Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاقتصاد الأميركي يظهر مرونة في مواجهة الاضطرابات التجارية

أثارت سياسات ترمب رياحاً معاكسة لكن اقتصاد البلاد يمضي قدماً في تجاوزها

يواصل الاقتصاد الأميركي خلق الوظائف بوتيرة مستقرة (غيتي)

ملخص

تشير العقود الآجلة المرتبطة بأسعار الفائدة حالياً إلى احتمال أقل من 40 في المئة أن يخفض صناع السياسات في "الفيدرالي" الفائدة بحلول اجتماع يونيو المقبل

تظهر أقوى اقتصادات العالم صموداً لافتاً في وجه ضغوط هائلة، إذ أضاف أرباب العمل في الولايات المتحدة وظائف جديدة الشهر الماضي بأكثر مما توقعه عديد من الاقتصاديين، فيما حافظ معدل البطالة المنخفض على استقراره.

وعلى رغم انكماش الاقتصاد الأميركي في الربع الأول من العام، فإن هذا التراجع جاء مشوهاً بفعل تدفق كبير في الواردات غطى على الطلب المحلي القوي نسبياً، في حين سجلت الأسواق المالية انتعاشاً حاداً بعد تراجعاًت أبريل (نيسان) الماضي.

لكن في المقابل تهدد اضطرابات حقيقية هذا الأساس القوي، إذ إن سياسات الرسوم الجمركية المتقلبة التي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى جانب الخفوض الحكومية وقيود الهجرة تربك حركة التجارة وتثير قلقاً عميقاً بين المستهلكين والشركات والمستثمرين.

أدت رسوم ترمب الجمركية البالغة 145 في المئة على الواردات الصينية إلى تراجع حاد في الشحنات القادمة من الصين، مما دفع كبار تجار التجزئة إلى التحذير من ارتفاع محتمل في الأسعار وحتى من نقص في بعض السلع.

وفي أوائل أبريل الماضي، توقع اقتصاديون أن احتمال دخول الاقتصاد الأميركي في حال ركود خلال العام المقبل بات ضعف ما كان عليه في بداية العام.

لكن، على رغم كل ذلك لا تزال الأمور تبدو جيدة بصورة مفاجئة في الوقت الراهن، وقال المتخصص الاقتصادي في "إنديد هايرينغ لاب" كوري ستاهلي لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "لشهر آخر على التوالي لم تبرر بيانات التوظيف الأميركية الرئيسة القلق والتشاؤم الذي سبق صدورها". وأضاف "خلافاً لمعظم التوقعات حافظ سوق العمل الأميركي على قوته في أبريل الماضي وكأنه بمنأى عن حال عدم اليقين المتصاعدة والتقلبات الناتجة من الرسوم الجمركية".

ويواصل الاقتصاد الأميركي خلق الوظائف بوتيرة مستقرة، إذ أضاف ما معدله 155 ألف وظيفة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو تراجع طفيف فقط عن متوسط المكاسب الشهرية لعام 2024 البالغ 168 ألف وظيفة. وعلى رغم تباطؤ وتيرة التوظيف فإن الشركات لا تزال حتى الآن مترددة في تسريح العمال، كما أن عدد طلبات إعانات البطالة الأولية لا يزال عند مستويات منخفضة.

وكان السبب الرئيس لانكماش الناتج المحلي الإجمال للبلاد في الربع الأول من هذا العام بنسبة سنوية 0.3 في المئة هو اندفاع المستوردين لجلب البضائع إلى الولايات المتحدة قبل بدء سريان الرسوم الجمركية.

ومع ذلك بقي الطلب في الاقتصاد قوياً، إذ تباطأ الإنفاق الاستهلاكي، الذي يعد المصدر الأكبر للطلب في الاقتصاد الأميركي إلى أدنى وتيرة له منذ منتصف عام 2023، لكنه مع ذلك سجل نمواً بنسبة 1.8 في المئة مقارنة بالربع السابق.

وانخفض إنفاق الحكومة الفيدرالية مدفوعاً بتراجع في المشتريات المرتبطة بالقطاع العسكري، لكن الإنفاق من جانب الشركات ظل قوياً.

الشركات تتجه نحو تقليص الإنفاق الاستثماري

وبفضل صمود البيانات الاقتصادية أجل المستثمرون توقعاتهم في شأن موعد خفض "الاحتياطي الفيدرالي" لأسعار الفائدة، إذ تشير العقود الآجلة المرتبطة بأسعار الفائدة حالياً إلى احتمال أقل من 40 في المئة أن يخفض صناع السياسات في "الفيدرالي" الفائدة بحلول اجتماع يونيو (حزيران) المقبل مقارنة بنحو 70 في المئة قبل شهر فحسب، ومن شبه المؤكد أن يبقي "الفيدرالي" على أسعار الفائدة من دون تغيير في اجتماعه المرتقب الأسبوع المقبل.

مع ذلك فإن المخاوف المتعلقة بالتعريفات الجمركية وأمن الوظائف وارتفاع الأسعار المحتمل تدفع بعض الأميركيين إلى تقليص إنفاقهم، إذ أفادت شركتا "أميركان إيرلاينز" و"دلتا إيرلاينز" بأن السفر الترفيهي المحلي تباطأ، لا سيما من جانب المسافرين الأكثر حساسية للأسعار.

وسجلت شركات تصنيع السلع الاستهلاكية، مثل "بروكتر أند غامبل" (منتجة حفاضات بامبرز) و"تشرش أند دوايت" (منتجة أوكسي كلين) تباطؤاً في نمو مبيعاتها داخل الولايات المتحدة خلال الربع الأول من هذا العام.

وشهدت سلاسل مطاعم مثل "تشيبوتلي مكسيكان غريل" و"ستاربكس" تباطؤاً في المبيعات الأميركية، وأفادت "ماكدونالدز" بأن مبيعات الفروع الأميركية التي كانت مفتوحة لأكثر من عام انخفضت بنسبة 3.6 في المئة في الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "ماكدونالدز"، كريستوفر كيمبكينسكي خلال مكالمة لمناقشة أرباح الشركة "المستهلكون من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط يعانون على وجه الخصوص من التأثير التراكمي للتضخم وتزايد القلق في شأن الآفاق الاقتصادية".

ودفعت حال عدم اليقين المحيطة بسياسات ترمب عديداً من الشركات الكبرى إلى سحب توقعاتها للأرباح هذا العام وتسريع جهود خفض الكلف.

وأعلنت "جنرال موتورز" هذا الأسبوع أن التعريفات الجمركية قد تمحو ما يصل إلى ربع صافي أرباحها لهذا العام، في حين حذرت "أبل" من أن الخطط الجمركية الحالية ستضيف 900 مليون دولار إلى كلفها في هذا الربع، مع احتمال ارتفاع هذا الرقم مستقبلاً.

وقال كبير الاقتصاديين في "أبولو غلوبال مانجمنت" تورستن سلوك، "نظراً إلى افتقارها إلى الموارد التي تتمتع بها الشركات الكبرى، قد تتضرر الشركات الصغيرة بصورة خاصة من ندرة السلع أو ارتفاع أسعارها"، مضيفاً أن "الإحصائية المهمة في هذا السياق هي أن 80 في المئة من الوظائف في الاقتصاد الأميركي تأتي من شركات تضم أقل من 500 موظف".

وتومض استطلاعات المستهلكين والشركات بإشارات تحذيرية، إذ أعلنت "كونفرنس بورد" أن مؤشر ثقة المستهلكين انخفض الشهر الماضي إلى أدنى مستوى له منذ مايو (أيار) 2020، أي بعد وقت قصير من تفشي الجائحة.

ويشعر الناس بقلق عميق تجاه سوق العمل، إذ قال 65 في المئة من الأميركيين الذين شملهم استطلاع "جامعة ميشيغان" الشهر الماضي إنهم يتوقعون ارتفاع معدلات البطالة خلال العام المقبل. وأظهرت استطلاعات التصنيع والخدمات التي أجرتها البنوك الإقليمية لـ"الاحتياطي الفيدرالي" أن الشركات تتجه نحو تقليص الإنفاق الاستثماري.

شلل قطاع التصنيع

من جانبه قال الرئيس التنفيذي لجمعية مصنعي إلينوي مارك دينزلر، "عندما تولى ترمب منصبه، شعر عديد من المصنعين بالحماسة أو التفاؤل في البداية، نظراً إلى إمكان إجراء إصلاحات ضريبية، وتسهيلات في التصاريح، وتخفيفات تنظيمية، إلى جانب اقتصاد كان جيداً نسبياً في ذلك الوقت، ثم جاءت مسألة الرسوم الجمركية وخلقت حالاً من عدم اليقين الحقيقي".

وأشار دينزلر إلى أن إحدى الشركات الألمانية في إلينوي كانت تستعد لشراء معدة صناعية باهظة الثمن من الصين، كان من شأنها أن تخلق وظائف جديدة في المصنع، لكن بسبب الكلفة الإضافية للرسوم الجمركية على الواردات، قررت الشركة التراجع عن عملية الشراء.

ويعاني عديد من المصنعين شللاً مشابهاً، إذ أفاد معهد إدارة التوريد الخميس الماضي بأن النشاط الصناعي انكمش للشهر الثاني على التوالي في أبريل الماضي مع إبلاغ الشركات عن اضطراب واسع بسبب الرسوم الجمركية.

السياحة تتعرض لضربة وهدوء التجزئة

تعرضت مؤشرات قطاع السياحة أيضاً لضربة، إذ تراجع عدد الزوار إلى لاس فيغاس بنسبة 7.8 في المئة في مارس (آذار) الماضي مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024، وفقاً لهيئة المؤتمرات والزوار في المدينة. ويقاطع الكنديون الذين كانوا لفترة طويلة المصدر الأول للزوار الدوليين إلى الولايات المتحدة الرحلات السياحية إلى أميركا احتجاجاً على تهديدات ترمب لسيادتهم، كما يسجل عدد أقل من المسافرين الأوروبيين زيارات إلى الولايات المتحدة.

أما على صعيد مبيعات التجزئة فيظهر تقرير أولي صادر عن "الاحتياطي الفيدرالي" في شيكاغو أن وتيرة الإنفاق هدأت في أبريل بعد موجة شراء سبقت تطبيق الرسوم الجمركية. ووفقاً لمؤشرات تشمل حركة الزبائن والتعاملات عبر البطاقات المصرفية، انخفضت مبيعات التجزئة باستثناء السيارات بنسبة 0.5 في المئة معدلة حسب التضخم مقارنة بالشهر السابق، بعدما كانت قد ارتفعت بنسبة واحد في المئة في مارس الماضي.

وكانت المخاوف من حدوث ركود تتزايد بصورة حادة في بداية الشهر الماضي، إذ وضع الاقتصاديون الذين استطلعت آراؤهم صحيفة "وول ستريت جورنال" احتمالية حدوث تراجع اقتصادي خلال العام المقبل عند 45 في المئة، مقارنة بـ22 في المئة في يناير (كانون الثاني) الماضي. وأجري الاستطلاع في 8 أبريل من هذا العام قبل يوم من تعليق ترمب لبعض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، بينما رفع الرسوم على الصين.

في حين أن هذه الاحتمالات ليست مرتفعة مثل الـ63 في المئة التي توقعها الاقتصاديون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وهو التوقع الذي لم يتحقق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن يعتقد الاقتصادي في "جيه بي مورغان تشيس" مايك فيرولي أن الاقتصاد الآن في خطر أكبر، وأن عديداً من الاقتصاديين ببساطة يشعرون بالقلق من أن يكونوا أخطأوا في توقع الركود مرة أخرى. وقال "لو لم تكن هناك تجربة عامي 2022 و2023، لكان الناس قد قالوا، نحن بالتأكيد ذاهبون إلى الركود".

من جانبه خفض كبير الاقتصاديين في "أي واي-بارثينون" غريغ وري داكو احتمالات حدوث الركود من 60 في المئة بداية أبريل الماضي إلى 45 في المئة.

ولم يكن هذا التغيير بسبب أي بيانات اقتصادية جديدة، بل لأنه يعتقد أن البيت الأبيض سيقلل من الرسوم الجمركية على الصين ويخفف الرسوم المفروضة على دول أخرى.

وبينما كانت المخاوف في شأن زيادات أسعار الفائدة من "الاحتياطي الفيدرالي" قد غذت مخاوف الاقتصاديين في 2022، إلا أن الاقتصاد كان لا يزال يتمتع بزخم قوي عند الخروج من جائحة "كوفيد"، إذ ساعدت التحفيزات الحكومية ورفع القيود على الإغلاقات في تحفيز الطلب القوي.

الاقتصاد الأميركي أكثر عرضة للصدمات

لكن كثيراً من هذا الزخم بعد "كوفيد" قد تلاشى، مما جعل الاقتصاد اليوم أكثر عرضة للصدمات، علاوة على أن التوترات التجارية التي آثارها ترمب تعوق بعض الصادرات الأميركية. وقال غاري ويشناكي صاحب مزرعة توت كبيرة في فلوريدا للصحيفة إن الغضب الكندي من ترمب دفع المتاجر الكبرى في كندا إلى التوقف عن شراء فاكهته، مما اضطره إلى البحث عن مشترين جدد في السوق المحلية، وأضاف أنه في السنوات الأخيرة، كانت كندا تمثل نحو 10 في المئة من مبيعات مزرعته، لكن المشكلة الأكبر التي أشار إليها كانت إحدى المشكلات المستمرة في الاقتصاد، وهي نقص العمالة، وقال الرئيس التنفيذي لشركة "لوغان كلوتش كوربوريشن" في كليفلاند أندرو لوغان إن صعوبة الشركة في العثور على عمالة ماهرة جعلتها أكثر استعداداً للتعامل مع التعريفات الجمركية.

واستثمرت الشركة المصنعة لقطع الآلات بصورة كبيرة في الأتمتة مع استمرار صعوبة العثور على عمال، مما ساعدها أيضاً في خفض كلف الإنتاج، وهو فائدة كبيرة الآن في ظل تهديد التعريفات الجمركية بزيادة بعض أسعار المدخلات، وفقاً لما ذكره لوغان. وأضاف أن الشركة تشتري معظم موادها من الولايات المتحدة، مما يحميها بصورة أكبر من التعريفات الجمركية، وقال "لكن التحدي الحقيقي سيكون عندما يبدأ مزيد من الشركات في إعادة تصنيع السلع والخدمات إلى الولايات المتحدة. هذا من المحتمل أن يضع ضغطاً على سلسلة التوريد الداخلية في الولايات المتحدة، مما سيرفع الكلف، وفي النهاية الأسعار".

اقرأ المزيد