Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الدبلوماسيين تعيد التوتر بين فرنسا والجزائر

جان نويل بارو يطالب بالتراجع عن إجراءات الطرد وإلا فلن يكون أمام باريس خيار آخر سوى الرد فوراً

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي في 6 أبريل 2025 (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

دافعت الجزائر عن قرارها "السيادي" بطرد 12 موظفاً في السفارة الفرنسية، محملة وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو "المسؤولية الكاملة" عن هذا التوتر الجديد في العلاقات بين البلدين.

يبدو أن تجاوز التوتر بين الجزائر وباريس ليس قريباً بعد طرد الجزائر 12 دبلوماسياً فرنسياً رداً على توقيف ثلاثة جزائريين في فرنسا بتهم "خطرة"، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل تعداها إلى تصريحات وزير الخارجية جان نويل بارو بأنه "في حال الإبقاء على قرار طرد موظفينا، فلن يكون أمامنا خيار سوى الرد على الفور"، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات الثنائية.

قرار جزائري وطلب فرنسي

وبعد أسبوع من زيارة قادته إلى الجزائر وإعلانه عقب لقاء جمعه مع نظيره أحمد عطاف والرئيس عبدالمجيد تبون عن مرحلة جديدة في العلاقات بين باريس والجزائر، قال وزير الخارجية الفرنسي، بعد طلب الجزائر من 12 موظفاً في سفارة فرنسا مغادرة الأراضي الجزائرية في غضون 48 ساعة "أطالب السلطات الجزائرية بالتراجع عن هذه الإجراءات التي لا علاقة لها بالإجراءات القضائية الجارية في فرنسا"، وأوضح أنه في حال "الإبقاء على قرار طرد موظفينا فلن يكون أمامنا خيار سوى الرد على الفور".

ويأتي القرار الذي لم تشهده العلاقات الثنائية منذ استقلال الجزائر في 1962، رداً على توقيف ثلاثة جزائريين، بينهم دبلوماسي، يخضعون للتحقيق في شأن قضية لها علاقة بأمير بوخرص، المعروف بـ"أمير دي زاد"، حيث ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن النيابة العامة المكلفة قضايا مكافحة الإرهاب، وجهت الاتهام لثلاثة رجال، أحدهم موظف في إحدى القنصليات الجزائرية لدى فرنسا، بتورطهم في "التوقيف والخطف والاحتجاز التعسفي في إطار مخطط إرهابي".

وأمير بوخرص مؤثر جزائري يبلغ 41 سنة ويقيم في فرنسا منذ 2016.

وأصدرت الجزائر تسع مذكرات توقيف دولية بحقه متهمة إياه بـ"الاحتيال وارتكاب جرائم إرهابية". وفي عام 2022 رفض القضاء الفرنسي تسليمه وحصل على اللجوء السياسي عام 2023.

 

فعل ورد فعل

ومنحت الجزائر باريس مهلة قبل اتخاذ قرار طرد الدبلوماسيين، إذ استدعت خارجيتها السفير الفرنسي لإبلاغه الاحتجاج الشديد على قرار السلطات القضائية الفرنسية إيداع أحد الموظفين القنصليين الجزائريين رهن الحبس الموقت، وأوردت في بيان أن الأمين العام للوزارة لوناس مقرمان استقبل بمقر الوزارة سفير فرنسا لدى الجزائر ستيفان روماتي، وذلك لإبلاغ الجانب الفرنسي احتجاج الجزائر الشديد على هذا القرار، مضيفة أنه تم خلال اللقاء التأكيد على الرفض القاطع، شكلاً ومضموناً، للمبررات التي قدمها الادعاء العام الفرنسي المختص بقضايا الإرهاب لتبرير حبس الموظف القنصلي، الذي كان يؤدي مهامه على الأراضي الفرنسية، وطالبت بالإفراج الفوري عن موظفها القنصلي، وضمان كامل حقوقه القانونية والمهنية، وفقاً للاتفاقات الدولية والثنائية، بما يكفل له الدفاع عن نفسه في ظروف تحترم أبسط الضمانات القانونية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشددت على أن هذا "التصعيد القضائي غير المسبوق لا يعد وليد الصدفة، بل جاء في سياق محدد، وبدوافع تهدف إلى عرقلة جهود إعادة بعث العلاقات الثنائية، والتي تم الاتفاق على إنعاشها خلال المكالمة الهاتفية الأخيرة بين رئيسي البلدين"، واعتبرت أن "هذا التطور المؤسف وغير المناسب يعكس غياب إرادة سياسية موحدة من الطرف الفرنسي، ويفضح التباين في درجات الالتزام، إضافة إلى غياب النية الصادقة والجدية الضرورية لتهيئة مناخ ملائم لاستئناف العلاقات الثنائية بصورة طبيعية وهادئة"، معربة عن استغرابها الشديد من الخيار "الساخر" الذي لجأت إليه بعض الجهات المعطلة لمسار تطبيع العلاقات، من خلال "استغلال هذا المجرم كذريعة لتنفيذ تحرك مدبر". وأشارت إلى "التناقض الفاضح بين هذا التسرع في اتخاذ إجراءات قضائية ضده، وبين اللامبالاة الطويلة التي اتسم بها تعامل السلطات الفرنسية مع طلبات التسليم المتكررة من الجزائر في شأن هذا الشخص المرتبط بتنظيمات إرهابية"، وختمت أن هذا "التصعيد" من شأنه أن يُلحق ضرراً بالغاً بالعلاقات الثنائية، وأنه لن يُسهم في التهدئة، وأن الجزائر لن تترك هذا الوضع دون تبعات، وستعمل بكل حزم على ضمان الحماية الكاملة لموظفها القنصلي المعني.

