Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معادلة الحرب والتفاوض: القنبلة أو النظام

غزارة القصف الإيراني كشفت بعد ساعات من صدمة الهجوم الإسرائيلي أن طهران ليست ضعيفة لكنها ليست بالقوة التي تدعيها

امرأة تمر أمام جدارية تصور جنديًا إسرائيليًا وطفلًا وأسدًا وتعكس اسم عملية إسرائيل "الأسد الصاعد" ضد إيران (أ ف ب)

 

ملخص

غير أن من الصعب الهرب من القاعدة التقليدية التي يعرفها القادة العسكريون، حين تدخل الحرب تفقد السيطرة على الأحداث وتصبح أسيرها، فليس لعمليات التقاصف الحالية أفق سياسي، هي مجرد تبادل الأذى والدمار في لعبة عض الأصابع وانتظار من يصرخ أولاً.

لعبة الأمم وصلت إلى المرحلة الأخيرة في ما تسميه إسرائيل "صراع وجود" مع إيران، وعملية "الأسد الصاعد" ضد إيران أكبر من مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسياسته الشخصية، وإطالة حرب غزة لإطالة عمر حكومته. إنها حرب إسرائيل التي تقول مع نتنياهو إنه إذا حصلت إيران على سلاح نووي "فلن يكون هناك وجود لإسرائيل"، فالاستراتيجية الدائمة في إسرائيل هي "حصرية السلاح النووي فيها"، ورفض حصول أية دولة في الشرق الأوسط على القنبلة. وإيران التي دفعت مليارات الدولارات وتحملت أقسى العقوبات من أجل بناء مشروع نووي على مدى عقود تعرف أن بوليصة ضمان النظام هي امتلاك القنبلة، بصرف النظر عن النفي وحديث فتوى تحريم السلاح النووي والكلام على سلمية المشروع.

وما نراه حالياً هو قتال أمام "العتبة النووية" في طهران، صراع وجود ليس فيه عادة حل وسط. غير أن ما يدور من تقاصف لا يزال مضبوطاً على حافة حرب شاملة لا تريد أميركا الذهاب إليها، وتخشى طهران من عواقبها، وتسعى روسيا والصين وأوروبا والدول العربية إلى الحؤول دون انزلاق الأطراف إليها. تقاصف لم يقترب بعد من التوسع إلى خارج الجغرافيا الإيرانية والإسرائيلية، بحيث يبدو مفروضاً على إيران. عمليات عسكرية نوعية يريد الرئيس دونالد ترمب توظيفها في إجبار طهران على قبول شروطه في التفاوض على الملف النووي، بما يلغي إمكان الحصول على سلاح نووي. نوع من ممارسة قول كلازوفيتز "إن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى". أما إسرائيل، فإن ما تريده هو عرقلة التفاوض الأميركي - الإيراني، لأنها خائفة من الوصول إلى "باذار" إقليمي - دولي لا يناسبها، وبالتالي العمل لإنهاء المشروع النووي الإيراني بالقوة.

وليس خارج المألوف أن تصف طهران عملية "الأسد الصاعد" بأنها "لعب إسرائيلي بذيل الأسد"، ولا بالطبع أن يهدد وزير الدفاع الإسرائيلي بإحراق طهران، ويهدد الحرس الثوري بإحراق تل أبيب، لكن ما كشفت عنه العمليات العسكرية خطر جداً، وسط ما بقي خارج الكشف. من التفوق التكنولوجي الهائل إلى المعلومات الاستخبارية الدقيقة، التي قادت إلى قطع رؤوس قادة الجيش والحرس الثوري وعلماء الذرة. ومن إقامة الموساد قاعدة سرية للطائرات المسيرة داخل إيران، إلى عمليات كوماندوس على الأرض الإيرانية. فضلاً عن السيطرة الإسرائيلية على الأجواء في طهران والمدن الأخرى، من دون أية قدرة فعالة على الدفاع الجوي ضد الغارات.

ففي المرحلة الماضية كانت إسرائيل تضع ألف حساب لأية ضربة داخل إيران، خوفاً من هطول الصواريخ عليها من أذرع إيران الخارجية في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة، أما بعد إضعاف الأذرع في حرب غزة ولبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا، فإن نقل الحرب إلى الرأس الإيراني بات ممكناً من دون حساب لمشاركة الأذرع. والمعادلة المطروحة في التكامل العسكري والدبلوماسي بين أميركا وإسرائيل هي البرنامج النووي أو النظام، والرد الإيراني يعزز تمسك ترمب ونتنياهو بهذه المعادلة، فالتهديد بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، والمسارعة إلى تخصيب اليورانيوم بأعلى من نسبة 60 في المئة، يعني المخاطرة بحرب شاملة ضد إيران تخوضها أميركا علناً. وأية حرب شاملة تنتهي، لا فقط بخسارة البرنامج النووي، بل أيضاً بخسارة النظام والبرنامج. والخيار أمام طهران لا يزال متاحاً في فرصة ثانية لمعاودة التفاوض، كما يقول ترمب. وما تشترطه إيران، هو وقف العمليات الإسرائيلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن من الصعب الهرب من القاعدة التقليدية التي يعرفها القادة العسكريون، حين تدخل الحرب تفقد السيطرة على الأحداث وتصبح أسيرها، فليس لعمليات التقاصف الحالية أفق سياسي، هي مجرد تبادل الأذى والدمار في لعبة عض الأصابع وانتظار من يصرخ أولاً، ولا مخرج منها إلا بالتفاوض الأميركي - الإيراني على ما هو أكثر من البرنامج النووي. والمحلل الاستراتيجي البريطاني لورنس فريدمان البروفسور الفخري لدراسات الحرب في كلية الملك في لبنان، يرى في مقالة نشرتها "فورين أفيرز" أنه "بعد نهاية الحرب الباردة فقدت الحروب السريعة قوة الدفع، ولم تقدم الكثير، بحيث تحولت الصراعات إلى شيء عنيد جداً". وبكلام آخر، وداعاً للحروب السريعة والضربة القاضية.

 وما كشفت عنه غزارة القصف الإيراني بعد ساعات من صدمة الهجوم الإسرائيلي هو أن إيران ليست ضعيفة، لكنها ليست بالقوة التي تدعيها. فهي اعتادت المبالغة في قوتها إلى حد خرافي، مثل التهديد بإزالة إسرائيل من الوجود خلال "سبع دقائق ونصف دقيقة". وهي ترفع في العاصمة لافتات عن المسافة بالثواني إلى المدن في إسرائيل، لا بل تعتبر أن "محور المقاومة" الذي وصفه وزير الخارجية عباس عرقجي بأنه "مكون مهم جداً في قوة إيران" ليس سوى "طبقة ثانوية في عقيدة الدفاع والردع الإيرانية"، كما نقلت "فورين بوليسي" عن مسؤولين إيرانيين.

وفي رأي سوزان مالوني نائبة رئيس بروكنغز، فإن حرب إسرائيل في غزة ولبنان وسقوط نظام بشار الأسد "كسرت استراتيجية إيران الإقليمية، لكن إيران ضعيفة ليست أقل خطورة". وهذا ما تضعه أميركا وروسيا والصين والدول العربية في الحسابات، ضمن معادلة الحاجة إلى نظام إيراني من دون سلاح نووي ولا مشروع إقليمي له أذرع مسلحة.

 وقديماً قال كليمنصو، "أنا أعتذر - لآتيلا، ولكن فن ترتيب كيف يعيش الرجال أكثر تعقيداً من فن ذبحهم".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء