Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اندبندنت عربية" في شمال لبنان ترصد قصص سوريين فروا من الموت

شهد الساحل السوري موجة عنف طائفية هي الأقسى منذ سقوط نظام البعث برئاسة بشار الأسد

سوريون وصلوا إلى لبنان قبل أيام هرباً من أحداث الساحل السوري ومن ضمنهم حالات إنسانية وصحية صعبة (اندبندنت عربية)

ملخص

جالت "اندبندنت عربية" بين النازحين من سوريا الذين فروا قبل أيام هرباً من أحداث الساحل، لرصد قصصهم ومعاناتهم.

فيما تشير الأرقام الأولية لعملية المسح التي قامت بها غرفة إدارة الكوارث إلى دخول 1777 عائلة، تتألف من 7616 نازحاً عبروا من سوريا باتجاه لبنان، وتوزع هؤلاء على قرى سهل عكار ذات الغالبية من الطائفة الإسلامية العلوية.

برفقة ثمانية من أطفالها، هربت مايا (38 سنة) من أحداث الساحل السوري. عبرت النهر الكبير الفاصل بين سهل عكار في شمال لبنان والأراضي السورية. تروي السيدة لـ"اندبندنت عربية"، "تركنا منازلنا في بلدة كرتو في محافظة طرطوس، وغادرنا بسبب الخوف من التعرض للقتل والخطف"، وتؤكد "لم نأت إلى هنا رغبة منا، وإنما من أجل البحث عن مكان آمن بعد أن وصلنا إلى أفق مسدود"، ومكررة "لن نعود لسوريا قبل تأمين حماية دولية لنا"، وتلفت "التجأنا في السابق إلى هيئة تحرير الشام بعد حصول مخالفات، وكان جوابهم لسنا نحن، ومع زيادة الخوف، قررنا القدوم إلى لبنان، وعبرنا النهر نحو عكار مشياً على الأقدام".

 تقيم السيدة مايا مع عشرات في مركز إيواء جهز على عجل في بلدة الريحانية، حيث توزع النازحون على غرف تفتقر إلى الطلاء والمرافق الصحية الكافية، وحصلت كل عائلة على فرش أسفنجية وأغطية.

نجول بينهم لنسمع قصصاً متنوعة ومتشابهة في آن واحد، لكل حكايته مع الفرار من سوريا إنما الهدف واحد وهو النجاة، كما يقولون.

تروي النازحة هند القادمة من طرطوس تجربة نزوحها مع أبنائها الخمسة "بعد سقوط النظام، بدأنا نشعر بالخوف بسبب رواج الحديث عن تصفيتنا، ما عدنا نخرج من المنازل إلا لحاجة ضرورية"، مضيفة "التجأنا إلى أهلنا في لبنان درءاً للخطر، بعد أن رأينا الدم والجثث المنتشرة في الشوارع". كما تتحدث عن "تعرض المنازل للسرقة، وتكرار أحداث إطلاق النار بالهواء لترويع المدنيين". لا تعلم هند موعد عودتها لمدينتها، فهي تقرن العودة لبلدها بتحقيق الأمان، متحدثة حتى عن "فقدان الخبز بسبب البقاء في المنزل لأيام"، وإغلاقها صالون الحلاقة الذي تمتلكه منذ 10 أيام. تنفي هند حصول اشتباكات في منطقتها، لأنه لا توجد لديهم مجندين ومسلحين في أوساطنا، كما تقول، وتشير إلى تواصل يومي مع من بقي من عائلاتهم في طرطوس، ولكن عدم استقرار شبكة الإنترنت يحول دون متابعة الأخبار هناك.  

رحلة العبور إلى عكار شمال لبنان

تجاوز عدد الواصلين، سوريين ولبنانيين، إلى عكار شمال لبنان في الأيام الماضية 7 آلاف نازح من ضمنهم 40 عائلة لبنانية بحسب مسح أجرته المحافظة، وغادر هؤلاء قرى الساحل السوري نحو الأراضي اللبنانية المقابلة، واستقروا في بلدات نلبيرة وتلحميرة والمسعودية والعبودية والسماقية وحكر ضاهري والعريضة والحيصة وضهر القنبر وتلعباس الشرقي والريحانية وعين الزيت والحوشب والدغلة وبربارة.

وفي لقاء مع رؤساء بلديات سهل عكار، أشار المحافظ عماد لبكي إلى أن "معظم النازحين استضافتهم عائلات لبنانية في منازلها، أو استقروا في الوقت الحالي في قاعات البلدية والجوامع"، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرك من أجل تقديم المساعدات، لأن المجتمعات المحلية غير قادرة على تلبية حاجات النازحين الجدد.

تشترك الدولتان بحدود برية تتجاوز 370 كيلومتراً، فيما ترتبط محافظة عكار مع سوريا بثلاثة معابر حدودية نظامية وهي تقع في بلدات العبودية والعريضة والعقيبة، وراهناً لا تزال هذه المعابر مقفلة بسبب أعمال الصيانة بعد استهدافها وتدميرها من سلاح الجو الإسرائيلي ضمن أحداث الحرب الأخيرة. وعلى رغم البدء بتأهيل المباني حصراً، فإن حركة الدخول بين لبنان وسوريا ما زالت معطلة بسبب تدمير الجسور.

وبالتالي لا يدخل الفارون من سوريا إلى لبنان عبر المعابر النظامية، وإنما من خلال طرق غير نظامية في وادي خالد، أو عبر النهر الكبير إلى قرى سهل عكار، وفي هذا السياق يكشف مصدر أمني لـ"اندبندنت عربية" عن أن حركة العبور هذه تتركز من خلال بلدات حدودية محددة، وهي من الجانب اللبناني حكر الضاهري والسماقية والعبودية.

وفي تلك البقعة الحدودية بين البلدين، توجد نحو 20 قرية تنتمي غالبية سكانها للطائفة العلوية، ولذلك أسهم التداخل الجغرافي والاجتماعي في تسهيل عملية العبور باتجاه الأراضي اللبنانية، فيما يتحدث الأهالي عن تسهيل الدخول إلى لبنان "لأسباب إنسانية".  

موجة نزوح جديدة

من جهته يتطرق الناشط علي صالح عضو لجنة إدارة الكوارث في عكار عن ظروف الإيواء المستجد، موضحاً أن "عكار تستقبل موجة النزوح الثالثة، بعد أن استقبلت آلافاً من السوريين عقب اندلاع الأحداث السورية في 2011، ومن ثم الموجة الثانية مع العدوان الإسرائيلي على لبنان في سبتمبر (أيلول) 2024، وصولاً إلى موجة النزوح الحالية التي مصدرها الساحل السوري، وبعض قرى محافظة حمص الجارة".

ويضيف "باتت بعض القرى العكارية تحتضن نازحين من مختلف النسيج السوري ومن الفئات كافة"، مشيراً إلى "مأساة تحدث على حافتي النهر الكبير، إذ يدفع بعض الناس ضريبة أحداث غير مسؤولين عنها سابقاً وحالياً، فيما ينتمي الهاربون بغالبيتهم لمجتمع فقير وكادح، يعمل في الزراعة وكان مضطهداً إبان النظام السابق في سوريا، إذ لا يجوز التعرض لطائفة بأكملها بسبب أعمال فئة قليلة أو مجموعة من الشباب"، مشدداً "الموجودين في مراكز الإيواء المستحدثة هم من الأطفال والنساء، لا نأوي أي أحد عليه شبهات أو مرتكب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتطرق صالح إلى أماكن توزيع النازحين بين مبنى البلدية وبعض الشقق التي قدمها أبناء القرية كخدمة إنسانية، فيما قامت هيئة إدارة الكوارث بالتنسيق مع محافظة عكار والمجلس الإسلامي العلوي، وقيام الصليب الأحمر بتقديم الفرش والبطانيات، متمنياً توسيع دائرة المساعدات لتشمل وبعض الخدمات الطبية وتأمين وجبات طعام وإفطار يومية لقرابة 7 آلاف نازح غادروا منازلهم بسبب الخوف وانتشار الفقر والجوع المزمن وفقدان الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء منذ سنوات. يأسف صالح بأن "موارد أهالي عكار محدودة، وغالبيتهم من صغار الكسبة، ولا يمكن تقديم المساعدات فوق طاقتهم"، متمنياً "عودة النازحين لديارهم والازدهار لسوريا". 

بيوت ضيافة ومبادرات فردية

استقبل أهالي سهل عكار النازحين في بيوتهم، ويتحدث الناشط نصر مالك عن "استقبال القرى لعائلات هاربة، غالبيتهم النساء والأطفال، والرجال كبار السن"، منوهاً بـ"الحملات العفوية"، التي قام بها أهالي القرى لتقديم الطعام والملابس لمساعدة القادمين من سوريا. ويشدد على بلوغ القدرة الاستيعابية القصوى، قائلاً "في بلدة الريحانية التي تبعد 20 كيلومتراً عن الحدود هناك 300 نازح والأعداد قابلة للازدياد، لأن بعضاً منهم يتواصل مع أهلهم في الداخل السوري وتحديداً من سكان حمص ودريكيش، وبعض القرى القريبة من الحدود في أرزونة والمشرفة والحسنة التي يمكن الخروج منها سيراً على الأقدام، ومن شأن إبلاغهم أنهم باتوا في مأمن من الحرب حثهم على القدوم إلى سهل عكار".

يوضح مالك أن "الأعمال الإغاثية الأهلية وصلت إلى ذروتها، وهي بحاجة إلى تدخل مؤسسات حكومية ودولية مانحة. لأن الأهالي لم يعد بإمكانهم تقديم مزيد بعد افتتاحهم لدور البلدية، والمزارات الدينية كمزار الشيخ أحمد قرفاص، ومزار يوسف الرداد"، وقد تتحول لاحقاً المدارس إلى مراكز إيواء في حال وجود قرار رسمي. كما "استقبل الأهالي النازحين في بيوتهم، ولكنهم عاجزون عن تأمين الخدمات الصحية والطبية ذات النفقات المالية المرتفعة" بحسب نصر مالك، متطرقاً إلى بعض الحالات الصحية المستعصية، إذ يعاني بعض الأطفال التلاسيميا، وإحدى النساء تحتاج إلى غسيل الكلى، وهو من الأمور غير المتيسرة على الأهالي في المجتمعات المستضيفة.

فصل جديد من الحرب السورية

يشكل نزوح سكان الساحل السوري امتداداً لأحداث الحرب الأهلية التي انطلقت أحداثها عام 2011، وعدم بلوغ مرحلة المصالحة التامة بين مختلف المكونات النسيج الاجتماعي. يتطرق عضو الهيئة العامة للمجلس الإسلامي العلوي علي بلال العلي عن أوضاع مذرية يعيشها الهاربون، "ففي غياب المؤسسات الرسمية والدولية، يضطر الأهالي إلى تقديم المساعدات، وأحياناً دفن الموتى على غرار ما جرى مع إحدى السيدات التي توفيت بعد بلوغها لبنان"، معتبراً أن "ثمة حاجة إلى معالجة الموضوع بخلفية إنسانية بعيداً من انقسامات سياسية أو خلافات". ويطالب بتجنيب المدنيين دفع فاتورة النظام السوري السابق، داعياً إلى "معاقبة فلول النظام في حال وجودهم، وعدم توسيع أعمال الانتقام لتشمل سائر البيئة العلوية". ويعبر عن امتنانه لجهود الجيش اللبناني المنتشر على الحدود، الذي "يبدو أنه مقدر للأوضاع الإنسانية نوعا ما"، مستدركاً "إلا أنه يوقفهم إذا ما صادفهم" بحكم مخالفتهم لقوانين الدخول النظامية إلى البلاد.

الأمم المتحدة تتابع

الرئيس السوري أحمد الشرع كان تعهد في مقابلة مع وكالة "رويترز" بمعاقبة كل من تورط في أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري "حتى لو كان أقرب الناس إلينا"، فيما بدأت الأمم المتحدة عملية تتبع وتوثيق الانتهاكات التي حصلت في الأيام الماضية. وأظهر بيان وزعه مكتب المفوضية في بيروت بعض ملامح ما يجري في سوريا من صدام على خلفيات طائفية، إذ وثقت مقتل 111 مدنياً حتى اليوم نتيجة العنف المتفشي في الساحل السوري منذ السادس من مارس (آذار) الجاري، وفيما يعتقد أن العدد الفعلي للقتلى هو أعلى، و"إن عدداً من الحالات التي جرى توثيقها هي حالات إعدام بإجراءات موجزة".

كما أشار بيان المفوضية إلى أنه بين السادس والسابع من مارس "أفادت تقارير بأن مسلحين دهموا أيضاً مستشفيات عدة في اللاذقية وطرطوس وبانياس، واشتبكوا مع قوات الأمن". وأشارت التقارير إلى "وقوع عشرات الضحايا المدنيين، بمن في ذلك مرضى وأطباء وطلاب طب، إضافة إلى التسبب بأضرار في المستشفيات". كما "وثقت المفوضية شهادات ولقطات مصورة لكثير من الانتهاكات والتجاوزات، لكن التوترات تأججت أكثر بسبب تصاعد خطاب الكراهية، سواء عبر الإنترنت أم خارجه، وبسبب انتشار المعلومات المضللة على نطاق واسع"، مما زاد من تفاقم المخاوف بين السكان.

من جهتها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 803 أشخاص خلال انتهاكات وقعت في الفترة الممتدة من السادس وحتى الـ10 من مارس، وتركزت في اللاذقية وطرطوس وبانياس. وأشارت الشبكة إلى أن "مجموعات مرتبطة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد شنت هجمات منسقة استهدفت مواقع أمنية وعسكرية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، مما دفع القوات الحكومية الرسمية إلى شن عمليات أمنية موسعة لملاحقة المهاجمين"، وسرعان ما تحولت تلك العمليات إلى مواجهات عنيفة "ارتكبت خلالها انتهاكات جسيمة واسعة النطاق، اتسم معظمها بطابع انتقامي وطائفي، وكان للفصائل المحلية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية التابعة شكلياً لوزارة الدفاع الدور الأبرز في ارتكابها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير