Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخازن الموت: من مرفأ بيروت إلى بندر عباس وماذا بعد؟

المخازن الإستراتيجية التي كانت تعتبر من العناصر الحيوية في تعزيز قدرات إيران العسكرية والاقتصادية باتت تشكل تهديداً داخلياً

عندما تخلط أدوات النفوذ مع الإهمال فإن العواقب قد تكون كارثية (أ ف ب)

ملخص

قد تفتح الحوادث مثل انفجار بندر عباس فرصة لإيران لإعادة النظر في إستراتيجيتها الداخلية والخارجية على سبيل المثال التقارب السعودي-الإيراني كفرصة على مستويات عدة.

في ظل الانقسامات الداخلية وضغوط النظام، يمكن أن تكون الحادثة بمثابة منبه للتحرك بسرعة نحو إصلاحات داخلية عميقة تُعيد بناء الثقة في المؤسسات الأمنية والإدارية.

في الـ26 من أبريل (نيسان) الجاري هز انفجار ضخم ميناء بندر عباس الإيراني ليضاف إلى سلسلة الحوادث التي ألقت بظلالها على المنطقة، هذا الحدث الذي لم يقتصر على خسائر مادية جسيمة، يحمل في طياته أسئلة أعمق تتجاوز أبعاده الميدانية، ليعكس أزمات داخلية قد تقلب الموازين السياسية والاجتماعية في إيران.

إذا كانت مخازن الموت في مرفأ بيروت قد كشفت عن واقع الفساد الإداري والتراخي الحكومي، فإن انفجار بندر عباس قد يفضح هشاشة أمر ما في الداخل الإيراني بصورة أكثر إيلاماً.

لطالما سعت إيران إلى إبراز قوتها في المنطقة مستعرضة قدراتها العسكرية والسياسية في مواجهة تحديات عدة، ومع ذلك فإن انفجار بندر عباس يضع إيران في مواجهة حقيقية مع ذاتها إذ تطرح تساؤلات حول مدى قدرة إيران على إدارة الأخطار الداخلية التي تحدث بصورة غير متوقعة، كما في حادثة بندر عباس على سبيل المثال.

ما كان يبدو كحادثة ميدانية يتحول سريعاً إلى قضية سياسية ذات أبعاد أعمق، فقد تكون هذه الحادثة دافعاً لإعادة التفكير في أولويات النظام الإيراني.

إيران التي لطالما اتبعت سياسة القوة الإقليمية والأدوات العسكرية كأدوات نفوذ، تجد نفسها الآن أمام تهديد جديد ينبع من داخلها، المخازن الإستراتيجية التي كانت تُعتبر من العناصر الحيوية في تعزيز قدرات إيران العسكرية والاقتصادية باتت تشكل تهديداً داخلياً يتجاوز الحواجز الأمنية ويُظهر فجوات في البنية التحتية التي كانت تُعتبر محصنة.

من مرفأ بيروت عام 2020 حيث انفجر مخزون من المواد الكيماوية بسبب الإهمال في التخزين، إلى بندر عباس حيث يُعتقد أن انفجاراً مماثلاً قد يكون نتيجة للتراخي نفسه، تكشف الحوادث عن حقيقة واحدة: عندما تخلط أدوات النفوذ مع الإهمال فإن العواقب قد تكون كارثية.

منذ انفجار مرفأ بيروت أصبح من الواضح أن مخازن المواد الإستراتيجية التي يُفترض أن تكون عناصر أساسية للنفوذ، يمكن أن تتحول بسهولة إلى تهديدات إستراتيجية تؤدي إلى عواقب وخيمة.

في بيروت كانت تلك المخازن بمثابة فخ مميت كان وراءه تهاون في إدارة الأخطار، الآن في بندر عباس نجد أن الحادثة ذاتها تكشف عن خلل مشابه في كيفية التعامل مع الأخطار الأمنية والإدارية في مرفق حيوي يُعدّ من أبرز نقاط القوة الإيرانية في المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن المخازن الإستراتيجية التي تُعد أدوات نفوذ لا غنى عنها في العلاقات الدولية والإقليمية يمكن أن تصبح فخاً داخلياً عندما لا تجري مراعاة الإدارة الفعالة لهذه المخازن.

