ملخص
يعد العنابي من أكثر الرؤوس المطلوبة لدى الولايات المتحدة الأميركية، إذ رصدت واشنطن مكافأة ضخمة تقدر بـ 7 ملايين دولار لاعتقاله أو إبلاغها عن مكان إقامته واختبائه.
في يونيو (حزيران) عام 2020 قتلت القوات الفرنسية الموجودة آنذاك في شمال مالي عبدالمالك دروكدال الذي كان يشغل منصب زعيم تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي، مما عبّد الطريق لأبي عبيدة يوسف العنابي لتولي قيادة التنظيم الذي أصبح أشد قوة وأكثر تطرفاً منذ ذلك الحين.
وعلى رغم أن العنابي جزائري الأصل لكنه ركز عمليات التنظيم وأنشطته ونفوذه في منطقة الساحل الأفريقي التي باتت عاجزة عن التقاط أنفاسها أمام هجمات الجماعات التي بايعت "القاعدة".
وعلى رغم أنه بات الآن يشتهر بدوره البارز في المنطقة وبالمكافأة التي رصدت من قبل الولايات المتحدة الأميركية لإطاحته، لكنه لا يزال غامضاً في نظر كثر، فمن هو يوسف العنابي؟
يعد يوسف العنابي، واسمه الأصلي مبارك يزيد، من الرعيل الأول للمتطرفين الذين سافروا إلى أفغانستان قبل أن يعود للجزائر مطلع التسعينيات ليلتحق بصفوف "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وكان من أوائل مؤسسي "الجيش الإسلامي للإنقاذ" في بلاده بعد انزلاقها إلى الفوضى إثر تدخل الجيش وإلغائه انتخابات ديمقراطية فاز فيها الإسلاميون، وكان أيضاً من مؤسسي تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الذي أعلن ولاءه لـ "القاعدة" عام 2006.
والعنابي الذي ولد عام 1969 كان من الأوائل الذين بايعوا زعيم "القاعدة" السابق أيمن الظواهري عام 2011، وأصدر بيانات كثيرة في هذا الشأن قبل أن يتولى مسؤوليات إعلامية في صلب التنظيم.
ولا يتوانى العنابي عن استعراض قوته إذ لم يتردد في تهديد الفرنسيين في السابق بـ "مهاجمتهم في كل مكان بالعالم"، وعلى رغم ذلك فإن باريس تجاهلت هذه التهديدات، فيما تولى حلفاؤه تهديد روسيا، الوافد الجديد إلى منطقة الساحل الأفريقي.
وريث دروكدال
وخلال الأشهر الماضية أظهرت أذرع تنظيم "القاعدة" الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي، ومن بينها "جبهة تحرير ماسينا" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، نقلة نوعية في قدراتها القتالية، إذ أحرجت القوات الحكومية في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو بصورة كبيرة من خلال هجمات دموية.
ويعد الباحث العسكري في شؤون الدفاع أكرم خريف أن "العنابي وريث دروكدال الذي قتل عام 2020 شمال مالي، والآن يدين أكبر قادة تنظيم 'القاعدة' ومن بينهم زعيم جماعة 'نصرة الإسلام والمسلمين' إياد آغ غالي وقائد 'جبهة تحرير ماسينا' أمادو كوفا بالولاء للعنابي".
وتابع خريف في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "العنابي مختف في مكان ما في ليبيا أو الجزائر أو تونس أو غيرها من دول المنطقة، لكن الثابت أن الرجل محاط بحراس شخصيين لأن له كثيراً من الأتباع والأنصار، باعتبار أنه أسهم بالفعل في بناء نفوذ واسع لتنظيم 'القاعدة' في الساحل الأفريقي خلال الأعوام الأخيرة"، مستدركاً "لكن الآن خفت نجمه ولم يعد يشكل خطراً كبيراً على منطقة الساحل الأفريقي أو دول الجوار، لأن كوفا وآغ غالي يمسكان الآن بزمام الأمور في أهم جماعتين تدينان بالولاء لـ 'القاعدة' وللعنابي شخصياً".
خبرة ونفوذ
ويعد العنابي من أكثر الرؤوس المطلوبة لدى الولايات المتحدة الأميركية، إذ رصدت واشنطن مكافأة ضخمة تقدر بـ 7 ملايين دولار لاعتقاله أو إبلاغها عن مكان إقامته واختبائه، وقال الباحث السياسي النيجري المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد أوال إن "العنابي استطاع خلال العقود الفائتة بناء شبكة نفوذ واسعة من خلال احتكاك كبير بقادة تنظيم 'القاعدة' في المنتديات الإعلامية أو غير ذلك، ناهيك عن تنقله من شرق الجزائر مروراً بتونس وأفغانستان، وعودة للجزائر ثم مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغيرها من الدول".
وأوضح أوال في تصريح خاص "أن العنابي تمكن من بناء نفوذ مالي وسياسي واجتماعي قوي، لكن من المهم الإشارة إلى أمر مهم وهو أنه له من الدهاء ما يكفي، إذ كانت له خلافات مع دروكدال لكنه لم يخرجها إلى العلن حتى بعد مقتل الأخير وحصوله على تزكية في ظروف غامضة لخلافته على رأس التنظيم".
وتابع، "كذلك يملك العنابي خبرة في ميدان القتال مكنت ربما تنظيم 'القاعدة' من اكتساب قوة كبيرة خلال الأعوام الماضية، خصوصاً أنه اتخذ من الساحل الأفريقي منطلقاً جديداً لعملياته".
مصير غامض
ويرى كثر أن المكافأة التي تضعها واشنطن منذ أعوام في مقابل رأس العنابي، مع إدراجه ضمن قوائم سوداء من قبل الإدارة الأميركية والأمم المتحدة، ليس من فراغ بل يأتي كناقوس خطر لما يمثله الرجل الذي أعاد توحيد فروع من جماعات مسلحة تحت لواء تنظيم "القاعدة" على غرار جبهة الـ "ماسينا" وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، ومع ذلك لا يزال مصيره غامضاً بحسب أوال، الذي يقول إن "العنابي رجل نادر الظهور إعلامياً، وعلى رغم أنه في السابق كان يظهر في مقاطع فيديو دعائية وأيضاً في اجتماعات 'القاعدة' لكنه تراجع خلال الأعوام الماضية مما صعب مهمة تحديد مكان إقامته"، مشدداً على أنه "في حال جرى اعتقال العنابي أو تصفيته فإن ذلك سيشكل ضربة قاصمة لتنظيم 'القاعدة'، إذ لا توجد شخصية ذات كاريزما أو نفوذ مثله يمكن أن تتولى خلافته خلال المرحلة الراهنة، على رغم أن إياد آغ غالي يملك هذا الطموح وله نفوذ مهم لكن في مالي فقط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضغوط داخلية
ولا يبدو أن الضغوط الداخلية أقل وطأة من الضغوط الخارجية التي يتعرض لها العنابي، إذ كان يواجه معارضة متنامية لتوجهاته لكنه نجح في حسم الصراع لمصلحته، وكان الشق المناوئ له يدفع نحو تكثيف الهجمات بشكل ينهك الأنظمة في منطقة الساحل الأفريقي، وأيضاً يجعل من تنظيم "القاعدة" الإرهابي قادراً على استعادة عافيته انطلاقاً من المنطقة المذكورة.
ويذكر أوال أن "العنابي نجح في حسم الصراع، لكن حتى الآن لا يزال الغموض يلف الأجنحة التي يراهن عليها على رغم أن آغ غالي وكوفا أعلنا تبعيتهما له ويقومان بدور يعجز كثر في 'القاعدة' عن القيام به، وهو شن هجمات دموية تذكر بأن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً فعلياً لحكومات المنطقة".
وبيّن أوال أنه "من غير الواضح أيضاً من هم المقربون الجدد من تنظيم الإرهابي إلى العنابي، وما إذا كان حافظ على المقربين من سلفه دروكدال أم أنه أنشأ دائرة جديدة من المقربين إليه، لكن الثابت أن لديه نفوذاً كبيراً ومخلصين كثر".