ملخص
يكمن الخطر في احتمال أن يبالغ المجتمع في تقدير أهمية الهرب إلى القمر والمريخ على حساب الإصلاح مغفلاً بذلك المشكلات التي تهدد موطننا الوحيد.
أصبحت "سبيس إكس" مرادفاً للطموح على المستوى الكوني، إذ تلهم رؤية الشركة لجعل البشر كائنات متعددة الكواكب الخيال، وتلهب أحلامنا بمدن المريخ والسفر بين الكواكب، وبالنسبة إلى كثر تمثل هذه المغامرة المثالية شهادة على فضول الإنسان وقدرته على الصمود.
ومع انطلاق الصواريخ نحو الفضاء الشاسع يتساءل بعضنا عما إذا كانت هذه الرؤية تصرف الانتباه والموارد عن أزمات الأرض الأكثر إلحاحاً.
من جهة ثانية يصر ماسك ومناصرو "سبيس إكس" على أن الوصول إلى الكوكب الأحمر واستعماره هو السبيل الأفضل لإنقاذ الأرض، إذ أكد مرشح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لزعامة "ناسا" ومشاريع الفضاء الأميركية المستقبلية، جاريد إسحاقمان، أن الأميركيين سيمشون قريباً على القمر والمريخ، وبذلك سنحسن الحياة هنا على الأرض.
همسة من الانزعاج
وتحت "عنوان المريخ أو الفشل: هل تلهينا ’سبيس إكس‘ عن مشكلات الأرض؟" نشر موقع اكتشف العلوم الجامحة (Discover WildScience) العلمي المتخصص الذي يتابعه آلاف المهتمين بأخبار الفضاء مقالة بقلم أنيت أوي، تداولت محتواها وكالات أنباء ونقلتها حرفياً مواقع عالمية عدة، جاء فيها أنه "كثيراً ما نادتنا النجوم، لكن في الوقت الحالي، نادراً ما نجد نداءً يعلو فوق هدير صواريخ ’سبيس إكس‘ التي تخترق السماء. وبينما يدفع إيلون ماسك وفريقه البشرية نحو المريخ يسود شعور بالرهبة والحماس، لكن أيضاً همسة من الانزعاج، فهل نستطيع تحمل مطاردة العوالم البعيدة بينما كوكبنا يستغيث؟ تبدو فكرة استعمار المريخ ملحمية وملهمة، لكن هل هي قفزة جريئة لجنسنا أم أنها تشتيت مغرٍ عن تحديات الأرض الملحة؟ الإجابة معقدة، ومؤثرة، وذات صلة وثيقة بكل من يعيش تحت سمائنا الزرقاء اليوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى أوي أنه في حين تصل صواريخ "سبيس إكس" إلى النجوم، تواجه الأرض تهديدات متزايدة لا يمكن إنكارها، منها تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث وندرة الموارد، وهذه كلها ليست تهديدات بعيدة، بل تحدث الآن في كل مكان حولنا، ويضيف الكاتب "الحرائق تلتهم الغابات والمحيطات تمتلئ بالبلاستيك، والأنواع تختفي بمعدل ينذر بالخطر، هذه ليست عناوين مجردة، إنها حقائق يومية يعيشها الملايين، وتؤثر في المحاصيل والغذاء وإمدادات المياه، وتفتك آثارها بمجتمعات بأكملها على الأرض، لذلك فإن إلحاح هذه الأزمات وتفاقمها يطرح السؤال التالي: ألا ينبغي لأذكى عقولنا وأعظم استثماراتنا أن تركز على إنقاذ موطننا قبل البحث عن موطن جديد؟".
ملخص المقالة
يذهب مقال هذا الصحافي المتردد في شأن مشاريع الفضاء الطموحة باتجاه يربك المتابع؟ فهو ينتقل بين عدد من العناوين مثل سحر الكوكب الأحمر، الذي يعده عنواناً رئيساً جاذباً وغامضاً لهذا الحلم الذي طال انتظاره، ثم يقر بأن استكشاف الفضاء يحفز الابتكار لكنه يعود ليحذر من طموح "سبيس إكس" مستعرضاً الوعد والخطر الكامن في ذلك الوعد، ثم يسأل عن أولويات تمويل المشاريع تلك تحت عنوان فرعي هو "أولويات التمويل: الصواريخ أم الإغاثة؟"، ويستعرض مبررات خطة البقاء على كواكب عدة، بوصفها خطة بديلة في حال وقوع كوارث على الأرض.
وفي معرض حديثه عن الدروس البيئية التي استفادها الإنسان من طموحات الفضاء يقر بواحدة من المفارقات المهمة، وهي أن المنظور الفريد الذي اكتسبناه من السفر إلى الفضاء عزز التزامنا تجاه الأرض أكثر.
تعاون عالمي أم طموح خاص؟
لا يخفي أنيت أوي أكبر مخاوفه في شأن مشاريع "سبيس إكس" مؤكداً أن هناك جانباً آخر لهذه القصة، وهو يدور حول من يقود هذه المهمة تحديداً، فحلم الشركة في الوصول إلى المريخ هو في معظمه مشروع خاص، مدفوع برؤية واحدة، ويخشى بعض المتابعين من أن هذا يركز السلطة والموارد في أيدي قلة من الناس، بدلاً من تعزيز التعاون العالمي. فالفضاء في نهاية المطاف ملك للبشرية جمعاء، فهل ينبغي أن يشكل مستقبل استكشاف الكواكب - وربما البقاء على قيد الحياة - طموحات خاصة لمجموعة من البشر، أم جهداً جماعياً مشتركاً لمواجهة أكبر تحديات البشرية معاً؟
ووفقاً لذلك فإن مهمة "سبيس إكس" الجريئة نجحت في إلهام الجيل القادم من محللي المشكلات، ففكرة استكشاف المريخ وبناء الصواريخ ومواجهة المجهول تشعل حماسة في عقولهم الفضولية، ويمكن لهذا الإلهام أن يلهم علماء ومهندسين ونشطاء جدداً وأشخاصاً يحلون أزمات الأرض أو يبنون جسوراً إلى عوالم أخرى.
ويكمن التحدي هنا في توجيه هذا الحماس ليس فقط نحو الفضاء، بل أيضاً نحو العمل الملح في رعاية البيئة والعدالة الاجتماعية والابتكار على كوكبنا، وذلك لأن البشرية تقف عند مفترق طرق دراماتيكي، فرؤية المريخ تكاد تكون أسطورية، لكن حاجات الأرض فورية وحقيقية، فهل نهرب أم نسعى إلى ما هو أعلى؟ وهل يمكننا إنقاذ عالمنا بينما نسعى إلى عالم آخر؟
الكوكب الأحمر أم القمر؟
من جهة ثانية يتزامن السؤال عن طموح "سبيس إكس" نحو الفضاء دائماً مع الحديث عن شغف إيلون ماسك الخاص بالكوكب الأحمر، وهو شغف خالف فيه ماسك شغف جميع علماء "ناسا" التقليديين بالقمر، الذي امتد عقوداً من الزمن، وفي محاولة للجمع بين الرؤيتين كتب إريك بيرغر وهو محرر أول لشؤون الفضاء في موقع "آرس تكنيكا arstechnica" العلمي تحت عنوان "ما الذي يمكن فعله بتعليقات ماسك التي تنتقد خطط ناسا القمرية؟" مرجحاً أن تعتمد "ناسا" خطة "أرتميس" الشهيرة الهادفة للعودة إلى سطح القمر والتي يمكن أن تتضمن مبادرات جديدة لكل من القمر والمريخ.
مباشرة للمريخ
عندما قال ماسك "سنذهب مباشرة إلى المريخ" ربما كان يقصد وفق بيرغر أن هذا سيكون محور "سبيس إكس" بدعم من "ناسا"، وهذا لا يمنع مبادرة منفصلة، ربما تقودها "بلو أوريجين" بمساعدة "ناسا"، وذلك لتطوير خطط العودة إلى القمر، لذلك يشير بيرغر بوضوح إلى تصريحات جاريد إسحاقمان، إذ كتب على منصة "إكس" بعد ترشيحه لرئاسة "ناسا"، "ولدت بعد هبوط القمر، وولد أطفالي بعد إطلاق آخر مكوك فضائي، وبدعم من الرئيس ترمب يمكنني أن أعدكم بهذا: لن نفقد أبداً قدرتنا على السفر إلى النجوم ولن نرضى أبداً بالمركز الثاني. سنلهم أطفالكم، أطفالي وأطفالكم، للتطلع إلى الأعلى والحلم بما هو ممكن، سيمشي الأميركيون على القمر والمريخ، وبذلك سنحسن الحياة هنا على الأرض".
وهذا معناه وفقاً لإريك بيرغر وهو محرر الموقع ومؤلف كتابي "Liftoff" الذي يتناول صعود "سبيس إكس"، و"Reentry" الذي يتناول تطوير صاروخ "فالكون 9" ومركبة دراغون، أن مشاريع الفضاء الطموحة تسير بقوة أكثر من السابق، لكن سيكون على "ناسا" الجديدة أن تتبنى إستراتيجية ثنائية المسار للوصول إلى القمر والمريخ معاً، وهنا سيطرح سؤال رئيس مشابه على الإدارة الجديدة حول ما إذا كانت وكالة الفضاء الحكومية ستنجح في أي من المهمتين.