Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حياة طبيعية من تل أبيب: مؤثرون لبنانيون يعيدون رواية التطبيع بلهجة مألوفة

في أعقاب انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000 غادر آلاف القرى الأمامية بسبب تعاملهم معه

تحمل الشابة مريم يونس من داخل تل أبيب في شخصيتها بعض سمات وطنها الأم لبنان (مواقع التواصل) 

ملخص

بخطاب جذاب ولهجة عربية عامية محببة، ظهرت مجموعة من المؤثرين اللبنانيين على مواقع التواصل لتلميع صورة إسرائيل والدعوة إلى التطبيع وتوقيع اتفاق السلام.

"نعيش حياة طبيعية"، رسالة يحاول توصيلها مؤثرون ذوو أصول لبنانية من داخل تل أبيب. ينتمي هؤلاء إلى عائلات "جيش لبنان الجنوبي"، الذين غادروا الأراضي اللبنانية في عام 2000، عقب خروج الجيش الإسرائيلي بعد سنين من التعاون بين الطرفين. بعد مرور 25 عاماً، عاد هؤلاء للفضاء اللبناني الافتراضي، إذ تطل شابات يافعات عبر منصات التواصل الاجتماعي، يتحدثن عن يومياتهن، عن تفاصيل عملهن، وحياتهن ضمن المجتمع اللبناني الذي حمل معه عاداته وتقاليده إلى بلاد أخرى. يروجون لسردية "البيئة الدامجة" غير التمييزية، في مواجهة الآخر الذي يقطن وراء الحدود ويعمل "لتقوية الإرهاب".

حسابات "الحياة المستمرة"

تتخذ تلك الحسابات من "التطبيع" و"السلام بين لبنان وإسرائيل" دعوة لها، أحد تلك الحسابات هو حساب مريم يونس التي يتصدر صفحتها إعلان "اختيارها ضمن قائمة الـ30، لأقوى المؤثرين الإسرائيليين دون سن الـ30 من فوربس". الشابة اليافعة، تقدم محتوى شبابياً وتفاعلياً، تصطحب متابعيها إلى روتين حياتها، من العمل إلى اللقاء بالأصدقاء الذين تجمعها فيهم "الجذور اللبنانية"، وتتصدر منتجاتها الإعلامية كافة عبارة "لبنانية مسيحية تسكن إسرائيل".

تحمل الشابة في شخصيتها بعض سمات وطنها الأم، تعد اللحم بعجين والتبولة وورق العنب، والأكلات الشعبية اللبنانية مثل "كعك عين إبل"، نسبة لإحدى القرى الحدودية الجنوبية والمعمول بالجوز والتمر، وتنظيم الأعراس بنكهة الزفة والطبل والزمر، وتزور كنيسة مار شربل في عسفيا، ورحلة "السليق" (أي تجميع الأعشاب الطبيعية البرية الصالحة للأكل)، والسفر لتذوق نوع شهير من البوظة اللبنانية، فهي تحاول أن تؤكد ارتباطها بالهوية اللبنانية والتفاصيل العالقة في ذاكرتها أو التي انتقلت من جيل آبائها، ولكن لا تخلو فيديوهاتها من تمرير الرسائل السياسية الصريحة، على غرار انتقاد "التطرف الإسلامي"، و"عن أسباب كره الجميع للجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب تدخلها"، و"الفرصة لبناء شرق أوسط جديد".
كما تؤرخ لانسحاب "جيش لبنان الجنوبي"، ومغادرة 6 آلاف شخص بلداتهم، وعبورهم حدود لبنان الجنوبية نحو الطرف الآخر. وتقول في أحد المنشورات (البوستات) إنه "في الـ25 من مايو / أيار 2000، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، معلنة نهاية حقبة، لكن بالنسبة إلى آلاف العائلات المرتبطة بـ’جيش لبنان الجنوبي‘، لم يكن ذلك مجرد حدث سياسي بل كان اليوم الذي تغير فيه كل شيء"، متحدثة عن "الاندماج داخل المجتمع الإسرائيلي وتأسيس حياة جديدة"، و"اليوم هم جسر بين الشعبين ويعملون لتحقيق السلام"، بحسب كلام يونس.

مضمون مدروس بدقة

يحاول المؤثرون الظهور بعفوية وتأكيد أنهم غير منتمين إلى الموساد، ويبشرون بقرب التطبيع، ومرحلة السلام بين "شعوب متشابهة، و"مواجهة خطر مشترك يتمثل بالتطرف"، و"تكريس الحياة لتغيير الواقع، والأمل لتحقيق السلام بين لبنان وإسرائيل"، و"الحب بين اللبنانيين والإسرائيليين". للوهلة الأولى، تبدو الرسائل وكأنها منفصلة عن واقع الصراع المستمر بين الطرفين، الذي يرتقي إلى مستوى الصراع الوجودي. ولكن في المقابل، لا يمكن التقليل من تأثير تلك الرسائل في وعي جيل بأكمله، وفئات كبيرة ممن ضعفت قدرتهم على احتمال مزيد من الحروب. إضافة إلى التأثير الكبير لتكرار رسالة معينة في قوالب جذابة، فهي إن لم تكن مقنعة فإنها تضع فكرة في دائرة البحث والنقاش.
تعتقد مهى زراقط، أستاذة الإعلام في الجامعة اللبنانية، أن ترويج أفكار حول التطبيع وتوقيع اتفاق السلام عبر حسابات مؤثرين لبنانيين يافعين "ليس عفوياً، بل هو جزء من الدعاية السياسية الإسرائيلية، التي تمارسها عبر أكثر من وسيلة"، وتلفت إلى أن "لجوء إسرائيل إلى الشخصيات اللبنانية، يهدف إلى تحقيق أكثر من هدف، ويأتي في مقدمها تعزيز صدقية خطابها من خلال القول إن من تحاول إقناعهم بجمال الحياة هناك ليس إسرائيلياً يهودياً يفترض ألا نصدقه نتيجة تاريخ الحروب الاسرائيليلة على لبنان، بل هو شخص لبناني، عربي ومسيحي"، وبالتالي فإن "هذه الشخصيات تمنح الرسالة شرعية معينة لأن المتلقي يرى شخصاً يشبهه، ويتحدث بلهجته".
تقرأ زراقط في فلسفة وخلفية تلك الصفحات والحسابات، فهي "تتوجه إلى عامة الشعب، وليس إلى الحكومات التي تخطط لعقد اتفاقات معها، وهي قد لا تحقق بالضرورة التطبيع المأمول لأن اتفاقات السلام مع مصر والأردن مثلاً لم تنجح في تحقيق علاقة بين الشعوب. لذا يعد الاعتماد على شبان لبنانيين مؤثرين مقبولاً أكثر في الشارع اللبناني"، مشددة على أنه "من خلال اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي، تحاول الوصول بصورة أسرع إلى جمهور مختلف من خلال محتوى حيوي وجذاب. بهذه الطريقة، يفتح نقاش في الفضاء العام عن الموضوع وجعله مثار أخذ ورد، لا سيما في أوساط الشباب الذين لا يعرفون كثيراً عن تاريخ هذا الصراع، كما لا يعرفون سبب وجود أشخاص لبنانيين هناك".

استراتيجية تحويل الانتباه

تركز صفحات اللبنانيين المقيمين في إسرائيل على جانب الحياة الجذابة والطبيعية، التي ترنو إلى السلام، في مقابل طرف آخر يهدد الاستقرار والأمان، ومن ثم تغييب نقاط الخلاف الجوهرية التي شهدت احتلال أراض وتهجير وشن حروب مدمرة، لذلك ترى مهى زراقط أنه "عندما تتوجه شابة لبنانية، بلهجة يحبها الشارع العربي، للحديث عن إسرائيل وأحلام السلام والحفاظ على العادات، ترتفع احتمالات التأثيدر، في ظل غياب سرديات أخرى توضح حقيقة الصراع، وهوية هؤلاء اللبنانيين الذين تعاملوا مع الجيش الإسرائيلي طوال فترة احتلاله للبنان. كما أن حصول انقسام في الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن تسهم فيه شخصيات وهمية أو بوتات (Bots)، قد يضعف الإجماع العربي ضد التطبيع. وقد ينتقل النقاش من أصل الصراع العربي - الاسرائيلي حول حقوق الشعب الفلسطيني إلى محاور أخرى، مثلاً عمن يرفض اليد الممدودة للسلام والعيش في شرق أوسط جديد ’خال من الإرهاب‘"، على حد تعبير زراقط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نقاط الضعف في الدعاية الإسرائيلية

هذه ليست المرة الأولى التي تخترق فيها إسرائيل الوعي اللبناني والعربي بصورة عامة، إذ يوثق فيلم "راديو بروباغندا" كيف اخترقت إذاعة "صوت إسرائيل" العالم العربي، وتحولت خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الـ20 إلى مصدر معلومات أساسي لسكان بغداد والقاهرة، من خلال الاستعانة بمذيعين يتحدثون باللهجة الشعبية لتلك الدول، ويقدمون صوراً تعكس تفاصيل حياة المواطنين، وبث أغاني أم كلثوم. ويتضمن شهادات تثبت أنه "كان ممكناً سماع ’صوت إسرائيل‘ يصدح في شوارع العواصم العربية خلال التجوال فيها، بفضل مذيعين ينتمي بعضهم إلى اليهود العرب". تلك الجهود التي دامت لسنوات تمكنت من اختراق الجدران العربية، إلا أنها لم تقض على الحالة الصراعية.
وفي هذا السياق تعقب مهى زراقط بأن "براعة الاسرائيليين في الدعاية السياسة، قد لا تأتي بالضرورة بنتائج إيجابية لسبب أساس هو ضعف الصدقية. فمن جهة، القضية الفلسطينية محقة إلى درجة يصعب على أية دعاية اختراقها، كما أن ممارسات القوات الإسرائيلية على الأرض طوال العقود الماضية وصولاً إلى حرب الإبادة التي تشن حالياً على غزة، تجعل من الصعب على أي متلق تصديق هذا النوع من الخطاب. بالعكس يمكن القول إن إسرائيل باتت مضطرة اليوم إلى تحسين صورتها في العالم الغربي أيضاً، وعليها بذل كثير من الجهود لمحو صور الإبادة المتواصلة منذ عامين إلى اليوم".


"جس نبض"

هل تمهد تلك الحملات إلى إطلاق قطار السلام؟ سؤال يطرح في الأوساط الشعبية والسياسية اللبنانية. ويضع المتخصص في العلاقات الدولية الدكتور إيليا إيليا، "إثارة موضوع التطبيع في الإعلام"، ضمن إطار "جس نبض محدود للشارع والساسة اللبنانيين، لبدء تحولات قد تكون كبيرة في لبنان والمنطقة"، معتبراً أن "طروحات التطبيع ما زالت فردية ومعزولة، لا تتبناها أطراف وازنة". لذلك يعتبر إيليا أن "البيئة السياسية في لبنان غير مهيأة للتطبيع بفعل غياب الإجماع الوطني، بسبب الانقسام الحاد بين محور الممانعة ومحور الحياد، وبالتالي فإن أية خطوة نحو التطبيع من دون توافق ستترجم بصورة انقسام حاد، وتفتح البلاد على فوضى سياسية وأمنية بسبب التوازنات الداخلية الحالية".
"في غياب الأرضية الجاهزة للتطبيع والانتقال إلى مرحلة التبادل التجاري والدبلوماسي والتواصل السياسي والإعلامي، تثار شكوك حول الوصول إلى ترتيبات خاصة لتنظيم الصراع بين الطرفين برعاية أميركية"، يجيب إيليا متابعاً "إن الاتفاقات السياسية بين الدول لا تؤدي بالضرورة إلى التطبيع بين الشعوب بسبب الأوضاع النفسية، ولكن في المقابل لا بد من تسليط الضوء على استخدام الجانب الأميركي أسلوب الحوافز السياسية على غرار ترتيب الانسحاب من نقاط معينة، أو اقتصادية مثل استثمار الغاز لدفع لبنان إلى ترتيبات معينة، إلا أن لبنان غير مهيأ لذلك حتى اللحظة ولا توافق حوله"، مشيراً إلى "عدم ثقة المواطن بالمفاوض اللبناني، بسبب التجارب السابقة مثل المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وحقول الغاز".
كما تطرق إيليا إلى الأصوات التي تروج لإسرائيل من أبناء "جيش لبنان الجنوبي" أو "جيش لحد" (عرف محلياً بهذا الاسم تيمناً بقائده الأول الضابط في الجيش اللبناني أنطوان لحد)، معبراً عن أسفه "لترك الدولة أبناءها الذين ربما كانت لهم أسبابهم الواقعية للتعامل مع إسرائيل، وعدم احتضانهم كما فعلت مع فئات من بقية الطوائف"، ولكنه في المقابل يلفت إلى أن هؤلاء "لا يمتلكون تأثيراً واسعاً لأن أعدادهم غير كبيرة، على رغم ظهورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الترويج لمشروع سياسي"، متحدثاً عن "تأثير تقهقر الخطاب القومي العربي في بروز سردية خطاب التطبيع بفعل النكسات المتتابعة، وغياب النخب عن المشهد".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير