ملخص
في ظل تزايد الاستفزازات الروسية وارتفاع التحذيرات الأمنية من أن بريطانيا تواجه خطراً متزايداً باستهداف بنيتها التحتية تحت سطح البحر، مثل كابلات الإنترنت وأنابيب الطاقة. ويوصي المتخصصون بضرورة تعزيز المراقبة، وتسريع تطوير القدرات الدفاعية تحت البحر، وضمان سرعة الإصلاح في حال وقوع هجوم مفاجئ.
تخيلوا هذا السيناريو، تستيقظون فتكتشفون أن الكهرباء مقطوعة عن منازلكم، لا يمكنكم تشغيل الأضواء أو التلفزيون، فيما محتويات الثلاجة آخذة بالذوبان، ولا سبيل على الإطلاق لطهي أي شيء. شبكة اللاسلكي (واي فاي) معطلة، وشبكات الهاتف المحمول توقفت عن الخدمة، كما أن أجهزة الصراف الآلي لا تعمل. المتاجر مغلقة، والكهرباء مقطوعة عن السكك الحديد والمطارات، والمستشفيات تعمل بمولدات كهربائية احتياطية، ولكن كم من الوقت ستعمل، لا أحد يعلم.
هذا التهديد لم يعد مجرد خيال، بل تتم مناقشته على أعلى المستويات. ففي مؤتمرات مغلقة خاضعة لقواعد "تشاتهام هاوس" [مبدأ تنظيمي يستخدم في الاجتماعات والندوات التي تتناول مواضيع حساسة، ويحق للمشاركين بموجبه استخدام المعلومات التي حصلوا عليها، لكن لا يجوز الكشف عن هوية المتحدث أو انتمائه، أو عن هوية أي مشارك آخر]، حذر متحدثون من أن انقطاع نقل البيانات قد يؤدي إلى انهيار سلاسل التوريد البريطانية في معظم قطاعات الاقتصاد، مما قد يتسبب في نقص الغذاء واندلاع اضطرابات اجتماعية واسعة. وقد أكد صراحة: هذا الخطر لم يعد نظرياً، بل مسألة وقت لا أكثر.
وفي وقت أعلن فيه عن نية بريطانيا شراء أسطول جديد من الطائرات المقاتلة القادرة على حمل أسلحة نووية – وهو ما اعتبره كثر إنجازاً كبيراً للقوات الجوية الملكية – يرى آخرون أن علينا أن نولي اهتماماً مماثلاً لما يحدث تحت سطح البحر، تماماً كما نهتم بما يحدث في الأجواء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففي ذروة الطلب، تستورد بريطانيا نحو 15 إلى 20 في المئة من كهربائها من أوروبا – جميعها عبر كابلات بحرية. وهناك أربعة خطوط غاز أوروبية رئيسة، و75 في المئة من الغاز البريطاني يصل عبر أنابيب تمر تحت البحر. وينقل أكثر من 60 كابلاً بحرياً بيانات الإنترنت والهواتف وغيرها، إذ يمر أكثر من 95 في المئة من تدفقات البيانات أو الإنترنت تحت سطح البحر.
إن إلحاق ضرر بأحد من هذه الأنابيب أو الكابلات، أو تدميره، قد يؤدي إلى تداعيات خطرة على المملكة المتحدة. يجب أن تصبح حماية هذه الأنابيب والكابلات أولوية وطنية، لأن هذا هو المجال الذي يرجح أن تتعرض فيه أمتنا إلى هجوم مباشر.
إن هشاشة البنية التحتية البحرية باتت مكشوفة بصورة متزايدة، ويجري التحذير منها بصورة متكررة. فقد تعرض خط "نورد ستريم 2"، وكابلات البيانات بين فنلندا وإستونيا، وكابلات الإنترنت قرب تايوان، لأضرار ناتجة من هجمات خلال الأعوام الأخيرة. يمكن أن تنسب بعض هذه الحوادث إلى جهات معروفة، إذ يعتقد أن الضرر الذي لحق بكابلات تايوان سببه سفينة شحن مرتبطة بالصين كانت تسحب مرساتها في الموقع ذاته، فيما لم تنسب مسؤولية الهجمات الأخرى إلى جهة محددة، على رغم وجود شكوك قوية، مثل ارتباط الحادثة التي شهدتها إستونيا بروسيا.
وقد حذرت استراتيجية الأمن القومي لعام 2025، التي نشرت من بضعة أيام، من أن "البنية التحتية الوطنية الحيوية، بما في ذلك الكابلات البحرية وخطوط أنابيب الطاقة ومراكز النقل والخدمات اللوجيستية، ستبقى أهدافاً محتملة للهجمات". كذلك قدمت الاستراتيجية تقديرات مذهلة تشير إلى أن "كلفة إصلاح كابل ألياف ضوئية واحد تالف تصل إلى مليون جنيه استرليني، و100 مليون جنيه استرليني [نحو 137 مليون دولار] لكابلات الطاقة لكل حادثة".
يجب الآن افتراض أن جهة معادية، هي روسيا على الغالب في حال المملكة المتحدة، ستسعى إلى استغلال نقاط ضعف الكابلات البحرية خلال فترات التوتر المتزايد، بهدف تعطيل المملكة المتحدة وأوروبا في الأقل، إن لم يكن شلهما. ومن المرجح أن تنفذ مثل هذه الهجمات على الكابلات البحرية بصورة سرية في المراحل الأولى لأي تصعيد أو صراع.
يعتقد أن روسيا تشغل العشرات من "السفن الاستخباراتية" التي تستطيع أن تراقب الكابلات البحرية أو تهاجمها. على سبيل المثال، أمضت سفينة "يانتار" (عنبر) أسابيع عدة في وقت سابق من هذا العام وهي تقوم بدوريات في البحر الإيرلندي، حيث أجرت مسحاً للكابلات بين المملكة المتحدة وإيرلندا باستخدام مركبات تحت مائية مسيرة. ويعتقد أيضاً أن الغواصات الروسية تتمتع بالقدرة على إطلاق مركبات مماثلة مسيرة قادرة على استهداف البنية التحتية البحرية.
إذاً، ما الذي يمكن للمملكة المتحدة أن تفعله من أجل مواجهة هذا التهديد البحري المتزايد؟
لقد أعلنت المراجعة المتكاملة لعام 2021 عن إمداد البحرية الملكية أو الأسطول الملكي المساعد بنوع جديد من السفن: سفينة مراقبة المحيطات المتعددة الأدوار (اختصاراً "مروس") تم تصميمها لحماية الكابلات البحرية الحيوية.
وأشارت الإحاطات إلى أنه ستشترى ثلاث سفن [من هذا النوع] في الأقل. عام 2021، جرى شراء سفينة دعم بحري، وإعادة تسميتها "بروتيوس" Proteus ضمن الأسطول الملكي المساعد، وتم تحديثها في حوض شركة "كاميل ليرد" في بيركنهيد. وقد دخلت الخدمة الكاملة عام 2023، على رغم أنها واجهت مشكلات في الصيانة حدت من عملياتها.
وجرى التباحث في اقتناء سفينة ثانية من فئة "مروس"، ربما من صنع المملكة المتحدة، إلا أن مراجعة الدفاع الاستراتيجي لهذا العام لم تشتمل على أي التزام محدد بتوفير مزيد من السفن أو القدرات الجديدة تحت الماء، وإنما ضمت فقط بعض الاقتراحات المبهمة.
في حين أشار ستارمر إلى أنه يعتزم إنشاء سلاح بحرية ملكي هجين من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي وتشكيل مجموعة مقاتلة رقمية جديدة، إلا أن كثراً يشعرون بالقلق لأن الأنظمة الجديدة اللازمة لمواجهة التهديد الذي تتعرض له البنية التحتية البحرية لن تجهز للدخول في الخدمة قبل أوائل العقد المقبل. كذلك أشارت مراجعة عام 2025 إلى أن البحرية الملكية قد تكلف شركاء تجاريين [بموجب عقود تبرمها معهم] بتوفير قدرات معينة (غير محددة).
من الخيارات المطروحة تشغيل سفن مراقبة غير قتالية، أو شراء أسطول من المركبات البحرية المسيرة لحماية البنى التحتية الحيوية – وهو اقتراح رئيس آخر. ولكن، مجدداً، لا توجد تفاصيل مؤكدة. كذلك يدرس مجدداً استخدام أنظمة السونار الثابتة، التي كانت شائعة في شمال الأطلسي خلال الحرب الباردة، لكن الخطط لا تزال غير واضحة. وإذا كانت تبعات أي هجوم على هذه البنى التحتية بهذا الحجم من الخطورة، فإن التحضيرات الدفاعية تبدو بطيئة وغير حاسمة.
إن المشكلة واضحة، فعلى رغم تفاقم التهديد، أصبح الاستثمار في الدفاع تحت سطح البحر أقل جاذبية من الناحية السياسية والمالية من شراء السفن الحربية. ولا يزال ينظر لاستخدام فرقاطة تزيد قيمتها على 500 مليون جنيه استرليني (نحو 686 مليون دولار) في دوريات عند خطوط أنابيب النفط أو الغاز، على أنه هدر للموارد. وفي ظل ضيق الموازنات، تميل مؤسسات الدفاع إلى إعطاء الأولوية للسفن القتالية على حساب أنظمة الدعم التي لا تسهم مباشرة في المعارك.
في ظل أجواء محمومة تشبه أجواء التعبئة العسكرية، من المفهوم أن الدفاع البريطاني يواجه حاجات عاجلة ومكلفة، لكن لا ينبغي الاستهانة بخطر الهجوم على كابل كهربائي أو خط أنابيب غاز، إذ سيكون لذلك عواقب وخيمة بالنسبة إلى المملكة المتحدة. ونحن لا نحتاج فقط إلى مستوى أعلى من الرصد للبنية التحتية البحرية، بل ينبغي بنا أيضاً أن نبني القدرة على إصلاحها وإعادتها إلى وضعها الطبيعي بسرعة، في حال حدوث الأسوأ.
يكفي أن ننظر إلى كابل فنلندا-إستونيا، الذي بقي معطلاً أكثر من ستة أشهر، على رغم أن إصلاحه كان "أسهل" بسبب ضحالة المياه نسبياً (يبلغ أقصى عمق لها نحو 100 متر). أما بحر الشمال (حتى 700 متر)، والمحيط الأطلسي (بمتوسط عمق 3 آلاف متر)، فسيطرحان تحديات أكبر بكثير.
هل تتمتع المملكة المتحدة بالقدرة على إصلاح أو استبدال كابل أو خط أنابيب متضرر بسرعة؟ ربما، لكن في ظل غياب شعور فعلي بالحاجة الملحة إلى تطوير قدراتنا تحت سطح البحر، لا أحد يمكنه الجزم بكيفية تعامل البلاد مع أزمة من هذا النوع إذا وقعت.
© The Independent