ملخص
مع استمرارنا في تسخير قوة البيانات ستلعب التحليلات التنبؤية دوراً رئيساً في بناء مستقبل أكثر مرونة.
كثيراً ما استخدمت التحليلات التنبؤية تقليدياً في مجالات مثل التمويل والتسويق، لكنها اليوم تعيد تشكيل الطريقة التي تستجيب بها صناع القرار والحكومات للأزمات، ومن خلال الاستفادة من البيانات التاريخية والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يمكنها اليوم التنبؤ بالأخطار وتوفير رؤى قابلة للتنفيذ في الوقت الفعلي، ومن ثم تمكين الحكومات والشركات والمؤسسات من توقع التحديات والاستجابة لها بصورة استباقية.
وما نتحدث عنه هنا سيكون له تأثير كبير في إنقاذ الأرواح والتخفيف من الأضرار، لا سيما أن حرائق الغابات والفيضانات والعواصف تسببت في أضرار كارثية عام 2023 وحده، حيث وصلت خسائرها إلى ما يقدر بنحو 250 مليار دولار من الأضرار.
التحليلات التنبؤية في مكافحة حرائق الغابات
في كل عام، تدمر حرائق الغابات ملايين الأفدنة من الغابات وينتج منها مليارات الدولارات من الأضرار الاقتصادية، من هنا ولدت الحاجة الملحة لإيجاد طريقة أكثر فاعلية لإدارة هذه الكوارث.
لمعالجة هذا الأمر، طورت الولايات المتحدة مشروع لإنشاء نموذج تنبؤي يمكنه التنبؤ بانتشار حرائق الغابات، وكان الهدف منه تحسين خرائط الحرائق والدخان التفاعلية باستخدام البيانات في الوقت الفعلي، مما يمنح مسؤولي السلامة العامة والمقيمين في المناطق عالية الخطورة الأدوات اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة والتصرف بسرعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن خلال الجمع بين خوارزميات التعلم الآلي وتقنيات الرؤية الحاسوبية، حقق النموذج دقة مذهلة في التنبؤ بحركة الحرائق، حيث جمع البيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك "غوغل" و"هيئة المسح الجيولوجي" الأميركية و"المركز الوطني المشترك بين الوكالات لمكافحة الحرائق"، لإنشاء خرائط محيطية مفصلة للحرائق. وقد وفرت هذه الخرائط معلومات بالغة الأهمية للتنبؤ بالمدة التي قد تستغرقها السيطرة على حريق في مناطق محددة، مما ساعد في التخطيط للإخلاء وإدارة الموارد وجهود السلامة العامة.
إضافة إلى ذلك توقع النموذج انتشار الدخان، وهذا ما سمح للمجتمعات البعيدة من مصدر الحريق بالاستعداد للتعامل مع سوء جودة الهواء. وقد مكنت القدرة على التنبؤ بمسار الحريق وانتشار الدخان الخطر من التخطيط بصورة أكثر كفاءة وخفض التأثير الإجمالي على الصحة العامة.
العمود الفقري للتحليلات التنبؤية
تعتمد فعالية التحليلات التنبؤية إلى حد كبير على توافر البيانات وجودتها، فمثلاً في مشروع إدارة حرائق الغابات المذكور أعلاه، كان التحدي الكبير هو تجميع البيانات في الوقت الفعلي من مصادر مختلفة وضمان دقتها، واستخدم فريق العلماء الأميركي مزيجاً من مصادر البيانات العامة والحلول الجغرافية المكانية لتجميع المعلومات اللازمة للتنبؤات بانتشار الحرائق.
وبما أن البيانات غير الدقيقة أو غير المكتملة يمكن أن تؤدي إلى تنبؤات معيبة، التي في حالات الأزمات، يكون لها عواقب وخيمة، أضحت ضمانة سلامة البيانات وعمليات التحقق المناسبة خطوات أساسية في بناء نماذج موثوقة.
ومع تطور التكنولوجيا، فإن القدرة في الاستفادة من مجموعات البيانات الأكثر تطوراً مثل لقطات الطائرات من دون طيار وصور الأقمار الاصطناعية وبيانات أجهزة استشعار وإنترنت الأشياء في الوقت الفعلي، كلها باتت تحسن دقة وقابلية تطبيق النماذج التنبؤية في إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية.
دور كبير في إدارة الأزمات
وفي حين أن إدارة حرائق الغابات هي مثال بارز للتطبيق الفعلي للتحليلات التنبؤية، فإن إمكانات التكنولوجيا تمتد إلى ما هو أبعد من المناطق المعرضة للحرائق.
على سبيل المثال، تقوم التحليلات التنبؤية بتحليل هطول الأمطار التاريخي ومستويات الأنهار والبيانات الجغرافية للتنبؤ بموعد ومكان حدوث الفيضانات، مما يتيح أوامر الإخلاء المبكرة، وتخصيص الموارد بكفاءة أكبر وتعزيز البنية التحتية الحيوية قبل وقوع الكارثة. وفي الواقع، وجد تقرير حديث صادر من "المعهد الوطني لعلوم البناء" الأميركي أن كل دولار ينفق على الاستعداد للكوارث يوفر ستة دولارات في كلف التعافي.
ولا تقتصر قوة التحليلات التنبؤية على الكوارث الطبيعية إذ يمكن في الجهود الإنسانية للتكنولوجيا التنبؤ بنقص الغذاء ونزوح السكان وندرة الموارد، مما يضمن توصيل المساعدات حيث تشتد الحاجة إليها. وفي عام 2020 أفاد برنامج الغذاء العالمي أن التحليلات التنبؤية ساعدت في توفير ملايين الدولارات وأنقذت آلاف الأرواح من خلال وضع الإمدادات مسبقاً في المناطق المعرضة للخطر قبل الأزمات.
على نحو مماثل، لعبت التحليلات التنبؤية دوراً حاسماً في تتبع انتشار الفيروس أثناء جائحة كورونا، فمن خلال تحليل مجموعات البيانات الضخمة، تمكنت الحكومات وأنظمة الرعاية الصحية من تخصيص الموارد الأساسية مثل أسرة المستشفيات وأجهزة التنفس الصناعي واللقاحات بصورة أكثر فاعلية. ومع استمرار تطور تحديات الصحة العامة، فإن القدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب والمستندة إلى البيانات ستكون ضرورية لإدارة الأزمات المستقبلية.
التحديات ومستقبل التحليلات التنبؤية
على رغم الفوائد الكبيرة للتحليلات التنبؤية، فإن التحديات في هذا النطاق التكنولوجي لا تزال قائمة. ومن أكثر المخاوف إلحاحاً ضمان خلو البيانات المستخدمة في النماذج التنبؤية من التحيز وتمثيلها لمجموعات سكانية متنوعة. وفي إدارة الأزمات، حيث تؤثر القرارات بصورة مباشرة على الفئات الضعيفة، من الأهمية بمكان الحفاظ على العدالة والدقة في التنبؤات.
التحدي الآخر يكمن بإمكانية الوصول، ففي حين تمتلك المنظمات الكبيرة والحكومات الموارد اللازمة لتنفيذ حلول التحليلات التنبؤية المتطورة، فقد لا تمتلك الكيانات الأصغر حجماً هذه الموارد. وبانتشار التكنولوجيا على نطاق أوسع سيكون من الضروري إنشاء حلول ميسورة الكلفة وقابلة للتطوير للمؤسسات الأصغر حجماً.
وبالنظر إلى المستقبل تعد إمكانات التحليلات التنبؤية في إدارة الأزمات هائلة. ومع استمرار تحسن تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي ستصبح النماذج التنبؤية أكثر دقة، مما يساعد صناع القرار على الاستجابة للتحديات المتزايدة التعقيد.
في المحصلة، مع استمرارنا في تسخير قوة البيانات ستلعب التحليلات التنبؤية دوراً رئيساً في بناء مستقبل أكثر مرونة واطلاعاً واستعداداً.