Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة "هنود أوغندا"... بعد صعود نجمهم "ممداني"

نكبة الجالية النافذة في عهد الجنرال عيدي أمين انقلبت نعمة لاحقاً بعد استقرارهم في لندن وأميركا وكندا... لكن "الجرح لا يزال غائراً"

مشهد من فرار آلاف الهنود الأوغنديين 1972 إلى الغرب (غيتي)

ملخص

هاجر عشرات الآلاف إلى بريطانيا وكندا والهند، بينما تمكنت أعداد قليلة من العودة إلى أوغندا في الثمانينيات والتسعينيات بعد دعوة من الرئيس يوري موسيفيني، واستعادوا بعض ممتلكاتهم وأسسوا مشاريع اقتصادية كبرى، وأعادوا بناء وجودهم بهدوء، خصوصاً في قطاعات التجارة والتعليم والمصارف. فيما يؤكد الباحث في الشأن الأفريقي جبرين عيسى في حديث مع "اندبندنت عربية" أن للهنود المسلمين في أوغندا جذوراً تاريخية أبعد، "تعود إلى ما قبل الاستعمار البريطاني، إذ وفد بعضهم كتجار وآخرون كجنود وعمال مع الاستعمار، واستقروا في أوغندا وشرق أفريقيا".

قد تكون مثل شعوب كثيرة حول المعمورة، لم تعرف أن في أوغندا الأفريقية هنوداً قط، إلا أن بزوغ النجم الهندي - الأوغندي في نيويورك أخيراً زهران ممداني، دفعك إلى التساؤل مثل آخرين كذلك "لا يصدق، كيف حدث ذلك؟ ربما كان صدفة لا أكثر وجود هندي ما في أوغندا".

ذلك أن القصة ليست في بروز أشخاص بين صفوف الساسة الأميركيين ولا سيما "حزب أوباما" الديمقراطي المعروف بألوانه المختلفة، الآسيوية منها والأفريقية والعربية واليسارية، وإنما في العلاقة بين نجم نيويورك الجديد وآلاف الهنود مثله بأوغندا جنرال أفريقيا المتمرد عيدي أمين، الذي أطلق عليه السياسي والأديب السعودي الراحل غازي القصيبي لقب "الأحمق، قاهر الإمبراطورية".

صحيح أن الأميركيين وأكثر الصحافة الغربية، اهتمامها انصرف إلى سردية ما تسميه "الغزو الإسلامي للغرب"، أو تزايد نفوذ المسلمين واليسار في المجتمع الأميركي، إلا أنه بالنسبة إلى كثير من المتابعين، كان هذا السياق شائعاً، وليس فيه جديد، حتى وإن كان الرئيس الأميركي ترمب يمثل أحد طرفي السجال، وهو الذي سيحاول جعل طموح زهران الفوز بمنصب عمدة المدينة الأيقونية أصعب ما يستطيع، ليس كرهاً في الإسلام وأوغندا على الأرجح، وإنما نكاية باليسار وشيعته من كل الأطياف.

إذا ما عدنا إلى جوهر القصة "هنود أوغندا"، فإن السياسي الجديد لم يزد على أن سلط الأضواء مجدداً على الجالية التي عاشت حقبة معقدة من الشتات والتجدد، عبر محطات عدة، شهدت بريطانيا وكندا والهند وأوغندا أولاً وتالياً أبرز فصولها.

هجرة قسرية إلى تمكين في الشتات

توثق "بي بي سي" في نسختها الدولية في ملف موسع لها عن المجموعة الآسيوية قبل بضعة عشر عاماً أن "هنود أوغندا" هم أبناء الجالية الهندية التي استقرت في البلاد خلال الحقبة الاستعمارية، حين جُلب كثير منهم لبناء خطوط السكة الحديد أو لإدارة الأعمال. وبمرور الوقت أصبحوا يسيطرون على ما يقارب 90 في المئة من الاقتصاد الأوغندي، مما أثار مشاعر عدائية انتهت بطرد جماعي عام 1972، على يد الرئيس المثير للجدل الجنرال عيدي أمين.

هاجر عشرات الآلاف إلى بريطانيا وكندا والهند، بينما تمكنت أعداد قليلة من العودة إلى أوغندا في الثمانينيات والتسعينيات بعد دعوة من الرئيس يوري موسيفيني، واستعادوا بعض ممتلكاتهم وأسسوا مشاريع اقتصادية كبرى، وأعادوا بناء وجودهم بهدوء، خصوصاً في قطاعات التجارة والتعليم والمصارف.

يؤكد الباحث في الشأن الأفريقي جبرين عيسى في حديث مع "اندبندنت عربية" أن للهنود المسلمين في أوغندا جذوراً تاريخية أبعد، "تعود إلى ما قبل الاستعمار البريطاني، إذ وفد بعضهم كتجار وآخرون كجنود وعمال مع الاستعمار، واستقروا في أوغندا وشرق أفريقيا".

 

وأكد أن هؤلاء القادمين من ولايات مثل كوجارات والبنجاب "أسهموا بفاعلية في نشر الإسلام، وتركّزوا في مجالات التجارة والاقتصاد، حتى أصبح لهم نفوذ اقتصادي واسع، لكن مع وصول عيدي أمين إلى الحكم، طُردوا من البلاد وصودرت ممتلكاتهم، بزعم احتكارهم الاقتصاد. هذا القرار أدى إلى انهيار اقتصادي كبير، فاقمته العقوبات الغربية المفروضة على نظام عيدي"، مفيداً بأن المتضررين من تلك السياسة كانوا من جنسيات أخرى كذلك مثل بعض العرب، من الجنسية اللبنانية.

ويقر عيسى بأن إطاحة الزعيم السياسي الذي فر إلى ليبيا ثم السعودية لاحقاً بعد انهزام قواته أمام المعارضة المدعومة من تنزانيا، دفع الرئيس يوري موسيفيني بعده إلى استدعاء أبناء هذه الجالية للعودة، فاستعادوا مكانتهم وأسهموا مجدداً في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية.

ماذا بقي من الهنود في أوغندا؟

ولفت إلى أن أسرة زهران كانت بين العائلات التي طردت، إلا أن "والده محمود مامداني كان مثقفاً وأكاديمياً بارعاً، استطاع تخفيف وطأة الأزمة على أسرته، فاتجه إلى جنوب أفريقيا التي درّس في جامعاتها، قبل أن ينتقل إلى لندن ثم أميركا بأسرته في ما بعد، حيث أنجب زهران نجم نيويورك اليوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تكن العائلة في مثل نفوذ أخرى، قبل أن يحالفها الحظ مع التعليم، فأبرز العائلات التي أدت دوراً اقتصادياً كبيراً، وفق الباحث جبرين "عائلة روباريليا التي تملك جامعات وبنوكاً وفنادق، وعائلة فاني العاملة في السكر والطاقة والإنشاءات، وعائلة موكوانا التي أسست مجموعة شركات كبرى، إلى جانب مجموعة كريم هيجري الفندقية في أوغندا، كما أسهموا في دعم المساجد والجمعيات الخيرية"، مؤكداً أن الجالية على رغم ما تعرضت له في عهد أمين، "استعادت حضورها منذ 1986 وأسهمت بفاعلية في تنمية أوغندا الحديثة"، في محاولة منها لتجاوز ضغائن الماضي.

وتروي الكاتبة الهندية أبارنا شيفا في شبكة الهند العالمية أن مواطنيها ينظرون إلى تجربتهم التاريخية المأسوية والإيجابية في أفريقيا بوصفها "سجلاً للصمود والثورات والتكيف، يزخر بأحداث مهمة وشخصيات مؤثرة، فمنذ الأيام الأولى للاستيطان وحتى التحديات التي فرضتها التحولات السياسية، كانت رحلة الجالية الهندية جزءاً لا يتجزأ من تاريخ أوغندا".

ولم تنكر مثل غيرها أن أزمة الطرد "غيرت جذرياً التركيبة السكانية للبلاد، وتركت أثراً لا يُمحى على هوية الجالية الهندية... على رغم الحقبة اللاحقة، بقيادة يويري موسيفيني، التي شهدت المصالحة وإعادة الاندماج للأوغنديين الآسيويين الذين فرّوا خلال نظام أمين"، معتبرة أن أفراد الجالية العائدين "صاروا جزءاً لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي والاقتصادي لأوغندا، وتشهد مثابرتهم وإسهاماتهم على إرثهم الخالد".

هل تعافت جراح الطرد؟

في سياق مراجعات تلك المرحلية تُثير الكاتبة البريطانية الأوغندية من أصول آسيوية ياسمين براون التساؤل عن أسباب تأييد بعض الأوغنديين طرد الجالية الآسيوية في عهد عيدي أمين، على رغم اعترافها بأن القرار كان خاطئاً ولا يُغتفر. وتقول "بعد 40 عاماً هل يمكننا أن نتحدث قليلاً عن سبب هتاف الناس عندما طُردنا؟"، مشيرة إلى وجود عنصرية اجتماعية ضمن الجالية الآسيوية تجاه الأوغنديين السود. في المقابل، يرى آخرون أن انهيار الاقتصاد بعد مغادرة الآسيويين يثبت مدى أهميتهم، وأن السود الذين عرفوهم وعملوا معهم لم يحملوا مشاعر عداء. أحد هؤلاء هو فيروز، الذي يملك اليوم مركزاً للرعاية الاجتماعية كان يديره والداه، ويؤكد أن علاقته بالمجتمع المحلي جيدة، وأنه وزوجته يعيشان بانسجام في أوغندا، ويحبان نمط الحياة والمجتمع، وفق ما وثقت عنهما الصحف البريطانية.

 

أما سورجيت بهارج، الذي يملك بيت ضيافة في جينجا، فقرر العودة إلى أوغندا مدفوعاً بالحنين وسأم الحياة في المملكة المتحدة. يقول إنه يشعر بالانسجام ويعامل الناس بالمساواة، ويحرص على تعليم موظفيه احترام الكفاءة بغض النظر عن العِرق. زوجته تدير داراً للأيتام للأوغنديين، في محاولة لرد الجميل. ويرى أن المهاجرين الآسيويين الجدد من الهند باتوا أكثر فهماً للمجتمع المحلي ويعاملونه بعدل، لكن، على رغم هذا التفاؤل، فلا يخفي سورجيت مخاوفه "هل أوغندا موطني؟ ليست دائمة... هناك دائماً خوف من أن يتكرر ما حدث في عام 1972".

"خسارة أوغندا مكسب لبريطانيا"

 في الذكرى الـ50 لطرد الآسيويين من أوغندا 2022، يستذكر اللورد دليب بوبات كيف هرب من نظام عيدي أمين عام 1971، حاملاً في جيبه 10 جنيهات فقط. بدأ حياته في بريطانيا من الصفر، عاملاً في مطاعم بسيطة، ثم أصبح محاسباً، فرجل أعمال، فعضواً في مجلس اللوردات. ويعرب بوبات عن فخره بانتمائه البريطاني، وامتنانه للشعب البريطاني الذي فتح لهم أبوابه بعد الطرد، مؤكداً أن الآسيويين الأوغنديين ردّوا الجميل ببناء حياة ناجحة في المجتمع البريطاني والمساهمة فيه سياسياً واقتصادياً، لكنه لم يشأ الغفران بالكلية، إذ كتب مقالة في "هاوس بولتيك" البريطانية يكفي عنوانها للتعبير عن السخط، قائلاً "بعد 50 عاماً من الطرد يمكن القول إن خسارة أوغندا هي مكسب لبريطانيا"!

من جهة أخرى، يروي رجل أعمال عربي يقيم في أوغندا هذه الأيام وفضل عدم ذكر اسمه، وعرف تعقيداتها من قرب أن فهم السياسة التي انتهجها عيدي أمين تجاه الهنود لا يمكن فصله عن السياق التاريخي والاقتصادي في البلاد. فهؤلاء الهنود، بحسب وصفه، "جاؤوا في الأصل مع الاستعمار البريطاني، بعضهم كعمال في مزارع قصب السكر والقطن، وغالبيتهم من طبقات متدنية اجتماعياً في الهند، وتمركزوا لاحقاً في قلب الاقتصاد الأوغندي، حتى باتوا يسيطرون على أكثر من 95 في المئة منه، من دون أن يندمجوا في المجتمع المحلي". ويشير إلى أن عيدي أمين لم يطردهم عبثاً، بل اشترط عليهم الاندماج الاجتماعي، والزواج من الأوغنديين ليصبحوا جزءاً من النسيج الوطني، لا مجتمعاً موازياً بامتيازات.

 ويضيف في إفادته "اندبندنت عربية" أن بعض المعارضين لعيدي أمين اليوم "حتى هم يعترفون بأن خطوته كانت مبررة، وأنه، على رغم كل ما قيل عنه، أدى دوراً مهماً في ’تحرير الاقتصاد‘ لصالح المواطنين الأوغنديين".

ويؤكد المتحدث أن آثار تلك المرحلة لا تزال قائمة إلى اليوم، فالبنى التحتية التي أنشئت آنذاك من طرق ومنشآت وتعليم وصحة، إضافة إلى التعاون مع الدول الإسلامية، مثل السعودية وليبيا، أسهمت في ترسيخ نهضة استمرت لاحقاً.

أما الآن فيرى أن نفوذ الهنود الاقتصادي تراجع، لكنهم لا يزالون حاضرين في قطاعات كبيرة عبر شراكات مع النخبة السياسية، خصوصاً من قبيلة البنيان كوري، قبيلة الرئيس الحالي يوري موسيفيني.

درس الاستعمار بين الأب والابن

زهران نجم نيويورك الجديد سياسي مولود عام 1991 لأبوين هنديين في المدينة نفسها، ودرس الفلسفة والعلوم السياسية، قبل أن يدخل عالم السياسة ناشطاً في قضايا العدالة الاجتماعية والإسكان، ليُنتخب لاحقاً نائباً عن منطقة كوينز في مجلس ولاية نيويورك، ليصبح أحد أبرز الوجوه التقدمية الصاعدة في الحزب الديمقراطي، الذي رشحه لمنصب عمدة نيويورك في انتخابات الولاية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

أما أبوه فهو المفكر الأوغندي محمود مامداني، الذي يعد من أبرز الأصوات الفكرية في تحليل الدولة والمواطنة وإرث الاستعمار في أفريقيا، ويشغل حالياً منصب أستاذ في جامعة كولومبيا. من أبرز أعماله كتاب "المواطن والرعية"، قدم فيه نظرية محورية مفادها أن الاستعمار في أفريقيا ترك نظاماً مزدوجاً للحكم: الحكم المباشر في المدن، الذي منح الأقليات الأوروبية والنخب المتعلمة صفة المواطنة، والحكم غير المباشر في الريف، الذي أبقى الأغلبية في موقع "الرعايا" تحت سلطة تقليدية مسيّسة.

هذا التقسيم عمّق الانقسامات العرقية والاجتماعية وأسس لنظام استبداد لا مركزي، مما جعل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية في مرحلة ما بعد الاستعمار تحدياً بالغ الصعوبة، حسب ما أورد المتخصص بالشؤون الأفريقية الباحث جبرين عيسى.

عودة الضوء إلى "هنود أوغندا" عبر نجل إحدى أسرهم، هو بمثابة استرداد لتاريخ منسي، واستعادة لصوت ظل طويلاً هامشياً.

 وبقدر ما يمثل فوز زهران تحولاً محلياً في نيويورك، فهو أيضاً تتويج لمسيرة جالية لم تنكسر، مما يثير كثيراً من التساؤلات حول آمال الجاليات المماثلة في دول الخليج، فهي على رغم نسبتها الضئيلة في كمبالا قياساً بعدد السكان، كان لها النفوذ الطاغي، فكيف بدول في الإقليم، شكلوا فيها النسبة الأعلى بين مجموع فئات السكا

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات