Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وارن بافيت... عراف الثروة

كيف حقق أرباحاً ضخمة من تعريفات ترمب الجمركية؟ وما السبب وراء رفضه العملات المشفرة؟

عاد بافيت ليطل من نافذة الأحداث أخيراً بعد أن أثبتت الأيام نجاعة رؤيته التي اعتبرها بعضهم ضرباً من الجنون (أ ف ب)

ملخص

تبدو حياة بافيت مليئة بالمواقف المثيرة، بدءاً من رؤيته للأسواق واستراتيجياته للاستثمار ومعاركه الهادئة في أسواق المال والأعمال، عطفاً على عزوفه عن الدخول في معارك الحياة السياسية مثل إيلون ماسك أو بيل غيتس.

إنه أحد أثرى أثرياء الولايات المتحدة والعالم، ويحتل المرتبة الرابعة في تصنيف كبار الأثرياء في الداخل الأميركي بثروة يقدرها بعضهم بـ160 مليار دولار.

يبلغ وارن بافيت من العمر 94 سنة، ويعتبر من بين أفضل أصحاب قصص النجاح في أميركا، وحقق نجاحاته عبر وسائل الثروة التقليدية من إنتاج وبيع وشراء، ولا سيما أنه بدأ حياته العملية وهو تلميذ يحقق دخلاً أعلى من مدرسيه.

تبدو حياة بافيت مليئة بالمواقف المثيرة، بدءاً من رؤيته للأسواق واستراتيجياته للاستثمار ومعاركه الهادئة في أسواق المال والأعمال، عطفاً على عزوفه عن الدخول في معارك الحياة السياسية مثل إيلون ماسك أو بيل غيتس.

ولعل أهم ما يميز حياة وارن بافيت ومسيرته كيفية إنفاقه لثروته، تحديداً تخصيص معظمها للأعمال الخيرية بمفرده تارة، وبالشراكة مع رجل "مايكروسوفت" الأشهر بيل غيتس تارة أخرى.

عاد بافيت ليطل من نافذة الأحداث أخيراً، بعد أن أثبتت الأيام نجاعة رؤيته التي اعتبرها بعضهم ضرباً من الجنون، كمثل احتفاظه بمليارات الدولارات نقداً، عطفاً على رفضه للتعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على دول العالم.

من أين للمرء أن يبدأ قصة هذا الرجل الذي أطلق عليه "عراف أوماها" لحذاقته في التنبؤ بمسارات الأسواق ومساقات الأسهم، مما مكنه من تحقيق ثروة طائلة خلال عقود عمره التي تقارب المئة؟

مليارات الدولارات نقداً

كان من المثير للغاية أن تكشف الدوريات الاقتصادية الرصينة عن قصة حيازة وارن بافيت لنحو 334 مليار دولار نقداً، من خلال بيع ما قيمته 134 مليار دولار من الأسهم قبل انهيار السوق عام 2025. وبات السؤال لماذا يشعر بافيت بالارتياح وهو يمتلك هذا الكم الهائل من الأموال؟ ولماذا يصر على رفضه للعملات المشفرة؟

لم يكُن امتلاك شركة وارن بافت "بيركشاير هاثاوي" لـ334 مليار دولار نقداً محض صدفة، فوفقاً لموقع "بيزنس إنسايدر"، جمع بافيت جزءاً كبيراً من رأس المال هذا من خلال بيع أسهم، وكأنه كان يملك أعين زرقاء اليمامة التي أخبرته بما سيجري لأسواق المال داخل أميركا.

في بداية عام 2024، امتلكت "بيركشاير" نحو 906 ملايين من أسهم "أبل" بقيمة 174 مليار دولار، وعلى مدى الأشهر التسعة التالية خفض بافيت وفريقه تلك الحصة بنسبة 67 في المئة لتصل إلى 300 مليون سهم. كما قلصوا حصة "بيركشاير" في بنك "أوف أميركا" بنسبة 34 في المئة، لتصل إلى 680 مليون سهم خلال النصف الثاني من العام.

 

وساعد هذا "البيع العدواني" كما يطلق عليه، على تجنب انخفاض كبير في الأسواق أوائل عام 2025، مما دعا المستثمر الأميركي الشهير لوك بلمار إلى القول "باع وارن بافيت القمة... إنه أمر أسطوري".

وكما توقع بافيت، ففي أوائل أبريل (نيسان) الماضي، شهدت أسواق الأسهم العالمية تراجعاً حاداً، ووفقاً لوكالة "رويترز" انخفض مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" أكثر من 10 في المئة خلال جلستي تداول فقط، وهو أسوأ تراجع له منذ الحرب العالمية الثانية.

هنا وفي هذا السياق، أثبت قرار بافيت بتخزين الأموال نبوءته الثاقبة، وبرز كملياردير وحيد من بين أكبر 10 أثرياء في العالم يحققون ربحاً عام 2025.

وأدت خطوة تخزين الدولارات نقداً إلى تحقيق بافيت 12.7 مليار دولار أرباحاً مضافة إلى ثروته، بينما خسر إيلون ماسك 130 مليار دولار، بعد أن أدت رسوم ترمب الجمركية إلى محو 5 تريليونات دولار من سوق الأسهم الأميركية في 48 ساعة.

تعريفات أم إعلان حرب؟

ربما تكون الرسوم الجمركية هي الكلمة المفضلة لترمب، أما بالنسبة إلى المستمثر الأسطوري وارن بافيت، فليس هناك ما يدعو إلى الحماسة.

فخلال مقابلة لبافيت الأحد في الثاني من مارس (آذار) الماضي عبر شبكة "سي بي أس"، قال إن "الرسوم الجمركية في الواقع، وقد كان لنا معها كثير من الخبرة، تعد بصورة أو بأخرى من أعمال الحرب".

وأضاف بافيت، الرئيس التنفيذي لشركة "بيركشاير هاثاواي"، أن الرسوم الجمركية مع مرور الوقت تعمل بمثابة ضريبة على السلع، ويمكن أن ترفع الأسعار للمستهلكين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر كذلك أن الرسوم الجمركية تعوّق التجارة بين الدول برفع الضرائب على السلع المستوردة، وغالباً ما تُنقل هذه الكلف الجديدة إلى المستهلكين من خلال زيادة الأسعار.

وخلال المقابلة المشار إليها، قال "حكيم أوماها"، المدينة التي يسكنها في ولاية نبراسكا في الغرب الأوسط من الولايات المتحدة، "من الأهمية بمكان أن نسأل، وماذا بعد ذلك؟ عند التفكير في تداعيات التعريفات الجمركية ومن سيتحمل الكلفة عليك دائماً أن تسأل من سيدفع الثمن؟".

لاحقاً وفي الـ10 من أبريل الماضي، كان بافيت يؤكد ومن جديد رفضه لتعريفات الرئيس الأميركي، على رغم ما أثير عبر مواقع التواصل من أنه أشاد بالسياسات الاقتصادية لترمب.

يومها أكد بافيت أنه لا يعتقد بأن التاريخ والاقتصاد يدعمان التوقعات المتفائلة للبيت الأبيض بأن الرسوم الجمركية الباهظة ستحفز النمو الاقتصادي.

وذكرت مراسلة شبكة "سي أن بي سي" بيكي كوبك أن بافيت قال إن أية تصريحات متداولة على وسائل التواصل حول الوضع الاقتصادي الحالي والتي يزعم أنها صادرة عن بافيت، ليست أصلية.

 

لكن وعلى رغم ذلك، من المؤكد أن بافيت قال "لن أتفاجأ إذا أدت المفاوضات مع دول أخرى إلى تخفيف الرسوم الجمركية بصورة ثنائية. سيكون ذلك مفيداً للولايات المتحدة والاقتصاد العالمي، وسيكون مفيداً أيضاً لشركة ’أمازون‘".

هل حاول بافيت موازنة تصريحاته ما بين السياسة والاقتصاد؟

المعروف أنه خلال الأعوام الأخيرة، توقف بافيت عن التعليق على السياسة أو غيرها من المواضيع المثيرة للجدل لأنه كما صرح لا يريد الإضرار بأعمال شركة "بيركشاير" بالإساءة إلى أي شخص. ولم يدعم هذا الديمقراطي المخضرم أي مرشحين علناً منذ ترشح هيلاري كلينتون للرئاسة عام 2016.

هل كان لرأي بافيت السلبي من تعريفات ترمب الجمركية أثراً واضحاً على عموم الأميركيين؟ وفقاً للكاتب وعالم النفس الأميركي روبرت سيالديني، يعد اللجوء إلى السلطة من أهم أساليب الإقناع، والفكرة هي أن الناس يميلون أكثر إلى تصديق ما يقر به شخص خبير موثوق به.

والثابت أنه عندما يتعلق الأمر بالمسائل المالية، لا يملك سوى قلة من الأميركيين نفوذاً يضاهي نفوذ وارن بافيت الذي يعد أسطورة استثمارية في تاريخ الولايات المتحدة.

فهل من فلسفة بعينها اتبعها بافيت جعلت منه الرجل الذي لا تخيب توقعاته؟

عن فلسفة الاستثمار

يتبع بافيت مدرسة بنيامين غراهام في الاستثمار القيمي، إذ يبحث مستثمرو القيمة عن أوراق مالية بأسعار منخفضة بصورة غير مبررة بناء على قيمتها الجوهرية. ولا توجد طريقة موحدة لتحديد القيمة الجوهرية، ولكن غالباً ما تُقدر من خلال تحليل أساسيات الشركة. ويبحث مستثمرو القيمة عن الأسهم التي يُعتقد بأن السوق تقلل من قيمتها الحقيقية أو التي لا تتقبلها غالبية المشترين.

ويرتقي بافيت بنهجه في الاستثمار القيمي إلى مستوى جديد. ولا يدعم كثير من مستثمري القيمة فرضية كفاءة السوق، وهي نظرية تشير إلى أن الأسهم تتداول دائماً بقيمتها العادلة، مما يصعّب على المستثمرين شراء الأسهم المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية أو بيعها بأسعار مبالغ فيها. ومع ذلك، فهم يثقون بأن السوق ستبدأ في النهاية بتفضيل الأسهم الجيدة التي كانت مقومة بأقل من قميتها الحقيقية لفترة من الوقت.

 

هنا كثيراً ما كان وارين بافيت يؤكد أهمية الاستثمار في الذات كوسيلة للنجاح، ويشمل ذلك اتخاذ خيارات مالية حكيمة، إضافة إلى تعزيز معرفتك في المجالات التي تسعى إلى الدخول فيها.

ولا يهتم بافيت كثيراً بتعقيدات العرض والطلب في سوق الأسهم، بل إنه لا يُعنى أصلاً بنشاط سوق الأسهم، مما يشير إليه في اقتباسه الشهير من بنجامين غراهام "على المدى القصير، السوق آلة تصويت، ولكن على المدى البعيد، آلة وزن".

وينظر بافيت إلى كل شركة ككل، فيختار أسهمها بناء على إمكاناتها الإجمالية فقط ولا يسعى إلى تحقيق مكاسب رأسمالية من خلال الاحتفاظ بهذه الأسهم كاستثمار طويل الأجل، بل يسعى إلى تملك شركات عالية الجودة تتمتع بقدرة فائقة على تحقيق الأرباح.

ولا يبالي بافيت، عند استثماره في شركة ما، بمدى إدراك السوق لقيمتها في نهاية المطاف، بل بمدى قدرة الشركة على تحقيق الربح كشركة.

هل بلور بافيت هذه الفلسفة يوماً ما عبر نصائح أو إجراءات حصرية بعينها يمكن السير عبر دروبها، ولا سيما بالنسبة إلى المستثمرين الجدد؟

نصائح بافيت

شارك بافيت فلسفته من خلال بعض النصائح المتميزة والمثيرة للتفكير على مر الأعوام، وهذه بعضها:

- إنتظر... ثم انقض، ينصح بافيت بأخذ نفس عميق والتراجع عند العثور على شركة ترغب في الاستثمار فيها. ويقترح منح السهم وقتاً ليصل إلى تقييم معقول، ثم الانتقال إليه عند تصحيح السوق.

- البقاء على المسار، لقد تنفست الصعداء وانتظرت، والآن حان وقت التحرك. يقترح بافيت أن تتجنب الذعر في هذه المرحلة، وتبيع ممتلكاتك عندما تتعثر. وفي مرحلة ما، ستتعثر. لا تبِع بل اشترِ.

وقال أخيراً خلال مقابلة مع قناة "سي أن بي سي"، "استمروا في الشراء. ستزدهر الأعمال الأميركية مع مرور الوقت، لذا فأنتم تعلمون أن عالم الاستثمار سيزدهر بصورة كبيرة".

- إختر الشركات وليس الأسهم، إحرص دائماً على تقييم وتحليل الأعمال التي تدعم أي سهم. حاول التركيز على الأعمال التي تفهمها والتي لديك بعض المعرفة بها. سيساعدك هذا على تقييم مسار الشركة، وليس فقط أين كانت وأين هي الآن.

 

وكان بافيت حتى وقت قريب يرفض الاستثمار في "غوغل" و"أمازون" لأنه اعترف بأنه لا يملك معرفة راسخة بصناعة الإنترنت، لذا وجد صعوبة في تحليل أسهمها.

- ثقف نفسك، هذه النصيحة مرتبطة بالصبر. إذا وجدت فرصة مثيرة للاهتمام في مجال لا تعرفه جيداً، فبادر بالقراءة والسؤال واستشارة المتخصصين. خصص وقتاً للتعلم.

ومن نصائح بافيت القيمة الأخرى أنه ينبغي التخطيط لامتلاك سهم لمدة 10 أعوام في الأقل، إن لم يكُن أكثر، مع الأخذ في الاعتبار أن الشركة لديها الوقت الكافي للتطور.

 وقال بافيت ذات مرة من عام 1996 لمساهمي شركته "بيركشاير هاثاوي"، "إذا لم تكُن مستعداً لامتلاك سهم لمدة 10 سنوات، فلا تفكر حتى في امتلاكه ولو لـ10 دقائق".

ولعل من بين أهم القضايا التي شارك بافيت برأيه فيها، تأتي إشكالية العملات المشفرة الرقمية، فهل ينصح هذا القطب المالي الكبير بالاستثمار فيها أم لا؟

عملات سم الفئران

على رغم أن العملات المشفرة، بخاصة "بيتكوين"، استحوذت على اهتمام المستثمرين خلال الأعوام الأخيرة، فإن بافيت حافظ على شكوكه.

وأثناء الاجتماع السنوي لشركة "بيركشاير" عام 2018، وصف "بيتكوين" بأنها "سم الفئران المريع"، وتوقع نهاية كارثية لها، بل ذهب أبعد من ذلك عام 2022، مصرحاً بأنه لن يدفع 25 دولاراً مقابل كامل المعروض العالمي من "بيتكوين".

 وقال بافيت آنذاك "لو أخبرتني أنك تمتلك كل الـ’بيتكوين‘ في العالم وعرضتها عليّ مقابل 25 دولاراً لما قبلتها، فماذا سأفعل بها؟ سأضطر إلى بيعها لك بطريقة أو بأخرى. إنها لن تجدي نفعاً".

 لماذا يكره بافيت "بيتكوين"؟

لا يزال كثير من المستثمرين يتساءلون عن سبب استمرار عداء بافيت لـ"بيتكوين"، فعلى سبيل المثال أشار رئيس أبحاث الأصول الرقمية في شركة "فان إيك" ماثيو سيغل إلى تقرير استقصائي يقدم إجابات ربما، إذ رجح التقرير أن تكون شركة "بيركشاير هاثاواي" تعارض عملة "بيتكوين" بسبب المخاوف حول قيمتها الجوهرية واستدامتها والتهديد المحتمل لمصالح الشركة التجارية.

وعام 2021، أنفقت شركة "بيركشاير هاثاواي" للطاقة التابعة للمجموعة، أكثر من 300 ألف دولار أميركي لتوظيف ثمانية من جماعات الضغط في تكساس، وكانت مهمتهم الترويج لخطة لبناء 10 محطات طاقة تعمل بالغاز الطبيعي بكلفة إجمالية قدرها 8 مليارات دولار أميركي، وفقاً لصحيفة "تكساس تريبيون".

ومع ذلك أعطى الرئيس التنفيذي السابق لشركة "إيركوت" ERCOT براد جونز الأولوية لحلّين آخرين لاستقرار الشبكة، تعدين "بيتكوين" وعزل الشبكة، على بناء محطات غاز جديدة. وعلى رغم ذلك، استمر حاكم تكساس دان باتريك في معارضة تعدين "بيتكوين" علناً، مدعياً أنه يزعزع استقرار الشبكة، ودحضدت "إيركوت" وكثير من الدراسات هذا الرأي.

وألمح تحقيق إلى أن موقف باتريك المناهض لـ"بيتكوين" ربما يكون متأثراً بجماعات ضغط "بيركشاير"، بخاصة المستشار الاستراتيجي للحاكم آلين بلاكمور.

هنا ربما أقنعت هذه الجماعات باتريك بدعم المصالح التجارية لـ"بيركشاير". وإذا فرضت قيوداً على تعدين "بيتكوين" فسيرتفع الطلب على محطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي، مما قد يضمن عقوداً بقيمة تزيد على 10 مليارات دولار لشركة "بيركشاير هاثاوي".

لكن ولأن الثنائية الأميركية، أي فعل الشيء وضده في الوقت نفسه، هي الروح الحاكمة في ذلك البلد، فإن بافيت نفسه، والعهدة على مجلة "فورتشن"، دخل سوق العملات المشفرة ولو بصورة غير مباشرة، فعام 2021، استثمرت "بيركشاير" 500 مليون دولار في شركة "هولدينغز"، وهي شركة مصرفية برازيلية تمتلك منصة عملات مشفرة خاصة بها. ثم استثمرت لاحقاً 250 مليون دولار أخرى.

وصحيح أن هذه المبالغ ليست ضخمة بالنسبة إلى شركة "بيركشاير هاثاواي" التي تبلغ قيمتها السوقية نحو تريليون دولار، وبالنظر إلى رأي بافيت العام في العملات المشفرة، فمن غير المتوقع أن يراهن رهانات ضخمة على هذه الأصول إن لم تكُن لديه توقعات بأنها رهانات صائبة في كل الأحوال.

أصول قيادة الشركات  

يقول ستيف تالين الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "سوناتافي تكنولوجي" Sonatafy Technology التي توفر مطوري ومهندسي البرمجيات القريبين ذوي الخبرة، عبر مجلة "فوربس" عدد أبريل الماضي، "يبدو أن بعض الناس يولدون قادة، بينما يجد آخرون صعوبة في إقناع الآخرين باتباعهم، بغض النظر عن معرفتهم وكفاءتهم".

ويضيف "كثيراً ما يسألني المديرون الصاعدون في شركتي عن متطلبات الوصول إلى منصب الرئيس التنفيذي، ودائماً ما أجيب الإجابة نفسها ’استمعوا إلى كلمات وارن بافيت‘".

ويؤمن بافيت بشدة بأن النجاح يأتي من تحديد بعض الأنشطة الأساسية والتفوق فيها بدلاً من إرهاق نفسك، وأن القادة الجيدين مستعدون للتعلم من أخطائهم، وهذا ما يُعلمه في مجال الأعمال العامة والقيادة.

في الواقع قال بافيت ذات مرة عبارته الشهيرة "عليك فقط أن تفعل عدداً قليلاً جداً من الأشياء الصحيحة في حياتك ما دام أنك لا تفعل كثيراً من الأشياء الخاطئة". إنها نصيحة بسيطة، لكن قلة من القادة يتقيدون بها، فمن السهل جداً أن يتحكم الغرور فيك كمدير.

وعندما كان بافيت يوظف في شركاته الخاصة، كان يختار من يراه أهلاً للثقة لشغل مناصب قيادية، وكتب ذات مرة رسالة إلى مساهميه، قال فيها "بعد أخطاء سابقة، تعلمت ألا أتعامل مع من أحبهم وأعجب بهم"، وأضاف لم ننجُ قط في إبرام صفقة جيدة مع شخص سيئ".

 

ويبحث بافيت عن كثير من الصفات في الأشخاص الذين يقوم بتوظفيهم ومن بينها:

- النزاهة، وهي مهمة جداً بالنسبة إليه لدرجة أنه يقول إنه يفضل توظيف شخص كسول وغبي على شخص يفتقر إلى النزاهة، فالشخص الذكي أو المتحمس للغاية الذي يفتقر إلى النزاهة، قد يكون أكثر ضرراً بالعمل. والقادة الجيدون متواضعون ومستعدون للاعتراف بأخطائهم.

- القدرة على قول لا، لا يدرك بافيت قيمة المال فقط، بل قيمة الوقت أيضاً. وهناك دوماً مقولته الشهيرة عن أهمية الرفض "الفرق بين الناجحين والناجحين حقاً هو أن الناجحين يقولون لا لكل شيء تقريباً".

وعندما قال هذه الكلمات، كان بافيت يتحدث عن الاستثمارات، لكن الأمر نفسه ينطبق على القيادة، فالذين يسعون إلى إرضاء الناس يتولون كل مهمة تطلب منهم، مما يرهقهم ويدفعهم إلى ارتكاب أخطاء.

بتعلمك قول لا وتقدير وقتك، سـتتمكن من التركيز على الأمور المهمة حقاً. ستوفر لك مزيداً من الوقت لنفسك ولإنجاز المهمات القليلة التي تتصدى لها بصورة صحيحة، مما يعني أخطاء أقل ونجاحات أكثر.

- القادة الجيدون يتعلمون دائماً، عندما تخرجت في ماجستير إدارة الأعمال، ربما شعرت بقدرتك على خوض غمار العالم. لكن إذا استرجعت تلك الفترة فربما تدرك أنك لم تكُن تعرف كل شيء. يمتلك أصحاب المناصب القيادية العليا عقوداً من الخبرة، وهذه الخبرة ليست مجرد "قضاء وقت" أو "انتظار دور"، لقد حان الوقت للتعلم من أخطائهم وأخطاء الآخرين.

 هنا يولي بافيت أهمية كبيرة للقدرة على الاعتراف بالأخطاء والتعلم منها وتصحيحها، ولا يقتصر الأمر على قيام القادة الجيدين بذلك مع أخطائهم فحسب، بل يهيئون أيضاً بيئة تمكّن فرقهم من القيام بذلك أيضاً.

نصائح لـ"جيل زد"

هل ترغب في أن تصبح مليونيراً؟

الجواب عند بريستون فور، الكاتب الشهير في مجلة "فورتشن" الذي يوجه هذا التساؤل للشباب من "جيل زد" بنوع خاص، أتود أن تضحى مثل وارن بافيت الذي بات مليونيراً عصامياً في عمر 30 سنة؟

وطلب من رئيس شركة "بيركشاير هاثاواي" تقديم نصيحته لمن يود من الأجيال المعاصرة أن يصبح مليونيراً، فكانت كلماته الأولى تدور حول عدم الخوف من ارتكاب أخطاء، ذلك أن من لا يخطئ لا يتعلم.

ويرى بافيت أن هذا الجيل واجه بداية متعثرة في مسيرته المهنية بسبب الجائحة وعدم الاستقرار الاقتصادي، ففشل بعضهم في تلبية التوقعات في بيئة العمل. لكن أولئك الذين يواجهون الشدائد كتحدٍ مباشر قد يكونون هم من يخرجون بثروة أكبر.

 

وعند بافيت أيضاً ضمن باقة نصائحه، أنه يمكن لشريك الأعمال المناسب أن يصنع نجاحك أو يدمره، وعليه فإن إحاطة نفسك بالأشخاص المناسبين هي فلسفة تبناها طوال حياته المهنية، إذ يعتبر الذكاء والطاقة والنزاهة أهم ثلاث خصائص يبحث عنها في شريك العمل.

وذات مرة عام 2014 قال بافيت خلال حديث إلى مجلة "فورتشن"، إن "زواج شخص ما لتغييره هو أمر جنوني، وتوظيف شخص ما لتغييره هو أمر مجنون بالقدر نفسه، والشراكة معه لتغييره جنون كذلك".

ويعطي بافيت الشباب من "جيل زد" ومن الأجيال كافة مثالاً نائبه تشارلي مونجر، وهو مثال لشخص نجح بافيت في التوافق معه وخلق شراكة استمرت مدى الحياة.

وكان مونجر الذراع اليمنى لبافيت لأكثر من أربعة عقود، فشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة "بيركشاير هاثاواي" من عام 1978 حتى وفاته عام 2023، وازدهرت علاقتهما لدرجة أن بافيت أشار أخيراً إلى مونجر باعتباره جزءاً من الأخ الأكبر، وجزءاً من الأب المحب.

 وحققت استثماراتهما معاً مليارات الدولارات، ويكمن السر في الاحترام المتبادل بينهما وقدرتهما على جعل بعضهما بعضاً يفكران بطرق مختلفة.

 وقال بافيت لشبكة "سي أن بي سي"، "في كل مرة أكون فيها مع تشارلي، أكتسب في الأقل منظوراً جديداً لفكرة ما، مما كان يدفعني إلى إعادة التفكير في بعض الأمور"، وأضاف "لقد استمتعت كثيراً بشراكتنا على مر السنين".

وحقق وارن بافيت مليونه الأول في أوائل الثلاثينيات، والآن يخبر "جيل زد" بأن مفتاح الثراء ليس العمل الجاد فحسب، بل الشركة التي تحافظ عليها وتنشئها مع شريك تثق به وترتاح إليه، ويوم يغيب تشعر بمشاعر بافيت ناحية مونجر.

خير لا محدود

هل يمكن اعتبار بافيت متعبداً في محراب الرأسمالية، عابداً للدولار وللمكاسب المالية، رجلاً يراكم الثروات ولا يفكر إلا في زيادة أرباحه، أم أن هناك وجهاً منيراً آخر لبافيت لا يعرفه سوى عدد قليل من الأشخاص؟

 المؤكد أن الرجل عام 2006 التزم التبرع تدريجاً بجميع أسهمه في شركته العالمية التريليونية "بيركشاير" للمؤسسات الخيرية، وأعلن أنه سعيد بذلك. وكان واضحاً جداً، "تعهدت بأنني سأخصص أكثر من 99 في المئة من ثروتي للأعمال الخيرية خلال حياتي أو بعد مماتي".

ومثّل بافيت مع بيل وميلندا غيتس ثلاثياً لعمل الخير في الداخل الأميركي غير مسبوق، بل وجه حديثه إلى المئات من كبار الأثرياء الأميركيين للتبرع بما لا يقل عن 50 في المئة من ثرواتهم للأعمال الخيرية، مما يشاركه فيه رجل "مايكروسوفت" الأشهر وزوجته قبل أن ينفصلا.

 

وأعطى بافيت لمحة عن الرأسمالية الخيرة، حتى في ما يتعلق بزوجته وأولاده، "هذا التعهد سيبقي نمط حياتي وحياة أطفالي سليمين. لقد حصلوا بالفعل على مبالغ طائلة لنفقاتهم الشخصية، وسيحصلون على مزيد في المستقبل. لكن إنفاق 99 في المئة من ثروتي الباقية أمر سيكون له أثر بالغ على صحة الآخرين ورفاهيتهم".

 ولم يعرف عن وارين بافيت البذخ أو العيش بجنون، كما كثير من الأثرياء الأميركيين، فلا يزال "عراف أوماها" يعيش في منزله الذي اشتراه في خمسينيات القرن الماضي، ويقود سيارة متواضعة بالقدر نفسه، ويفضل الاحتفاظ بأمواله بدلاً من سحبها من البنك، وكثيراً ما يتناول وجبات فطوره من محال "ماكدونالدز"، وعُرف بأنه استعار أثاثاً عند ولادة أطفاله.

بافيت الفصيح في البيضة يصيح، إذ بدأ ببناء ثروته من خلال الاستثمار في سوق الأوراق المالية بعمر 11 سنة، وقدم أول إقرار ضريبي عندما كان عمره 11 سنة.

وخلال مراهقته كان يجني نحو 175 دولاراً شهرياً من توزيع صحيفة "واشنطن بوست"، أي أكثر من دخل معلميه ومعظم البالغين.

وفي سن الـ16 جمع ما يعادل 53 ألف دولار من بيع التقويمات وكرات الغولف المستعملة والطوابع.

وفي كل الأحوال هناك مزيد عن حياة بافيت عبر مؤلفات كثيرة تناولت حياته وطرائق تفكيره، وجميعها يصب في خانة واحدة، الإبداع والابتكار طريق النجاح والتفرد.

المزيد من تقارير