ملخص
في تقليد صيفي بات جزءاً من خريطة الفنون التشكيلية في القاهرة، تستضيف غاليري ياسين للفنون في ضاحية الزمالك النسخة الرابعة من المعرض الجماعي "مساحة مختلفة"، بمشاركة أكثر من 50 فناناً يمثلون أجيالاً واتجاهات فنية عدة.
يرتبط اسم المعرض بتاريخ القاعة نفسها، كما أوضح مدير الغاليري هاني ياسين في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، فحين أسس الغاليري قبل نحو أربعة أعوام، قرر تنظيم أول معرض صيفي تحت عنوان "مساحة مختلفة" ليعبر عن طموحه في تقديم مساحة جديدة ومغايرة في المشهد الفني القاهري.
ومنذ ذلك الحين صار الاسم مرتبطاً بالمعرض الجماعي الصيفي الذي تنظمه القاعة سنوياً، وهكذا تحول معرض "مساحة مختلفة" إلى تقليد صيفي ومظلة يجتمع تحتها خليط واسع من الفنانين، في محاولة معلنة أو غير معلنة لخلق حال بصرية متجددة، وسط موسم يمتلئ بهذا النوع من العروض الجماعية.
ويضم المعرض أعمالاً لفنانين من أجيال متباعدة ما بين أسماء راسخة وتجارب أحدث عهداً بالساحة، ومن الأسماء البارزة نجد تجربة الفنان الراحل عبدالوهاب مرسي الذي جمع في أعماله بين الخطوط الهندسية والعناصر العضوية، مستلهماً في بعض معالجاته نماذج من الفنون المصرية القديمة، كما في تلك الأعمال التي استبدل فيها اللون بالرمال الناعمة، مكتفياً بملمسها وإيقاعها البصري، وإلى جواره تطل أعمال جميل شفيق المرسومة بالأبيض والأسود، حيث المرأة والخيول تتحول إلى كائنات أسطورية حالمة.
ويضم المعرض أيضاً عملين للفنانة الراحلة جاذبية سري، يجسدان انشغالها بتحولات البيئة العمرانية، حيث البيوت كأنها ترنو بصمت إلى ما حولها، شاهدة على ما يطرأ من تشوهات وتحولات قاسية تطال أطراف المدينة، كما تبرز أعمال خالد سرور بألوانها الزاهية وتلقائيتها المحببة، مستلهمة روح الموروث الشعبي ورسوم الجدران، متحركة بين التجريدية اللونية والرمز، بما يعكس شغف الفنان بجماليات الفن الشعبي، بينما يقدم محمد مندور واحداً من أعماله الخزفية المفعمة بحس صوفي عميق.
ويستهدف المعرض جمهوراً واسعاً ومتنوعاً، إذ يخاطب المتخصصين في الحركة التشكيلية، من نقاد وفنانين ومهتمين، بما يتيحه من فرصة لمتابعة تجارب متباينة في مكان واحد، ومن جهة أخرى يجذب هواة الفنون الباحثين عن اقتناء أعمال أو حتى مجرد مشاهدة بانورامية لمشهد الفن المصري المعاصر، ولا يجب أن نغفل أيضاً وجود الغاليري داخل حي الزمالك، وهو ما من شأنه أن يزيد من تنوع جمهور الغاليري ليكون مزيجاً من المتابعين المحليين وبعض المهتمين الأجانب، وهو ما يعزز من قيمة هذه العروض الجماعية كنافذة للتعريف بالمشهد المصري في دوائره الأوسع.
غير أن هذا التنوع في الجمهور المستهدف يضع على المعرض عبئاً إضافياً يتمثل في الحرص على تقديم تجربة بصرية قادرة على التواصل مع هذا الطيف الواسع من المتلقين من دون أن تقع في فخ المجاملة البصرية أو الطابع التجاري البحت، وهنا تكمن المعضلة الدائمة للمعارض الجماعية الصيفية، ولا سيما تلك التي تضم عددا كبيراً من الفنانين، ففي ظل غياب فكرة مركزية واضحة تبدو الأعمال وكأنها مجاورة بلا تلاق، أقرب إلى بانوراما واسعة منها إلى مساحة تفاعلية، وربما كان مدير القاعة صريحاً حين أشار إلى أن الهدف من المعرض هو تقديم فرصة مفتوحة لعرض تجارب عدة ضمن تقليد صيفي متواصل، لكنه لم يخف في الوقت ذاته أن غياب الموضوع الموحد قد يكون سمة طبيعية في هذا النوع من المعارض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعكس هذه النوعية من المعارض واقعاً معقداً للمشهد التشكيلي المصري، إذ تتجاور الحاجة إلى استمرار النشاط الفني خلال موسم الصيف مع الرغبة في تقديم محتوى جاد، ففي حين توفر المعارض الجماعية فرصة للفنانين الشباب للظهور إلى جوار أسماء بارزة، فإنها تخاطر في الوقت ذاته بتقديم مشهد فني متباين ومفتت ما لم يصغ بوعي نقدي وفكري أشمل، ولكن تظل هذه المعارض الجماعية مجالاً متاحاً للجمهور للاطلاع على تنوعات المشهد، لكنها في الوقت ذاته تمثل دعوة للتساؤل حول إمكان تحويل هذا التزاحم البصري إلى مساحة حوار حقيقي بين التجارب المختلفة.