ملخص
تحقيق بريطاني يكشف احتمال ارتباط حقن إنقاص الوزن بـ294 حالة التهاب بنكرياس و10 وفيات، وسط تحذيرات من آثار جانبية خطيرة رغم ندرتها ومطالبات برقابة طبية صارمة على الاستخدام.
في المملكة المتحدة، حذرت هيئة تنظيم الأدوية من وجود علاقة بين نوع من الحقن المخصصة لإنقاص الوزن، وإصابة مئات المستخدمين بداء خطير يهدد الحياة، إضافة إلى تسجيل 10 وفيات يعتقد أن لها صلة مباشرة باستخدام هذه الأدوية.
وفي التفاصيل، تحقق "هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" MHRA في بريطانيا عقب تسجيل 294 إصابة بالتهاب البنكرياس، بنوعيه الحاد والمزمن، لدى أشخاص استخدموا "تيرزيباتيد" tirzepatide، المكون النشط في دواء "مونجارو" Mounjaro، و"سيماغلوتايد" semaglutide، المستخدم في "أوزمبيك"Ozempic و"ويغوفي" Wegovy.
وعلى رغم عدم وجود أدلة قاطعة تؤكد الارتباط المباشر لهذه الحالات بالأدوية من فئة محفزات مستقبلات "جي أل بي- 1"GLP-1 [تحاكي تأثير هرمون يسمى "الببتيد" الشبيه بـ"الغلوكاغون 1" الذي يحفز إنتاج الإنسولين ويخفض مستويات السكر في الدم]، المستخدمة أيضاً في علاج السكري، تتزايد المخاوف في شأن محدودية المعلومات المتاحة حول الروابط المحتملة بين هذه العقاقير من جهة والمضاعفات الصحية المسجلة من جهة أخرى، مما دفع مسؤولي الصحة في المملكة المتحدة إلى الشروع في دراسة جديدة تتفحص آثارها الجانبية الضارة.
ويأتي هذا التحذير بعد أيام قليلة من طرح دواء "مونجارو" في عيادات أطباء الصحة العامة في مختلف أنحاء إنجلترا، بينما في المستطاع الحصول على "أوزمبيك" و"ويغوفي" لدى "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" NHS بعدما يحيل الطبيب المريض إلى برنامج طبي متخصص في إنقاص الوزن [حيث يُصار إلى تقييم الحال وتحديد الحاجة إلى العلاج بالأدوية ضمن خطة متكاملة]. ولكن مع ذلك، يمكن شراء "مونجارو" و"ويغوفي" عبر الإنترنت خارج نطاق النظام الصحي الرسمي [ومن دون الحاجة إلى وصفة أو إحالة طبيتين].
ويعتقد أن نحو 1.5 مليون شخص يستخدمون حالياً حقن إنقاص الوزن في المملكة المتحدة، أي ما يعادل أربعة في المئة من الأسر، مع تزايد شعبيتها بصورة كبيرة، وقد صرح مدير الأطباء لدى "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ستيفن بويس، بأنها ربما تصبح قريباً الدواء الأكثر استخداماً بين السكان.
ولكن المتخصصين أبدوا مخاوفهم في شأن الاستخدام المتزايد لهذه الحقن.
تحدث في هذا الشأن الدكتور سيمون كورك، المحاضر الأول في علم وظائف الأعضاء في "جامعة أنجليا روسكين" في المملكة المتحدة، فقال إن "نسب التهاب البنكرياس التي لوحظت في التجارب السريرية كانت منخفضة، بيد أننا نعلم أن كثيرين يشترون هذه الأدوية الآن من القطاع الخاص. ولكن مع تزايد عدد المستخدمين، حتى النسب الصغيرة ستترجم أعداداً أكبر من الإصابات، على رغم أن هذه الحالات ما زالت نادرة".
ومع ذلك، شدد الدكتور كورك على أهمية الإقرار بأن الأخطار المرتبطة بالسمنة تفوق بأشواط الأخطار التي ينطوي عليها استخدام هذه الأدوية.
وأضاف الدكتور كورك: "بالنسبة إلى الغالبية العظمى من الناس، ستساعد هذه الأدوية على إنقاص الوزن، وتبقى آمنة إلى حد كبير. ولكن لدى قلة من المستخدمين، ستظهر آثار جانبية خطرة، ومن المهم الحرص على خضوع هؤلاء الأشخاص للمتابعة من اختصاصيي الرعاية الصحية".
من بين المستخدمين الذين يُعتقد أنهم عانوا آثاراً جانبية جراء استخدام "مونجارو"، جولي بيشوب، البالغة من العمر 55 سنة، والتي شخّص الأطباء إصابتها بالتهاب البنكرياس الحاد بعد لجوئها إلى هذا الدواء بهدف إنقاص الوزن. وعلى رغم عدم توفر أدلة قاطعة تؤكد وجود علاقة مباشرة بين الدواء وحالها الصحية، ناشدت بيشوب كل المستخدمين بضرورة الوعي التام بالأخطار المحتملة التي ينطوي عليها.
وقالت بيشوب في تصريح إلى "اندبندنت": "أعرف كثيرين يستخدمون هذا الدواء، لذا لم أكن قلقة في البداية في شأن اللجوء إليه. أعتقد أنه من المفيد توعية الناس بالأهمية التي تكتسيها الأعضاء الحيوية في الجسم، مثل البنكرياس، ومدى الضرر الذي يُسببه أي أثر جانبي".
"أفكر في العودة إلى استخدام [مونجارو] مجدداً، ولكن أرفض أن يكون ذلك إلا عبر ’هيئة الخدمات الصحية الوطنية’. أعتقد أن هذه الأدوية يجب أن تتاح للناس عبر هذه الهيئة حصراً - وربما مقابل دفع ثمنها - نظراً إلى الأخطار المصاحبة لها"، أضافت بيشوب.
تستند نتائج "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" إلى تقارير طبية توثق وقوع مضاعفات صحية بعد استخدام المرضى أدوية محفزات مستقبلات "جي أل بي- 1". ومع أن استخدام هذه العقاقير ربما يكون قد تزامن مع ظهور حالات صحية أو وقوع وفيات، ولكن من دون أن يكون مسؤولاً عنها، فإن اعتماد نظام الإبلاغ الطوعي ربما يسبب نقصاً في عدد البلاغات، مما يعني احتمال وجود أعداد أكبر من الحالات غير الموثقة.
كذلك كشفت الأرقام عن تسجيل 116 حالة التهاب حاد ومزمن في البنكرياس مرتبطة بدواء "ليراغلوتايد" liraglutide، بينها وفاة واحدة، و101 حالة مرتبطة بدواء "إكسيناتيد" exenatide، من بينها ثلاث وفيات. وارتبطت خمس وفيات بدواء "تيرزيباتيد" tirzepatide، وحالة واحدة بدواء "سيماغلوتيد" semaglutide.
وفي سياق متصل، سجلت السلطات الصحية في المملكة المتحدة 52 إصابة بالتهاب البنكرياس الحاد والمزمن مرتبطة باستخدام عقار "دولاغلوتايد"، و11 حالة أخرى مرتبطة بعقار "ليكسيسيناتيد"، مما يرفع إجمالي الوفيات المتصلة بأدوية "جي أي بي- 1" إلى 10 حالات.
بناء على ذلك، تعتزم "هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" إطلاق دراسة تستهدف حالات التهاب البنكرياس المرتبطة بأدوية محفزات مستقبلات "جي أل بي- 1"، بغية التحقق مما إذا كانت العوامل الوراثية تؤدي دوراً ما في تطور هذه الإصابات. وتدعو الهيئة الأفراد إلى الإبلاغ عن أية آثار جانبية يعانونها، وذلك من خلال مشروع "البطاقة الصفراء للبنك الحيوي"، الذي يدار بالتعاون مع شركة "جينوميكس إنجلترا" (هيئة الجينوم البريطانية).
وتشير كبيرة مسؤولي السلامة في "هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية"، الدكتورة أليسون كايف، إلى أن الأدلة العلمية تدعم إمكان الوقاية من نحو ثلث الآثار الجانبية المرتبطة بالأدوية من طريق تطبيق التحاليل الطبية الجينية. ومن المتوقع أن تثقل الآثار الجانبية لهذه الأدوية كاهل "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" بأكثر من 2.2 مليار جنيه إسترليني سنوياً، نتيجة فترات الإقامة في المستشفى وحدها.
وتوضح الدكتورة كايف أن المعلومات التي يوفرها مشروع "البطاقة الصفراء للبنك الحيوي" ستسهم في تعزيز قدرتنا على توقع الأشخاص الأكثر عرضة للآثار الجانبية، مما يتيح تقديم العلاجات الأكثر أماناً للمرضى في مختلف أنحاء المملكة المتحدة، استناداً إلى تركيبتهم الجينية".
وفي العام الماضي، توصل فريق بحثي من "جامعة كولومبيا البريطانية" في كندا إلى أن استخدام الحقن المخصصة لإنقاص الوزن من شأنه أن يفاقم خطر الإصابة بمشكلات هضمية حادة، بما في ذلك التهاب البنكرياس.
وقال الباحث الرئيس موهيت سودي بأنه على رغم ندرة هذه الحالات، ينبغي على "المرضى الذين يفكرون في استخدام الحقن بغرض إنقاص الوزن أن يأخذوا الآثار الجانبية السيئة المحتملة في الاعتبار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويدرج "المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية" NICE في بريطانيا التهاب البنكرياس كأحد الآثار الجانبية المحتمل لعقار "مونجارو". كذلك يوصي المعهد "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" باستخدامه لعلاج السمنة لدى المرضى، الذين يلتزمون نظاماً غذائياً منخفض السعرات الحرارية، وزيادة النشاط البدني.
وفي تصريح إلى "اندبندنت"، قال متحدث باسم "ليلي" Lilly، الشركة المصنعة لعقار "مونجارو"، إن سلامة المرضى تمثل أولوية قصوى لديهم، مشيراً إلى أن الشركة تتابع وترصد بصورة دؤوبة كل البيانات المتعلقة بسلامة استخدام الدواء، ولا تتردد في الإبلاغ عنها.
وأضاف المتحدث أن المضاعفات السلبية التي قد تظهر بعد تناول الأدوية ربما تكون ناجمة عن عوامل أخرى، من بينها حالات مرضية موجودة أصلاً لدى المستخدم.
كذلك أوضح المتحدث باسم "ليلي" أن "النشرة المرفقة مع عقار ’مونجارو‘ تحذر من أن التهاب البنكرياس (الحاد) يندرج ضمن الآثار الجانبية غير الشائعة (التي ربما تصيب ما يصل إلى شخص واحد من كل 100 مستخدم). كذلك توصي النشرة المرضى باستشارة طبيبهم أو أي اختصاصي في الرعاية الصحية قبل استخدام ’مونجارو‘، في حال كانوا قد أصيبوا سابقاً بالتهاب البنكرياس".
و"نحث المرضى على استشارة طبيبهم أو متخصص في الرعاية الصحية في شأن أية آثار جانبية يكابدونها، والتأكد من حصولهم على العقار الأصلي من "ليلي"، ختم المتحدث.
© The Independent