ملخص
شهدت هذه البلدات معارك وكراً وفراً خلال أعوام الحرب، ونزح أهلها منها غير مرة، واليوم يطلقون نداءات استغاثة موجهة إلى جمعيات الأمم المتحدة، بحسب المرصد السوري، واصفين ما يحصل بالاستيلاء الممنهج على أرزاقهم، وهو ما تطابق مع روايات مهجرين من المنطقة لـ"اندبندنت عربية"، من بينهم المزارع محمود الفرع الذي أكد حصول عمليات تهجير جماعي واستيلاء بالغصب على ممتلكاتهم من دون تقديم أسباب أو ذرائع منطقية.
عقب سقوط النظام السوري في ديسمبر (كانون الثاني) 2024 وحتى اليوم، لا يزال أفراد أو جماعات تتبع للسلطة الجديدة يستولون على منازل وممتلكات مدنيين بالقوة والترهيب عبر أسلوب التهجير أو استغلال غياب أصحاب المنزل، من دون وجود إحصاء رسمي شامل لعدد المنازل التي استُولي عليها بالقوة حتى الآن على مستوى سوريا.
ففي حلب وحدها وحتى أواسط الشهر الماضي، بحسب مصادر مطلعة من المدينة، كانت الحصيلة 300 منزل استُولي عليها وأُشغلت من قبل مقاتلين أو عائلاتهم أو أسر نازحة.
أخيراً استولت تلك القوات التابعة للسلطة الجديدة على 20 قرية في ريف حماة الشمالي الشرقي وسط سوريا بالقوة طاردة أهلها، وتلك القرى هي البليل والزغبة والطليسية ومعان والفان والوسطاني والفان القبلي وأبو منسف والمبطن ومريود والطوبا ونوى وحلبان والثورة والشيخ علي كاسون وتلذهب وسباع والبويضة والرويف والشيحة.
وقد شهدت هذه البلدات معارك وكراً وفراً خلال أعوام الحرب، ونزح أهلها منها غير مرة، واليوم يطلقون نداءات استغاثة موجهة إلى جمعيات الأمم المتحدة، بحسب المرصد السوري، واصفين ما يحصل بالاستيلاء الممنهج على أرزاقهم، وهو ما تطابق مع روايات مهجرين من المنطقة لـ"اندبندنت عربية"، من بينهم المزارع محمود الفرع الذي أكد حصول عمليات تهجير جماعي واستيلاء بالغصب على ممتلكاتهم من دون تقديم أسباب أو ذرائع منطقية.
ويضيف الفرع، "ليس هذا العهد الذي كنا نتمناه، مناطقنا شبعت معارك وتهجيراً وخسارات، والطامة الكبرى أننا علمنا أن هذا الإجراء ليس موقتاً، فهم فعلياً سيمنعوننا من العودة، وقد استقدموا شركة استثمارية من إدلب لتتولى شؤون المنطقة".
"اكتفاء" الاستثمارية
شركة استثمارية قادمة من الشمال السوري تعمل ضمن غطاء رسمي حكومي من دون إذن أصحاب الأراضي، والهدف الأول لعملها هو ما عرف عن خصوبة أراضي المنطقة من الزيتون والفستق الحلبي، وتلك الأراضي مزروعة بأشجار مثمرة يعود عمر بعضها لنحو 70 عاماً.
الشركة اسمها "اكتفاء للاستثمار الزراعي" ويبدو أن مهمتها هي الأخرى لن تكون سهلة، إذ إن منازل هؤلاء المهجرين سبق واحتلت من قبل البدو الذين أطلقوا مواشيهم في تلك الأراضي مسببين خسائر إضافية في ثمرها وتربتها.
تعرّف شركة "اكتفاء" عن نفسها بحسب موقعها الإلكتروني بالقول "رؤيتنا هي الريادة والتفوق، نسعى لأن نكون إحدى أبرز العلامات الرائدة في قطاع الإنتاج الزراعي على مستوى المنطقة وسوريا عبر زراعة وإنتاج جميع أنواع المحاصيل والأشجار المثمرة والتصنيع الزراعي وفق أحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية وباتباع أعلى معايير الجودة والسلامة الغذائية، لتصبح منتجاتنا أكثر وفرة وأفضل سعراً وأجود إنتاجاً لكل العملاء، وندعم بذلك الوصول إلى الاستدامة الغذائية المستقبلية"، من دون أن تذكر تبعيتها الفعلية وعائداتها الاقتصادية ومحور عملها ولمصلحة من بالضبط، وهل هي شركة خاصة تمثل تمازجاً ضمن قطاع تعاوني مشترك مع الحكومة السورية أم أنها تعمل وفق ضوابط القطاع الخاص، وسط سيل من التساؤلات عن مشروعية عملها القائم على تهجير سكان 20 قرية والاستثمار بأراضيها، إلا أن المؤكد أنها قادمة من إدلب مما يعزز فرضية ارتباطها بحكومة الإنقاذ التي كانت قائمة هناك قبيل سقوط النظام.
أمر استملاك العقارات السكنية امتد إلى دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس وغيرها، وما يجمع بين كل ذلك هو قوة الاستملاك القائمة على فرض سلطة الأمر الواقع بالبندقية، حيث طرد المواطن "ساهر ز" من منزله في حي التضامن بدمشق أخيراً تحت تهديد السلاح، واتهم بأنه من فلول النظام كما يقول، مضيفاً "منعونا من إخراج أي غرض من المنزل ولا حتى ملابسنا، واستولوا عليه بالكامل لصالح عناصر عسكرية نجهل تبعيتها، فقدمنا شكوى لدى الشرطة لكن لم يتحرك أحد حتى الآن، وأذكر أن أحد العناصر قال لي يومها: جلسنا 14 عاماً في المخيمات، جربوا شعورنا، أنتم فلول ومناصرون للأسد وتستحقون القتل وليس الطرد. علماً أنني مجرد موظف مدني وزوجتي ربة منزل ولدي طفل صغير فقط، ولا يوجد أحد من عائلتي في الجيش أو الأمن، إنه مجرد افتراء على الناس، وقد تكرر كثيراً طرد الناس من منازلهم".
يكفي أنكم أحياء
على المقلب الآخر ومنذ سيطرة السلطة الجديدة قامت فوراً بحملة إخلاءات شاملة لكل المنازل التي كان يشغلها مناصرو الأسد أو شبيحته أو المهجرون من مناطق سيطرته التي خسرها خلال معارك متنوعة، ومع عودة الشاب سليم حداد من الأردن بعد لجوء دام 14 عاماً إلى مدينته حمص، فوراً تقدم ببلاغ شرطي لإخلاء منزله، وعن ذلك يقول "خلال 24 ساعة نُفذ الحكم وأخليت العائلة من منزلي، ربما يكون للأمر بعد طائفي لأكون صريحاً، كوني كمالك للمنزل سني، ومستملكه في الحرب من جماعة النظام السابق، لكن أيضاً لا يمكن إغفال أن عمليات سيطرة جديدة وقعت على منازل السنة من قبل عناصر في السلطة الجديدة، لذا يبدو الأمر أحياناً مغرقاً في قانونيته، وفي أحيان أخرى أبعد ما يكون عن القانون، فأنا نفسي اليوم عرضة للتهجير من منزلي من جديد إذا قرر آمر قطاع الحي استملاكه لأغراض عسكرية وضرورات أمنية كما يقولون، ولكن بالتأكيد ستختلف المعاملة وطلب الإخلاء، القصة معقدة جداً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
باسمة عروس، أستاذة في كلية الصيدلة بجامعة دمشق، متزوجة من ضابط إداري سُرح قبل نحو عام، ولا يوجد في حقه سجل جنائي وليس مطلوباً للقوات الحكومية. كانت باسمة تقطن في ضاحية حرستا (ضاحية الأسد) جنوب دمشق، لديها ولدان: الأول في سنته الجامعية الأولى، وطفلة عمرها 11 سنة.
تعرض منزلها الذي يخضع للملكية الخاصة لأمر استملاك لصالح قوات الجهاز الأمني، بحسب روايتها، ويقع في الجزيرة (ب) محضر (5) طابق ثان، ولم يسمح لهم سوى بإخراج حقيبتي ملابس بعد طول استعطاف، إذ قوبلا بجملة "احمدوا الله أنكم أحياء".
تقول باسمة "أرجو النظر في أمرنا، نحن عائلة عادية، ولم نخالف القانون يوماً، ومنزلنا هو المكان الوحيد الذي نملكه في هذا العالم، في أعماقي جرح نازف، بيتي كان ملاذ أحلامي وذكرياتي، انتُزع مني بقسوة لا ترحم، خرجنا منه غرباء بحقيبتين صغيرتين لا غير"، متسائلة "هل هذه العدالة، هل هذا القانون، هل هذا الوطن، أن نترك في العراء بلا مأوى، بلا حقوق، بلا إنسانية؟".
تغيير ديموغرافي
يحدث كل ذلك في ظل الإعلان الدستوري الجديد الذي نص صراحة في المادة 16 منه على أن حق الملكية الخاصة مصون، ولا ينزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل، وأن ملكية الأموال العامة مصونة، وجميع الثروات الطبيعية ومواردها هي ملكية عامة، وتقوم الدولة بحفظها واستغلالها واستثمارها لمصلحة المجتمع، وفي المادة 19 جاء أن المساكن مصونة ولا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة بالقانون.
ومن شأن استمرار تلك الممارسات، بحسب المتخصص في الإحصاء فواز الخاني، أن "يشهد المجتمع السوري تبدلاً ديموغرافياً واسعاً لن تكون عواقبه حميدة على المدى المنظور، إذ من واجب السلطات تأمين مساكن مسبقة لمقاتليها عوضاً عن حالات التهجير الفردي والجماعي الممنهج وغير الممنهج، فالطبيعة السكانية السورية بحكم سقوط نظام حكمها عقوداً لا تتحمل هذا النوع من الأفعال، وأبرز دلائله ما كان الأسد نفسه يفعله مع شركائه في تبديل وجه سوريا الديموغرافي، مما أفضى إلى مشكلات ستدفع السلطات الحالية ثمنها، وهي اليوم تزيد الفاتورة على نفسها".