ملخص
وسط تنديد دولي ومخاوف من تعميق التوترات الإقليمية واتساع نطاق الحرب في السودان، استمر تبادل الهجمات الجوية وقصف المسيرات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" التي واصلت ضرب بورتسودان بالمسيرات.
لليوم السادس على التوالي واصلت الطائرات المسيرة فجر اليوم الجمعة التاسع من مايو (أيار) هجماتها على العاصمة الإدارية الموقتة بورتسودان في شرق السودان، ودوت أصوات الانفجارات والمضادات الأرضية في أرجاء المدينة. وبينما لم تكشف السلطات عن الخسائر التي أحدثتها الهجمات الجديدة، قالت قوات "الدعم السريع" على منصاتها بمواقع التواصل الاجتماعي إن المسيرات استهدفت مخازن أسلحة بالمدينة.
وقال مصدر عسكري سوداني اليوم الجمعة، "تعاملت مضاداتنا الأرضية مع عدد من مسيرات العدو كانت تستهدف منشآت ومواقع بالمدينة"، في حين أفاد شهود بوقوع ضربات على شمال وغرب وجنوب هذه المدينة الاستراتيجية لإيصال المساعدات الإنسانية.
عاصفة مسيرات
على نحو مواز تواصلت أمس الخميس عاصفة الطائرات المسيرة لتهاجم بجانب بورتسودان ست مدن رئيسة بالسودان، هي أم درمان بالعاصمة الخرطوم، وكوستي وكنانة بولاية النيل الأبيض جنوب البلاد، ومروي بولاية نهر النيل شمالاً، وكسلا شرقاً، والأبيض عاصمة شمال كردفان غرب البلاد، وأحدثت أضراراً متفاوتة بأهدافها.
في المقابل شنت مقاتلات الجيش هجمات جوية عنيفة على مواقع "الدعم السريع" في محيط مدينتي الأبيض وبارا شمال كردفان، والفاشر بشمال دارفور، مستهدفة منصات لانطلاق المسيرات هناك.
وأوضحت مصادر عسكرية أن دفاعات الجيش تمكنت خلال هجمات الأيام الماضية من إسقاط أكثر من 30 طائرة مسيرة معادية في عموم أنحاء السودان، أسقطت أربعاً منها أمس الخميس في سماء بورتسودان.
عمل الميناء والمطار
وعلى مدار الأيام الخمسة الماضية استهدفت سلسلة هجمات متتالية شنتها طائرات "الدعم السريع" المسيرة فرقة الجيش وسط المدينة، وقاعدة عثمان دقنة الجوية والمطار الدولي ومستودعات الوقود الاستراتيجية والميناء الجنوبي والكلية الجوية وأكبر فنادق المدينة.
وقال المدير العام لهيئة الموانئ البحرية المهندس جيلاني محمد جيلاني إن العمل في الموانئ السودانية، بتخصصاتها المختلفة، يسير بصورة طبيعية ومن دون مشكلات.
وأشار جيلاني إلى أن انقطاع التيار الكهربائي لم يؤثر في عمل الموانئ، لجهة أن الهيئة تمتلك مولداتها الخاصة لتغذية الكرينات (الرافعات)، وأن العمل مستمر في كل الظروف والأحوال.
وأصدرت سلطات مطار بورتسودان الدولي بياناً توضيحياً طمأنت فيه المسافرين إلى أن الرحلات الجوية تسير بصورة طبيعية وفق الجداول المعلنة، ولا توجد أي تأثيرات حالياً في حركة الطيران.
وقالت إدارة العمليات بالمطار أنها تعمل بتنسيق تام مع شركات الطيران لإعادة برمجة الرحلات السابقة، لضمان سلاسة الحركة وتسهيل إجراءات المسافرين المتأثرين.
إقرار ضمني
وفي إقرار ضمني للمرة الأولى بمسؤوليتها عن هجمات المسيرات على مدينة بورتسودان، توعد حذيفة أبو نوبة، رئيس المجلس الاستشاري التابع لـ "الدعم السريع"، قادة الجيش بأن يد قوات "الدعم" ستطاولهم في أي مكان يوجدون فيه، مردفاً "بعد أن رأى الجميع ما يحدث في بورتسودان هذه الأيام، فإنهم ليسوا آمنين بعد الآن في أي من ولايات السودان".
كوستي وكسلا
وبالتزامن مع هجمات بورتسودان، أكد شهود عيان في ولاية النيل الأبيض مهاجمة أربع مسيرات أمس الخميس لمستودعات مشتقات النفط بمدينة كوستي، مما أدى إلى اشتعال النيران بخزانات الوقود.
وأكد الشهود سماع دوي انفجار وتصاعد الدخان الكثيف من المستودعات النفطية، بالقرب من هيئة النقل النهري بمدينة كوستي.
وقبل أسبوع هاجمت مسيرة قيادة الفرقة 18 مشاة بالمدينة، مما أسفر عن مقتل 16 شخصاً بينهم عسكريين، كما استهدفت المستودعات نفسها، لكنها أحدثت خسائر طفيفة فيها.
كما قصفت المسيرات مدينتي "ربك" عاصمة ولاية النيل الأبيض و"تندلتي"، إحدى أكبر مدن الولاية في اليوم ذاته.
وفي ولاية كسلا شرق السودان استهدفت مسيرة أمس الحامية العسكرية هناك، وأثارت الرعب وسط السكان بالمناطق القريبة من محطات الكهرباء والحامية.
كما استهدفت المسيرات أمس للمرة الثانية الفرقة 11 مشاة، في منطقة "خشم القربة" بولاية كسلا.
مروي والأبيض
وأفاد شهود بأن الطائرات المسيرة لـ"الدعم السريع" هاجمت أمس لليوم الثاني على التوالي مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان بغرب البلاد، مستهدفة معسكراً للجيش السوداني بالمدينة، مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين. وفي مدينة مروي بالولاية الشمالية أفاد سكان محليون بسماعهم دوي انطلاق المضادات الأرضية، إثر هجوم شنته طائرات مسيرة أمس على الفرقة العسكرية بمدينة مروي بالمدينة.
دعوة مجلس الأمن
إلى ذلك دعت حكومة السودان الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية الأخرى وتلك الإقليمية إلى عقد اجتماعات طارئة، لبحث ما قالت إنه "عدوان إماراتي" على البلاد.
وكشف السفير حسين الأمين، وكيل وزارة الخارجية السودانية المكلف، عن توجيه رسائل في هذا الخصوص إلى رئيسَي الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى.
وطالب الأمين، خلال تنوير حول التطورات الأخيرة بالبلاد، المنظمات ووكالات الأمم المتحدة المقيمة في السودان، بإصدار "مواقف واضحة تدين التصعيد الأخير من دولة الإمارات ووكيلتها الميليشيات المتمردة".
الإمارات "ترفض بشدة" اتهامات بتوريد أسلحة لـ "الدعم السريع"
في هذا الوقت، نفت الإمارات أن تكون زودت قوات "الدعم السريع" أسلحة صينية في الحرب الدائرة في السودان، كما جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية الخميس.
وقال مساعد وزير الخارجية للشؤون الأمنية والعسكرية الإماراتي سالم الجابري، في بيان نشرته وزارة الخارجية الإماراتية على منصة "إكس" إن الإمارات "ترفض بشدة مزاعم تزويدها أي طرف متورط في الصراع الدائر في السودان بالأسلحة"، وأضاف الجابري أن "هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى الأدلة المثبتة".
ونشرت منظمة العفو الدولية، الخميس، تقريراً اتهم الإمارات بتزويد "الدعم السريع" أسلحة صينية تستخدمها في الحرب التي تخوضها منذ عامين ضد الجيش السوداني. وكشفت منظمة العفو الدولية عن رصد "قنابل صينية موجّهة من طراز جي بي 50 إيه وقذائف إيه إتش-4"، بالاستناد إلى تحليل صور لمخلّفات عُثر عليها بعد هجمات في الخرطوم وإقليم دارفور. وأوضح التقرير أن الأسلحة الصينية المرصودة تصنعها مجموعة "نورينكو" المعروفة باسم "تشاينا نورث إنداستريز غروب كوربورايشن ليميتد" وهي مجموعة دفاع مملوكة للدولة الصينية. وأكدت المنظمة الحقوقية غير الحكومية بالاستناد إلى بيانات معهد الأبحاث السويدي "ستوكهولم إنترناشونال بيس" أن "البلد الوحيد في العالم الذي استورد من الصين قذائف "إيه إتش-4 من 155 ميليمتراً هو الإمارات في العام 2019".
ووصف الجابري التقرير بـ"المضلل"، مضيفاً أن "مدفع الهاوتزر المشار إليه في التقرير هو نظام صُنع خارج الإمارات، ومتوفر في السوق الدولية منذ ما يقارب عقد"، وتابع "الادعاء بأن دولة واحدة فقط هي التي اشترت أو نقلت هذا النظام غير صحيح".
تحركات سياسية
في سياق آخر أعلن "حزب الأمة القومي" في اجتماع مكتبه التنسيقي برئاسة رئيسه المكلف فضل الله برمة ناصر، أنه سيطلق بالتعاون مع حلفائه، تحركات تشمل القوى السياسية وحلفاء السودان في العالم والإقليم، بحثاً عن مخرج ينهي الحرب ويوحد موقف القوى السياسية والمدنية والمجتمعية، حول برنامج يحقق تطلعات السودانيين في السلام والعدالة والمساواة والكرامة.
وجدد الحزب في بيان نداءه لكل من قيادة الجيش وقوات "الدعم السريع" وحلفائهما، الذي يؤكد أن الحرب لن تحقق هدفاً سياسياً مهما طال أمدها، ولا بد من العمل فوراً على وقفها.
الديمقراطية تدعو
ودانت "الكتلة الديمقراطية" التي تضم الحركات المسلحة وعدداً من الأحزاب السياسية والقوى الوطنية، هجمات الطائرات المسيرة التي نفذتها ميليشيات "الدعم السريع"، على مدينة بورتسودان وعدد آخر من المدن السودانية.
واعتبرت الكتلة أن "استهداف بورتسودان يمثل تصعيداً خطراً يهدد الأمن الإقليمي والدولي ويشكل جرائم حرب وانتهاكاً للقانون الدولي الإنساني"، معلنة تأييدها لقطع العلاقات مع الإمارات باعتبارها داعمة لميليشيات الدعم السريع.
تحذير إنساني
من جانبه حذر القيادي في التحالف الديمقراطي الثوري (صمود) ياسر عرمان، رئيس الحركة الشعبية (شمال) التيار الثوري، من أن الوضع الإنساني في كل أنحاء السودان بلغ مرحلة حرجة خصوصاً بعد أحداث مدينة بورتسودان كمقر لعدد من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والميناء الرئيس لإدخال المساعدات الإنسانية.
قال عرمان، في منشور على حسابه بـ"فيسبوك"، أن القمة الأميركية - السعودية التي ستجمع الرئيس دونالد ترمب مع الملك وولي العهد خلال زيارته المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية، تمثل فرصة نادرة تجمع أعلى مستوى في شركاء مبادرة ومنبر جدة، وتتيح تحريك المنبر وممارسة أقصى الضغوط لوقف الحرب وحماية المدنيين والوصول إلى اتفاق إنساني يعالج أكبر كارثة إنسانية يشهدها العالم اليوم.
الطيران بالفاشر
في محور دارفور تتابع مقاتلات الجيش الحربية منذ يومين غاراتها العنيفة على تجمعات قوات "الدعم السريع" في محيط مدينة الفاشر، وأدت إلى خسائر كبيرة في صفوف العدو، بما فيها مواقع يعتقد أنها منصات وقواعد لانطلاق المسيرات الاستراتيجية.
وقالت مصادر عسكرية إن الطيران الحربي شن غارات متتالية شرسة على مطار نيالا مساء وفجر أمس الخميس، أخرج خلالها مدرج المطار من الخدمة بصورة نهائية.
أكد المصدر أن الضربات الجوية دمرت حظائر للمركبات القتالية ومخازن للسلاح والذخائر والمسيرات، بجانب خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
كما استهدف تجمعات وعتاد عسكري للدعم السريع في مدينة الضعين، عاصمة ولاية شرق دارفور.
توترات بالدلنج
وأعلنت الفرقة السادسة مشاة بالفاشر، تدميرها مركبة قتالية للميليشيات شرق المدينة، ومقتل كل أفراد طاقمها.
وأكد تعميم للفرقة سيطرتها الكاملة وتقدمها في كل المحاور بالفاشر، واستمرارها في تمشيط أحياء ومحيط المدينة حماية للمدنيين.
في جنوب كردفان تشهد مدينة الدلنج توترات متصاعدة، إثر حشد قوات "الدعم السريع" وحليفتها الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، تمهيداً لهجوم مرتقب على المدينة.
وأعلنت السلطات المحلية بالمدينة إجراءات أمنية تحوطية مشددة بالمدينة، تحسباً لهجوم وشيك عليها.
مسيرة بأم درمان
وفي العاصمة الخرطوم شنت طائرة مسيرة أمس الخميس هجوماً على منطقة دار السلام غرب مدينة أم درمان، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أطفال وإصابة أربعة آخرين في الهجوم.
ودان بيان لشبكة أطباء السودان استمرار استهداف "الدعم السريع" للمناطق المأهولة بالسكان في أم درمان، والتوسع في استخدام المسيرات خلال الأسبوعين الأخيرين، والتعدي المتعمد على المرافق المدنية بصورة تؤدي إلى زيادة معاناة المدنيين.
وقالت غرفة طوارئ أم بدة إن خمسة مدنيين قتلوا إثر هجمات نفذتها قوات "الدعم السريع" على الحارة 26 دار السلام، أقصى غرب أم درمان.
وأكدت مصادر ميدانية استمرار المواجهات جنوب وغرب أم درمان، وتمكن قوات الجيش من التقدم والسيطرة على مزيد من المناطق، وبات على وشك إكمال سيطرته على محلية أم بدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحذيرات التوسع
في السياق حذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن تقنع هجمات الطائرات المسيرة المتوالية على مدينة بورتسودان، دولاً مطلة على البحر الأحمر، إلى تقديم مزيد من الدعم المباشر، نظراً إلى مخاوفها من امتداد الحرب نحو حدودها.
اعتبر تقرير للمجموعة حول تطورات الأوضاع في السودان الهجمات تطوراً استراتيجياً كبيراً يسهم في توسيع نطاق الحرب، ويؤدي إلى تعميق التوترات الإقليمية ويخاطر بجر القوى الإقليمية إلى الصراع، فضلاً عن مفاقمتها لمعاناة السكان.
"إيغاد" تحض
على صعيد ردود الفعل الدولية والإقليمية أعربت هيئة "إيغاد" عن إدانتها وقلقها البالغ لهجمات الطائرات المسيرة الأخيرة، التي استهدفت البنية التحتية الحيوية والمناطق المدنية في بورتسودان.
وحض ورقني قبيهو، السكرتير التنفيذي للهيئة، جميع الأطراف على وقف الأعمال العدائية من دون تأخير والانخراط في حوار شامل وبناء، مجدداً التزام "إيغاد" الثابت بالحل السلمي للأزمة والجلوس مع أصحاب المصلحة، دعماً لحماية المدنيين والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. أوضح قبيهو في بيان أمس الخميس أن أعمال العنف هذه تشكل تهديداً خطراً لأرواح المدنيين، وتنذر بتفاقم الوضع الإنساني والسياسي المتردي أصلاً، داعياً إلى توقف الهجمات على البنية التحتية المدنية فوراً.
تنديد عربي ودولي
وأعلنت السفارة الهولندية بالسودان تأييدها لما جاء في بيان الاتحاد الأوروبي بإدانة الهجمات على بورتسودان واستهداف البنية التحتية المدنية، بوصفه تصعيداً خطراً يهدد سلامة المدنيين السودانيين والعاملين الدوليين.
وقال بيان للسفارة إن هذه الأفعال التي تتم بدعم خارجي تمثل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وتقوض جهود تحقيق السلام بالسودان، مطالبة الدول التي تمول أو تسلح أطراف النزاع بوقف دعمها فوراً.
ودان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين الهجمات، التي استهدفت المنشآت الحيوية والاستراتيجية بالسودان.
ووجه المجلس في جلسته الطارئة بالعاصمة المصرية القاهرة أمس المنظمات العربية المتخصصة بتقديم الدعم الإنساني العاجل، وفي إعادة تأهيل المرافق المتضررة من الحرب بالسودان.