Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اجتماع استثنائي لدول الخليج وسط تصاعد الحرب على أبوابها

"مجلس التعاون" أكد أن التصعيد العسكري غير المسبوق بين إيران وإسرائيل فاقم التوتر في الإقليم

أعرب البيان الصادرعن الأمانة العامة للمجلس عن قلقه من دخول المنطقة في نفق من السيناريوهات المفتوحة (مجلس التعاون الخليجي)

ملخص

المجلس ناقش جملة من التحديات الناتجة عن هذا التصعيد، أبرزها أخطار استهداف المنشآت النووية وما قد يترتب عليها من آثار بيئية وإشعاعية، إلى جانب المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة وسلاسل الإمداد وحركة الملاحة البحرية في الممرات الحيوية بالخليج.

في لحظة إقليمية مشحونة بالتصعيد، وبين رسائل الردع المتبادلة التي تعبر أجواء الشرق الأوسط بصمت مقلق، عُقد الاجتماع الاستثنائي الـ48 لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عبر الاتصال المرئي، الإثنين، بدعوة عاجلة من دولة الكويت. جاء الاجتماع على وقع تحولات دراماتيكية فرضها التصعيد بين إيران وإسرائيل، وأعاد فتح ملفات شائكة تتقاطع فيها الجغرافيا مع الاستقرار.

أعرب البيان الصادر عن الأمانة العامة للمجلس عن قلقه من دخول المنطقة في نفق من السيناريوهات المفتوحة التي تنذر بتوسع رقعة الاشتباك، وتعطيل سلاسل الإمداد، والتهديدات المحتملة الناجمة عن استهداف منشآت نووية، وما يترتب عليها من ارتدادات بيئية وأمنية يصعب احتواؤها. وفيما تتابع العواصم الخليجية تطورات المشهد بقلق بالغ، جاء الاجتماع ليجدد تأكيد أن التنسيق السياسي والأمني لم يعد خياراً مؤجلاً، بل أولوية جماعية لمواجهة أخطار تتجاوز حدود الجغرافيا وتهدد استقرار الإقليم بأكمله.

وفي هذا السياق، قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم محمد البديوي: "إن الاجتماع الاستثنائي الـ48، الذي عُقد برئاسة وزير الخارجية الكويتي عبدالله اليحيا، بحث بصورة موسعة تطورات الأوضاع المتسارعة في المنطقة، لا سيما بعد التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران"، وأشار البديوي إلى أن "الضربات التي نُفذت أخيراً على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما تبعها من ردود عسكرية، شكلت تصعيداً غير مسبوق، فاقم منسوب التوتر، وأدى إلى انهيار المسارات السياسية وتعطيل قنوات الحوار، مما دفع دول المجلس إلى إدانة الأعمال العسكرية واعتبارها تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي".

وأضاف أن المجلس ناقش جملة من التحديات الناتجة عن هذا التصعيد، أبرزها أخطار استهداف المنشآت النووية وما قد يترتب عليها من آثار بيئية وإشعاعية، إلى جانب المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة وسلاسل الإمداد وحركة الملاحة البحرية في الممرات الحيوية بالخليج. وأوضح البديوي أن الأمانة العامة، ضمن استجابتها السريعة للتطورات، فعّلت مركز مجلس التعاون لإدارة حالات الطوارئ، لمتابعة المؤشرات البيئية والفنية، والتنسيق مع الجهات المختصة في الدول الأعضاء، مشيراً إلى أن المؤشرات الفنية لا تزال ضمن النطاق الآمن حتى اللحظة، مع استمرار حال الاستنفار الكامل ورفع الجاهزية في جميع مستويات الرصد والاستجابة. وختم الأمين العام بتأكيد تمسك مجلس التعاون بقيم العمل الجماعي ودرء النزاعات، مجدداً دعوته إلى ضبط النفس ووقف التصعيد العسكري، تفادياً لانزلاق أوسع يصعب احتواؤه.

تجاوزات إسرائيلية

في تطور لافت يعكس اتساع نطاق التصعيد بين إسرائيل وإيران، أعلنت طهران أن منشآت إنتاج الغاز في حقل "بارس الجنوبي" تعرضت لهجوم أدى إلى توقف جزئي في العمليات التشغيلية. وبحسب ما نقلته وكالة "رويترز"، فإن الهجوم نُسب إلى إسرائيل، وتسبب في تعطل بعض الوحدات في أكبر حقل غاز في العالم، الذي تتشارك إيران وقطر إنتاجه على جانبي الحدود البحرية في الخليج. يُعرف الحقل في الجانب القطري باسم "حقل الشمال"، ويُعد من أهم مصادر الغاز الطبيعي المسال إقليمياً ودولياً، مما يثير تساؤلات حول تداعيات استهداف منشأة ذات طابع مشترك، ومدى اتساع تأثير الصراع ليطاول البنية التحتية الحيوية للطاقة في الخليج. 

 

مصالح خليجية - إيرانية

على رغم التوترات الإقليمية، تحتفظ دول الخليج، بخاصة قطر والإمارات وسلطنة عمان، بمصالح اقتصادية مباشرة مع إيران في عدد من الملفات الحيوية. تواصل سلطنة عمان مشاريع مشتركة مع طهران في مجالات الغاز والنفط، ضمن اتفاقات بلغت قيمتها قرابة مليار دولار، بحسب تصريحات رسمية نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) مطلع عام 2023. أما السعودية، فمع انتهاء القطيعة الدبلوماسية وعودة التمثيل الرسمي، فبدأت تظهر بوادر شراكات إستراتيجية ملموسة بين الرياض وطهران في مجالات تتعلق بالأمن والطاقة، ترتكز على تأكيد المصلحة المشتركة وتحييد مصادر التوتر إقليمياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الانزلاق إلى مسرح الصراع

وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية"، يرى الصحافي الكويتي خالد الطراح أن قراءة المشهد الراهن بين إيران وإسرائيل لا يمكن أن تتم بمعزل عن مصالح دول مجلس التعاون الخليجي، التي تبدو مهددة أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط بسبب تداعيات المواجهة المباشرة، بل من خطر الانزلاق إلى مسرح صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل. ويحذر الطراح من أن طهران قد تسعى إلى جر الخليج إلى معركتها مع واشنطن وتل أبيب، عبر استهداف المصالح الأميركية المتمركزة في المنطقة، أو عبر ضرب الممرات الملاحية والمنشآت النفطية الحيوية، في محاولة لخلط أوراق الردع والضغط.ويضيف أن النظر إلى هذا التوتر من منظور ديني أو طائفي أو قومي يمثل انزلاقاً خطراً، فالمسألة، من وجهة نظره، يجب أن تُقرأ بواقعية سياسية مجردة، تُقدّم مصالح دول الخليج على أي اعتبار آخر. ويشير إلى أن إيران لا تميّز في مواقفها بين دول تحاول أداء دور الوسيط وأخرى تلتزم الحياد، إذ يقود القرار في طهران، وفق الطراح، المرجعيات الدينية ذات الرؤية الثورية المتمسكة بنهج "تصدير الثورة" الخمينية عبر أذرع مثل الحوثيين في اليمن، و"الحشد الشعبي" في العراق، و"حزب الله" في لبنان.

تحركات خليجية متأنية

ويشير الطراح إلى تهميش واضح لدور الرئيس الإيراني المنتخب في المشهد الحالي، وهو ما تكرر في محطات سابقة، بما في ذلك أثناء المفاوضات مع واشنطن، في مقابل تصعيد منهجي تمارسه الدوائر الدينية المتشددة، بهدف استخدام التأزيم كأداة ضغط إقليمي ودولي. وعلى رغم إشادته بالتحركات الخليجية، خصوصاً من السعودية وقطر، منذ الساعات الأولى للتصعيد، يرى أن نجاح الوساطة الخليجية مرتبط بإرادة إيرانية حقيقية لتغليب المسار السياسي والدبلوماسي، بدلاً من التهديد والوعيد، أو استعراض القوة على حساب أمن الجيران. 

تصدير الثورة

في قراءة تحليلية، يرى الكاتب السياسي السعودي سليمان العقيلي أن "مجلس التعاون الخليجي رفع منسوب قلقه بصورة غير مسبوقة إزاء الانزلاق المتسارع للمواجهة الإيرانية - الإسرائيلية نحو حرب شاملة أو شبه شاملة". ويصف الموقف الخليجي بأنه "تحذير صريح من الدخول في سيناريوهات مبهمة ومقلقة يصعب التنبؤ بمآلاتها". ويحذر من أن الحروب تدفع المتطرفين في أطراف النزاع إلى واجهة القيادة، مما يزيد من خشية المجلس من صعود "العقول الحارة" في طهران وتل أبيب، التي تتبنى أوهام فرض خرائط نفوذ على منطقة لا تمتلك شرعية التحكم فيها.ويضيف أن جوهر قلق دول المجلس لا يرتبط فقط بالمواجهة القائمة، بل بما بعدها، إذ قد لا يبشر المسار القادم بالاستقرار، بل بتداعيات تهدد مشروع التنمية الخليجية المستند إلى الاستقرار والانفتاح والدبلوماسية الهادئة. ويؤكد أن دول الخليج ليست قلقة على أمنها الذاتي فقط، بل على المسار العام للمنطقة والطريق الاقتصادي الذي تؤمن به، والذي تهدده مغامرات إقليمية تقودها أطماع إمبراطوريات منقرضة، على حد تعبيره.

تحركات سياسية خليجية

ويلفت إلى أن دول المجلس تنظر بجدية إلى أخطار بيئية وصحية محتملة نتيجة التصعيد النووي، إضافة إلى تهديد أمن الطاقة وحركة التجارة والاقتصاد الإقليمي والدولي. ويشير إلى أن أمن خطوط الطاقة مسؤولية دولية، وأي خطر يطاولها قد يدفع إلى تحالفات تتجاوز قدرة دول المنطقة على الاحتواء الذاتي. ويعتبر أن حجم التهديد يتجاوز قدرات المجلس وحده، وربما يتعدى طاقة القوى الآسيوية والأوروبية مجتمعة، مما يجعل المبادرة الحقيقية لصناعة السلام حكراً على الولايات المتحدة، بالتنسيق مع أطراف النزاع الرئيسة.

ويرى أن استهداف دول الخليج بصورة مباشرة غير مرجح، لكن الأخطار غير المباشرة قائمة، مثل خلق أزمات في سلاسل الإمداد أو تعطيل إمدادات الطاقة. ويستبعد تحركاً خليجياً موحداً بسبب تباين الرؤى السياسية وتفاوت العلاقات مع طهران، مرجحاً لجوء بعض الدول إلى مبادرات دبلوماسية أحادية. ويشير إلى أن المجلس يدعم الانفتاح السعودي - الإيراني، ويقف اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى جانب طهران، ليس فقط رغبة في التهدئة، بل إدراكاً أن سقوط إيران أو تفككها سيخلق خللاً إستراتيجياً خطراً في ميزان القوى، ويفتح الباب أمام حروب طويلة يقودها فائض القوة الإسرائيلية في الإقليم.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط