ملخص
لا يمكن فصل الانفجار في بندر عباس عن مسار التفاوض الأميركي–الإيراني، سواء كان بفعل تخريبي مباشر أم نتيجة إهمال داخلي، فإنه أصبح جزءاً من معادلة الضغط النفسي والسياسي التي تتشكل حول إيران، لدفعها نحو شروط أقل صلابة على طاولة المفاوضات، وربما مع تكرار مثل هذه الضربات سواء تخريبية أو نتيجة ضعف داخلي، قد تجد طهران نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات أكبر، مثل قبول سقف أدنى للأنشطة النووية أو ضبط سلوك الميليشيات الموالية لها في المنطقة.
خطف تفجير ميناء بندر عباس في إيران الأضواء العالمية بطريقة مفاجئة وغير متوقعة، خلال لحظة تصعيد خطرة بين الهند وباكستان تهدد بإشعال واحدة من أخطر بؤر النزاع في العالم بين قوتين نوويتين، أيضاً أثناء لحظة انتهاء الجولة الثالثة من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة في شأن البرنامج النووي الإيراني في العاصمة العمانية، مسقط.
إلى ذلك اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة حسابات اللبنانيين، مقارنة بين حادثة بندر عباس وتفجير مرفأ بيروت خلال الرابع من أغسطس (أب) 2020، والذي وأطلق عليه مصطلح "بيروتشيما" تشبيهاً بما جرى لمدينة هيروشيما جراء الانفجار النووي خلال الحرب العالمية الثانية، هذا الأمر دفع السفير الإيراني لدى لبنان مجتبى أماني، ليكتب وفي منشور عبر منصة "إكس"، أنه "انفجرت إحدى الحاويات المخزنة في رصيف ميناء الشهيد رجائي داخل مدينة بندر عباس، مما تسبب في اندلاع حريق كبير في الرصيف بسبب قربه من موقع تخزين الوقود". وتابع أماني "أصيب ما يقارب 300 شخص نتيجة الانفجار والحريق، وتسببت الحادثة في أضرار بالمباني المجاورة والسيارات المتوقفة في الموقع"، مضيفاً أنه "يجري التحقيق حالياً لمعرفة الأسباب الدقيقة للانفجار والإهمال الذي أدى إلى وقوع الحادثة، وأنها كانت أصغر حجماً بكثير من انفجار مرفأ بيروت ولا يمكن مقارنتها به".
وقود صواريخ وإهمال وظيفي
هذه الحادثة، التي وقعت في واحد من أهم الموانئ الاستراتيجية الإيرانية، لم تُقرأ فقط كحادثة صناعية أو أمنية محلية، بل تم التعامل معه كحدث ذي أبعاد إقليمية ودولية، وبخاصة في ظل حساسية موقعه، وتزامنه مع تحولات كبرى داخل المشهد الإقليمي من اليمن إلى العراق، مروراً بمفاوضات إيران مع واشنطن.
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن شركة "أمبري" الأمنية، أن ميناء رجائي الإيراني استقبل شحنة من مادة كيماوية تستخدم في وقود الصواريخ خلال مارس (أذار) الماضي، وتابعت الوكالة أن الوقود الذي وصل إلى ميناء رجائي جزء من شحنة بيركلورات الأمونيوم، تلقتها إيران من الصين.
بدورها نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني قوله، إن انفجار ميناء رجائي قد يكون ناجماً عن اشتعال وقود صاروخي صلب، وأن "بيركلورات الصوديوم" مكون أساس في الوقود الصلب للصواريخ، وهو المادة التي تسببت في الانفجار.
وأكدت وزارة الخارجية الإيرانية، عبر متحدثتها الرسمية فاطمة مهاجراني، أن الانفجار الكبير نتج من مواد كيماوية كانت مخزنة في الميناء. وقالت مهاجراني "الحادثة المؤسفة التي وقعت داخل ميناء شهيد رجائي لا تزال قيد التحقيق بصورة جادة، وتقوم الجهات المتخصصة بمتابعة الأسباب وظروف الحادثة بدقة".
وأضافت المتحدثة الرسمية "نحث وسائل الإعلام وقادة الرأي العام على تجنب التكهنات المبكرة حتى اكتمال التحقيقات الرسمية"، موضحة أن "الحاويات المخزنة في أحد أقسام الميناء، والتي يحتمل أنها احتوت على مواد كيماوية كانت مصدر الانفجار، لكن تحديد السبب الدقيق يتطلب الانتظار حتى إخماد الحريق بالكامل".
الانفجار الذي وصلت تأثيراته إلى مسافة 50 كيلومتراً، قال عنه مدير مركز أزمة محافظة هرمزجان، في التحقيقات الأولية، إن سببه "عدد من الحاويات المخزنة في ميناء الشهيد رجائي، ونقوم بإخلاء مكان الحادثة ونقل المصابين"، وأيضاً أفادت مصلحة الجمارك الإيراني بأنه "يرجح أن يكون الانفجار وقع في مستودع للبضائع الخطرة والمواد الكيماوية داخل منطقة الميناء"، لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية قال إنه "لم تكن هناك ولا تزال أية بضائع مستوردة أو مصدرة ذات استخدام عسكري في منطقة الحريق داخل ميناء رجائي، ووسائل الإعلام الأجنبية قامت بإثارة هذه المزاعم".
ووفقاً لمجلة (Maritime-Executive) المتخصصة في النقل البحري، رست سفينة قبالة ميناء بندر عباس صباح الـ29 من مارس الماضي، تحمل شحنات بيركلورات الصوديوم المستوردة من الصين، ويبلغ طول السفينة 127 متراً وكانت مجهزة برافعات سطحية، فيما أظهرت الصور وجود حاويات على سطح السفينة مما يشير إلى أنها كانت تستعد للرسو في الميناء التجاري لبندر عباس لتفريغ الشحنة، وكانت تنتظر انتهاء الإجازات الخاصة بشهر رمضان وعيد الفطر في إيران لإكمال مهمتها.
ووفقاً للموقع، فعلى رغم أهمية الشحنة لم تتخذ السلطات الإيرانية أية إجراءات أمنية خاصة لحماية السفينة التي أبحرت من ميناء شنغهاي مباشرة دون توقف في موانئ أخرى، وأبقت نظام التعريف الأوتوماتيكي مفعلاً طوال الرحلة، كما لم يرصد أية مرافقة أو حماية بحرية أثناء انتظارها في المياه المفتوحة.
وخلال يناير (كانون الثاني) الماضي، أفادت مجلة "نيوزويك" نقلاً عن مصادر استخباراتية اعتقادها أن إيران تحاول استيراد ألف طن متري من بيركلورات الصوديوم، التي إذا حُولت إلى بيركلورات الأمونيوم يمكن أن تدعم إنتاج مئات الصواريخ متوسطة المدى. ووفقاً لتقارير إعلامية، تشير التقديرات إلى أن الكميات التي استوردت أخيراً من المادة ستكون كافية لإنتاج وقود يكفي لتشغيل نحو 250 صاروخاً متوسط المدى من طرازي "خيبرشكن" و"فتاح"، إضافة إلى صواريخ "فاتح 110" و"زلزال" القصيرة المدى أو النماذج المشابهة المستخدمة لدى جماعة الحوثيين.
بدوره، كشف مسؤول إيراني أن تحذيرات سابقة وجهت إلى إدارة الميناء من تخزين حاويات تحمل مواد خطرة به، فيما رصدت مصادر ملاحية خلال وقت سابق وجود سفينة تحمل مواد تستخدم كوقود للصواريخ تستعد للرسو بالميناء، ولم تستكمل تفريغ شحنتها بسبب عطلة عيد الفطر. ووفقاً للسلطات الإيرانية ارتفعت أعداد ضحايا الانفجار إلى 25 وفاة، ونحو 800 مصاب.
عوامل تدفع للمقارنة بين تفجير المرفأين.. بيروت وبندر عباس
وبحسب وكالة أنباء "إرنا" الرسمية، يعد ميناء بندر عباس من "أكبر وأكثر موانئ الحاويات في إيران تطوراً، ويضم 12 رصيف حاويات و30 رافعة وأنواع التجهيزات المتطورة، ويؤدي دوراً محورياً في الاقتصاد البحري للبلاد"، وحيث تمر 85 في المئة من البضائع الإيرانية، ويقع الميناء على مسافة نحو 23 كيلومتراً غرب بندر عباس، وعلى مضيق هرمز الذي يمر عبره خُمس إنتاج النفط العالمي.
من هنا تكمن أهمية الحدث في البعد الجيوسياسي الذي يحمله تفجير المرفأ، والذي لا يقتصر على إيران وحدها، بل يتجاوزها ليؤثر في حسابات الأمن البحري واستقرار الطاقة وشبكات الإمداد العالمية، في لحظة بالغة الهشاشة، عند هذه النقطة من الممكن إجراء مقارنة بين حادثتي التفجير في العاصمة اللبنانية بيروت ومدينة بندر عباس.
السياق السياسي والأمني والفساد الإداري
جاء الانفجار في مرفأ بيروت خلال الرابع من أغسطس 2020، في لحظة كان فيها لبنان يعيش حال انهيار اقتصادي خانق، وسط فراغ سياسي وصراع داخلي بين مراكز القوى، وعلى وقع هيمنة "حزب الله" على القرار السياسي والأمني، وكان المرفأ منطقة نفوذ معقدة تشترك فيها أطراف رسمية وغير رسمية، مع تورط شبكات تهريب وسلاح ضمن بنيته الخفية.
كما أن انفجار بندر عباس خلال الـ26 من أبريل (نيسان) الجاري وقع في سياق تصاعد التوترات الإقليمية حول البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، مع ازدياد الضغط الدولي والعقوبات. ويعد بندر عباس من أهم المرافئ العسكرية والتجارية لإيران ويخضع لرقابة أمنية شديدة، وهو نقطة استراتيجية على مضيق هرمز.
ومن أسباب الانفجار في مرفأ بيروت، كانت منطقة التخزين غير الآمن لنحو 2750 طناً من نترات الأمونيوم منذ عام 2013 من دون إجراءات سلامة ملائمة، في مستودع ملاصق لمنطقة مدنية وتجارية. القصور الفادح في الحوكمة والفساد كان عاملاً رئيساً في وقوع الكارثة.
وبحسب المعلومات الأولية الآتية من إيران، فإن الحادثة ارتبطت بسوء تخزين مواد كيماوية شديدة الاشتعال مثل نترات الأمونيوم أو مركبات قابلة للانفجار، مما تسبب بانفجار كبير تلونت معه السماء بدخان برتقالي، مما أعاد إلى الأذهان مشهد بيروت. وحتى اللحظة، تشير التقديرات إلى إهمال في التعامل مع المواد الخطرة.
حجم الدمار والخسائر
في بيروت، دمر الانفجار جزءاً كبيراً من العاصمة، وخلف أكثر من 220 وفاة وأكثر من سبعة آلاف مصاب، وشرد نحو 300 ألف من البيروتيين، وقدرت الأضرار ما بين 10 إلى 15 مليار دولار أميركي، وأثر بصورة مباشرة على البنية التحتية والاقتصاد الوطني.
وفي بندر عباس وعلى رغم ضخامة الانفجار، فإن التقارير الأولية أشارت إلى أن الأضرار اقتصرت على منطقة المرفأ والمناطق الصناعية القريبة، مع وقوع وفيات ومصابين، ولكن من دون دمار شامل كالذي أصاب بيروت، علماً أن السلطات الإيرانية تعاملت مع الحادثة بمحاولة الحد من تداول صورها وأخبارها.
أيضاً في بيروت اتسم الأداء الرسمي بالتضليل والمماطلة، ولم يُحاسب حتى اليوم كبار المسؤولين، على رغم الأدلة القاطعة على علمهم بالخطر، كما أن التحقيقات تعطلت أكثر من مرة تحت الضغوط السياسية، لا سيما تدخل "حزب الله" المباشر عبر رسالة التهديد للمحقق العدلي طارق البيطار، وصلت إليه من رئيس وحدة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا، آنذاك، في زيارته الشهيرة للقصر العدلي، ونقلت حينها وسائل إعلام لبنانية فحوى الرسالة، "واصلة معنا منك للمنخار، ورح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني، ورح نقبعك بالقانون وإذا ما مشي الحال بالقانون منعرف كتير منيح كيف نقبعك مش بالقانون"، أي إن الحزب حينها كان مصراً على تنحية البيطار، وكلمة "نقبعك" فسرت بعدة تفسيرات من ضمنها التهديد بالقتل، وصولاً إلى اندلاع حادثة الطيونة -عين الرمانة، والتي أطلق عليها لاحقاً "غزوة عين الرمانة"، والتي شبهت بشرارة اندلاع الحرب الأهلية (1975-1989) لما تشكله تلك المنطقة من حساسية، إذ كانت تعد "خطوط تماس" بين المناطق المسيحية والمسلمة خلال فترة الحرب الأهلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كل ذلك وقع إثر الاتهامات التي وجهها المحقق العدلي البيطار، بحق سياسيين مقربين من الثنائي الشيعي "أمل" و"حزب الله"، مما دفع بالثنائي إلى دعوة أنصارهم لتجمع أمام قصر العدل، لكن التجمع انتهى بتبادل كثيف لإطلاق النار والقذائف وأوقع قتلى وأكثر من 30 جريحاً في تلك المنطقة.
وفي السياق، يتسم التعامل الإيراني مع حادثة بندر عباس حتى الآن بالإنكار الجزئي ومحاولة التقليل من شأن الحادثة، مع فرض قيود إعلامية صارمة، مما يعكس طبيعة النظام الأمني المغلق، ويصعب معها تصور أن تظهر تحقيقات شفافة ما لم يكن هناك ضغط داخلي أو دولي.
الرمزية والمعنى
تحول انفجار المرفأ في بيروت إلى رمز لانهيار الدولة اللبنانية وعجزها، وإلى جرح وطني لا يزال ينزف، وشكل لحظة فارقة كشفت للعالم عمق الفساد وانعدام الكفاءة في بنية الحكم اللبناني، أما اليوم فإن الانفجار في بندر عباس وعلى رغم فداحته، لم يتحول إلى لحظة "رمزية" كبرى بعد، نظراً إلى السيطرة الشديدة على الرأي العام، ومع ذلك فإنه يكشف هشاشة المنظومة اللوجيستية والعسكرية الإيرانية على رغم كل مظاهر القوة الظاهرية.
لكن وعلى رغم التشابه البصري والصوتي بين الانفجارين، فإن تفجير بيروت كان كارثة وطنية بكل المقاييس الإنسانية والسياسية، أما تفجير بندر عباس، فهو مؤشر خطر على تصدعات عميقة في الجبهة الداخلية الإيرانية، قد تتفاقم مع أي تصعيد مقبل.
هل هناك رابط بين انفجار ميناء بندر عباس والمفاوضات الإيرانية-الأميركية؟
كان لافتاً مسارعة إسرائيل إلى نفي علاقتها بالحادثة، ونقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مسؤولين عسكريين قولهم، إنه "لا علاقة للجيش الإسرائيلي بالانفجار الذي وقع في إيران"، مما دفع بعدد من المراقبين إلى ربط حادثة الانفجار بالمحادثات التي تجري بين إيران والولايات المتحدة.
ذلك أنه في لحظة تتشكل فيها ملامح مرحلة جديدة من التفاوض مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب "الصلبة"، يمثل هذا الانفجار عامل ضغط إضافي قد يدفع طهران إلى تسريع قراراتها، أو قد يشجعها على التصعيد المحسوب لتعزيز أوراقها قبل أي اتفاق، ولأن الانفجار وقع خلال توقيت دقيق وسط احتدام التوترات الإقليمية، فإن التساؤلات مشروعة حول ما إذا كان مجرد "حادثة عرضية" أم أنه يحمل رسائل سياسية مضمنة؟
سياق الانفجار وظروفه الغامضة
ويكشف تفجير ميناء بندر عباس مرة أخرى أن ثقل إيران الجيوسياسي لا يسمح بالتعامل مع أية حادثة تقع على أرضها بوصفها شأناً داخلياً فحسب، وذلك لأن الموقع المستهدف يعد من أهم نقاط تجميع وتخزين المواد الاستراتيجية، بعضها مرتبط ببرامج تسليحية وصاروخية حساسة. وأن السلطات الإيرانية حاولت منذ اللحظة الأولى التقليل من حجم الحادثة، مع فرض رقابة صارمة على المعلومات، وهو سلوك معتاد عندما تكون الحادثة أكثر خطورة مما يُعلن عنه، وكل المعلومات المتقاطعة الآتية من هناك أشارت إلى أن المواد المتفجرة كانت مرتبطة ببرامج عسكرية، لا مجرد مواد تجارية.
تزامن الانفجار مع الجولة الثالثة من المحادثات الأميركية-الإيرانية
وفي حين ركزت الجولتان السابقتان من المحادثات بصورة أساس على معايير المفاوضات، ضمت الجولة الثالثة خبراء فنيين. وكان واضحاً ومن خلال مراقبة وسائل الإعلام الإيرانية أنها كانت تبث أخبار المحادثات أكثر من نقلها وقائع التفجير في بندر عباس، وفي مقابلة مع مجلة "تايم" بمناسبة مرور 100 يوم على توليه منصبه، قال دونالد ترمب "أعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق مع إيران، لا أحد غيرنا يستطيع القيام بذلك"، معرباً عن انفتاحه على لقاء المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، لكنه أضاف "من الممكن أن نضطر إلى شن هجوم فإيران، لن تمتلك سلاحاً نووياً".
أيضاً وفي السياق عينه، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن الولايات المتحدة لا تتصور أن تقوم إيران بتخصيب موادها النووية بنفسها، بل استيراد الوقود النووي (اليورانيوم) اللازم لبرنامج طاقة مدني، في حين أكدت إيران مراراً وتكراراً أن حقها في تخصيب اليورانيوم غير قابل للتفاوض.
فرضيات تفجير المرفأ الإيراني
وكانت كل من الولايات المتحدة وإيران وصفت المحادثات السابقة بأنها إيجابية، على رغم تهديد ترمب بشن ضربات عسكرية أميركية وإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية في حال عدم قبول طهران بالتوصل إلى اتفاق.
من هنا يمكن الإشارة إلى فرضيتين أساسيتين، الفرضية الأولى تتحدث عن أن الانفجار كان بفعل تخريب خارجي (إسرائيلي أو مدعوم من خصوم إيران)، بهدف دفع طهران للتفاوض ومن موقع أضعف، وإلى شروط وسقف منخفض على طاولة المفاوضات، عبر استهداف قدراتها الحساسة.
والفرضية الثانية، أن الحادثة كانت داخلياً، لكن استُغلت إعلامياً وسياسياً للتذكير بمدى هشاشة بعض منشآت إيران، بالتالي تحفيز القيادة الإيرانية على الانخراط بصورة أكثر مرونة في التفاوض، خوفاً من تكرار أو تصاعد مثل هذه الحوادث. وبمعنى آخر، الحادثة ربما لم يكن مخطط لها كجزء من التفاوض، لكنها أصبحت ورقة تستخدم في سياقه.
حسابات الربح والخسارة
لكن إيران تدرك جيداً أن أي إظهار للضعف الآن قد يضعف أوراقها التفاوضية، لذا تسعى إلى إخفاء أو التقليل من أهمية الحادثة. في المقابل، فإن خصوم إيران (إسرائيل والغرب) يعدون أن ضرب منشآت حساسة دون تبني علني للعمليات يحقق هدفين، استنزاف إيران بهدوء، وزيادة الضغط عليها لتقديم تنازلات.
تداعيات تفجير بندر عباس على الأمن الإقليمي
في الخلاصة، لا يمكن فصل الانفجار في بندر عباس تماماً عن مسار التفاوض الأميركي–الإيراني، سواء كان بفعل تخريبي مباشر أم نتيجة إهمال داخلي، فإنه أصبح جزءاً من معادلة الضغط النفسي والسياسي التي تتشكل حول إيران، لدفعها نحو شروط أقل صلابة على طاولة المفاوضات، وربما مع تكرار مثل هذه الضربات (سواء تخريبية أو نتيجة ضعف داخلي)، قد تجد طهران نفسها مضطرة لتقديم تنازلات أكبر، مثل قبول سقف أدنى للأنشطة النووية أو ضبط سلوك الميليشيات الموالية لها في المنطقة، لكن إذا شعرت طهران أن الانفجارات تستهدف كسر هيبتها، قد تلجأ إلى تصعيد محسوب (هجمات ضد قواعد أميركية في العراق، أو استهداف سفن في الخليج) لتثبت أنها ما زالت تملك أوراق القوة، ثم تعود إلى التفاوض من موقع "الند للند"، وهذا التصعيد سيكون مدروساً بدقة لتجنب حرب واسعة لكنها سترسل رسالة "لن نفاوض تحت النار".
ولكن بين التصعيد والضغط قد تنهار قنوات التفاوض وتتجه المنطقة نحو مواجهة مفتوحة، وذلك في حال تكررت الحوادث الكبيرة دون رد فعل إيراني يرضي الداخل، فقد يتعرض النظام لضغوط داخلية تجبره على التصعيد الكبير، مما يعني انهيار قنوات الوساطة، والذهاب نحو صدام إقليمي أوسع يشمل "حزب الله" والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق. هذا السيناريو خطر جداً، ويضع الشرق الأوسط على حافة انفجار أكبر.
في كل الأحوال أثبت "بندر عباس" أن الشرق الأوسط لا يحتاج إلى حرب كبرى كي يهز الأسواق العالمية، يكفي انفجار واحد في المرفأ الخطأ وفي التوقيت الخطأ، ليرتجف العالم.