Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زفاف بيزوس يغرق البندقية في بحر الثراء والغضب الشعبي

بينما يستعد ملياردير التكنولوجيا وعروسه لتصدر الأضواء بزفاف تبلغ كلفته 10 ملايين دولار يهيمن خلاله على المدينة الإيطالية التراثية في ذروة موسم السياحة، كانت الاحتجاجات بدأت فعلاً في التصاعد لتعرقل بعضاً من خططهما

متظاهرون في البندقية يعلقون لافتة مناهضة لـ بيزوس على جسر ريالتو قبيل زفاف الملياردير (رويترز)

ملخص

تحول زفاف جيف بيزوس الفاخر في البندقية إلى رمز للتوتر بين بذخ الأثرياء وغضب السكان المحليين، الذين رأوا في الحفلة استحواذاً على مدينتهم الغارقة أصلاً في أزمات اقتصادية وبيئية وسياحية، مما أثار احتجاجات واسعة ضد ما اعتبروه خصخصة لمكانهم العام وتراثهم.

تبدأ الحكاية، حالها حال كل الأساطير الجميلة، بموازنة قدرها 10 ملايين دولار، ويخت عملاق بحجم ملعب كرة قدم، وشبكة من النجوم اللامعين إلى حد تكاد جاذبيتهم تغير مجرى الأمور [تقلب عالم البندقية رأساً على عقب]. هذا الأسبوع، يتحول زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز إلى عرض فخم من البذخ المترف. بعد قصة حب دامت خمس سنوات، خطط الثنائي لحفلة استثنائية في قلب مدينة البندقية، تلك المدينة الساحرة بقنواتها المتعرجة، وجمالها الذي لا يذبل، وعمارتها التي تقف شامخة منذ قرون، لكن المدينة الأدرياتيكية لا تذوب عشقاً - بل تغلي غضباً، فالسكان المحليون في حالة سخط تام.

يقولون إن أحد أغنى رجال الأرض يحتجز مدينتهم "رهينة"، فبالنسبة إلى أبناء البندقية، لا يبدو هذا الزفاف وجهة رومانسية، بل أشبه بالاحتلال. يرى السكان والنشطاء أن هذه الزيجة، بما تحمله من إسراف فاحش، على وشك أن تحول موطنهم إلى "مكان لهو للأثرياء".

وماذا عن ردود الفعل؟ احتجاجات واسعة تعم أرجاء المدينة، في محاولة لتعكير صفو ما يروج له على أنه "زفاف العام".

"ببساطة، سيتعامل مع المدينة بأكملها كما لو كانت قاعة رقص خاصة، مساحة مغلقة لحفلته، وكأن السكان غير موجودين أصلاً"، هكذا صرحت أليتشه باتزولي، الناشطة في حركة "لا مكان لـ بيزوس" No Space for Bezos، وهي مجموعة تحتج على ما تسميه "خصخصة" و"استغلال" المدينة من الملياردير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بينما تضيف فيدريكا تونينيلي، وهي ناشطة أخرى من الحركة نفسها، في تصريح لقناة "سكاي نيوز": "ليس هذا ما تحتاج إليه البندقية. ليس هذا ما تحتاج إليه مدينة تعاني أساساً من السياحة المفرطة".

أما "البصمة البيئية للترف"، وهي الأثر البيئي الناجم عن تدفق الطائرات الخاصة واليخوت الفاخرة خلال عطلة نهاية الأسبوع، فستكون هائلة، كما يقول النشطاء، وهي انعكاس صارخ لحجم الضرر الذي ألحقه طوفان السياحة غير المنضبطة والتسليع المفرط بروح المدينة. لكن هذه المرة، أضيفت إلى المعادلة وقاحة التفرد والاستثناء.

أما التفاصيل فبسيطة: هذا الأسبوع، من المقرر أن يعقد الملياردير بيزوس وخطيبته، المذيعة السابقة التي أصبحت إحدى نجمات المجتمع، قرانهما في مدرج يقع ضمن مجمع محصن تملكه مؤسسة تشيني في جزيرة سان جورجيو. وكان من المقرر أن يرسو يخت بيزوس الفاره "كورو" Koru، الذي تبلغ قيمته 500 مليون دولار (ما يعادل 370 مليون جينه استرليني) ويزن 3493 طناً - أطول يخت شراعي في العالم - في بحيرة البندقية، لكن أمام تصاعد الاحتجاجات، ربما سيكون من الأفضل إبقاؤه في كرواتيا، فيما يتنقل بيزوس وضيوفه إلى المدينة على متن طائرات مروحية.

رئيس إمبراطورية "أمازون" ومالك صحيفة "واشنطن بوست"، الذي طلب يد سانشيز بخاتم خطوبة من الألماس بقيمة 2.5 مليون دولار عام 2023، قيل إنه استحوذ على عدد كبير من سيارات الأجرة المائية في البندقية لخدمة ضيوفه، كما حجز أفخم الفنادق والمواقع الفاخرة في أرجاء المدينة. وتشير التقارير إلى أنهم حجزوا قصر غريتي، وفندق دانييلي، وأمان فينيس، وفندق بلموند شيبرياني، وفندق سانت ريجيس فينيسيا، لإحياء احتفال يمتد على مدار ثلاثة أيام. تبدأ أسعار الغرف في قصر غريتي وفندق أمان من 3200 دولار لليلة الواحدة، وقد تصل إلى 10 أضعاف هذا المبلغ في الأجنحة الأفخم.

على كل حال، فقد تم استبعاد أحد المواقع التي كانت مطروحة، وهو سكولا غراندي ديلا ميسيريكورديا - وهو مبنى فخم يعود للقرن الـ14، ويعد من أكبر وأروع المعالم في قلب البندقية - وذلك نتيجة تصاعد الغضب المحلي على ما يبدو.

ما لم يتغير هو قائمة المدعوين التي تضم نحو 200 اسم من الصف الأول، وكأنها نسخة حية من موسوعة نخبة العالم. من بين الأسماء التي يشاع أنها ستحضر: أوبرا وينفري، ودونالد ترمب، وباراك أوباما، وكيم كارداشيان، وليوناردو دي كابريو، وباربرا سترايسند، وليدي غاغا، وإلتون جون، ويتوقع أن يقدم الأخيران عروضاً غنائية خلال الحفلة. أما العروسان، فتشير الأنباء إلى أنهما سيقيمان في الجناح الملكي المطل على القناة الكبرى في فندق أمان فينيسيا، بكلفة تبلغ 11600 دولار لليلة الواحدة.

وبالطبع، لم يكن من الممكن أن يكون هذا التجمع بسيطاً أو متواضعاً لرجل أمازون - بائع الكتب السابق الذي تحول إلى "مهووس بالتحسين البيولوجي الذاتي" [شخص يسعى لتحسين قدراته الجسدية والعقلية باستخدام وسائل غير تقليدية] يرتدي السترات الجلدية، ويشتهر بنمط حياة "فتى التكنولوجيا" بكل سماته التقليدية: من حمامات الثلج، إلى مشاريعه الفضائية المجنونة، وصولاً إلى سعيه المحموم نحو الخلود.

بالنسبة إلى بعضهم، إنه مبتكر عبقري ورائد في مجالي التكنولوجيا واستكشاف الفضاء، بينما يراه آخرون الواجهة الناعمة لرأسمالية لا تعرف الرحمة.

ويعرف بيزوس بتودده المفرط لـ ترمب - فقد جلس المليونير في الصف الأمامي خلال حفلة تنصيب الرئيس الأميركي في يناير (كانون الثاني)، في مشهد رمزي أثار كثيراً من الجدل. ويتهم أيضاً بأنه لا يدفع سوى ضرائب ضئيلة للغاية على رغم ثروته الطائلة، التي تتكدس بينما يعاني عماله في "أمازون" ظروف عمل وصفت مراراً بأنها غير آمنة وغير أخلاقية، وجرى توثيقها وفضحها بصورة مستفيضة في تقارير كثيرة.

وبينما انضمت منظمة "غريببيس" والمجموعة البريطانية الناشطة "الجميع يكرهون إيلون" Everyone Hates Elon إلى الاحتجاجات، يصر عمدة البندقية لويجي برونيارو على أن الزفاف لن يكون بهذا القدر من الإزعاج، مشيراً إلى أن المدينة معتادة على استضافة فعاليات من العيار الثقيل، كالمهرجان السينمائي، وبيانالي [معرض] "فينيسيا" الشهير. كما أن حاكم الإقليم، لوكا زايا، لا يخفي إعجابه بالحدث، مؤكداً أن الاحتفالات قد تضخ ما يصل إلى 30 مليون يورو في اقتصاد المنطقة.

وقال زايا لصحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية: "هذه مدينة تستقبل 150 ألف شخص يومياً. تزوج فيها جورج كلوني، وفرانسوا هنري بينو وسلمى حايك، وإلتون جون وعدد من الشخصيات الأخرى".

أما صحيفة "تايمز" فنقلت عن موريس سيرون، المدير العام لمجلس مدينة البندقية، أنه سعى شخصياً إلى استقطاب هذا العرس الأسطوري إلى مدينته. يقول "قبل سبعة أشهر أخبرني دومينيكو دولتشي [الشريك المؤسس لدار دولتشي آند غابانا] بأن بيزوس سيتزوج. ومن حينها بدأت التحرك لجلب زفاف القرن إلى البندقية - هكذا بدأت الحكاية".

لكن مع اقتراب أسبوع الزفاف، يتصاعد التوتر بين رغبة العروسين في إقامة احتفال فخم وضخم، وبين حاجة المدينة إلى الحفاظ على هويتها وتراثها، البندقية بلا شك مكان ساحر وجميل، لكنها، كما يؤكد السكان المحليون، شهدت تغيرات جذرية (يمكن لبعضهم وصفها بأنها كارثية) خلال العقود الماضية بسبب السياحة المفرطة التي اجتاحت المدينة.

بعيداً من الروعة المعمارية والقنوات المائية الرومانسية المليئة بالجندولات، تواجه البندقية أزمة حقيقية، يحذر سكانها من خطر تحولها إلى "فينيسلاند" - مدينة تشبه المتحف بلا روح أو حياة حقيقية، من دون نبض مجتمعها وأهلها.

ارتفاع أسعار الإيجارات بصورة جنونية، وتحولها إلى مدينة تعج بالمساكن السياحية، دفعا عدداً من أبناء المدينة إلى الرحيل عنها. ولسنوات طويلة، كان السكان يحتجون ضد السفن السياحية العملاقة التي تحمل زواراً ليوم واحد فقط (الذين ينفقون قليلاً جداً لكنهم يسببون فوضى كبيرة)، إذ ترسو هذه السفن بالقرب من المدينة القديمة مهددة الأسس الهشة التي تقوم عليها.

وبالطبع، لا يمكن تجاهل الحقيقة المعروفة على نطاق واسع: البندقية تغرق حرفياً. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها أو الجدال فيها، بخاصة عندما يتعلق الأمر بدفاع بعضهم عن حفلة زفاف لا حاجة إليها بكلفة باهظة يقيمها فاحشو الثراء. فالمدينة تغوص ببطء بنحو 1-2 ملم سنوياً بسبب الهبوط الأرضي، ومع ارتفاع منسوب مياه البحر، تواجه البندقية تهديدات متزايدة بالفيضانات، فهي الآن تشهد سنوياً فيضانات شديدة كانت في السابق نادرة الحدوث.

في قلب هذه الأزمة، كما يؤكد المحتجون، هناك مدينة تفقد نبضها وروحها بسبب كثرة الفعاليات الحصرية التي تحتكرها النخبة. وزفاف بيزوس، الذي يبدو فاقداً للاعتبار تجاه محيطه، هو المثال الأبرز لهذه الظاهرة.

في النهاية، تعكس حفلة زفاف بيزوس وسانشيز الصورة الكاملة للمشكلات الأعمق التي تواجهها المدينة. بالنسبة إلى فاحشي الثراء، هذا الحدث هو الرمز المثالي للنجاح والتفرد، لكن كما يتساءل أبناء البندقية المحقون في نزولهم إلى الشوارع: ما الثمن الحقيقي للتباهي ودفع الأموال في مقابل حق الوصول؟

سيجسد قصر بيزوس العائم بصورة واضحة التوتر بين جمال العالم القديم وبذخ العالم الحديث المفرط، وبينما يرفع نخبة العالم كؤوس الشمبانيا في دوائرهم الفاخرة المغلقة، سيكون السكان المحليون منشغلين برفع لافتاتهم وأصواتهم وتحذيرهم من قلب مدينتهم العريقة والمحبوبة - بأن مدناً مثل البندقية ليست سلعة تباع وتشترى، مهما بلغ ثراء أحدهم، ومهما كان بريق الخاتم في إصبعه.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات