Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مع من يقف "السوريون" في الحرب الإسرائيلية - الإيرانية؟

نحن هنا نتحدث عن وعي جمعي لتلك الشريحة الواسعة من كل مكونات وطوائف المجتمع السوري

في المواجهة الحالية بين تل أبيب وطهران، لا يمكن للمنطق السوري أن يصطف إلى جانب أي من الطرفين (أ ف ب)

ملخص

لم يعد خفياً على أحد في سوريا (تقريباً)، أن ما كان يطلق عليه النظام السوري السابق "محور المقاومة"، لم يقاوم خلال نصف قرن مضى، سوى شعوب المنطقة، وكثيراً ما كانت إسرائيل العصا التي ضرب بها الأسد الأب والابن، السوريين وحدهم.

الثامن من ديسمبر 2024: لم يدم الأسد للأبد، وسقط. حطم السوريون تماثيله ومزقوا صوره، دخلوا إلى قصره ومقاره العسكرية والأمنية، باحثين عن كل أثر لنظامه "الديكتاتوري"، لاقتلاع أكثر من خمسة عقود من القمع والقهر.

وليست بقايا الأسد (الأب والابن) وحدها التي كان السوريون يطاردونها، ففي عشرات المقار على امتداد الجغرافيا السورية، عثر على منشورات وصور، ذات صلة بالنظام الإيراني، الذي كان بمثابة نظام آخر رديف في سوريا، الامتثال له كان "فرض عين" على كل سوري، والإساءة له، كانت من "المحرمات" طبعاً.

 

ماذا فعل النظام الإيراني بـ"السوريين"؟

حتى قبل أن يستلم بشار الأسد السلطة في عام 2000، كانت العلاقة بين حكومة حافظ الأسد وطهران قوية جداً. شكل الطرفان معاً حلفاً متيناً، مدفوعين بعوامل عدة، يأتي في أولها العداء المشترك لنظام صدام حسين في العراق، والبعد الطائفي الجامع بينهما، وهو أمر لا يمكن إنكاره.

وسوريا، على مدى العقود الماضية، شكلت بالنسبة إلى إيران الحليف الأساس في مشروع طهران المسمى "الهلال الشيعي"، منتهجة ـ أي إيران ـ استراتيجية تدعي أنها "محور المقاومة" ضد إسرائيل وأميركا. ووفقاً لتقرير في "وول ستريت جورنال"، فإن هذه الاستراتيجية الإيرانية تعتمد على شبكة من الميليشيات المتحالفة في لبنان والعراق وسوريا واليمن والأراضي الفلسطينية، وكلها متوافقة أيديولوجياً مع أجندة طهران "المناهضة للغرب".

لكن الدور أو التدخل الإيراني في سوريا، بدا مباشراً أكثر مع بدء الانتفاضة السورية ضد نظام بشار الأسد في مارس 2011، عندما شرعت إيران ترسل مجموعات صغيرة من ضباط الارتباط والخبرات الأمنية والاستخبارية، لمساندة الأسد في مواجهة التظاهرات السلمية المطالبة بإسقاط الحكم، التي اعتبرتها طهران تهديداً مباشراً وصريحاً لتوسعها الإقليمي في المنطقة.

ومع تصاعد الأحداث في نهاية عام 2011، إذ تحولت الانتفاضة الشعبية في مناطق سورية عدة إلى تمرد عسكري لمواجهة حملات القمع غير الإنسانية، بدأ نظام الملالي بإرسال مجموعات من "فيلق القدس".

ومنذ عام 2012، توسع الوجود العسكري الإيراني داخل سوريا، وأصبح له مقار ومراكز رسمية، وسيطر حتى على مفاصل القرار التي كانت بيد بشار الأسد، وكل ذلك بالتزامن مع تسهيل ودعم إيران لدخول ميليشيات "طائفية"، مارست أبشع الجرائم وأقذرها في حق السوريين، وفي مقدمها "حزب الله" اللبناني و"لواء أبو الفضل العباس" العراقي و"زينبيون" و"فاطميون".

أما نتيجة الدعم الإيراني للأسد، فكانت على مدى 14 عاماً، مئات الآلاف من القتلى السوريين، وآلاف المختفين قسراً، وملايين المهجرين، ما بين نازحين داخلياً ولاجئين خارج البلاد. جميعها جرائم، عن قصد، وخدمة لمشروع إيران التوسعي في الشرق الأوسط.

حتى في فترة ما بعد الثامن ديسمبر 2024، يبدو أن رؤوس السلطة في إيران، لم يتقبلوا أبداً خسارة حليفهم الأسد. وعلى رغم أن التصريحات الإيرانية الرسمية "أيدت" أو "دعمت" خيارات الشعب السوري ووحدة أراضيه، فيما بدا أنه خطاب دبلوماسي تقليدي، ظلت ميليشاتها تحاول العبث على الأراضي السورية.

هذا الأمر، تحدثت عنه الكاتبة والباحثة هدى رؤوف في مقالة نشرت بتاريخ الـ27 من ديسمبر 2024 في "اندبندنت عربية"، مشيرة إلى تخبط الدبلوماسية الإيرانية تجاه سوريا الجديدة، ففي حين حاولت الخارجية الإيرانية أن تظهر دبلوماسية بخطابها الرسمي، برزت تصريحات أخرى أثارت الشكوك بأن إيران بصدد التحرك في سوريا على نحو يخلق فوضى عبر تحريك خلايا نائمة أو تشكيل ميليشيات جديدة طائفية أو من بقايا الأجهزة الأمنية السورية.

من جانب آخر، أكد تحقيق استقصائي أجرته "بي بي سي" تورط شبكات من الحسابات الخارجية تنشط على منصة "إكس"، تعمل على تأجيج الطائفية ونشر خطاب الكراهية في سوريا ما بعد سقوط الأسد، ويدار جزء كبير منها من داخل إيران.

 

هل فرح السوريون بـ"الهجوم على إيران"!؟

نظرة سريعة واحدة على وسائل التواصل الاجتماعي منذ فجر الجمعة الماضي الـ13 من يونيو، حين أطلقت إسرائيل عمليتها "الأسد الصاعد" مستهدفة البرنامج النووي الإيراني، تكفي للكشف عما يمكن أن نطلق عليه بصورة من الصور، "تأييداً سورياً" لاستهداف مقار الحرس الثوري.

وما بين المزاح والجد، تناولت منشورات السوريين الحدث واسترجعت التجربة القاسية التي عانوها مع نظام "الملالي" وقادة الحرس، متسائلة كيف لقوات عسكرية أمعنت في قتل الشعب السوري وأظهرت شراسة وخبرة وقوة في سحقه، أن تنهار على هذا النحو السريع والمفاجئ أمام الهجوم الإسرائيلي المتوقع منذ سنوات.

وعبر منشوراتهم  ذاتها، تمنى السوريون السلام والخلاص للشعب الإيراني العظيم، لعله يخرج سالماً من هذه الحرب مجهولة المصير، ومن قوقعة "الديكتاتورية" التي أدخل إليها قسراً.

إنهم السوريون أنفسهم، الذين وقفوا مع تظاهرات الإيرانيين ضد نظامهم الحاكم، عندما انتفضوا في كل أنحاء إيران احتجاجاً على مقتل الشابة مهسا أمينة على يد "شرطة الأخلاق"، وطلباً للحرية ولحياة أفضل.

مع العلم، أنه لم يعد خفياً على أحد في سوريا (تقريباً)، أن ما كان يطلق عليه النظام السوري السابق "محور المقاومة"، لم يقاوم خلال نصف قرن مضى، سوى شعوب المنطقة، وكثيراً ما كانت إسرائيل العصا التي ضرب بها الأسد الأب والابن، السوريين وحدهم.

هل يؤيد السوريون إسرائيل؟

إن كانت التجربة المريرة للسوريين مع نظام إيران تبلورت منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإن تجربتهم المريرة مع إسرائيل بدأت منذ عام 1967، وفي ذاكرتهم نكسة لا يمكن محوها أبداً، ومن قبلها نكبة حدثت عام 1948، آثارها باقية وتتمدد.

ولا يزال الجولان، حاضراً كبقعة تاريخية وجغرافية، يعتبرها السوريون والمجتمع الدولي أرضاً سورية خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، ولتذكرنا كل يوم، بموقفنا الإنساني والأخلاقي الذي يجب أن نتبناه. ناهيكم طبعاً، بالانتهاكات الإسرائيلية شبه اليومية التي تحصل فوق الأراضي السورية وداخلها، منذ اليوم التالي لرحيل الأسد المخلوع.

وبعيداً من  سوريا، تكفي مشاهد المجازر والمجاعة التي تحدث منذ أشهر عدة في غزة، حتى يكون الشعب السوري، بعيداً، كل البعد مما يمكن أن يقال إنه "تأييد" لإسرائيل.

من يؤيد السوريون إذاً؟

في المواجهة الحالية بين تل أبيب وطهران، لا يمكن للمنطق السوري أن يصطف إلى جانب أي من الطرفين. ونحن هنا حين نتحدث عن السوريين، فإنما نتحدث عن وعي جمعي لتلك الشريحة الواسعة من كل أطياف ومكونات وطوائف المجتمع السوري. أما أولئك الذين أرادوا الاصطفاف إلى جانب طرف دون آخر، في الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، فيعبرون عن أنفسهم فقط.

وفيما يبدو من المعطيات الموجودة على أرض الواقع في هذا الصراع، السوريون ليسوا لاعبين رئيسين، إنهم يشاهدون وينتظرون، فقط حتى اللحظة. وسوريا بعد 14 عاماً من الحرب والدمار، غير قادرة على الدخول في أية حرب أخرى جديدة، وهي تستحق أن تلتفت لترتيب شؤونها الداخلية وإعادة إعمار الإنسان قبل الحجارة.

المزيد من متابعات