Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد 100 يوم على حكم ترمب... 8 وعود انتخابية لم تتحقق

خالف أداء الرئيس الأميركي تعهداته بالسلام في أوكرانيا وغزة

أدارت إدارة ترمب ظهرها لحلفاء الولايات المتحدة وقوضت الأمن القومي في غضون 100 يوم فقط (أ ف ب)

ملخص

الأعوام الأربعة المقبلة ستكون على الأرجح بفوضى الـ100 يوم الماضية نفسها.

أداة ترمب لتحقيق ذلك تمثلت في 142 أمراً تنفيذياً تقترب مما فعله جو بايدن على مدى أربعة أعوام، لكنه لم يوقع سوى تشريع واحد وافق عليه الكونغرس واستضاف 14 زعيماً أجنبياً وألقى أطول خطاب أمام الكونغرس في التاريخ الحديث.

على عكس الرؤساء الأميركيين السابقين الذين حرصوا على أداء هادئ لقضاء شهر عسل مع جمهور أكثر استعداداً لرؤيتهم في صورة إيجابية، عمل دونالد ترمب بوتيرة مذهلة، ونفذ خلال 100 يوم وعده الذي أطلقه في خطاب تنصيبه الثاني بموجة كاسحة من التغييرات اجتاحت أميركا والعالم. ومع ذلك خالف بصورة جوهرية كثيراً من التعهدات التي قطعها خلال حملته الانتخابية، ولم يتمكن من إظهار نفوذه في السياسة الخارجية، إذ تعثرت جهوده من أجل السلام في أوكرانيا، وأعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لاستئناف قصف غزة بعنف أكبر بعدما نجح في وقف القتال مرحلياً، وشرع في حرب تجارية عالمية وبخاصة مع الصين، ثم بدا متراجعاً معها، مما أدى إلى تراجع شعبيته بسرعة، فلماذا وصفت سياسات ترمب بالفوضى وكسر القواعد؟ وهل تعكس مبادئ السياسة الواقعية أم نتيجة لصراعات الجمهوريين حول السياسة الخارجية؟

100 يوم تاريخية

على رغم أن الأيام الـ100 الأولى لأي رئيس لا تتجاوز سوى سبعة في المئة من إجمال 1461 يوماً في دورة رئاسية واحدة، فإنها تشكل علامة إرشادية مهمة لما ستكون عليه هذه الرئاسة خلال بقية أيامها. لكن نهج ترمب المتسرع وكسر القواعد الذي حظي باهتمام كبير في فترة وجيزة، أحدثا تحولاً جذرياً يتجاوز بكثير التغييرات النمطية التي تحدث كل أربعة أو ثمانية أعوام، بل وأكبر حتى مما فعله ترمب نفسه عام 2017 عندما تولى منصبه للمرة الأولى، فقد غير بصورة جذرية كيفية عمل الاقتصاد الأميركي وكيفية إدارة الدبلوماسية العالمية وكيفية إنفاذ قوانين الهجرة، وأعاد تشكيل البيروقراطية الفيدرالية، وتجاوز حدود السلطة الرئاسية، وشن حرباً على النظام القضائي.

أداة ترمب لتحقيق ذلك تمثلت في 142 أمراً تنفيذياً تقترب مما فعله جو بايدن على مدى أربعة أعوام، لكنه لم يوقع سوى تشريع واحد وافق عليه الكونغرس واستضاف 14 زعيماً أجنبياً وألقى أطول خطاب أمام الكونغرس في التاريخ الحديث وتحدث إلى الصحافيين يومياً تقريباً، فضلاً عن عشرات المنشورات التي حدد من خلالها سياساته عبر منصته "تروث سوشيال".

وفي حين أن بعض خططه أدت إلى تغييرات بالفعل، إلا أن كثيراً منها لم يتحقق بعد، إذ وجد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" يتتبع 31 وعداً انتخابياً رئيساً، أن ثمانية منها لم تتحقق، وأن خمسة منها تواجه عقبات، في ظل ما يصفه بعض المراقبين بفوضوية شاملة ووتيرة سريعة من القرارات المثيرة للجدل لم يظهرها أي رئيس خلال الأيام الـ100 الأولى لحكمه منذ فرانكلين روزفلت عام 1933، كما تشير أستاذة التاريخ في جامعة ولاية مونتانا والرئيسة السابقة لمركز دراسات الرئاسة جوان هوف.

ويبدو أن هذا الاضطراب وما صاحبه من نكث للعهود وبخاصة ما يتعلق بالتضخم والاقتصاد، هو السبب في ما يعانيه ترمب من انخفاض تاريخي في شعبيته، إذ أظهرت ثلاثة استطلاعات رأي خلال الأيام القليلة الماضية، أن نسبة تأييد سياسات ترمب بلغت 39 في المئة وفقاً لـ"إبسوس" و"واشنطن بوست" وشبكة "أي بي سي"، و41 في المئة وفقاً لشبكة "سي أن أن"، و45 في المئة وفقاً لشبكة "فوكس نيوز" وهذه النسبة أقل من نسبة بايدن وباراك أوباما وجورج دبليو بوش في 100 يوم من ولايتهم، بل إنها أقل بنقطة واحدة من نسبة الموافقة على أداء ترمب في ولايته الأولى.

عدم اهتمام بالسلام

خلال حملته الانتخابية، كان الرئيس ترمب يصور نفسه كمرشح سلام. ففي خطاب تنصيبه، أعلن أنه يريد أن يكون صانع سلام ومع ذلك فإن سياسته الخارجية غير المنتظمة تقف في طريق السلام وتوسع الصراعات حول العالم، إذ أظهر ترمب عدم اهتمامه بصنع السلام، وأثبت أن وعوده بإنهاء الصراعات المميتة ليست أكثر من محاولات مكشوفة لتحقيق مكاسب في انتخابات 2024، سواء كان ذلك في أوكرانيا أو في غزة، إذ لم يتوصل حتى الآن إلى حل للحرب في أوكرانيا، وهو أمر قال إنه قادر على إنجازه خلال 24 ساعة من توليه منصبه، كذلك فشل في تثبيت الهدنة بين إسرائيل و"حماس" التي تمكن من إنجازها قبيل أيام من وصوله إلى البيت الأبيض.

ويبدو أن ترمب انحاز إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، ويبدو أنه غير راغب في ممارسة الضغط على روسيا لالتزام وقف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه يقوض حلف "الناتو" الذي حافظ على السلام لأكثر من مليار شخص في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية لما يقارب قرناً، بحسب ما تقول مديرة الأمن القومي والسياسة الدولية في مركز التقدم الأميركي أليسون ماكمانوس.

من أوكرانيا إلى غزة وإيران

في غضون 100 يوم فحسب، أدارت إدارة ترمب ظهرها لحلفاء الولايات المتحدة وقوضت الأمن القومي، وعبر خطابه في مؤتمر ميونيخ للأمن، انتقد نائب الرئيس جي دي فانس الحلفاء الأوروبيين في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة وأوروبا تهديداً من روسيا، بل إن فانس ضاعف مع ترمب من ضغوطهما عندما دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن العاصمة، فقط لنصب ما بدا أنه مكمن من خلال تكرار ما يسرده الكرملين دائماً من أجل إجباره للتوقيع على تنازل عن الموارد الأوكرانية في صفقة معادن نادرة وغير متوازنة.

وفي الشرق الأوسط، فشل الرئيس ترمب في فرض وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل و"حماس"، حيث استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية الضخمة بمزيد من القنابل الأميركية زنة 2000 رطل التي حجبتها إدارة بايدن وأعاد ترمب تزويد الإسرائيليين بها، مما أسفر عن مقتل مزيد من المدنيين الفلسطينيين ومن دون تعزيز أمن الإسرائيليين أو الإفراج عن الرهائن لدى "حماس".

 كما هدد ترمب بشن ضربات عسكرية ضد إيران إذا لم توافق على اتفاق نووي، وعلى رغم بدء المحادثات بصورة مباشرة وغير مباشرة مع المسؤولين الإيرانيين، فمن غير الواضح ما إذا كان بإمكانهم التوصل إلى أي اتفاق بحلول الموعد النهائي الذي حدده ترمب وهو شهران، مما يثير قلقاً من أن فشل المحادثات قد يولد قدرة على خلق حوافز للانتشار النووي وإثارة شبح التصعيد الإقليمي، كما يقول خبير الأمن القومي والسياسة الدولية روبرت بنسون.

وضع أمني حرج

كل هذه التحركات وضعت الولايات المتحدة في وضع أمني حرج، فقد أضعفت إجراءات إدارة ترمب التحالفات ذاتها التي توفر الردع ضد الخصوم، مما منح المنافسين ميزة استراتيجية وترك أميركا تقف وحيدة في مواجهة التهديدات العالمية المتزايدة.

وبينما أظهرت إدارة ترمب نهجاً انعزالياً في بعض جوانب سياستها الخارجية، فقد انتظمت أيضاً في خطاب يفسره كثر بأنه إمبريالي من خلال التهديد بعمل عسكري في المكسيك ضد عصابات المخدرات، والدعوة إلى استعادة قناة بنما بالقوة العسكرية، فيما يواصل ترمب التحريض على ضم كندا وغرينلاند التابعة للدنمارك، وكلاهما حلفاء في "الناتو"، على غير رغبة شعبيهما.

وعلى رغم أن هذا الخطاب ربما لا يكون أكثر من مجرد كلام خشن، فإن التصعيد وتكرار إثارة الموضوع وزيارة فانس إلى غرينلاند، كلها أسباب تلحق ضرراً حقيقياً بمكانة الولايات المتحدة العالمية، وتحول موارد الأمن القومي الثمينة بعيداً من التحديات الحقيقية، وتعرض أميركا لخطر سوء تقدير دبلوماسي قد يؤدي سريعاً إلى صراع.

إضعاف الولايات المتحدة

ومن الطبيعي أن يستنتج حلفاء الولايات المتحدة أن تهديدات ترمب بالانسحاب من حلف "الناتو"، ورفضه الالتزام بضمانات المادة الخامسة، وتباهيه بأنه لن يحمي أعضاء "الناتو" الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع، لا تقوض الردع فحسب، بل تدعو خصوم الغرب إلى سوء التقدير في بيئة يشير فيها الغموض إلى الضعف، مما يزيد من خطر التصعيد الكارثي، بما في ذلك المواجهة النووية إذا افترضنا أن موسكو يمكن أن تسعى إلى التوغل داخل "الناتو".

والدليل على مدى الانزعاج الأوروبي أن ألمانيا وبولندا تناقشان علناً إطاراً أوروبياً لتقاسم الأسلحة النووية، وتستكشف فرنسا وبريطانيا توسيع نطاق الردع النووي الخاص بهما لملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة. ويمتد هذا التباعد بين الحلفاء إلى شرق آسيا أيضاً، إذ يفقد شركاء الولايات المتحدة القدامى، مثل كوريا الجنوبية، ثقتهم في ضمانات واشنطن ويعيدون النظر بهدوء في الخيارات النووية التي كانت محرمة في السابق، حيث تجادل أصوات متزايدة الآن في سيول بأن كوريا الجنوبية يجب أن تسعى إلى امتلاك رادعها النووي الخاص في حال تراجع الحماية الأميركية، وهذا كله يعني إضعاف الولايات المتحدة وانعزالها عن حلفائها التقليديين مما يهدد بإعادة رسم خريطة التحالفات المستقبلية في العالم.

تفكيك القيادة الأميركية

أعاد نهج ترمب في السياسة الخارجية تشكيل هذا النظام الدولي بسرعة، مما أدى إلى تفكيك أسس القيادة الأميركية في العالم. فقد هدد عمداً حلفاء أميركا وشركاءها التجاريين، وجعل الولايات المتحدة أكثر عزلة على الساحة العالمية بعدما انتظم في حروب تجارية أدت إلى رفع الكلفة على المستهلك وانهيار الأسواق، وعرضت الشراكات الاقتصادية للخطر.

وزاد الطين بلة، تفكيك برامج المساعدات الخارجية الأميركية التي تجسد القيادة الأميركية وتولد الاستقرار العالمي، بما في ذلك إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كذلك انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقات العالمية في شأن المناخ والصحة وحقوق الإنسان التي تجعل العالم مكاناً أكثر أماناً للجميع. وفي حين أن هذه الأفعال تؤثر بلا شك في ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، فقد كان لها بالفعل تأثيرات حقيقية في الداخل الأميركي، مما عرض أمن الأميركيين للخطر وسبب صراعاً اقتصادياً في غضون أسابيع قليلة.

عودة الواقعية السياسية

وفيما تتباين الرؤى حول دوافع إحداث هذه التغييرات الجذرية، تبرز فكرة أن إدارة ترمب تسعى إلى عودة حازمة إلى السياسة الواقعية، التي تعطي الأولوية للصين ونصف الكرة الغربي على أوروبا والشرق الأوسط، ولهذا ينظر إلى علاقة الإدارة المضطربة مع حلفائها الأوروبيين على أنها جزء من تكرار محاولة الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون لإعادة التوازن في الالتزامات الاستراتيجية الأميركية بعد فترة من التجاوز.

 ووفقاً لهذا المنظور، لا تتخلى إدارة ترمب عن القيادة الأميركية لنظام دولي قائم على القواعد، بل تقر بأن مصالح الولايات المتحدة ستظل دائماً أهم من مثل ليبرالية غامضة كالديمقراطية أو حقوق الإنسان، وعلى سبيل المثال، يبدو الضغط الأميركي على الحلفاء لإنفاق مزيد على الدفاع، ومحاولة إخراج الولايات المتحدة من الحرب في أوكرانيا من خلال تسوية تفاوضية مع روسيا، سياستان فضلهما الواقعيون على الدوام. كذلك يبرز نموذج الواقعية السياسية الذي يتبعه ترمب، في استعداده لاستخدام أدوات الحكم كوسيلة ضغط على الخصوم والحلفاء بما يعكس نهجاً قائماً على الندية والتعامل بالمثل مع العالم، كذلك فإن التهديد بالرسوم الجمركية لإكراه كندا أو المكسيك أو الاتحاد الأوروبي على قضايا سياسية، ربما يكون أمراً إشكالياً على المدى الطويل، ولكنه قد يحقق مكاسب سريعة اليوم.

حتى الاهتمام المفاجئ والظاهر للإدارة الأميركية بنصف الكرة الغربي يندرج ضمن هذا النموذج، فجولة وزير الخارجية ماركو روبيو في أميركا اللاتينية بعد فترة وجيزة من تنصيبه، ومخاوف الإدارة من الوجود الصيني في قناة بنما وما حولها، وحتى فكرة ضم غرينلاند التي تبدو غريبة، جميعها تستند إلى مبررات القوة الصلبة، في حين أن عدداً من كبار معاوني ترمب، بمن فيهم نائبه فانس، يتبنون بوضوح رؤية واقعية للعالم.

غير أن هذا النموذج الواقعي السياسي يتعثر في مجالات أخرى، فهو لا يفسر السياسة الخارجية الأميركية تجاه إسرائيل، كما تقول كبيرة الباحثين في برنامج إعادة تصور الاستراتيجية الأميركية الكبرى في مركز "ستيمسون"، إيما أشفورد، ولا يفسر أيضاً بسهولة انهيار وكالات السياسة الخارجية، إذ تجاهلت الإدارة الأميركية إلى حد كبير المناشدات القائلة إن تدمير إذاعة "صوت أميركا" أو "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" سيخلق فراغاً ستملأه روسيا أو الصين، مع أنه يفترض أن إدارة تركز على منافسة القوى العظمى لن تسعى إلى تقويض أسس القوة الناعمة الأميركية.

دوافع داخلية

هناك نموذج ثان قد يفسر السياسة الخارجية لإدارة ترمب، وهو النموذج الذي تبرزه وسائل الإعلام ذات التوجه الديمقراطي وهو أن السياسة الخارجية مدفوعة في المقام الأول بأجندات محلية، أو أنها تهدف إلى زيادة ثراء الأغنياء كما يكرر السيناتور بيرني ساندرز، إذ يمكن تفسير تصرفات وزارة كفاءة الحكومة (دوج)، والعداء الواضح الذي تشعر به الإدارة الجديدة تجاه البيروقراطية الفيدرالية، على أنها استمرار لمحاولات الجمهوريين الطويلة الأمد لتقليص حجم الحكومة، وهو ما كان ولا يزال يحظى بشعبية لدى الناخبين والمانحين الجمهوريين.

في الوقت نفسه تثير السياسة الاقتصادية الخارجية لإدارة ترمب قلق "وول ستريت" ومجتمع الأعمال لدرجة أن الأسواق في حال انهيار فعلي، وهناك غموض كبير حول الهدف من الرسوم الجمركية، وما إذا كانت تلك هي وسيلة ضغط لتحسين الصفقات التجارية مع آسيا، أم للحصول على تنازلات في مجال الهجرة أو سياسة المخدرات مع المكسيك وكندا، أم أنها استراتيجية شاملة لإضعاف الدولار وتعزيز إعادة التصنيع المحلي في أميركا؟

مع ذلك فإن هذا المنظور لا يفسر خيارات إدارة ترمب إلا قليلاً، فهو لا يفسر تركيز الإدارة المستمر على الشرق الأوسط، ولا استعدادها لمنح إسرائيل حرية مطلقة، إذ تشير حملة القمع المستمرة ضد المتظاهرين المؤيدين لفلسطين إلى علاقة عكسية بين السياسة الخارجية والداخلية، بمعنى أن تفضيل إسرائيل في صراعها بغزة يؤدي إلى قمع حرية التعبير داخل الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سياسة خارجية جمهورية

يقدم نموذج ثالث تفسيراً لسياسة ترمب الخارجية وهو رأي يسود بين الجمهوريين في الكونغرس، إلى جانب الدبلوماسيين المقيمين في واشنطن العاصمة، الذين يجادلون بأنه على غرار إدارة ترمب الأولى بين عامي 2016 و2020، ستفسح الفوضى التي سادت الأشهر الأولى المجال قريباً لإدارة جمهورية تقليدية في معظمها، تركز على أولويات السياسة الخارجية الجمهورية التي تعود إلى إدارة جورج دبليو بوش، والتي تؤكد السيادة والأحادية والقوة العسكرية المتشددة. ويجادل بعض المراقبين بأن هذه الإدارة تتجه نحو نوع من توليفة "ترمب - ريغان" التي تجعل الحزب أكثر انسجاماً مع تفضيلات ترمب، مع الحفاظ على معظم توجهات ريغان التقليدية في السياسة الخارجية.

وعلى رغم الانحراف الجذري لترمب عن العقيدة الجمهورية في الأيام الـ100 الأولى، فإنه يمكن إلقاء اللوم فيها على شخصية ترمب، إذ يمكن تفسير الانفتاح على روسيا بتفضيلات ترمب الشخصية للتفاوض شخصياً مع الزعماء الأقوياء، وربما رغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، لكن مع اتضاح عدم قدرته على التوصل إلى اتفاق سلام سريع، سيتجه ترمب إلى نهج أكثر تقليدية تجاه أوكرانيا، وفي السياسة الخارجية بصورة عامة.

ومع ذلك فإن التناقضات في هذه النظرية واضحة أيضاً، ففي حين أن القاعدة في دوائر السياسة الخارجية الجمهورية التقليدية هي الدعم غير المقيد لإسرائيل، إلا أن إدارة ترمب كافحت للتوفيق بين دعمها الصريح لإسرائيل وأولويات ترمب الأخرى، مثل توسيع وتمديد اتفاقات السلام التي يعوقها الصراع المستمر في غزة، كما جادل فانس علناً بأن الولايات المتحدة لا مصلحة لها في حرب مع إيران، ويقال إن ترمب نفسه رفض دعم رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهي مواقف تضع الإدارة في خلاف مع صقور الجمهوريين الأكثر تقليدية في الكونغرس، الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تساعد إسرائيل على توجيه ضربات إلى البرنامج النووي الإيراني ومواصلة تسليح أوكرانيا والحفاظ على شبكة التزامات التحالفات الأميركية المترامية الأطراف.

الصراع بين الجمهوريين

هناك أيضاً نموذج رابع وأخير لفهم سياسة إدارة ترمب الخارجية وهي أن الفوضى التي نشهدها هي جزئياً نتيجة للصراع الداخلي بين الجمهوريين حول السياسة الخارجية. فمن ناحية، نشهد جناحاً قومياً حمائياً صاعداً في الحزب يركز على الصين، وعلى رغم أنه ليس انعزالياً، فإنه ليس من المحافظين الجدد، وهذا الجناح ممثل تمثيلاً جيداً في وزارة الدفاع، وحول نائب الرئيس فانس، وحتى مع إيلون ماسك، وبين فريق الإدارة في وادي السيليكون.

ومن ناحية أخرى، هناك مجموعة من الجمهوريين الأكثر تقليدية وأكثر تشدداً وأكثر دعماً لدور أميركا العالمي، وهؤلاء يريدون إعادة توجيه الإدارة نحو تفضيلاتهم مثل وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز.

لكن يبدو أن غرائز ترمب تميل نحو المجموعة الأولى القومية الحمائية، على رغم أنه غالباً ما يكون من السهل إقناعه، وإذا كان هذا النموذج دقيقاً، فإن ارتباك وفوضى السياسة الخارجية لترمب يعودان إلى التباين بين الفصائل داخل الإدارة في تنافسها على التعيينات والتأثير في السياسة.

القضايا التي تتصارع فيها هذه الجماعات ليست بالهينة، فهي تختلف اختلافاً جوهرياً حول روسيا وإيران، وحتى إلى حد ما حول إسرائيل، وهو ما يفسر فوضى الأيام الـ100 الأولى، بخاصة أن ترمب نفسه بدا أقل استعداداً لقبول توجيهات المستشارين مقارنة بدورته الرئاسية السابقة. وهناك تقارير تفيد بأن والتز يعاني حقيقة أن آراءه تتباعد كثيراً عن آراء الرئيس، وإذا استمر هذا التوجه، فمن المرجح أن تتجه إدارة ترمب نحو تفضيل الواقعية السياسية والدوافع الداخلية دعماً لشعار "أميركا أولاً" بدلاً من تفضيل السياسة الخارجية التقليدية للجمهوريين،

ويعني هذا أن الأعوام الأربعة المقبلة ستكون على الأرجح بفوضى الـ100 يوم الماضية نفسها.

المزيد من تقارير