ملخص
دهشة التحول بين ترمب وماسك من أقصى درجات التراشق بالاتهامات في الفترة الرئاسية الأولى إلى أقصى درجات التفاهم بالنظرات والتكامل بالأفكار ومنها إلى حديث شبه مؤكد عن قرب انتهاء العلاقة بينهما، تهيمن على سكان الأرض ويتساوى في ذلك المعجبون بترمب وسياساته وماسك وأفكاره والمتضررون من كليهما.
علاقة الصديقين الغريمين، رجلي الأعمال المتشابهين إلى درجة التطابق، والمتناقضين في الوقت نفسه إلى درجة التنافر، غريبي الأطوار كل في مجال حياته وملياراته واختياراته، لا يمكن أن توصف إلا بالعاصفة المتقلبة المتصادمة الصادمة المدهشة. إنها العلاقة الأكثر إثارة للجدل والدهشة، بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورجل الأعمال إيلون ماسك.
دهشة التحول من أقصى درجات التراشق بالاتهامات في فترة ترمب الرئاسية الأولى إلى أقصى درجات التفاهم بالنظرات والتكامل بالأفكار، إلى درجة تعيين ماسك مسؤولاً عن خفض الإنفاق الفيدرالي، وفجأة، تلميح الرئيس بقرب عودة أغنى رجل في العالم إلى مدرجات رجال الأعمال، والاكتفاء بدعمه من بعد أو عبر الأثير، تهيمن على سكان الأرض.
أشهر قليلة فقط أمضاها رجل الأعمال المثير للجدل إيلون ماسك في مهمة لا تقل جدلاً عنه، ألا وهي وزارة كفاءة الحكومة، أو "دوغ" (DOGE)، قلبت المهمة موازين الوكالات والهيئات والجهات الحكومية الأميركية رأساً على عقب، وأطاحت آلاف الموظفين، واستعدت ملايين المواطنين، لكنها حظيت بدعم الرئيس بعدما أصبح الرجلان المثيران للجدل العالمي صديقين مقربين.
علاقة بالغة الغرابة
العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والملياردير المسؤول عن الكفاءة الحكومية الأميركية إيلون ماسك بالغة الغرابة، ويبدو أن محاولات فك طلاسمها وفهم إبهاماتها ما زالت شحيحة لأن الغالبية غارقة في معالجة آثار هذه العلاقة المباشرة في حياتهم، إن لم يكن بخسارة الوظائف، فبهبوط الأسهم وفوضى التعريفات الجمركية، وإن لم يكن هذا أو ذاك، فبتجرع مرارة وقف المساعدات وحجب المعونات.
إنها العلاقة المعاصرة الأكثر تأثيراً في حياة سكان الكوكب. بعض المتابعين أطلق عليهما "الثنائي الغريب"، وبعض آخر رآها لقاء السحاب بين أخطر رجلين على ظهر الأرض، أو تحالف الغرباء، أو علاقة "الحب – الكراهية"، أو علاقة أتلفها "تويتر" وأحياها "إكس".
بعيداً من التسميات، العلاقة الغريبة بين رجلين عرفا بمزاجهما المتقلب، والرغبة الجامحة في الهيمنة، وضرب عرض الحائط بالمتوقع والمعروف، واعتناق كل ما هو مفاجئ وصادم وغريب، تبقى مؤثرة في المليارات من سكان الأرض، وستبقى كذلك حتى مع ملامح قرب انتهائها.
سبب غير مفهوم
لسبب ما، وقع اختيار الرئيس ترمب على الملياردير الأميركي المتعدد الجنسيات والمتعدد الشركات إيلون ماسك ليترأس وزارة الكفاءة الحكومية الجديدة، بهدف "تفكيك البيروقراطية الحكومية، وتقليص الإجراءات التنظيمية المبالغ فيها، وخفض الهدر في النفقات، وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية"، بحسب ما أعلن ترمب. وبينما الملايين تضرب كفاً بكف لغرابة المهمة، وبينما يتفكر المراقبون ويجتهد المتخصصون لفهم ما يجري، وتوقع ما هو آت، إذ بلقاء بين ترمب والأمين العام لحلف الناتو يوسع دائرة التكهنات حول حجم قوة ماسك وسيطرته، لا في الشأن الأميركي فحسب، ولكن العابرة للحدود أيضاً.
وكان ترمب قد غرد بعد تسلمه مهام الرئاسة في يناير (كانون الأول) الماضي عن "ضرورة إجراء إصلاح شامل للناتو" وأن الحرب الباردة انتهت، وأن الحلف أصبح من مخلفات زمن مضى.
تحركات عابرة للحدود
تحركات الثنائي داخل الحدود وخارجها أدهشت الجميع، فمن حلف الناتو، ومحاولة جره إلى جهود ترمب المكثفة لضم غرينلاند، ورد أمينه العام، مارك روته بدبلوماسية متمنعة بأن "مستقبل غرينلاند سيترك للآخرين"، وأنه لا يريد جر الحلف إلى هذا النقاش، مروراً برأي ماسك – الذي غالباً يشاركه فيه ترمب- بأن على أميركا أن تنسحب من الأمم المتحدة، ومن رؤيتهما الأممية، وصولاً إلى ما قاله ماسك مطلع العام الحالي عن ضرورة القضاء على حركة "حماس" وعناصرها، أو في الأقل سجنهم جميعاً، مقترحاً أن يحذو التعامل مع غزة بعد الحرب، حذو تعامل أميركا مع ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن ماسك في غزة إلى ماسك في أوكرانيا، واتهامه لها بالتسبب في تعطيل منصة "إكس" التي يملكها ومحاول إسقاطها، ومن اتهام أوكرانيا في الهجوم على منصته، إلى تذكيره لها ولرئيسها أنه من منح القوات الأوكرانية خدمات "ستارلينك" – التي يملكها أيضاً قبل عامين لدعمها في حربها ضد روسيا، ملوحاً بأنه في حال تعطيل خدمات "ستارلينك" "العمود الفقري للجيش الأوكراني" – على حد وصفه - فسينهار الخط الأمامي للجيش بالكامل، وهو ما بدا بصورة واضحة وصريحة أنه تهديد للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أو في الأقل الضغط عليه للانصياع لما تمليه عليه أميركا.
تحالف فريد
توالت أمارات القوة، وتواترت علامات السيطرة الممنوحة من الرئيس ترمب لـ"صديقه" ماسك، أو التي اقتنصها "الموظف الحكومي الخاص" (بحسب توصيف البيت الأبيض) ماسك من صديقه ترمب. إنها الصداقة الجديدة نسبياً، المتحولة من عداء شديد إلى تحالف فريد، والمتسببة في طرح أسئلة غريبة عن مستقبل أميركا والعالم في ظل هذه الصداقة، ودرجة قوتها ومتانتها، وعمرها الافتراضي، ونهاية صلاحيتها.
ظلت العلاقة قوية طوال الأشهر الماضية، لكنها في الوقت نفسه لم تمتلك يوماً مقومات الاستدامة، على رغم تشابك مصالح الطرفين، وتناغم تصرفاتهما، وتناسق أفكارهما، الحكماء رجحوا ألا تستمر العلاقة طويلاً، وهو ما بدأ يتجلى هذه الأيام.
بدت الدرجة التي تتشابك بها مصالح الصديقين غير مسبوقة، وفي الوقت نفسه غير مستدامة. مجلة "وايرد" الأميركية تساءلت تحت عنوان "الولايات المتحدة لشركة إيلون ماسك" (مارس 2025): "أين تنتهي مصالح إيلون ماسك التجارية، وتبدأ مصالح دونالد ترمب السياسية؟"، لتجيب عن السؤال المحير: "إنهما شيء واحد".
المنافع المتبادلة بين الرجلين في الأشهر القليلة الماضية كثيرة ومتشابكة، وبحسب المقال، على رغم أن شخصية ترمب ليست محبة للغير، وعلى رغم أن صفات ماسك وسماته تؤهله لأن يكون ذلك الرجل الذي يدفعه ترمب بعيداً غير مأسوف عليه، "فإنه (ماسك) لا يزال أغنى رجل في العالم، ويحتاج إلى بيع بعض السيارات لينقذ شركته"، ويضاف إلى ذلك أنه "أنفق ما يقارب 300 مليون دولار على الانتخابات الرئاسية الأخيرة، معظمها وُجه لحملة ترمب"، ليس هذا فحسب، بل حول ماسك منصته "إكس" إلى مدينة فاضلة لـ"لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (شعار ترمب) أكثر من منصة ترمب الرقمية "تروث سوشيال" نفسها. ويضاف إلى ذلك أن عمل ماسك في ما يسمى وزارة الكفاءة الحكومية مكن ترمب من الاستعانة بمصادر خارجية للقيم بمهام الحوكمة الفعلية المرهقة.
أميركي عظيم بحق
في المقابل قال ترمب لمراسل صحافي قبل أسابيع إنه سيصنف أي شخص يرتكب عنفاً ضد وكلاء "تسلا" على أنه "إرهابي محلي"، وتشير المجلة إلى أنه بدلاً من اعتبار الاحتجاجات المطالبة بإسقاط "تسلا" دليلاً على عدم شعبية برنامج رفع الكفاء الحكومية وتقليص الإنفاق، ومن يقوم عليه (أي ماسك)، مال ترمب وفريقه، واعتبرا أن ما يفيد المجتمع هو ما يفيد إيلون ماسك، وما يضر إيلون ماسك لا بد من أن يضر المجتمع.
شركة "تسلا" تتكبد خسائر فادحة وتمحو كل مكاسبها التي حققتها منذ فوز ترمب في الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وتتواتر الضغوط السياسية والمشكلات المالية على ماسك، فيسارع ترمب إلى مد يد العون لصديقه ماسك، ويشتري سيارة "تسلا" على الهواء مباشرة، وذلك لإظهار الثقة والدعم لماسك، والقول إنه "أميركي عظيم بحق".
وقت الضيق تجد الصديق
وقت الضيق تجد الصديق حقاً، لكن هذه الصداقة التي تشغل بال العالم، وتؤرق مضاجع ملايين إما بسبب القلق، أو بدافع البحث عن خطوط لفك طلاسمها وتوقع مآلاتها، تتميز بالخطوط الملتبسة والحدود الضبابية والأخطار المرتفعة للغاية.
إلى متى ستستمر علاقتهما؟ يليق السؤال بالعلاقات الرومانسية التي يرى الجميع، باستثناء طرفيها، توافر كل عوامل الفشل الذريع فيها، لكن السؤال يلح بصورة كبيرة ومتصاعدة في أميركا وخارجها. العلاقة الرومانسية، أو بالأحرى الـ"برومانسية"، أي ذات الطابع الرومانسي غير الجنسي بين رجلين، بين ترمب وماسك، كانت تسير من غريبة إلى أغرب، ومن خطرة إلى أخطر، ويبدو أن الرئيس الأميركي أيقن ذلك، أو نصحه مستشاروه، بأن ينهي هذه العلاقة بصورة ما.
وكالة أنباء "أسوشيتد برس" (أ ب) طرحت السؤال "هل ستدوم؟" من دون مواربة، ذكرت أن سؤالاً سياسياً ملحاً أسابيع يفرض نفسه: إلى متى سيتمكن الرئيس ترمب - الذي لا يحب أن يشاركه أحد الأضواء – أن يشاركه ماسك الأضواء، وهو الملياردير الذي يحب هو الآخر لفت الانتباه؟ الرجلان أكدا في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" قبل أسابيع أنهما معجبان ببعضهما بعضاً بشدة، وأكدا التزامها اتفاقهما، أي العمل معاً، على رغم ما وصفه ترمب بـ"محاولات الإعلام للتفريق بيننا".
"أ ب" أشارت إلى أنه كانت هناك لحظات في المقابلة، كان ترمب وماسك ينهيان جمل بعضهما بعضاً، كما لو كانا جزءاً من عمل كوميدي يقدمه صديقان، لا مقابلة مع رئيس ومساعده القوي.
ماسك الذي دعم الديمقراطيين ثلاث مرات، الأولى عبر عم أوباما، والثانية بالتصويت لهيلاري كلينتون في 2016، والثالثة بانتخاب جو بايدن في 2020 أصبح أحد أقوى داعمي ومساندي الرئيس الجمهوري، وهو الرئيس الذي وقف على طرف نقيض منه في كثير من القضايا الحيوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المناخ و"تسلا" وأشياء أخرى
ضمن الخلافات الكبرى، ولم يكن الوحيد، ما جرى في شأن تغير المناخ، ووصل الأمر عام 2022 إلى درجة وصف ترمب (الذي لا يؤمن بتغير المناخ أو لا يعتبره أولوية سياسية أو اقتصادية) ماسك بلفظ خارج، لأنه كان من أكثر الداعمين لملف التحذير من تغير المناخ، كان هذا في زمن ما قبل تحول ماسك من يسار المعادلة السياسية، حيث تغير المناخ يعد هماً كبيراً وملفاً خطراً، إلى يمين المعادلة حيث تغير المناخ ليس مدمراً، والنفط والغاز لا يجب شيطنتهما.
نقطة التحول الكبرى حدثت بعد تعرض ترمب لما قيل إنها محاولة اغتيال قبل عام، ومنذ ذلك اليوم والرجلان أعز صديقين!
وتشير "أ ب" إلى ما يعرف عن ترمب وصداقاته، ووجود مؤشرات بأن أقرب المقربين له غالباً ما يتحول إلى أعنف المعارضين وأعتى المنتقدين، وتذكر تقارير صحافية بما قاله ترمب في فترة رئاسته الأولى عن ماسك حين جاء إلى البيت الأبيض سعياً إلى الحصول على دعم فيدرالي لشركته المنتجة لسيارات "تسلا"، "تلك السيارات الكهربائية التي لا تسير طويلاً بما يكفي، السيارات ذاتية القيادة التي تتحطم، والصواريخ التي لا تطلق إلى أي مكان" (في إشارة إلى عدد من الصواريخ التي تطلقها شركة "سبايس إكس" التي يملكها ماسك لكنها تبوء بالفشل)، كان هذا في زمن قبل تحول من يهاجم "تسلا" إلى "إرهابي محلي"، بحسب وصف ترمب، وقبل قيامه بشراء سيارة "تسلا" على الهواء مباشرة دعماً لصديقه الصدوق ومساعده الأمين.
الصداقة كنز قد يفنى
المقولة المأثورة تشير إلى أن "الصداقة كنز لا يفنى"، لكن حين تفنى أرباح "تسلا"، أو تفنى الأسباب والعوامل التي دفعت بماسك في عقل ترمب، أو دفعت بترمب في جعبة ماسك، أو تبدأ شعبية ماسك المتعثرة المتدنية في التأثير سلباً وفعلاً على شعبية ترمب، فقد تفني معها الصداقة، لا سيما تلك القائمة على مشاعر وقتية أو مصالح متغيرة أو ظروف متقلبة.
وحتى أيام قليلة مضت، بدا أن لدى ماسك ما يجعل ترمب يتمسك به، ثروته الطائلة، رؤاه "الثاقبة" والغريبة في عالم المنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي، نجاح واضح في تحويل "إكس" إلى منصة محكومة الآراء، مقيدة التعبير، محددة المعايير، قدرات فائقة ومباشرة في "قطع الأرزاق" وتسريح العمال وإيقاف البرامج والمبادرات بجرة قلم، وعدم الالتفات إلى أنين المتألمين أو بكاء المتضررين كذلك بدا أن لدى ترمب ما يجعل ماسك يتمسك به، ويكفي أن الرئيس هو مصدر القوة السياسية التي اكتسبها أغنى رجل في العالم.
الطريف أن بعض الناس على ظهر هذا الكوكب يمضي وقتاً في تغذية قوائم "إكسل" بما لدى الرجلين الصديقين: أقوى رجل في العالم وأغنى رجل في العالم، من عوامل اتفاق ونقاط اختلاف، وبناءً على هذه البيانات، يحاولون الخروج بتحليلات لمآل هذه العلاقة ومستقبلها وأثرها في الكوكب وسكانه.
آخرون يضاربون فكرياً، بين فريق يرى تصادم الرجلين تصادماً مروعاً لا ريب فيه، إن لم يكن غداً ففي عام 2028، وآخر يتأرجح بين التأمل في العلاقة والتدبر في الآثار للخروج بتوقعات ولو على سبيل التسلية، أو الرهان على توقيت مغادرة ماسك منصبه في الإدارة الأميركية، ولو على سبيل كسب بعض المال.
يشار إلى أن أسواق المراهنات شهدت ارتفاعاً في احتمالات مغادرة ماسك منصبه خلال العالم الجاري، ووصلت نسبة الرهان على مغادرته خلال 2025 إلى 48 في المئة في ضوء التراجع الحاد الذي شهدته أسهم "تسلا"، وذلك على موقع الرهانات بالعملات المشفرة "بولي ماركت" قبل أسابيع.
حالياً، لم تعد هناك حاجة إلى المراهنات أو التوقعات، أصبحت المغادرة في حكم المؤكدة. ترمب أخبر الدوائر المقربة منه أن ماسك سيرحل قريباً. مستشارون لترمب تتعالى همساتهم وهمهماتهم التي تعكس تململاً وغضباً من وجود ماسك، تقارير تتحدث عن قرب إعلان ماسك التنحي عن منصبه، يبدو أن انتهاء مهمته أو إنهائها أصبحت مسألة وقت.