الواقع الحالي في إيران اليوم يعكس بصورة جلية الفجوة بين القوة الظاهرة والتحديات الداخلية المتزايدة، على رغم أن طهران تمتلك قدرات استثنائية على الصعيدين العسكري والإقليمي، فإن هذه الحادثة تُظهر أن البنية الداخلية التي تضمن استمرارية هذا النفوذ قد تكون في خطر، إذا كانت إيران قد أظهرت قدرتها على الرد على الضغوط الخارجية بنجاح، إلا أن استمراريتها على المدى الطويل تعتمد بصورة أكبر على قدرتها على إدارة التحديات الداخلية مثل تلك التي تكشفها هذه الحوادث المدمرة.

وفي ما يخص الأفق المستقبلي يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لإيران أن تحول هذه الأزمات إلى فرص للنهوض أم أن انفجار بندر عباس سيُفضي إلى مزيد من التأزم؟ هناك مجال للظن بأن هذا الحدث على رغم فداحته يمكن أن يكون نقطة تحول في السياسة الإيرانية، ففي ظل الانقسامات الداخلية وضغوط النظام، يمكن أن تكون الحادثة بمثابة منبه للتحرك بسرعة نحو إصلاحات داخلية عميقة تُعيد بناء الثقة في المؤسسات الأمنية والإدارية، لكن التحدي الأكبر يبقى في القدرة على إدارة الانقسامات الداخلية التي قد تعمق الأزمة وتفتح الباب أمام مزيد من التوترات.

من بندر عباس إلى مرفأ بيروت تكشف لنا الحوادث الكبرى كذلك عن الدروس المتكررة التي يجب أن تأخذها الدول بالاعتبار عندما يتعلق الأمر بأخطار المخازن الإستراتيجية والإهمال الأمني.

في إيران كما في لبنان تتقاطع الأزمات الاقتصادية مع التحديات السياسية، مما يفتح المجال لأزمات غير مرئية تزداد تعقيداً مع مرور الوقت.

إن انفجار بندر عباس وإن كان حادثة ميدانية يُعدّ مؤشراً على أن إيران قد تدخل في مرحلة جديدة من التحديات الداخلية التي قد تؤثر بصورة حاسمة في استقرارها بالمستقبل.

في ظل هذه التحديات الداخلية التي يواجهها النظام الإيراني، قد تفتح الحوادث مثل انفجار بندر عباس فرصة لإيران لإعادة النظر في إستراتيجيتها الداخلية والخارجية على سبيل المثال التقارب السعودي-الإيراني كفرصة على مستويات عدة، وقد يمثل هذا الحدث نقطة تحول إذ يمكن أن تسعى إيران إلى تحفيز مزيد من التعاون الإقليمي الإستراتيجي والسياسي مع جيرانها في الخليج العربي بما في ذلك السعودية، من أجل معالجة أزمات مشابهة في المستقبل، فالتعاون في مجال البنية التحتية والتجارة قد يُسهم في بناء جسور الثقة بين الدولتين، مما يساعد على تخفيف حدة التوترات الإقليمية وتخفيف الضغوط الاقتصادية.

إحدى النقاط الجديرة بالذكر أيضاً هي التحدي الإعلامي في إيران وكيفية تعامل الإعلام الإيراني مع هذا الحدث من خلال وسائل الإعلام المحلية والدولية، هل ستعتمد الحكومة الإيرانية على التغطية المضللة والتعتيم على الحقائق؟ أم أنها ستتبنى موقفاً أكثر شفافية في شرح الحادثة وسياقاتها كما هي؟ ثم كيف سيتعامل الإعلام الإقليمي والدولي مع حادثة بندر عباس؟ إن هذا التحدي الإعلامي قد يُعد أحد العوامل الحاسمة في كيفية إدارة إيران للأزمة، إذ يمكن للإعلام أن يُشكّل الرأي العام الداخلي ويؤثر في سياق السياسة الخارجية، من هنا يجب أن تبقى الأنظار مفتوحة إذ إن تطور الأحداث في إيران قد يقود إلى تحولات غير متوقعة في المستقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء