ملخص
يختتم ترينت ألكسندر أرنولد فصلاً أسطورياً مع ليفربول ويقترب من ريال مدريد، في خطوة تعكس طموحاته العالمية بعد أعوام من التألق في "أنفيلد"، إذ صنع لحظات خالدة وحقق كل البطولات الممكنة بقميص النادي العريق.
ستظل الركلة الركنية محفورة في الذاكرة، فهي من أعظم لحظات ليفربول في العقدين الأخيرين منذ نهائي إسطنبول، وقد جاءت نتاج إبداع خالص وهدوء خارق للطبيعة وموهبة شابة تجرأت، في ليلة سريالية بملعب "أنفيلد"، على إقصاء ليونيل ميسي وبرشلونة.
مرر ترينت ألكسندر أرنولد الكرة إلى ديفوك أوريغي بينما الجميع غافل، وفاز ليفربول بنتيجة (4-0) على برشلونة في واحدة من أشهر لحظات العودة الدرامية في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، كما كانت هذه اللحظة هي صناعة الأهداف المفضلة ليورغن كلوب طوال ثمانية أعوام ونصف العام في "ميرسيسايد".
وكان إرث ألكسندر أرنولد في ليفربول قد ترسخ بالفعل وهو لا يزال في مقتبل العشرينات من العمر، وإن كانت إحدى طرق تعزيز هذا الإرث هي أن يصبح لاعباً وفياً للنادي، وينضم إلى رموز ملعب "أنفيلد" مثل إيان كالاغان وجيمي كاراغر وستيفن جيرارد في نادي الـ700 مباراة، فإن الرؤية التي جعلت منه ظهيراً أيمن فريداً هي ما سيقوده، على رغم أن شيئاً لم يحسم بعد، إلى ريال مدريد الإسباني، فلطالما نظر ألكسندر أرنولد بعيداً مرسلاً تمريرات مذهلة عبر مساحات شاسعة، ولأعوام كان "أنفيلد" في مقدم المشهد لكنه كان يرى ملعب "بيرنابيو" في الأفق.
وقد تبدو فكرة "الظهير النجم" متناقضة، لكن إن وجدت فقد جسدها روبيرتو كارلوس من قبل، وسيكون ألكسندر أرنولد، المدافع الهجومي الآخر، وقد يكون وريثه الروحي.
وبالنسبة إلى ليفربول فسيكون هناك شعور مزدوج بأنهم يملكون بديلاً مستحقاً هو كونور برادلي، الذي ربما بات جيداً لدرجة لا تسمح ببقائه احتياطاً لوقت أطول، وأنه لا أحد يمكنه تكرار ما قدمه ألكسندر أرنولد الذي كان يمرر مثل كيفين دي بروين، ويرفع الكرات مثل ديفيد بيكهام، لكن منتقديه كانوا يسخرون من أنه لا يدافع مثل كايل ووكر.
ومع ذلك فإن وصول ألكسندر أرنولد إلى 100 مساهمة تهديفية بقميص ليفربول يبقى أمراً مذهلاً، فهو تخطى من بين آخرين فيرناندو توريس، وفي ريال مدريد قد يتخيل بعضهم كيليان مبابي أو فينيسيوس جونيور ينطلقان لالتقاط تمريراته العميقة، وقد يكون وجود نجوم من جيله ضمن مبرراته للرحيل، فهو الأصغر بين الجيل الذهبي لكلوب ويغادر الآن فريقاً بطلاً، لكنه أيضاً فريق تجاوز فيه أفضل اللاعبين سن الـ 30.
وعلى عكس ما يروج له من آراء مسمومة وساذجة على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يوجد في قراره أية خيانة أو عدم وفاء، فهو خيار مهني قد ينبع من رغبة مفهومة في خوض تجربة جديدة في بيئة ودوري مختلفين، في مقابل التساؤل عما إذا كانت أية بطولة ستحمل القيمة نفسها كما لو فاز بها مع نادي مدينته.
ويجب أن تكون هذه النسخة من الموسم تذكيراً بأن ريال مدريد لا يضمن دائماً المجد، فموسم ليفربول كان أفضل وأكثر اتزاناً أيضاً، ومع ذلك فإن ألكسندر أرنولد في عمر 23 سنة كان أصغر لاعب يشارك أساسياً في ثلاث نهائيات لدوري الأبطال، لكنه لم يظهر في ربع النهائي منذ ذلك الحين، وفي المقابل لا يزال ريال يحتفظ بجاذبيته الأسطورية.
وبالنسبة إلى ليفربول فإن الكارثة المحتملة بخسارة ثلاثة من أبرز نجوم الفريق من دون مقابل مالي جرى تجنبها، لكن لا يزال هناك ما يستدعي التساؤل عن الكيفية التي وصل بها النادي إلى هذا الوضع، فقد تواصل المدير الرياضي الجديد ريتشارد هيوز مع ممثلي ألكسندر أرنولد حتى قبل توليه منصبه رسمياً، وقدم في النهاية عرضاً كان سيجعل اللاعب من بين أعلى اللاعبين أجراً في مركزه على مستوى العالم، لكن يبدو أن السياق قد تغير خلال الفراغ الإداري الذي سبق تعيين هيوز.
وإذا عدنا بالزمن لعام 2023 فسنجد أن ألكسندر أرنولد كان متحمساً لحصوله على شارة نائب القائد في الفريق، وقد أظهر ذلك أن كلوب كان يملك خطة طويلة المدى، وفي النهاية جاءت مرحلة الانتقال بسلاسة لكن على مستوى مقاعد البدلاء، إذ تولى آرني سلوت المهمة خلفاً لكلوب، وعلى رغم أن ألكسندر أرنولد استمتع بالعمل تحت قيادة سلوت فإن الرجل الذي سيخلف فيرجيل فان دايك في ارتداء شارة القيادة لن يكون نائبه الحالي.
لكن شيئاً ما تغير خلال عام واحد، وبالنسبة إلى ناد يعرف بإدارته المحسوبة للمستقبل، فقد تصرف ليفربول بإهمال خلال موسم (2023-2024) عندما سمح بانتهاء عقود ثلاثة من نجومه في عام انتقالات حاسم في "أنفيلد"، فقد كان وضع فان دايك ومحمد صلاح مختلفاً دائماً، إذ إن عامل السن كان مبرراً للانتظار وتقييم مدى استمرارية مستواهما، كما أن رغبتهما في البقاء منحت النادي أفضلية تفاوضية.
وفي المقابل يشار كثيراً إلى صداقة ألكسندر أرنولد مع جود بيلينغهام كعامل مؤثر، بينما بدا مستقبله أكثر ميلاً نحو إسبانيا مع مرور الوقت، واللافت أن ريال مدريد غالباً ما يستغل مثل هذه الحالات، فهم لا يدفعون في مقابل المدافعين إذا كان بإمكانهم التعاقد مع ديفيد ألابا وأنطونيو روديغر مجاناً، وإن كان ذلك بأجور ضخمة.
وقد يكون شعور التفوق لدى ريال مدريد تجلى بوضوح في محاولتهم ضم ألكسندر أرنولد منتصف الشتاء، وكأن بإمكانهم الحصول عليه متى أرادوا، لكن ليفربول رفض العرض بصورة قاطعة، ولم تكن هذه خطوة تفاوضية حتى وإن كانت ستصب في مصلحة الظهير الأيمن في نهاية المطاف، فالانتقال المجاني قد يكون أكثر ربحاً له من صفقة بيع بقيمة 20 مليون جنيه إسترليني (26.77 مليون دولار).
لكن ريال مدريد كان بحاجة فعلية إليه في يناير (كانون الثاني) الماضي، إذ افتقر الفريق لظهير أيمن متخصص طوال معظم الموسم في ظل إصابة داني كارباخال، والاضطرار إلى استخدام لوكاس فاسكيز وفيدي فالفيردي خارج مراكزهما المعتادة، أما الموسم المقبل فسيملك الفريق اثنين من أفضل الأظهرة في العالم مع عودة بطل دوري الأبطال في ست مناسبات إلى كامل لياقته.
ويطرح ذلك تساؤلاً حول كيفية توظيفهما، فهل سيلعب كارباخال كقلب دفاع؟ وهل سيزج بألكسندر أرنولد في وسط الملعب أم سيجلس أحدهما على مقاعد البدلاء؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في ليفربول فلا حاجة للعودة إلى عام 2019 لاسترجاع أدلة التزامه، فخلال الأسبوع الماضي كان يرقص فرحاً على عشب "أنفيلد" إلى جوار زميله وصديقه الظهير الآخر أندي روبرتسون بعد الفوز بلقب الدوري أمام توتنهام في شراكة رائعة تجددت مرة أخرى، وقبلها بأيام جاء هدفه من التسديدة المقوسة ضد ليستر الذي قرب ليفربول من التتويج، ليحتفل بخلع القميص أمام جماهير الفريق المسافرة، وكان ذلك أول هدف له بالقدم اليسرى بقميص ليفربول، وإنجاز ظل غائباً عن سيرته الذاتية حتى تلك اللحظة.
ولم يبق الكثير، في الأقل على مستوى الأندية، فقد فاز ألكسندر أرنولد بكل شيء مع ليفربول، ويبدو أن لقب الدوري الثاني كان يعني له الكثير، إذ إن الأول جاء في ملاعب خالية من الجماهير، ولقد أضاف إنجازاً جديداً إلى قائمة أحلامه، فماذا بعد؟ وبالنسبة إلى كثير من لاعبي ليفربول في أجيال سابقة فقد كانت الإجابة تكمن في تكرار الإنجاز مرة بعد أخرى، لكن ليس للجميع، فقد أصابت بعضهم حمى الترحال مثل كيفن كيغن وإيان راش وغرايم سونيس الذين غادروا إلى الخارج وهم في ذروة مسيرتهم، ولم يفز أي منهم بكأس أوروبا مجدداً على رغم أن كيغن نال جائزة أفضل لاعب في أوروبا خلال فترته في هامبورغ، وقدم سونيس مستويات مميزة مع سامبدوريا.
أما المقارنات الأحدث فتمثلت في ستيف ماكمانامان ومايكل أوين وكلاهما ذهب إلى ريال مدريد، إذ أصبح ماكمانامان بطلاً لدوري الأبطال مرتين في "برنابيو"، بينما عاد أوين لإنجلترا بعد عام واحد من دون أن يجد طريق العودة لـ "أنفيلد" ممهداً كما حدث مع راش.
وربما اختار ألكسندر أرنولد أن يجعل من ماكمانامان قدوته، بينما كان بإمكانه أن يقتدي بجيرارد أو كاراغر، وإذا ما جرى تأكيد الصفقة فستكون من أقل الانتقالات إثارة للدهشة هذا الصيف، وربما لم يكن ألكسندر أرنولد ليخسر، أياً كان الخيار الذي اتخذه، فلقد غادر بصفته أحد عظماء ليفربول، لكن واحداً خلص إلى أن طموحاته باتت تمتد لما هو أبعد من "أنفيلد".