ملخص
تتركز الانتقادات على ما أثير حول كامل إدريس من فساد إبان توليه منصب رئيس "المنظمة العالمية للملكية الفكرية"، فضلاً عن ابتعاده من البلاد فترات طويلة مما يجعله مغيباً عن الواقع وما تعانيه من مشكلات وتحديات، إضافة إلى عدم إسهامه في أي من الجوانب المختلفة وبخاصة السياسي والثقافي.
ما إن أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبدالفتاح البرهان تعيين كامل الطيب إدريس رئيساً لمجلس الوزراء بصلاحيات تنفيذية واسعة، في إطار المساعي الجارية إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية تقود البلاد خلال هذه المرحلة الحرجة التي تشهد حرباً مستعرة بين الجيش و"الدعم السريع" منذ 25 شهراً، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بجملة انتقادات له من أطياف عدة في المجتمع.
وتتركز الانتقادات على ما أثير حوله من فساد إبان توليه منصب رئيس "المنظمة العالمية للملكية الفكرية"، فضلاً عن ابتعاده من البلاد فترات طويلة، مما يجعله مغيباً عن الواقع وما تعانيه من مشكلات وتحديات، إضافة إلى عدم إسهامه في أي من الجوانب المختلفة وبخاصة السياسي والثقافي.
ويرى عدد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي أن موضوع التعيينات في السودان، وبخاصة المناصب العليا، يفترض أن يبنى على ثلاث مسائل مهمة، وهي الكفاءة والنزاهة والبرنامج، لكن كامل الطيب إدريس لم يخرج من دائرة الأسماء أو الرموز المثيرة للجدل في جوانب كثيرة ومن أهمها الفساد.
حقائق مثبتة
ويشير أمين الإعلام السابق في "المؤتمر الوطني" إبراهيم الصديق في منشور على منصة "فيسبوك" إلى أن "حكاية تزوير رئيس الوزراء الجديد كامل إدريس حقائق مثبتة عالمياً، وصدر بخصوصها تقرير وترتبت عليها إجراءات أبرزها مغادرته منصبه كرئيس لمنظمة الملكية الفكرية"، متابعاً أن "تفاصيل الحادثة تعود لعام 2006 حين تقدم إدريس بطلب للسلطات السويسرية لتصحيح تاريخ ميلاده من الـ 26 من أغسطس (آب) عام 1945 إلى عام 1954 بحجة وجود خطأ مطبعي، مما أثار انتباه السلطات السويسرية التي طلبت ملفه من المنظمة بشبهة فساد، وقامت وحدة المراجعة في الأمم المتحدة بالتحقق الذي أظهر أن إدريس أعطى تاريخ ميلاد كاذب".
وتابع المتحدث أنه "في المرة الأولى ادعى إدريس أنه من مواليد عام 1954 عند التقديم ليبدو أنه أكبر من عمره بتسع سنوات عندما تقدم إلى الوظيفة عام 1982 والتي تتطلب خبرة 10 أعوام حتى يكون عمره قريباً من شروط الترشح للوظيفة، ولاحقاً حاول استرجاع تاريخ ميلاده عام 2006 بعد 24 عاماً فى المنظمة، مما يجعله أصغر بتسع سنوات ويزيد مبلغ تقاعده، فضلاً عن اتضاح نيله ماجستير الآداب في الدراسات الأفريقية وليس القانون الدولي".
وأردف أمين الإعلام السابق أنه "بناء على كل ذلك ووقائع أخرى أُجبر إدريس على الاستقالة من منصبه قبل عام من نهاية مدته، فقد ترك عمله في منظمة الملكية الفكرية قبل أكثر من 28 عاماً، مع أنه قضى في خدمتها 24 عاماً، لكنها لم تستعن به في أية مهمة أخرى كخبير وصاحب تجربة، لأنها تعرف معنى شفافية".
وضع شمولي
فيما يرى رئيس "حزب الأمة" مبارك الفاضل المهدي أن "قرار تعيين كامل إدريس لرئاسة الوزراء جاء في إطار الوضع الشمولي الذي نتج من التعديلات الأخيرة على الوثيقة الدستورية، فهو يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد في ظل الظروف الراهنة التي تتطلب رؤية واضحة وإجراءات فعالة للتعامل مع الأزمات التي تشهدها بلادنا"، موضحاً في منشور على "فيسبوك" أن "الوطن في حاجة ماسة إلى اتخاذ قرارات حكيمة وسريعة تستجيب لنداءات المجتمع الدولي والضمير الإنساني"، ومشدداً على أهمية وقف الحرب التي تسببت في تدمير كثير من مقومات الدولة، فضلاً عن أهمية الحفاظ على كيان الدولة السودانية في هذه الأوقات العصيبة.
ويؤكد رئيس "حزب الأمة" أن "أي تعيينات أو تغييرات في المناصب الحكومية لن تكون لها قيمة حقيقية ما لم يحقق السلام واستعادة الشرعية، فضلاً عن أهمية استعادة روح الثورة التي انطلقت من أجل تحقيق العدالة والديمقراطية، إذ إن الحلول الجذرية تتطلب التوافق بين جميع الأطراف المعنية لضمان مستقبل أفضل للسودان".
خيارات محدودة
وفي السياق أوضح الباحث الاقتصادي معتصم الأقرع أنه "بغض النظر عن الرأي في رئيس الوزراء الجديد إن كان سلباً أو إيجاباً، وبغض النظر عن الرأي في حكومة البرهان، لكن الحقيقة هي أن خياراته في الوزراء ظلت محدودة بشدة مرعبة، إذ نجح الحلف الداعم لـ 'الدعم السريع' في عزل الجيش عزلة شبه كاملة عن طبقة الخبراء والتكنوقراط خارج دوائر الإسلاميين، فلا أحد من الخبراء يجرؤ على الاقتراب من الحكومة حتى لو كان من غلاة الحرب، حتى لا يدمغه ذلك الحلف في ذمته السياسية والأخلاقية بالتهم المعروفة الجاهزة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الأقرع أنه "إذا كان من الممكن استقطاب شخصيات مخالفة لا علاقة لها بالإخوان في ماض أو حاضر أو مستقبل، وأحياناً يكون انتماؤها العقدي للإسلام غير موجود أو في الأقل مشكوكاً فيه، فقط بسبب رفضها ميليشيات العنف الجنسي والغزو الأجنبي، فلك أن تتخيل حملات التشويه التي سيتعرض لها من يقبل الوزارة أو السفارة في الظرف الحالي".
واستطرد الباحث الاقتصادي أن "البرهان لا يجرؤ على تعيين مقتدر ذي ميول إسلامية، لأن حلف 'الدعم السريع' سيفسر التعيين كدليل دامغ علي سيطرة الإخوان علي الجيش، ومن ثم يتجول بذلك التعيين قميص عثمان في عواصم الاستعمار مطالباً أساتذة الشعوب بالتدخل الفوري لإنقاذ السودانيين من بربرية الإخوان".
ويرى الأقرع أن إحكام العزلة الخارجية والداخلية على حكومة بورتسودان بسرديات مزيفة أو مختزلة هي أهم إنجازات حلف "الدعم السريع"، وهو إنجاز بلا شك تقدره الجهات التي تمول الحلف ويبرر مواصلة تمويل جماعات لا تملك من القدرات سوى الوقاحة على الحق والكذب اليومي بلا حياء".
خداع مؤسسي
وبحسب وسائل إعلام محلية فإن تقرير شركة التدقيق الدولية "برايس ووترهاوس كوبرز"، وإضافة إلى اكتشاف تعمد إدريس تغيير سنة ميلاده ليمنح نفسه فرصة الاستمرار في المنصب فترة ثالثة، وهو ما وصف بالخداع المؤسسي، كشف أيضاً عن شبكة من التعيينات المشبوهة في صفوف المنظمة، إذ جرى توظيف أفراد لا يملكون الكفاءة ومعظمهم أبناء سفراء ودبلوماسيين، في محاولة لكسب دعم سياسي من دولهم على حساب مبدأ الكفاءة المهنية، وأوضحت تلك الوسائل أن التقرير أوصى بإلغاء ما يقارب 200 وظيفة، أي ربع موظفي المنظمة، مما يدل على مدى الترهل والفساد الإداري الذي ساد خلال تلك المرحلة.
تطبيع الحياة
في المقابل أثنى القيادي في "الكتلة الديمقراطية" الداعمة للجيش مبارك أردول على تعيين كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء، مؤكداً أن تعيينه في هذا الوقت العصيب يضع أمامه مهمات عدة ومعقدة تتطلب الصبر والعزيمة لإنجازها، وقال أردول إن "مهمات عدة تنتظر إدريس وتتمثل في إعادة إحياء الحكومة ودورها المدني وتطبيع الحياة، وإعادة تقديم الخدمات للمواطنين، فضلاً عن انتهاج سياسة تبني اللحمة الوطنية وتقود الانتقال وتنفذ 'اتفاق سلام جوبا' والتحضير لعملية الحوار السياسي السوداني الذي يقود لانتخابات عامة بنهايته".
ويرى القيادي في "الكتلة الديمقراطية" أن "بلادنا ظلت لفترة طويلة تفتقد خطوة ترك الجانب المدني ليقوم بواجبه تجاه الحكومة والمواطن، فليس هنالك كمال في شيء، فالجهد وإن شابه أي شيء فلا خيار سوى إسناده والمضي إلى الأمام".
نشأته ومشواره
وفي أول تصريح له عقب صدور مرسوم تعيينه، أعلن إدريس تنازله الكامل عن أية مخصصات مالية أو سكن حكومي خلال فترة توليه المنصب، مبدياً استعداده خدمة بلاده بروح تطوعية خالصة بعيداً من الامتيازات الرسمية، فضلاً عن التزامه بالإفصاح عن ذمته المالية بالكامل قبل أداء القسم الدستوري، وكذلك الحال بالنسبة إلى جميع أعضاء الحكومة المزمع تشكيلها.
وشغل كامل إدريس منصب المدير العام لـ "المنظمة العالمية للملكية الفكرية" (وايبو) ما بين نوفمبر (تشرين الثاني) 1997 وسبتمبر (أيلول) 2008، كما عمل أميناً عاماً للاتحاد الدولي لحماية المصنفات النباتية الجديدة، وسبق أن ترشح لرئاسة الجمهورية ضد الرئيس المعزول عمر البشير خلال انتخابات عام 2010.
ونشأ إدريس في كنف أسرة من الطبقة الوسطى في مدينة أم درمان عام 1954، وعاش حياته الأولى في حي الملازمين الشعبي بأم درمان حيث معقل طائفة الأنصار، لكنه اختار أن يجمع بين دراسة الفلسفة في جامعة القاهرة بالخرطوم والتبحر في دراسة القانون في جامعة الخرطوم، وقد نجح في المهمة المزدوجة بامتياز، وواصل مشواره الأكاديمي وحصل على درجة الماجستير من جامعة أوهايو الأميركية، ثم الدكتوراه من إحدى الجامعات السويسرية.
والتحق رئيس الوزراء الجديد عقب تخرجه بوزارة الخارجية السودانية لينضم من بعثة السودان في نيويورك إلى الأمم المتحدة حتى جرى انتخابه مديراً عاماً لـ "منظمة الملكية الفكرية" التي عمل فيها لأكثر من دورة، وبعد التقاعد تفرغ لإلقاء المحاضرات العامة وأسس مركزاً للتحكيم في لندن حيث يعيش رفقة أسرته.
ولمع نجم إدريس حين قاد مبادرة للتوسط في الأزمة السودانية منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث جمع في جنيف بين عراب "الحركة الإسلامية" حسن الترابي وأبرز معارضي الحكومة رئيس الوزراء المنقلب عليه وقتئذ الصادق المهدي، وعلى رغم أنه لم يكتب للمبادرة النجاح فإن إدريس واصل جهده في محاولة جمع الشمل السوداني، ونجح في قيادة وساطة عام 2014 أنهت اعتقال الصادق المهدي ورئيس "حزب المؤتمر السوداني المعارض" إبراهيم الشيخ، اللذين اعتقلا وقتها بسبب انتقادهما قوات الدعم السريع.
وترشح إدريس إلى جانب الرئيس السابق عمر البشير على رئاسة الجمهورية خلال انتخابات عام 2010 التي تلت توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005، وهي منافسة انتهت بخسارته تلك الانتخابات.