Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ماما أفريكا" تتهيأ لعبور الجسر نحو جارتها "أم القرى"

السعودية تطلق الشراكة مع القارة وتبحث مع دولها فرص "التعاون والنمو" وتحديات "فقر الطاقة"

السعودية ودول أفريقيا تطلقان عهداً جديداً "نحو شراكة واعدة" (الأمم المتحدة)

شكلت البحار والمحيطات في العصور القديمة والحديثة حواجز صارمة في الفصل بين الشعوب والحضارات على الضفاف المتقابلة؛ إلا أنها في حالة أفريقيا والجزيرة العربية لم تفلح المياه الفاصلة (البحر الأحمر) في إبعاد الشقة بين الجارتين، منذ قرون التاريخ الأولى حتى يوم عبور أفريقيا بدولها جسر السعودية الممتد بين الشرق والغرب إلى الرياض، حيث حلت "ماما أفريكا" كما يتغنى بها أبناؤها، ضيفاً على جارتها التي استقبلتها بـ"الفرص والطاقة والبلايين".

ومع أن الروابط الثقافية والاجتماعية كانت مبكرة بين الضفتين، إلا أن الزخم الذي استقبلت به السعودية قمتها مع الأفارقة يستهدف أبعد من نسيج العلاقات السابقة، إلى نمط من "الشراكة الواعدة"، يستكشف فيه الطرفان فرص "التعاون والنمو"، في وقت لم تعد فيه القارة السمراء محصورة في مشاهد الأمية والفقر وقوارب الهجرة، ولكن كذلك "وجهة مستقبل" تبحث كل القوى وصل كنوزها، غير أن "ليلاها لا تقر لهم بذاكا"، وانطلقت تطوي تاريخها مع "الأغيار" كما يطوى الكتاب.

قواسم الإرث والفرص

وهذا ما التقطه السعوديون بذكاء، حين تلقفوا "صوت الجنوب" في المنابر الدولية، يدافعون عن قضاياه في البنك الدولي ومجموعة الـ20، متكئين على تاريخ من العلاقة غير نفعي، كانت فيه المملكة العربية التي شاركت في تأسيس الأمم المتحدة محامياً صلباً يدافع عن استقلال دول قارة كانت يومئذ جميعها ترزح تحت الاستعمار، خصوصاً منها العربية والإسلامية، التي دافعت عنها بكل الوسائل بما في ذلك "العتاد العسكري"، كما في الحالة الجزائرية.

وفي هذا السياق يؤكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن بلاده ترى "آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي المشترك بين السعودية ودول أفريقيا، خصوصاً مع وجود الممكنات في الجانبين، من موارد طبيعية وموقع جغرافي مميز وقوى بشرية شابة".

وقال لدى افتتاح المؤتمر الاقتصادي المقام في الرياض، على هامش القمة السعودية - الأفريقية إن العلاقات القديمة والمنتظرة "لا يحكمها قرب الموقع فقط، بل كذلك تاريخ ومصير مشتركان، إذ تعود أصول التجارة مع القارة إلى العصور القديمة، حين اعتمد التجار في الجزيرة العربية على طرق التجارة إلى أفريقيا، وكانت ولا تزال السعودية سوقاً نشطة للسلع الأفريقية لقرون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستذكر الطرفان فترة رئاسة السعودية لمجموعة الـ20 عام 2020، إذ نجحت جهود الرياض حينها في إطلاق "مبادرة المجموعة لتعليق مدفوعات ديون دول أفريقيا، ومبادرة إطار العمل المشترك لمعالجة الديون، إذ وفرت المبادرتان سيولة عاجلة لـ73 دولة من الدول الأشد فقراً من ضمنها 38 دولة أفريقية حصلت على أكثر من 5 مليارات دولار".

من دولة مانحة إلى مستثمرة

ولئن كانت أفريقيا تشهد تنافس لاعبين كثر مثل الصين وتركيا وروسيا فضلاً عن الغرب، على مجالها الحيوي، فإن معرفتها المسبقة بالسعودية، التي يشكل حلفاؤها العرب وغيرهم جوهرة التاج في القارة؛ يجعلها صديقاً موثوقاً، في تقدير مدير عام إحدى وكالات التنمية في سيراليون سوراي فوفانا، خصوصاً في ميدان الاستثمارات الواعدة التي تحتاج إليها دول المجموعة، مثل الغذاء والمياه والطاقة.

ولم تكن الرياض إلى عهد قريب تهتم بالبعد الاقتصادي في علاقاتها الأفريقية، التي تأخذ طابعاً سياسياً وثقافياً وتنموياً، باعتبارها دولة مانحة، ولا سيما لدول غرب أفريقيا جنوب الصحراء، القابع أكثرها تحت خط الفقر، حسب مؤشرات التنمية الدولية.

وبلغت قيمة المساعدات السعودية المقدمة لـ54 دولة في القارة حسب إحصاءات مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أكثر من 45.333 مليار دولار، فيما بلغ عدد المشاريع المنفذة 1884 مشروعاً، تمثلت في المساعدات التنموية والإنسانية التطوعية والخيرية ومساعدات إنسانية عامة.

لكن وزير التجارة والصناعة في جنوب أفريقيا إبراهيم باتل يعتبر أن المحافظة على العلاقات الوطيدة بين دول القارة والسعودية والخليج "ستدفع بمزيد من الاستثمارات وتعزيز الاقتصاد، مع الإيمان المشترك بأن المستقبل الاستثماري سيكون أفريقياً"، فيما لفت فوفانا إلى أنه "إذا كان العالم كله يأتي هنا لتوطيد شراكته مع السعودية فلماذا لا نقوم بذلك نحن الأفارقة، الذين تربطنا بها المصالح والثقافة".

ووفق الأرقام السعودية الرسمية فإن حجم تبادلها التجاري مع القارة في العام الحالي وحده بلغ (74.735) مليار ريال سعودي، أي نحو 20 مليار دولار، أما استثمارات الرياض في القارة فقدرتها خلال الأعوام الـ10 الأخيرة بنحو 14 مليار دولار، ووصل عدد الشركات السعودية العاملة هناك 47 شركة تعمل في مجالات "الطاقة المتجددة والمأكولات والمشروبات وخدمات الأعمال والخدمات المالية والمنتجات الاستهلاكية".

وعود مكافحة "فقر الطاقة"

وليست أفريقيا فقط التي تنتقد النفوذ الغربي فيها، ولكن كذلك السعودية التي تعهد وزير الطاقة فيها الأمير عبدالعزيز بن سلمان أمام جمع من الأفارقة بأن بلاده "فعلت الكثير من أجل أفريقيا وستقوم بالمزيد" كما فعلت دائماً، خصوصاً في مواجهة تحدي "الفقر الطاقوي"، مشيراً في هذا الصدد إلى مبادرة التعاون مع دول أفريقية في الوصول إلى "الطاقة والطهي النظيفين"، وهي خطوة قالت مديرة جلسته النيجيرية أداكو أوفير، إنها "مسألة حياة وموت" ويمكن أن تعمل على ردم الفجوة الموجودة بين دول القارة والعالم وتنقذ حيوات الملايين.

وانتقد في هذا الصدد عمل الصناديق والمؤسسات الدولية في أفريقيا، وقال "إن 16 في المئة من الأموال التي يتم جمعها بشكل طوعي من المانحين يستهلكها البنك الدولي في الكلف الإدارية، فصارت كثير من الوعود من دون نتائج حقيقية"، بينما يوضح أن منح السعودية اتخذت مقاربة مختلفة لتقديم القروض والمساعدات، "لنقوم بشيء مختلف، نريد أن نرى نتائج جهودنا بشكل مباشر".

وشكلت السعودية في السياق الجيوسياسي 16 لجنة مشتركة ومجلسي تنسيق وسبعة مجالس أعمال مع دول القارة، إضافة إلى إبرام أكثر من 250 اتفاق تعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية.

جسور أقدم من لقاء الأم بالجدة

وفيما صار معروفاً أن في السعودية "أم القرى" ومثوى جدة البشر حواء، التي تحتضن مدينة جدة السعودية مقبرتها، تنظر شريحة واسعة من الباحثين في العقود الأخيرة إلى أفريقيا باعتبارها منشأ الإنسان الحديث قبل ملايين السنين، مما جعل إطلاق "الأم أفريقيا" أو "ماما أفريكا" عليها ليس شعاراً من دون سند علمي، مثلما يراهن الخبراء على أن مستقبل القارة الاقتصادي سيكون بالمستوى نفسه من الأهمية والمرجعية لمحيطها والعالم.

وأظهرت اكتشافات أثرية سعودية حديثة شمال البلاد وجود دلائل لهجرات بشرية مبكرة من قارة أفريقيا إلى الجزيرة العربية، بدأت قبل نحو 400 ألف سنة، وتكررت على مراحل زمنية متعددة خلال 300 ألف، و200 ألف، و130-75 ألفاً و55 ألف سنة مضت، كأطول سجل حضاري للوجود البشري المبكر في الجزيرة العربية، مما يؤكد الأهمية الحضارية للجزيرة العربية والدور الذي أسهمت فيه الجماعات البشرية في عدد من التطورات الحضارية خارج قارة أفريقيا.

ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية "واس" أوضحت الهيئة أن البعثة السعودية الدولية التي شارك فيها اختصاصيون من هيئة التراث ومعهد ماكس بلانك بألمانيا، وجامعة الملك سعود، إضافة إلى عدد من الجامعات والمراكز العالمية عثرت على بقايا أدوات حجرية وعظام حيوانية متحجرة، وجدت ضمن طبقات البحيرات الجافة في صحراء النفود، شمال غربي المملكة، حيث عُثر في موقع "خل عميشان" في أطراف منطقة تبوك على آثار تعود إلى نحو 400 ألف سنة، تشمل فؤوساً آشولية، تعتبر أقدم البقايا الأثرية المؤرخة في الجزيرة العربية.

يأتي ذلك منسجماً مع الدراسات الجيولوجية، التي ترجح أنه نحو 20 مليون سنة، بدأ التشقق يفصل شبه الجزيرة العربية عن أفريقيا، حيث يدفعها التشقق شمالاً باتجاه الصفيحة الأوراسية وصفيحة الأناضول، ويدفع القرن الأفريقي جنوباً، وفصل بينهما "البحر الأحمر"، بعد أن كانت السعودية وبقية أجزاء الجزيرة العربية جزءاً من القارة الأفريقية، وهو ما يمكن تقريبه أكثر عند تأمل خريطة ضفتي البحر الأحمر بتمعن.

وبهذا يخلص الجدعان في حديثه إلى ضيوف بلاده الأفارقة إلى أن تاريخ الجارين وقدرهما منحهما "ما يتجاوز الروابط الاقتصادية، فلدينا أوجه تشابه في ثقافتنا وجغرافيتنا وقواسم مشتركة بين شعوبنا وممكنات مشتركة في اقتصاداتنا، عززت الفهم المشترك ورسخت العلاقة الوطيدة بين مجتمعاتنا". 

المزيد من تقارير