Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوريا المرعوبة من العنف الطائفي تحلم بالعدالة الانتقالية

50 قتيلاً في حمص وحدها خلال شهر واستمرار عمليات الانتقام بأرياف اللاذقية وطرطوس وحماة

ملخص

منذ بداية مارس الماضي دخلت سوريا نفق الانتقام الطائفي، خصوصاً بعد الأحداث التي شهدها الساحل السوري، فيما تجري أعمال عنف في مناطق أخرى بصورة انتقائية، وسط غياب تشكيل هيئة خاصة بالعدالة الانتقالية في البلاد، مما يزيد من مخاوف شرائح سورية مختلفة من تداعيات تلك الجرائم على الصعيدين الداخلي والخارجي.

حينما بدأت إدارة العمليات العسكرية التي قادتها "هيئة تحرير الشام" بزعامة الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع بشن العملية العسكرية تجاه ريف حلب والسيطرة على المدينة ثم حماة وحمص وانهيار النظام في العاصمة وبقية المناطق التي كان يسيطر عليها قبل قرابة ستة أشهر، كان التسامح وعدم الانتقام الفوري سمة عامة لتحرك لتلك الفصائل السورية المنضوية ضمن تلك الغرفة العسكرية المعارضة.

الرئيس السوري عند وصوله إلى سدة الحكم وبقصد بث الطمأنينة بين السوريين رفع شعار تحقيق العدالة الانتقالية من خلال كلمته في مؤتمر "الحوار الوطني"، معلناً نيته تشكيل هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية في البلاد، لكن عقب ذلك بأيام وبالتحديد في السادس من مارس (آذار) الماضي شهد الساحل السوري عمليات قتل واسعة طاولت المدنيين في ما عرف بـ"أحداث الساحل" التي غلب عليها طابع القتل الطائفي للسوريين العلويين من قبل الفصائل المسلحة إثر تعرض عناصر قوى الأمن العام الحكومية للاعتداء من قبل مسلحي "فلول النظام السابق".

تقدر التقارير الحقوقية ومراكز الرصد والتوثيق عدد القتلى جراء الأحداث التي وقعت في بدايات مارس الماضي بنحو 1700 شخص بينهم شيوخ ونساء وأطفال، بل إن عائلات كاملة قضت نحبها جراء تلك الهجمات، خصوصاً في أرياف الساحل السوري، في حين أن الآلاف من العلويين فروا إلى لبنان، وآخرون التجأوا إلى القاعدة الروسية في حميميم، وفريق ثالث ترك منازله وتوارى في الأحراش والغابات المجاورة لقُراه.

الانتقام الانتقائي يتسع

كذلك توالت عمليات القتل في الأيام التالية، إذ سجل المرصد السوري مقتل نحو 50 شخصاً خلال شهر أبريل (نيسان) الجاري فقط في مدينة حمص ومناطقها، وذلك على خلفية الانتماء الطائفي، وجاء في تقرير صادر عنه السبت الماضي، أنه "مع غياب العدالة الانتقالية تحولت الهوية الطائفية أداة للصراع والتحريض مما يسهم في خلق بيئة خصبة للعداوات المستمرة، ويعرقل جهود بناء سلام مستدام قائم على العدل والمواطنة المتساوية". وأوضح أن المرصد السوري وثق منذ مطلع الشهر الجاري مقتل 49 مواطناً، هم 42 رجلاً و6 سيدات وطفل في محافظة حمص نتيجة استمرار العمليات الانتقامية على أساس طائفي في حق أبناء الطائفة العلوية، وفي ظل التجييش الطائفي الذي يؤدي إلى تأجيج الانقسامات وفتح الباب أمام عمليات انتقامية مدمرة تعصف بالحياة المدنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بقرار من الرئاسة السورية في التاسع من مارس الماضي للتحقيق في أحداث الساحل، فإن نتائج هذه التحقيقات لم تعلن بعد، لا سيما أن الرئاسة مددت مهمة عمل اللجنة لثلاثة أشهر تالية على أمل أن تنهي أعمالها خلال هذه الفترة.

وتطالب الأطراف الدولية دمشق بالتسريع في إعلان نتائج التحقيقات والحد من أعمال العنف التي تحدث على أساس طائفي، وخصوصاً في الساحل السوري، وبرزت تلك المواقف الدولية بصورة جلية في جلسة مجلس الأمن الخاصة بالملف السوري في الـ25 من الشهر الجاري، والتي حضرها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وقدم فيها المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون إحاطة عن مجمل الأوضاع، وركز فيها على أحداث العنف التي حدث في الساحل، وقال إنه التقى أفراداً من الطائفة العلوية أثناء وجوده في دمشق خلال الفترة الماضية، وسمع منهم روايات مروعة عن العنف الذي حدث.

من جهتها قالت القائمة بأعمال المندوب الدائم للولايات المتحدة في مجلس الأمن دوروثي شيا إنهم يتوقعون جراء قرار السلطات الموقتة تمديد ولاية لجنة التحقيق المستقلة في شأن أعمال عنف الساحل، استغلال هذا الوقت في زيارة جميع المواقع التي ارتكبت فيها "الفظائع" ومقابلة أكبر عدد ممكن من الناجين وإعداد تقرير شامل يفضي إلى اتخاذ إجراءات من قبل السلطات الموقتة، كما يتوقعون أيضاً محاسبة جميع الجناة، وبخاصة الشخصيات البارزة أو الذين يشغلون مناصب قيادية، موضحة أن "هذا سيرسل رسالة واضحة إلى جميع السوريين مفادها ألا أحد فوق القانون في سوريا الجديدة".

وأشار الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إلى أن المناطق الساحلية في سوريا لم تتعافَ بعد من الأحداث المأسوية الأخيرة، موضحاً أن نتائج عمل لجنة التحقيق وتقصي الحقائق "ستشكل أساس العلاقات المستقبلية بين دمشق والمجتمع العلوي، وكذلك الأقليات العرقية والدينية الأخرى".

تأخر نحو المجهول

إلى جانب هذه المواقف الدولية تنتاب السوريين الخشية من استمرار دوامة العنف في حال استمرار عمليات الانتقام كالتي تحدث في مناطق مختلفة في البلاد، وقال مصدر سوري رفض الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، إن حالات انتقاء انتقامية تحصل في مناطق عدة في سوريا، بما فيها أحياء في العاصمة دمشق من عناصر غير معروفة، وغالباً تحدث في ساعات الليل، وغالبية هؤلاء من المتورطين في أحداث عنف مع النظام السابق، في حين ترفض الجهات الحكومية التعليق على مثل هذه الأحداث.

لكن الأكثر إثارة لمخاوف السوريين هو استمرار عمليات الانتقام في المناطق التي يقطنها العلويون، لا سيما في أرياف اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص، بخاصة أن هذه الأعمال تجري بصورة متكتمة ومن دون الكشف عن ملابساتها لوسائل الإعلام، وفي حادثة في العاصمة دمشق قتل أربعة أشخاص بمسدسات كاتمة للصوت، وكشف نشطاًء المرصد السوري لحقوق الإنسان تفاصيل الحادثة المريبة، حيث دخل مسلحون مجهولون يستقلون سيارة من نوع "سنتافيه" إلى حي "عش الورور" في دمشق، واجتازوا حواجز الأمن العام عند المدخلين الرئيسين للحي، واغتالوا أربعة مواطنين من الطائفة العلوية، وهم أعضاء مجلس صلح لحل النزاعات الصغيرة في الأحياء، من دون استدعاء الأمن العام، بحسب المرصد.

ووفق إحصاءات المرصد، فقد بلغ عدد ضحايا السلوكيات الانتقامية والتصفية منذ مطلع عام 2025 في محافظات سورية متفرقة 558 شخاصاً لدواعٍ طائفية في الغالب.

هذه الأعمال تشكل عقبة كبيرة أمام سوريا الجديدة في مجالات عدة، لا سيما الاجتماعية والسياسية، فما جرى في الساحل السوري يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، حيث تسلمت النيابة العامة الفرنسية في بداية أبريل الجاري دعوى قضائية ضد رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع وعدد من وزرائه بتهمة "الإبادة الجماعية والتطهير العرقي" وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بسبب تلك الأحداث، وهي مقدمة من قبل المحامي بيدرو أندروجار نيابة عن "التجمع الفرنسي - العلوي"، وفي حال قبول الدعوى من قبل القضاء الفرنسي وتمكُّن المحققين من إثبات الأدلة فإن من شأن ذلك فتح الباب أمام الولاية القضائية العالمية للمحاكم الفرنسية.

يقول الكاتب الصحافي السوري سلام حسن لـ"اندبندنت عربية" إن تأخر العمل على العدالة الانتقالية ربما يفاقم من سوء الأوضاع، ومع غياب القانون وغياب وجود سلطة مركزية للدولة على كافة المساحة السورية، إضافة إلى وجود السلاح المنفلت وغير المنضبط والفصائلية، سيتأخر اللجوء إلى المحاكم، معتقداً أن السير نحو العدالة الانتقالية سيترافق عكسياً مع نسبة الجرائم أو الانتهاكات أو الأفعال الانتقامية والثأرية، "فكلما اتجهنا نحو القانون والدولة والعدالة الانتقالية ستقل هذه الأفعال في المدى المنظور لأن العنف لا يولد إلا العنف والأحقاد".

المزيد من متابعات