Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اهتزاز صورة ترمب كزعيم "ماغا" المبجل

الأميركيون العاديون الذي دعموه على أمل أن يحقق الرخاء لهم، استفاقوا على صدمة قاسية نتيجة معارك الرسوم الجمركية التي فجرها وتسبب بنكسة كبيرة للأسواق

جمهور "ماغا" يمر في مرحلة حساسة من اختبار إيمانهم برئيسهم ترمب (أ ف ب عبر غيتي)

ملخص

الارتباك الذي أظهرته قيادة ترمب في موضوع قرارات الرسوم الجمركية، أثار قلق الأسواق وأثر في شعبيته، كما كشف عن حدود نهج "ماغا" وربما أدى إلى تصدع إيمان مؤيديه

حاول أحد أشد المؤيدين للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي كان على محطة إذاعية صباح الخميس الماضي، تفسير الارتباك الذي حصل نتيجة قرار ترمب التراجع المفاجئ عن تطبيق التعرفات الجمركية في الليلة السابقة. وقال إن ما أراده الرئيس ببساطة هو أن يلفت انتباه العالم. حسناً إذا كان هذا هو الهدف، فإن المهمة من حيث معيار نجاحها قد أنجزت، ويمكن منح الرجل الذي يقطن في "1600 جادة بنسلفانيا" [عنوان البيت الأبيض] درجة تميز، فالعالم يتابع الآن ما يحصل بصدمةٍ وقلق.

وفي قراءة أخرى لتلك التعليقات، فإن رئيس الولايات المتحدة كشخص لديه رغبة دائمة في جذب الانتباه. وعلى رغم أن ذلك ليس العنوان الرئيس للفترة الفوضوية التي تلت ما أطلق عليه ترمب "يوم التحرير"، إلا أنه كان عاملاً مؤثراً، وزاد بثبات من تعقيد الأمور.

يُلاحظ أن ميل ترمب إلى الظهور الإعلامي. تتملكه رغبة دائمة بتقديم تعليق مباشر للعالم حول كآفة. وفي هذا السياق، بدا مشهد "حديقة الورود" في البيت الأبيض الذي اكتمل بلوحة الرسوم الجمركية التي تشبه لوحة "بينغو"، أقرب إلى تجربة أداء مقدم برنامج مسابقات، لكنه في جوهره لم يكن سوى حلقة جديدة من "عرض ترمب" المستمر.

هذا المشهد يثير تساؤلات حول ما كان يمكن تحقيقه لو أن ترمب اختار إدارة مفاوضاته المتعلقة بالرسوم الجمركية خلف أبوابٍ مغلقة، بأسلوبٍ يتسم بالتكتم والحزم، وربما باستخدام وسائل التهديد التقليدية تجاه الدول غير المتجاوبة. إلا أنه بدلاً من ذلك، فضل اللجوء إلى أسلوبٍ علني صاخب، ما أدى إلى إرباك واسع وقلق في الأسواق العالمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الرواية التي يعتمدها ترمب واضحة: فلا مجال للمعارضة، والحل برأيه يتطلب تدخلاً حاسماً وعلاجاً من خلال الدواء، لا بل الجراحة أيضاً، بعدما جرى "اغتصاب ونهب" الولايات المتحدة من جانب بقية دول العالم.

لهذين السببين، تجد مدغشقر نفسها مطالبة بدفع رسوم جمركية. السبب؟ لأنها صدرت الشوكولاتة إلى الولايات المتحدة، من دون أن يقابل ذلك واردات كبيرة من السلع الأميركية. ربما لم يأخذ في الاعتبار أنها دولة فقيرة ومنخفضة الدخل. وفي سياق مماثل، تم فرض رسوم جمركية على غوادلوب ومارتينيك تختلف عن تلك المفروضة على "الاتحاد الأوروبي"، على رغم أن الجزيرتين الكاريبيتين تقعان تحت سيادة فرنسا وتشكلان جزءاً منها.

بدا الطرح برمته وكأنه جاء على عجل وافتقر للتخطيط المتأني، وكأن الالتزام بالإعلان ضمن الأيام المئة الأولى من الولاية الرئاسية الثانية طغى على أهمية إنجاز الخطوة بشكلٍ مدروس.

لكن يبقى السؤال: ما الهدف الحقيقي من فرض الرسوم الجمركية؟ السردية تتبدل من تصريح إلى آخر. هل الغاية توليد إيرادات جديدة لتمويل التخفيضات الضريبية؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن حجم واردات مدغشقر من الولايات المتحدة لن يُحدث فارقاً يُذكر. أم أن الهدف يتمثل في سد العجز التجاري الأميركي؟

إذا كان الهدف المعلن هو "إعادة توطين الصناعات"، أي إعادة وظائف قطاع التصنيع إلى داخل الولايات المتحدة، فإن هذا المسار لم يعد يبدو مقنعاً. إن أي عضو في مجلس إدارة أي شركة عالمية يفكر في ضخ استثمارات كبيرة داخل الولايات المتحدة وبناء مصنع فيها، سيبحث بطبيعة الحال عن بعض من الاستقرار في السياسات الاقتصادية، واتساق في اتخاذ القرارات، وإمكان توقع الاتجاهات المستقبلية. حتى أكثر مؤيدي ترمب ولاء وتعصباً لا يمكنه أن يزعم أن الرئيس أمن قدراً من الاستقرار الاقتصادي الكلي أو الاتساق في صنع القرار.

وعليه يبدو لي أن هناك سؤالين رئيسيين هنا هما، ما الذي دفع بدونالد ترمب إلى التراجع عن موقفه والتخلي عنه، لا بل الانصياع (وهي كلمات قد لا تحظى بقبوله بالتأكيد)؟ وكيف سيؤثر هذا التحول في قيادته في المستقبل؟

وفقاً لأشد مؤيديه المتحمسين، يتم تصوير الأمر على أنه "إعادة تقييمٍ للسياسة" خطط لها بذكاء وعناية بهدف عزل الصين. لكن عندما يتحدث ترمب نفسه، تتبدى رواية مختلفة أعتقد أنها أقرب إلى الحقيقة، فقد شعر بالقلق والتردد.

صحيح أن أسواق الأسهم شهدت هبوطاً حاداً، إلا أن ناقوس الخطر الحقيقي جاء من أسواق السندات. فقد بدأ بيع ديون الحكومة الأميركية- التي لطالما اعتُبرت الملاذ الآمن الأمثل للمستثمرين المتعثرين، ولم يكن ذلك مجرد رد فعلٍ من السوق، بل إشارة إلى تراجع الثقة في الرجل الذي يتربع على السلطة ويدير دفة الأمور.

سبق لي أن استشهدتُ في مقالات سابقة بالاستراتيجي "الديمقراطي" البارز جيمس كارفيل، المعروف بجملته الشهيرة "الاقتصاد هو المشكلة، يا غبي" [استخدم كارفيل العبارة أثناء انتخابات كلينتون – بوش عام 1992 وعنى بها أن الاقتصاد هو ما يهم الناس حقاً وبالتالي وجب التركيز عليه]. لكن ما صرح به قبل عامين كان له صدى قوي في ذهني الأسبوع الماضي، فقد قال: "كنتُ أظن أنه إذا كان هناك تقمص، فإنني أتمنى أن أعود رئيساً أو بابا الكنيسة، أو لاعب بيسبول محترفاً. لكن الآن، أود العودة كسوق السندات، إذ لا شيء يُضاهيها في التأثير على الجميع وتخويفهم".

إذا كان هناك من شيء يزعج دونالد ترمب ويزرع خوف الله في قلبه، فهي الأسواق. ربما كان بإمكانه تجاهل مستشاريه، والاستهزاء بالمصرفيين، وعدم الرد على المكالمات المتذمرة من أصدقائه أصحاب المليارات الذين قد يضطرون إلى شراء طائراتٍ نفاثة أصغر حجماً. لكن سوق السندات أمرٌ مختلف، لا يمكن بأي حال العبث به.

ناقوس الخطر الحقيقي جاء من أسواق السندات، فقد بدأ بيع ديون الحكومة الأميركية التي لطالما اعتُبرت الملاذ الآمن الأمثل للمستثمرين المتعثرين

عندما أعلن الرئيس الأميركي عن تعليق قرار فرض التعرفات الجمركية موقتاً لمدة 90 يوماً، فاقت حماسة "وول ستريت" تلك التي نراها عند الطلاب الذين أنهوا لتوهم امتحاناتهم النهائية. لكن بعد يومٍ واحد فقط، عادت الأسواق لتومض مرةً أخرى باللون الأحمر وتكبد خسائر. واستمرت عمليات البيع المكثفة، وكان التراجع الجزئي الذي أعلنه الرئيس غير كافٍ. الآن، بات الجميع يبحث عن المزيد، مطالبين بالاستقرار من خلال إنهاء الفوضى التي تسببت بها السياسات المتقلبة في شأن الرسوم الجمركية.

كان من المفترض أن تكون ولاية ترمب الثانية مختلفة عن الأولى. ففي تلك الفترة، كان محاطاً إما بأيديولوجيين متشددين من أنصار حركة "ماغا" الذين كانوا يفتقرون للخبرة، أو بأشخاص يُسمون راشدين حاولوا كبح جماحه. أما الآن، فهو يقود فريقاً من أنصاره الذين يعرفون تماماً ما يفعلون، ويعملون على تنفيذ أجندته بلا عرقلة.

في الأسابيع الأولى المذهلة لهذه الإدارة، كنتُ مقتنعاً تماماً بهذا التحليل الذي بدا وكأنه انطلاقة سريعة تحت شعار "ماغا". لكن بحلول يوم الأربعاء الماضي، اصطدمت هذه السياسة بحاجزٍ قوي في أسواق السندات. فمَن هم الأشخاص الذين بدا أنهم ربحوا؟ إنهم "الراشدون".

شهد "الجناح الغربي" في البيت الأبيض صراعاً عنيفاً بين مؤيدي فرض التعرفات الجمركية من المتشددين ومؤيدي السوق الحرة. ولإضفاء طابع شخصي على هذا الصراع، دخل بيتر نافارو [مستشار ترمب للتجارة] في مواجهةٍ علنية مع إيلون ماسك، بحيث سخر الأخير من نافارو، واصفاً إياه بأنه أحمق و"شديد الغباء". أما المتشددون فهم اليوم يضمدون جراح الهزيمة.

هذا التحول أدى إلى بعض التفاؤل في الأسواق، إذ على رغم استمرار فرض الرسوم الجمركية، إلا أن هناك شعوراً بأنه ربما شهدنا ذروتها. وخلال فترة التوقف المقبلة التي تستمر 90 يوماً، من المحتمل أن يدعي بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية أنهم حققوا انتصاراتٍ تجارية مزعومة مع تراجعهم عن الإجراءات العقابية الأكثر شدة.

في المقابل، سجلت نسب التأييد لدونالد ترمب انخفاضاً ملحوظاً، وهو مؤشر رئيس يتابعه الرئيس الأميركي بدقة لا تقل عن متابعته أسواق الأسهم. نعيش مرحلة اختيار لمؤيديه من أنصار "ماغا"، وعلى رغم التداول بذلك بحذر، إلا أن هناك شعوراً متزايداً بأنه حتى "القديس دونالد" قد لا يكون معصوماً. فما دفع بالأميركيين إلى التصويت له في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت، كان الأمل في أن رجل الأعمال سيحقق الرخاء لهم ويجعلهم أكثر ثراء.

في غضون ذلك، بدأ الحزب "الجمهوري" ينظر بقلق متزايد إلى الانتخابات النصفية الأميركية التي تُجرى في 2026. فالسيطرة التي لديه الآن على "مجلس النواب" هي ضعيفة، وإذا ما فقدها، قد يجعل ذلك حكم ترمب أكثر صعوبة.

قد لا يكون لـ "الديمقراطيين" تأثير كبير في الوقت الراهن، إذ يفتقرون لقائدٍ يتولى المهمة، لكن في الحقيقة، هذا ليس أمراً بالغ الأهمية في هذه المرحلة. فبرنامج ترمب يهيمن على عناوين الأخبار ويجذب الانتباه، ومن غيره يستطيع أن يتصدر الأضواء في الوقت الراهن؟

لكن اجتذاب التغطية الإعلامية بشكل مستمر لا يعني بالضرورة تحقيق النجاح في النهاية، فهناك ما يُعرف بالدعاية السلبية. ومنذ "يوم التحرير"، جرى تذكير الأميركيين بكل ما هو فوضوي ومختل في شخصية ترمب وأسلوب قيادته العشوائي في الحكم.

يبقى القول إن الانطباع السائد هو أن الرئيس الأميركي قد عوقب وتعلم درساً خلال الأيام العشرة الماضية، وأنه لن يجرؤ على استخدام التعرفات الجمركية بشكلٍ كاملٍ مرةً أخرى في غضون ثلاثة أشهر [بعد انقضاء مدة الـ90 يوماً]. لكن هذا التوقع يعتمد على افتراض أنه سيتصرف بعقلانية ومنطق، والسؤال: مَن هو على استعداد للرهان على ذلك؟

جون سوبيل هو المحرر السابق لـ "بي بي سي أميركا الشمالية"، ويتولى الآن تقديم "بودكاست" "عملاء الأخبار" The News Agents’ Podcast من انتاج "غلوبال" Global. وقد صدر له أخيراً كتاب بعنوان "أرض الغرائب: كيف فقدت بريطانيا معناها" Strangeland: How Britain Stopped Making Sense

© The Independent

المزيد من آراء