بين فرنسا والجزائر

وبات لافتاً أن فرنسا تعيش على صدام داخلي بين طرف يحن إلى "الجزائر الفرنسية"، وهم من الفرنسيين الذين يدافعون عن الفكر الكولونيالي الذي يرى في المستعمرات السابقة حدائق فرنسا، ويقوده اليمين المتطرف، وبين طرف آخر من الجيل الذي يسعى إلى تجاوز الماضي الأليم بين البلدين نحو مستقبل "رابح-رابح"، والاحترام المتبادل.

في المقابل تعتبر الجزائر أن استمرار باريس في التعامل بمكيالين تارة، وبالتجاهل تارة أخرى، استفزاز يجب وضع حد له من خلال المعاملة بالمثل في مختلف القضايا، لا سيما السيادية منها، وهو الوضع الذي أصبح ظاهراً للعيان منذ السنوات الأخيرة، مع تجاوز الامتيازات التي كانت تحظى بها فرنسا على جميع المستويات، والانتقال إلى الفعل بدل الاستمرار في سياسة رد الفعل.

"قطع الطريق أمام روتايو"

وفي السياق تساءل نائب عن حزب "فرنسا الأبية" بالغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي إيريك كوكريل إن لم يكن لوزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو يد في عودة الأزمة بين الجزائر وباريس، وقال خلال استضافته على قناة "تي أف 1"، إنه "في اللحظة التي تقوم فيها باعتقال موظف من القنصلية الجزائرية، تعلم أنه سيكون هناك رد فعل"، وأضاف أن "الرد يكون آلياً، ونعلم أن الجزائر لا تبقى مكتوفة الأيدي في مثل هذه الحالات".

وواصل كوكريل أنه "يمكن أن نتساءل إن لم يكن برونو روتايو يحاول إحكام قبضته على ملف العلاقات مع الجزائر بعدما تم لحسن الحظ تحييده منذ أيام عدة"، موجهاً أصابع الاتهام إليه، بحكم أن عملية توقيف الأشخاص الثلاثة، بينهم الموظف القنصلي، تمت من قبل مصالح وزارة الداخلية، تحديداً مديرية الأمن الداخلي، الواقعة تحت سلطة وزير الداخلية، وعبر عن أمله في أن يقوم الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري بالتواصل مجدداً لوقف التصعيد وقطع الطريق أمام روتايو، الذي "يريد استغلال ملف الجزائر لأهداف شخصية، في مقدمها الترشح للرئاسيات".

سحب السفراء وقطع العلاقات أمر مستبعد

من جانبه يرى الدبلوماسي الجزائري المقيم بجنيف السويسرية محمد خدير في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن طلب وزير خارجية فرنسا من الجزائر التراجع عن طرد الدبلوماسيين ليس جديداً، ويبدو أن الجزائر تتجه للتمسك بقرارها في سياق المعاملة بالمثل، مشيراً إلى أن أصابع الاتهام موجهة لوزير الداخلية الفرنسي روتايو الذي اعتبر تنقل زميله في الحكومة وزير الخارجية إلى الجزائر من أجل التهدئة وإعادة بعث العلاقات الثنائية فشلاً وهزيمةً لفرنسا، وهو الآن يقوم بإعادة شحن الفرنسيين بمثل هذه التصرفات والممارسات والقضايا التي ليس وقت إثارتها، وأوضح أن كل ذلك يندرج في إطار حملة روتايو من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة.

ويستبعد خدير أن تقوم فرنسا بطرد دبلوماسيين جزائريين في سياق المعاملة بالمثل على اعتبار أن المعاملة بالمثل تحدث بعد وقت قصير من الحادثة، وحتى الآن باريس لم تتصرف، و"أظن أن الرئيس ماكرون سيتدخل من أجل التهدئة وتجاوز القضية بأخف الأضرار"، مبرزاً أنه "في هذه الحادثة نرى أن الجزائر هي من قامت برد الفعل بعد الفعل الفرنسي"، وختم أنه لا يمكن توقع بلوغ الأمور إلى حد سحب السفراء وقطع العلاقات.

ودافعت الجزائر أمس الإثنين عن قرارها "السيادي" بطرد 12 موظفاً في السفارة الفرنسية، محملة وزير الداخلية الفرنسي "المسؤولية الكاملة" عن هذا التوتر الجديد في العلاقات بين البلدين.

وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان أنها اتخذت قراراً باعتبار 12 من موظفي السفارة أشخاصاً غير مرغوب فيهم إثر الاعتقال الذي وصفته بـ "الاستعراضي والتشهيري" الذي قامت به أجهزة تابعة للداخلية الفرنسية "في حق موظف قنصلي" جزائري. ورأت أن هذا "الإجراء المشين تم القيام به من دون أدنى مراعاة للأعراف والمواثيق الدبلوماسية"، وليس "إلا نتيجة للموقف السلبي والمخزي المستمر لوزير الداخلية الفرنسي تجاه الجزائر"، وفق تعبيرها.

المزيد من تقارير