Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما تحول الجماعات الانفصالية مطلب الاستقلال ذريعة للقتال

أهمها الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي أعلنت عن قيام "دولة أزواد" في تمبكتو وكيدال وغاو شمال مالي

 مسلحون من حركة إنقاذ أزواد في مالي ينتشرون في صحراء خارج ميناكا (أ ف ب)

ملخص

يعود تاريخ الحركات المسلحة في منطقة الساحل إلى عام 1969، حيث تشكلت في البداية مجموعات مطالبة بالانفصال، وقامت بمواجهات عنيفة مع الحكومة المالية ولم تنته إلا في 1996 بعد أن وقعت اتفاق "تمبكتو" الذي تخلى بموجبه المسلحون عن التمرد ودُمجوا في الجيش المالي، ولكن مع نهاية 2009 رجعت هذه الحركات للتمرد، وبدأت في إحياء النزعات العرقية والطائفية.

بعد أن غلبت عليها نشاطات التنظيمات الإرهابية والشبكات الإجرامية، تتصدر تحركات ومطالب وبيانات الجماعات الانفصالية المشهد السياسي في الساحل خلال السنوات الأخيرة، وباتت رقماً مهماً في المعادلة الأمنية، الأمر الذي زاد من متاعب ومخاوف الحكومات المحلية ودول الجوار من "تفتيت" المنطقة، لا سيما في ظل التجاوب الذي تلقاه من جهات خارجية تبحث عن التموقع وحماية مصالحها.

تاريخ من المواجهات

يعود تاريخ الحركات المسلحة في منطقة الساحل إلى 1969، حيث تشكلت في البداية مجموعات مطالبة بالانفصال، وقامت بمواجهات عنيفة مع الحكومة المالية ولم تنته إلا في 1996 بعد أن وقعت اتفاق "تمبكتو" الذي تخلى بموجبه المسلحون عن التمرد ودُمجوا في الجيش المالي، ولكن مع نهاية 2009 رجعت هذه الحركات للتمرد، وبدأت في إحياء النزعات العرقية والطائفية.

وتنشط في الساحل مجموعة من الحركات المسلحة التي لا تتبنى شعار "الجهاد" وليست لديها أفكار إسلامية، بل تهتم بمواجهة حكومات دول المنطقة انتقاماً من التهميش الذي يتعرض له السكان، وضد الفقر وانعدام العدالة وغياب التنمية، غير أن تحرك التنظيمات الإرهابية الذي اعتمد على استهداف الوجود العسكري الأجنبي والاختطافات غطى على ما يجري في المنطقة ومنع صوت "الانفصال" من الوصول.

أهم الحركات الانفصالية المسلحة

تحصي المنطقة عدداً من الحركات الانفصالية المسلحة، وأهمها الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي تأسست في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، وقد أعلنت في أبريل (نيسان) 2012 عن قيام "دولة أزواد" في تمبكتو وكيدال وغاو بشمال مالي، وهي ترى أن "الشعب الأزوادي له الحق في تحديد مركزه ومصيره، ولا يحق لدولة مالي الوجود على أرضه".

كما تتبنى كل من "الحركة العربية لتحرير أزواد"، التي تأسست في 2012، و"المجلس الأعلى لوحدة أزواد" الذي ظهر في 2013 ويضم الحركة الوطنية والحركة العربية ومجلس وحدة أزواد، العمل المسلح في سياق "قيام دولة للطوارق في منطقة أزواد بشمال مالي".

واندلعت ثورة الأزواد الأولى في مالي في 1963 و1964، أي بعد استقلال البلاد في 1960، ثم الثانية في 1996، والثالثة في 2012 أطلقها العائدون من ليبيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشكل النزعة الانفصالية لدى الأزواد في شمال مالي عاملاً مقوضاً لاستقرار الساحل، على اعتبار أن المناطق الأخرى في دول الجوار مثل النيجر وتشاد، ستتشجع على المطالبة بالتحرر والانفصال.

ويعتبر الأزواد مجموعة إثنية متعددة الثقافات تضم خليطاً من العرب والفولاني والسونغاي، إضافة إلى الطوارق الذين يشكلون غالبية المجموعة، ويصل عددهم إلى أربعة ملايين نسمة وفق آخر التقديرات، ويتحدثون بثلاث لهجات.

وتبلغ مساحة إقليم أزواد 822 ألف كيلومتر مربع أو ما يقارب 66 في المئة من مساحة دولة مالي الكلية البالغة مليوناً و240 ألف كلم مربع.

أسباب تصاعد مطالب الانفصال

يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية أنور بوسكرير، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن هشاشة الدول والحوكمة الرديئة والبطالة والصراعات الإثنية والاستغلال الأجنبي للموارد والانخراط العسكري الخارجي أفضى إلى ازدياد الفقر واليأس والهجرة غير الشرعية في منطقة الساحل، وفاقم تعدد المبادرات الأمنية مقابل غياب اقتراحات التنمية الفعالة، الأمر الذي دفع الشعوب المحلية إلى البحث عن حلول لا سيما في ظل الثروات الكبيرة والمتنوعة التي تحوزها المنطقة وتستفيد منها الأطراف الأجنبية".

 

 

ويوضح أن انتشار الجماعات الإرهابية التي غالبية عناصرها وقياداتها من الأجانب، واتخاذها الفكر الإرهابي والاعتداءات والنهب ضد السكان المحليين في كثير الأحيان، وتوسيع دائرة التعامل الأمني مع الوضع وما ترتب عن ذلك من معاناة شعوب المنطقة، شجع على ظهور الجماعات المسلحة الانفصالية، بغية حماية السكان وكذا مواجهة اعتداءات الإرهابيين وتقليص مساحة تحركاتهم، والضغط على الحكومات من أجل تحسين الوضع عبر ضمان الأمن والاهتمام بالتنمية وتوفير العدالة الاجتماعية أو المطالبة بالانفصال.

ويواصل بوسكرير، أنه كانت هناك عدة محاولات لتخفيف الضغط وبسط الأمن والاستقرار وأهم المبادرات ما يطلق عليها اتفاق الجزائر بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة غير الإرهابية، لكن الحكومات المتتالية الهشة وغير المستقرّة فشلت في إنشاء الظروف اللازمة لكي تلقي الجهات المتحاربة بسلاحها أرضاً، بدليل إنهاء المجلس العسكري في باماكو العمل بالاتفاق، ما أعاد إحياء النشاط المسلح وارتفعت معه أصوات المطالبة بالانفصال، وما تبعه من سقوط ضحايا من المواطنين والجيش الحكومي، لا سيما بعد استنجاد عسكريي مالي بقوات فاغنر الروسية المعروفة بطغيانها.

ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية أن السكان المحليين يخشون التخلي عن سلاحهم وسط عدم وضوح الرؤية، مشيراً إلى أنه لكسب ثقة المسلحين، يجب على دول المنطقة معالجة المطالب الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والثقافية للسكان ومعالجة مطالب المجتمع المدني، واللجوء إلى لا مركزية الدولة التي تعتبر خياراً جذاباً يمكنه أن يحل بشكل جزئي التوترات الجهوية والإثنية. وختم أن استمرار تهميش السكان المحليين والاعتماد على الأجنبي في بسط الاستقرار والأمن وغياب العدالة الاجتماعية يجعل مطلب الانفصال ينتعش بشكل يهدد وحدة دول منطقة الساحل.

فشل

ولم تحرز الحركات المسلحة أي تقدم منذ نشأتها وبقيت محدودة المساحة لأسباب عدة أهمها ضعف القدرات العسكرية وغياب الدعم المالي، لكن غيّرت سياساتها نحو التحالف مع التنظيمات الإرهابية على رغم الاختلافات الأيديولوجية، إذ تعاونت حركة الأزواد عام 2013 مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المحسوبة على القاعدة، للسيطرة على مدن في شمال مالي وتحقق الهدف بالفعل، كما تحالفت في 2017، جماعات وفصائل مع التنظيم الإرهابي نفسه، لتكوين قوة موحدة لتحقيق مصلحة مشتركة.

وعلى رغم عدم وجود ما يثبت تعاون الحركات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، في الفترة الأخيرة وتحديداً منذ انسحاب القوات الأجنبية بقيادة فرنسا، إلا أن المتابعين المحليين يشيرون إلى وجود تنسيق ميداني نسبي في بعض المناطق المالية، على اعتبار أن التحالفات تتغير وفق الظروف الميدانية والمصالح المشتركة، بخاصة أن الأمر لا يتعلق بالأيديولوجية، بل بتحالفات تكتيكية ومصلحية، فحركات الأزواد تسعى إلى حليف قوي لمساعدتهم عسكرياً في مواجهة الحكومة من أجل إقامة دولة مستقلة، في المقابل تسعى التنظيمات الإرهابية سواء من "القاعدة" أو "داعش" لتوسيع نفوذها لتأسيس دولة إسلامية.

ساحة صراع دولي

ويبدو أن المنطقة تحولت إلى ساحة صراع دولي بشكل مفضوح، حيث أفادت صحيفة "لوموند" الفرنسية نقلاً عن مصدر عسكري في مالي، أن مسلحين من الجماعات الانفصالية المنضوية تحت "الإطار الاستراتيجي للدفاع عن شعب أزواد" توجهوا إلى أوكرانيا لتلقي تدريبات عسكرية باستخدام طائرات مسيّرة محملة بمتفجرات، بما في ذلك طائرات "في بي في" والمسيرات الثقيلة رباعية المروحيات، كما أكد المتحدث باسم الحركة وجود علاقات مع الأوكرانيين وقوى دولية أخرى، ما دفع حكومة مالي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا في 4 آب (أغسطس) 2024.

 

 

ولاحقاً اتخذت النيجر قراراً مشابهاً، وكان السبب الرسمي هو دعم أوكرانيا للمتمردين الأزواد، كما كاد أن يؤدي نشر السفارة الأوكرانية في داكار بالسنغال على "فيسبوك" منشور يدعم الهجمات في مالي، إلى توتر العلاقات لولا أن سارعت السنغال إلى استدعاء السفير الأوكراني للحصول على تفسير.

وبحسب المتابعين فإن التدخلات الدولية المتزايدة في المنطقة تلقي بظلالها على التحالف بين التنظيمات الإرهابية مثل "القاعدة وداعش" من جهة، وحركات الأزواد من جهة أخرى، إذ بينما تسعى بعض الفصائل الانفصالية إلى إعادة النظر في تحالفاتها مع الجماعات الإرهابية لتحقيق مكاسب سياسية، تستمر التنظيمات الإرهابية في توظيف التحالفات المحلية لتأمين موطئ قدم لها في شمال مالي.

إعلان الاستقلال  

يقول الصحافي المالي المختص في شؤون الساحل الأفريقي حسين أغ عيسى، إن الطوارق باعتبارهم الغالبية، يطالبون بانفصال الإقليم أو تمتعه بحكم ذاتي منذ سنوات، من أجل الحفاظ على الهوية الثقافية والسياسية والاقتصادية.

ويشير إلى أن أسباب هذه المطالب تعود إلى الإقصاء والتهميش الذي يعاني منه سكان الشمال، في ظل غياب التنمية الاقتصادية والخدمات الأساسية في مناطقهم.

 ويضيف عيسى أن المطالب تعود إلى ستينيات القرن الماضي حيث عرفت المنطقة مواجهات مسلحة بين الأزواد والحكومة المركزية في باماكو، وهدأ الوضع بعد فترة من الزمن بعد وساطات دولية عدة أبرزها من الجزائر، غير أنه عاد للانفجار مجدداً خلال فترة التسعينيات، وتفاقمت الأزمة في 2012 عندما أعلنت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" استقلال الإقليم من جهة واحدة.

ويتابع أغ عيسى، أن عودة الصراع تسببت في تهجير أكثر من 200 ألف مالي من المنطقة، إضافة إلى مئات الضحايا من الجانبين، لتتدخل الجزائر التي تمكنت من الوصول إلى وقف إطلاق النار بين الإخوة وتوقيع اتفاق "السلم والمصالحة" في مارس (آذار) 2015 الذي نص على منح الإقليم حكماً ذاتياً موسعاً، ودمج المسلحين الأزواد في الجيش المالي، وتعزيز تمثيل المنطقة في المؤسسات السياسية والإدارية.

ويقول الصحافي المالي، "لم يصمد الاتفاق طويلاً، إذ دفع الانقلاب العسكري في مالي الذي قاده العقيد آسيمي غويتا عام 2021 إلى تجدد الصراع مرة أخرى".

غياب الإرادة السياسية والحل في المفاوضات

ويرى عيسى أن فشل الاتفاقات السابقة، نتيجة لغياب الإرادة السياسية، والصراع الداخلي بين الأطراف المتفاوضة، وعدم جدية الأطراف في تطبيق ما تنصه الاتفاقيات، مضيفاً أن الحكومة المالية ماطلت في تطبيق بعض البنود، مثل نقل الصلاحيات إلى السلطات المحلية في الشمال، بينما أبدت الحركات الأزوادية شكوكاً حول التزام باماكو بالاتفاق.

وأوضح أن القوات الروسية تعمل كقوة داعمة للحكومة الانتقالية في مالي ضد الجماعات المسلحة، بما فيها حركات أزواد، لكنها ترتكب انتهاكات ضد المدنيين، مما يعمق الأزمة.

ويبيّن أغ عيسى، أن روسيا تسعى لتعزيز نفوذها في منطقة الساحل، مستغلة الصراع بين الحركات الأزوادية والحكومة المركزية، مشدداً على أن الحل المستدام لهذه الأزمة يكمن في تحقيق مصالحة وطنية شاملة حقيقية تعطي الأولوية لتنفيذ الاتفاقيات السابقة، وتعزيز التنمية في شمال مالي، وضمان تمثيل حقيقي للأزواد في الحكومة المركزية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير