الفرق الميدانية بجمع النفايات من الشوارع ووضعها في المكبات الموقتة.
يقول أحد أهالي غزة ويدعى حسام، "في كل زاوية هناك أثر للحرب، حتى في أكوام الزبالة، النفايات تنتشر في كل مكان، وتحيط بنا جبال منها، نحن نواجه حروباً صغيرة كل يوم للتخلص من القمامة، أحاول أحياناً التنظيف بنفسي، إلا أن الناس يواصلون رمي النفايات لعدم وجود حاويات قريبة".
ينظر حسام إلى أكوام النفايات ويضيف "أغلبها معلبات معدنية والأخطر أن هناك مخلفات طبية في أكوام النفايات، كما تشمل قنابل لم تنفجر، وما يزيد الطين بلة هو رمي جيف الحيوانات قرب تلك المكبات لصعوبة نقلها لمدافن بعيدة".
وأصيبت زوجة حسام بمرض خطر مما استدعى دخولها المستشفى بسبب آلام في المعدة ونزيف خارجي، وأرجع الأطباء مرضها إلى التلوث والنفايات المحيطة بها، بينما أوضح الرجل أن الأمراض انتشرت وخرجت الديدان والقوارض والحشرات والأفاعي من أكوام القمامة.
وبات المرضى يزورون مستشفيات غزة يومياً ويقدر الأطباء أن أغلب أوجاعهم هي نتاج البيئة الملوثة، بينما تدخلت الأمم المتحدة بسرعة ودعمت بلديات القطاع لنقل النفايات إلى مكب موقت لتجنب انتشار الأمراض.
عصارة النفايات
يقول متحدث باسم بلدية غزة، عاصم النبيه، "في خان يونس جنوباً هناك 250 ألف طن من النفايات ومثلها في مدينة غزة شمالاً، لقد دمر الجيش الإسرائيلي آليات نقل القمامة وعلى رغم ذلك شرعنا بواسطة المعدات القليلة المتبقية بترحيل هذه النفايات إلى مكب موقت لكنه لا يحل الأزمة". ويضيف، "أثناء عملنا وجدنا أن عصارة النفايات السامة بدأت تتسرب إلى الخزان الجوفي وتختلط بالمياه، وعلى رغم ذلك رحّلنا القمامة من المكبات العشوائية ولكن هذا أدى إلى ارتفاع كميات النفايات بصورة كبيرة في المكب الموقت المستحدث".
ونتيجة الحصار الطويل على غزة والمستمر منذ 130 يوماً، نفد الوقود من آليات جمع النفايات الصلبة، فاضطرت بلديات القطاع إلى الاعتماد على عربات الكارو التي تجرها الحيوانات لجمع النفايات لكن إسرائيل شنت قصفاً عنيفاً على هذه الوسيلة أيضاً.
ويبيّن النبيه، "لم تتوقف انتهاكات إسرائيل في حق قطاع النفايات الصلبة والفرق البشرية والآليات والمعدات الخاصة، انهارت قدرة البلديات على التعامل مع الأوضاع البيئية الكارثية التي يواجهها السكان حيث دمر القصف نحو 12 مركبة لنقل النفايات، إضافة إلى تدمير 385 عربة كارو، ونحو 2340 حاوية نفايات مختلفة الأحجام، وجهاز ميكرويف واحد للنفايات الطبية، و14 مستودعاً وورشة صيانة، وثمانية مرافق للنفايات الصلبة والطبية، إضافة إلى 23 سيارة نقل إدارية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسيلة ضغط للنزوح
هذه الظروف أجبرت بلديات القطاع على التوقف عن جمع النفايات أو ترحيلها، فعادت القمامة وانتشرت في الشوارع والمكبات الموقتة من جديد، وبات أهالي قطاع غزة يعيشون بين أكوام النفايات.
تقول أسمهان "عندما انتشرت القمامة في شمال القطاع ولم أجد مكاناً إلا وفيه أكياس زبالة، قررت النزوح نحو الجنوب، هناك الحال ليست أفضل، لكن في الأقل تهرب من شوارع مدمرة وقمامة متعفنة منتشرة في كل زاوية". وتضيف "في مخيمات النزوح، أصيب الأطفال بالجدري والجرب، وعدوى الأمراض تنتشر بسرعة، حتى كبار السن لم يسلموا من الأمراض الجلدية والتنفسية، الذباب منتشر بكثافة، ولا يمكننا حتى حفظ الطعام داخل الخيام، كل ذلك بسبب القمامة".
وتوضح أسمهان أن إسرائيل تتعمد من وراء ذلك تعريض الفلسطينيين بصورة واضحة لظروف معيشية وبيئية قاتلة وموبوءة بالأخطار الصحية، لدفعهم إلى النزوح نحو جنوب غزة، وبعد ذلك تهجيرهم من القطاع، مشيرة إلى أن تل أبيب تهدف لاستئصال وجود الغزيين من أراضيهم بعد تحويلها إلى مكان مدمر وغير قابل للعيش.
عندما بدأ سكان غزة بالهجرة من مناطقهم نحو الجنوب نتيجة تراكم النفايات، أخذت بلدية غزة تحرق أكوام النفايات الصلبة التي تضم مواد بلاستيكية عضوية وكيماوية بترولية في المكبات العشوائية المنتشرة، لكن ذلك زاد من التلوث ولم يشجع الناس على البقاء بل استمر الزحف والنزوح هرباً من القمامة.
إسرائيل تفكر في حل المشكلة
وتقول المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن، إن "مسألة إدارة النفايات الصلبة في غزة أصبحت حاجة ملحة، وتتطلب دعماً وحلولاً فورية، الضرر البيئي الكبير والمتزايد في غزة يهدد بحبس شعبها في فترة تعافٍ مؤلمة وطويلة". وتضيف، "تطلق النفايات في غزة غازات ضارة كالميثان وثاني أكسيد الكربون الذي يلوث الهواء ويسبب روائح كريهة، لقد رأينا بركاً من الرواسب ذات اللونين الرمادي والبني، ويعيش حولها الناس لأنه ليس لديهم خيار، ورأينا أكواماً كبيرة من القمامة. الناس تعيش حرفياً وسط النفايات".
بعد ضغط من الأمم المتحدة تخطط إسرائيل لحل أزمة النفايات، ويقول منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق التابعة غسان عليان، "نبحث عن حلول عدة لمشكلة التخلص من النفايات في قطاع غزة".