ملخص
لا نرى المدينة بأبعادها السياسية والاجتماعية، ما نعرفه من خلال العمل أن ثمة احتجاجات وتظاهرات ضد الحكومة لأسباب حياتية، لكن من دون أن تكون ركيزة أساسية في العمل، تظهر في البداية وتختفي، وتعود لاحقاً في النهاية.
قليلة هي الأعمال السينمائية التي تصل إلينا من الجزائر، مقارنة ببقية الدول، لكن هذا القليل الذي يصل، له صوت مختلف وفريد. وكثيراً ما كان هذا الصوت مرتبطاً بالواقعية الاجتماعية والتاريخية، وقريباً من تفاصيل الحياة اليومية.
ويظهر بوضوح في الأعمال التي وصلت إلينا التعدد الثقافي واللغوي للمجتمع الجزائري، إذ تمزج هذه الأعمال بين العربية والفرنسية والأمازيغية.
في فيلم "196 متر" للمخرج شكيب طالب بن دياب، الذي عرض في مهرجان عمان السينمائي الدولي - أول فيلم، لا يشذ العمل عن الخيط الذي نسجته السينما الجزائرية.
قصة حقيقية أراد المخرج عرض تفاصيلها، مع بعض التدخلات منه.
القصة
في قلب الجزائر العاصمة، يثير اختطاف فتاة موجة من الصدمة، مشعلاً توترات متصاعدة ويزرع شكوكاً عميقة في أرجاء المدينة. تتحد الطبيبة النفسية دينا عصام ومفتش الشرطة سامي في مسعى مشترك إلى الكشف عن اللغز، غارقين في أعماق ماضي المدينة المظلم.
وبينما يغوصان في ظلال تاريخ الجزائر المضطرب، يواجهان تداعيات عصر مليء بالصراعات، باحثين عن الحقيقة وسط شبكة معقدة من الأسرار والصدمات. الفيلم بطولة هشام مصباح ومريم مجكان وشهرزاد كراشني وعلي ناموس ونبيل عسلي.
صورت المشاهد الأولى لهذا العمل بالجزائر الوسطى، والمشهد الأول عبارة عن جمع من الناس عند مدخل عمارة بوجود شرطي يمنعهم من الدخول، قبل أن يسمح للطبيبة النفسية بالعبور.
يبدو واضحاً أن العمل الذي رشحته الجزائر لجائزة أوسكار أفضل فيلم دولي، غاص في الأبعاد النفسية للشخصيات، فشاهدنا انفعالات لافتة وأداء عالياً من الممثلين، في حين حصر المخرج نفسه في كادر ضيق.
الالتزام بالفكرة
لا نرى المدينة بأبعادها السياسية والاجتماعية، ما نعرفه من خلال العمل، أن ثمة احتجاجات وتظاهرات ضد الحكومة لأسباب حياتية، لكن من دون أن تكون ركيزة أساسية في العمل، تظهر في البداية وتختفي، وتعود لاحقاً في النهاية.
لا يريد المخرج، أن يدخل إذاً في زواريب السياسة، بل يريد الالتزام بالسياق الدرامي البوليسي، والبحث عن خاطف الفتاة، مع بعض التلميحات إلى ما يحصل في المدينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تركيزه على الشخصيات جعله يهمل الإطار العام، ومن خلال المشاهد التي يظهر فيها ضابط الشرطة، وهو على سطح بناية وينظر إلى المدينة، نلاحظ الاختلاف البصري في الفيلم.
"يمشي" العمل بإيقاع ثابت من بدايته حتى نهايته، لا مبالغة في الأداء ولا في الأحداث، ويظهر هنا تأثر شكيب طالب بن دياب بإيقاعات السينما الأوروبية.
لا يبدو تأثر المخرج بسينما هوليوود والإبصار البصري التي تلعب عليه، مشاهد المطاردة في العمل بسيطة وواقعية، حتى داخل قسم الشرطة لا نرى تلك البهرجة التي نشهدها في أفلام أميركية.
ثمة صراعات نفسية في العمل، وكل شخصية لها تاريخ وأزمات. اختطاف فتاة صغيرة، أيقظ كل العقد التي كانت نائمة. تتحرك كاميرا المخرج، ضمن إطار معين، كأنه يقول لنا دعونا لا نخرج إلى المساحات العامة، ولا الشوارع المكتضة، كأنه يقول "أريد عملي ألا يخرج من حدود الحي، أريده خاصاً ومميزاً".
الأوسكار
وشكيب طالب بن دياب، مخرج جزائري يعيش بين بلاده وباريس. له عدد من الأفلام القصيرة، التي نال بعضها جوائز في مهرجانات مرموقة، كما أنه شارك في كتابة سيناريو المسلسل التلفزيوني البريطاني "Go Dark".
ونال الفيلم جائزة أفضل فيلم روائي، بمهرجان فليكرز رود آيلاند السينمائي الدولي بالولايات المتحدة.
يعتبر العمل التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج (1982)، ويقول عن ذلك "عملت على إخراج أفضل شكل ممكن للفيلم، سواء في المونتاج والموسيقى والتلوين أم اختيار الممثلين. وهذا ليصبح فيلماً عالمي الجودة، أو في الأقل يحقق الحد الأدنى من العالمية. لذلك كان يتوقع أن يستقبل الجمهور العادي الفيلم بهذا الشكل، لم نكن نطمح إلى وجود فيلم جماهيري فقط، بل إلى فيلم يحمل قضية وقصة جيدة ومقبولة من الجمهور العادي، مصنوعة بصورة محترفة، ولا يمكن رفضها".
وكانت الجزائر رشحت الفيلم للمنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم دولي، في الدورة الـ97 لجوائز الأكاديمية الأميركية لفنون وعلوم السينما (أوسكار).
وأوضح المركز الجزائري لتطوير السينما أن الفيلم إنتاج جزائري - كندي مشترك، وهو العمل الروائي الطويل الأول للمخرج الذي سبق وقدم عدداً من الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة.
وأضاف أن الاختيار جاء من خلال لجنة متخصصة برئاسة المخرج والسيناريست الجزائري بلقاسم حجاج، مشيراً إلى أن العمل حصل في الأشهر القليلة الماضية على جوائز دولية ونال إشادات واسعة.
وتابع "نأمل أن يحقق الفيلم إنجازات جديدة تسهم في تعزيز الهوية الثقافية الجزائرية، وفتح آفاق أكبر للسينما المحلية في المحافل العالمية".