Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتحول الإسكندرية إلى "فينيسيا" أخرى جنوب المتوسط؟

متخصصون يحذرون من سيناريو الغرق ويؤكدون: العواصف الثلجية الأخيرة يمكنها ملء 6 ملاعب كرة

إزالة الأنقاض من أكواخ الواجهة البحرية المتضررة بعد أن ضربت رياح عنيفة مدينة الإسكندرية أخيراً (أ ف ب)

ملخص

لم تعد الإسكندرية تواجه فقط تقلبات مناخية مفاجئة بل تواجه خطراً متصاعداً على مدار أعوام، تنذر به دراسات حديثة حذرت من احتمالية غرق أجزاء واسعة منها، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل الشواطئ وتسرب المياه المالحة إلى أساسات المباني.

رعد وبرق ورياح تجاوزت سرعتها 50 كيلومتراً في الساعة، إلى جانب أمطار غزيرة وتساقط ثلوج، ظاهرة نادرة الحدوث بمدينة الإسكندرية المصرية، اعتبرها متخصصون دوليون "جرس إنذار" لأخطار حقيقية تهدد مستقبل المدينة العريقة.

لم تعد الإسكندرية تواجه فقط تقلبات مناخية مفاجئة، وفق متخصصين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، بل تواجه خطراً متصاعداً على مدار أعوام، تنذر به دراسات حديثة حذرت من احتمالية غرق أجزاء واسعة منها، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل الشواطئ وتسرب المياه المالحة إلى أساسات المباني.

وأثارت العاصفة الثلجية التي فاجأت مدينة الإسكندرية جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وسط انتقادات موجهة إلى هيئة الأرصاد بسبب تعاملها "الروتيني" مع الظاهرة، وفق آراء متخصصين.

وبينما أكدت عضو الهيئة منار غانم أن التحذيرات أُرسلت مسبقاً إلى الجهات المعنية، اعتبر الرئيس الأسبق للهيئة أحمد عبدالعال، أن التحذير لم يكن كافياً، مشيراً إلى أن ما صدر كان مجرد نشرة اعتيادية، وكان ينبغي إصدار بيان قوي، محذراً من أن بعض مناطق الإسكندرية مهددة بالغرق في حال عدم اتخاذ إجراءات حاسمة من قبل الدولة.

غرق محتمل

يبدي أستاذ علوم البحار الفيزيائية والتغيرات المناخية كريم طنبل، مخاوفه من السيناريو الكارثي الذي قد تواجهه مدينة الإسكندرية في العقود المقبلة، قائلاً لـ"اندبندنت عربية"، "تتزايد المخاوف من غرق الإسكندرية كونها تقع تحت مستوى سطح البحر، ولا يحميها سوى الكثبان الرملية، وهي نفسها التي تؤمن الساحل المصري بأكمله على البحر المتوسط. هذه الكثبان أعلى من مستوى البحر، لكنها مهددة بالتآكل نتيجة التغيرات المناخية، وإذا تآكلت فستغرق المدينة فوراً".

 

ويحذر طنبل من أن "السيناريو الأسوأ" يضع احتمال غرق الإسكندرية في الفترة ما بين عامي 2050 و2100، في حال عدم اتخاذ خطوات فعالة لخفض الانبعاثات الكربونية. ويضيف أستاذ علوم البحار الفيزيائية، الذي يشغل أيضاً منصب عميد البحث العلمي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، أن محطة الأرصاد الجوية التابعة للأكاديمية رصدت خلال العواصف الثلجية الأخيرة كميات من الأمطار تكفي لملء ستة ملاعب كرة قدم بارتفاع مائي يبلغ ثلاثة سنتيمترات لكل ملعب.

"المشكلة لم تعد فقط في ضعف البنية التحتية، بل في التغيرات المناخية الحادة التي تشهدها المدينة، خصوصاً أن الحدث المناخي المتطرف الأخير كشف عن عجز شبكات الصرف عن استيعاب كميات الأمطار الهائلة، وهذه ظواهر لن تبقى استثنائية، بل ستتحول تدريجاً إلى واقع مناخي جديد، مما يستدعي مواجهته عبر الاستثمار في البنية التحتية وتطوير أنظمة الإنذار المبكر".

وحذر طنبل من أن الإسكندرية مهددة بالغرق إذا ارتفع منسوب سطح البحر بمقدار 50 سنتيمتراً، والانبعاثات المتسارعة ستؤدي إلى مزيد من الظواهر المناخية الحادة، بينما الدراسات والتقديرات العلمية المتعلقة بغرق المدينة تضع احتمالات وقوع هذا السيناريو في الفترة ما بين عامي 2050 و2100، وفقاً لاعتبارات تعتمد على مدى قدرة العالم على الحد من الانبعاثات.

وفي مقابل التحذيرات العلمية المتزايدة، تتصاعد الانتقادات للخطاب الحكومي الذي يُتهم بـ"التهوين الدائم" من الظواهر المناخية العنيفة التي باتت تضرب بانتظام المدن المطلة على البحر المتوسط، وعلى رأسها الإسكندرية. ويربط متخصصون بين تكرار العواصف في شرق المتوسط وارتفاع درجات حرارة المياه، مما يؤدي إلى اشتداد الظواهر المتطرفة وتوسع نطاق تأثيرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تزامناً مع الضجة التي أثيرت على مواقع التواصل في مصر، أقرت وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد، بوجود سيناريوهين محتملين لمستقبل المدينة، "أحدهما متشائم يتوقع غرقاً كاملاً للإسكندرية ومنطقة الدلتا، والآخر أكثر تفاؤلاً يرجّح وقوع أضرار جسيمة فقط، ونحن نتعامل مع كلا السيناريوهين بجدية"، بحسب ما صرحت به في مقابلة متلفزة.

وأشارت فؤاد في مداخلة تلفزيونية إلى أن منظومة التعامل مع الظواهر المناخية القاسية "تعتمد على الإنذار المبكر"، لكنها أقرت في المقابل بأن هذه المنظومة "لا تزال بحاجة إلى مزيد من التمويل، وتكنولوجيا أكثر تقدماً، وموارد بشرية مدرّبة".

وحذرت دراسة حديثة صادرة عن الجامعة التقنية الألمانية في مارس (آذار) الماضي من الخطر المتزايد الذي يهدد الإسكندرية بفعل التغيرات المناخية، مرجحة أن استمرار هذه الظواهر قد يفضي إلى غرق المدينة التاريخية المطلة على البحر المتوسط. وأبرزت الدراسة ارتفاعاً لافتاً في وتيرة انهيار المباني، إذ قفز العدد من حالة واحدة سنوياً إلى 40 حالة، في ظل تغلغل المياه المالحة إلى أعماق الأساسات، مما يهدد استقرار البنية العمراني، فخلال العقدين الماضيين شهدت الإسكندرية انهيار أكثر من 280 مبنى، بمعدل يفوق عشر مرات ما كانت عليه الحال في العقود السابقة.

سيناريو أتلانتس

يتفق أستاذ الطبيعة البحرية بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد أحمد رضوان، مع المخاوف المطروحة في شأن مستقبل الإسكندرية، ويقول لـ"اندبندنت عربية" إن خطر غرق المدينة قائم، وتنبع أسبابه من احتمالات عدة، منها ارتفاع مستوى سطح البحر إلى معدلات قياسية، مما قد يؤدي إلى أن تصبح بيوت المدينة تحت الماء وتختفي كما اختفت قارة أتلانتس، أو أن تواجه تسونامي يضرب السكان ويقضي عليهم، كذلك لا يستبعد رضوان أن تتعرض الإسكندرية لأعاصير أو زلازل تدمر منشآتها وتدفع سكانها إلى هجرها فتتحول إلى "خرابة".

وحول سبل التخفيف والتكيف والمرونة، يقول أستاذ الطبيعة البحرية إنه لا مناص من تعاون الإدارات المسؤولة مع العلماء المتخصصين لمواجهة أية أخطار محتملة، إذ تتنوع التهديدات ما بين ارتفاع منسوب البحر والعواصف العنيفة والزلازل، وكلها أخطار قد تشهدها المدينة.

 

ويلفت إلى أنه لا خلاف على تسجيل ارتفاع فعلي في مستوى سطح البحر، لكن "السيناريو الأسوأ لن يتحقق سريعاً. في الثمانينيات كنا نعتقد أن الإسكندرية ستغرق بحلول عام 2000، ثم تغيرت التقديرات لتتوقع حدوث ذلك عام 2100".

ويعود أستاذ العلوم البحرية ويشدد على أن العاصفة الثلجية الأخيرة كانت حالاً جوية حرجة وغير مسبوقة، إذ لم نشهد مثلها في فصل الشتاء، ومن الضروري الاستعداد لها عبر وضع سيناريوهات واضحة، وتكثيف التوعية، وتثقيف السكان حول كيفية التصرف في حالات الطوارئ مثل التعرض لتسونامي.

ويلفت رضوان أيضاً إلى أن مخاوف تأثير العواصف الشديدة في المباني مبررة، مما يستدعي مراعاة الاعتبارات الهندسية في التخطيط العمراني لتفادي الكوارث. وختم حديثه قائلاً "الإسكندرية يجب أن تكون مستعدة دائماً، والغرق يتزايد في مناطق مثل أبو قير والمكس بسبب انخفاض مستواها مقارنة ببقية المدينة".

ولا يختلف أستاذ نظم علوم الأرض والاستشعار عن بعد في جامعة "تشابمان" الأميركية هشام العسكري كثيراً عن الآراء السابقة، إذ يقول لـ"اندبندنت عربية"  إن "تكرار هذه العواصف الثلجية مؤكد، وهذه النتائج معتمدة على استخدامنا الأقمار الاصطناعية والنماذج الرياضية لدراسة ما يمكن أن يحدث في المستقبل، وتحليل الحركات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية التي تتحكم في كوكب الأرض".

ويتابع "وفقاً لدراساتنا التي تتابع التغيرات الحاصلة في حوض البحر المتوسط، فإن تكرار العواصف الثلجية بات أمراً مؤكداً، وما يجري الآن من تطرف مناخي هو نتيجة مباشرة لتلك التحولات"، معتبراً أن استمرار الاحترار العالمي وارتفاع درجة حرارة الكوكب بشكل مطرد سيجعل الظواهر المناخية العنيفة تحدث بوتيرة أقرب وبشدة أكبر، ليس في الإسكندرية فقط، بل على امتداد حوض البحر المتوسط بكامله.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة