ملخص
يبدو لافتاً في السلطنة، عدم وجود أبراج شاهقة ولا بنايات مرتفعة، بل هوية معمارية مميزة. كل ذلك يبدو جيداً، لكن الأهم الاستقرار السياسي الذي تتمتع به البلاد، وسياسة الحياد التي تنتهجها وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
ما إن تصل إلى عمان حتى تشعر أنك في مكان مختلف، مكان له هوية موحدة وعادات وتقاليد راسخة، ثمة اهتمام بالمحافظة عليها وممارستها، ويشعر الزائر بسلام داخلي في التعامل مع العمانيين لهدوئهم وبرودة أعصابهم وحسن اختيار مفرداتهم في أي جواب.
العصبية والصراخ هنا قلما تجدهما في التعامل، وثمة جملة تتكرر دوماً وتستعمل بصورة دائمة "الأمور طيبة".
ويبدو لافتاً في السلطنة عدم وجود أبراج شاهقة ولا بنايات مرتفعة، بل هوية معمارية مميزة. كل ذلك يبدو جيداً، لكن الأهم الاستقرار السياسي الذي تتمتع به البلاد، وسياسة الحياد التي تنتهجها وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
قد يكون ذلك سبباً أساساً في نهضة البلاد، بخاصة مع رؤية 2040 التي وضعت لتشمل تغييرات عدة في مصلحة المواطن والاقتصاد والدولة، ومن الأمور المميزة أيضاً أن الماضي يرتبط بمستقبل البلاد بصورة وثيقة وهو أساس للانطلاقة.
في جولة لـ"اندبندنت عربية" في عدد من محافظات السلطنة، نلاحظ أن النفط جزء مهم من الاقتصاد، لكنه ليس كل شيء، إذ هناك اعتماد واهتمام بالسياحة والصناعة والثروة السمكية وبعض الأمور اللوجيستية.
ويلاحظ أيضاً تقصير في الترويج للسياحة الداخلية على سبيل المثال، إذ يفضل كثير من العمانيين السفر إلى الخارج بدلاً من الاستمتاع بالتنوع الجغرافي الذي يحظون به من جبال ووديان وشواطئ وقلاع وحصون تاريخية.
ومن الأمور التي تلفت نظر الزائر أيضاً مساحة البلد الشاسعة، وعدم توازن ذلك مع عدد السكان، بخاصة في المدن والمحافظات البعيدة من مسقط، إذ يقل عدد السكان وتبدو بعض المناطق هادئة من قلة السكان أو الزوار، وهنا يجب على القيمين اعتماد سياسات جديدة لاستقطاب الوافدين وتقديم تسهيلات قد تسهم في خلق دورة اقتصادية جديدة في البلد.
محافظة مسندم
تقع محافظة مسندم في أقصى شمال عمان وتطل على مضيق هرمز، تتمتع بطبيعتها الخلابة ومناظرها الرائعة وتعتبر مكاناً لتجمع السياح بشكل كبير جداً، تحظى المحافظة بأهمية استراتيجية، إذ تطل على مضيق هرمز الذي يعد أكثر الممرات المائية الدولية أهمية بخاصة لصادرات النفط والتجارة سواء على مستوى المنطقة أو على المستوى الدولي، إذ يمر من خلال المضيق نحو 90 في المئة من صادرات دول الخليج من النفط إلى العالم، كذلك فإنه يعد البوابة الشرقية لحركة التجارة والملاحة من وإلى الدول المطلة على الخليج.
قد تكون هذه المنطقة مثالية لمحبي التخييم والمشي في الطبيعة، لما فيها من مواقع، وهناك نقطة في أعلى الجبل تطل على التقاء بحر عمان بالخليج العربي، لكن السياحة هنا تترافق مع تطور في الجوانب التنموية الاقتصادية والاستثمارية.
يقول محافظ مسندم إبراهيم بن سعيد البوسعيدي في حديث إلى "اندبندنت عربية"، حول زيادة عدد السكان في المنطقة، "في ما يخص فكرة زيادة عدد السكان لزيادة القوة الشرائية في المحافظة وتوطين المشاريع في المحافظة نحتاج إلى عمالة بالتأكيد في المستقبل، طرحنا فرصاً للاستثمار، واستقطبنا صناعات أكثر وأنشطة تجارية أكثر، نتوقع أن زيادة عدد السكان ستكون بطريقة متسارعة، كذلك فإن فتح المجال في الاستثمار العقاري بدأ، وأتصور أن هذا طبيعياً سيرفع عدد السكان، إذ إنه من عام 2018 حتى 2024 ارتفع عدد السكان ما يقارب 9 آلاف نسمة، ومعظمها من الناس التي تعمل في القطاع التجاري".
كما تحدث البوسعيدي عن رؤية المحافظة الاستراتيجية للنمو والتطوير، متناولاً أبرز المشاريع والمبادرات الهادفة إلى تعزيز موقعها باعتبارها وجهة رئيسة للاستثمار والسياحة.
وتضمنت الرؤية الاستراتيجية مجموعة من المشاريع التنموية الكبرى، من بينها مشاريع البنية الأساس من تطوير شبكة الطرق والمرافق العامة وتعزيز الربط بين الولايات والمشاريع السياحية وتتمثل في إنشاء منتجعات وفنادق عالمية مثل مشروع "بوابة الشمال"، ومشروع تطوير جزيرة مالب، إضافة إلى مشاريع المغامرات في خصب، والمشاريع البيئية والتنموية مثل تطوير الحدائق والمتنزهات الطبيعية، وإنشاء واجهات بحرية حديثة في مختلف ولايات المحافظة، إضافة إلى الامتيازات الاستثمارية مثل تقديم حوافز خاصة للمستثمرين وتشمل إعفاءات ضريبية وجمركية وتسهيلات في تملك المشاريع السياحية والعقارية.
وأكد البوسعيدي أن هذه المشاريع تهدف إلى تعزيز جاذبية مسندم بوصفها وجهة استثمارية وسياحية، مع التركيز على الاستدامة البيئية وتكامل التنمية مع المجتمع المحلي، مشيراً إلى أن هذه الجهود تأتي في إطار رؤية "عمان 2040" لتعزيز التنوع الاقتصادي وجذب الاستثمارات النوعية.
ويتوقع أن تسهم هذه المشاريع في توفير فرص عمل جديدة، وتعزيز القطاع السياحي، ورفع مستوى الخدمات والبنية الأساس في المحافظة، مما يجعلها مركزاً إقليمياً للنمو والازدهار.
يبقى الجانب السياحي في المحافظة الأقوى على رغم المشاريع التنموية الكثيرة، ويجب استغلال ذلك في الترويج السياحي للسلطنة، بخاصة أن هذه المحافظة تمتلك قرية كمزار المعزولة بين البحر والجبال، وجزيرة تليغراف وهي من أبرز المعالم السياحية في المحافظة.
وتقع الجزيرة في ولاية خصب في خور شم وهو أحد الأخوار المشهورة والتي يعتاد الزوار والسياح على زيارته. تكون جزيرة التلغراف في العادة محطة الاطلاع على التضاريس والطبيعة الجبلية والجيولوجية والتكوينات الطبوغرافية والتقاط الصور التذكارية، وسميت بهذا الاسم لأنها شهدت مرور أول خط تلغراف في الشرق الأوسط ربط بين بومباي في الهند والبصرة في العراق، ولا تزال بعض الآثار في الجزيرة تشير إلى بقايا أطلال شاهدة على ميلاد حركة الاتصالات في المنطقة.
ومن الصناعات التي تشتهر بها المحافظة صناعة عصا الجرز والسكين والدارج محلياً باسم "البيشك" وصناعة الطبول والفخاريات وصناعة الحبال التقليدية إضافة إلى صناعة الشباك البحرية
كذلك يعتبر "حصن خصب" في المحافظة من المعالم الأثرية المهمة، شيد في القرن الـ17 بواسطة الغزاة البرتغاليين الذين كانوا يطمحون إلى بسط سيطرتهم على التجارة البحرية الإقليمية، ويوجد داخل أسوار الحصن المنخفضة والمزودة بشرفات لإطلاق النار برج مركزي ضخم يعتقد أن بناءه قد سبق بناء الحصن نفسه، يطل الحصن على الجانب الشرقي من ولاية خصب، وقد بني هذا الحصن على بقايا قلعة موغلة في القدم قبل تعزيز بنائها من قبل البرتغاليين.
الحياد الكربوني
في سياق متصل، وضعت السلطنة هدفها للحياد الكربوني بحلول عام 2050 بما يتوافق مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى مستويات أعلى من تلك المسجلة قبل الثورة الصناعية بأكثر من 1.5 مئوية، وتأكيداً لالتزامها بهذا الهدف، كشفت الحكومة عن الخطة الوطنية للحياد الكربوني وعن استراتيجية طموحة للهيدروجين الأخضر، وللوفاء بالتزاماتها في هذا المجال قطعت السلطنة خطوات عدة باتجاه تحولها في الطاقة إحداها تطوير سياسة للتحول في الطاقة.
تنعم عمان بموارد عالية من الطاقة المتجددة التي تمكن البلاد من جذب مشاريع الطاقة المتجددة على نطاق واسع لتوليد الكهرباء وإنتاج الهيدروجين الأخضر، وستحدد السياسة خريطة الطريق لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتحول في الطاقة والتكامل مع سلاسل إمداد الطاقة الحالية في ما يتعلق بالممكنات الرئيسة للتحول في الطاقة بما في ذلك الهيدروجين الأخضر وتقنيات احتجاز الكربون وكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.
وكانت الخطوة الأولى من هذا المشروع هي تحديد رؤية عمان للتحول في الطاقة التي جاءت "تحقيق عمان الحياد الكربوني بحلول عام 2050 مع ضمان أمن الطاقة والقدرة التنافسية والنمو في الاقتصاد المنخفض الكربون والقيمة للمجتمع".
محافظة البريمي
تقع محافظة البريمي في الركن الشمالي الغربي من السلطنة بمحاذاة الحدود مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد كانت سابقاً تعرف بولاية البريمي كجزء من منطقة الظاهرة إلى أن صدر مرسوم سلطاني عام 2006 نص على إنشاء محافظة باسم محافظة البريمي تضم كلاً من ولايات البريمي ومحضة وولاية السنينة.
تمثل المحافظة بتاريخها العريق وموقعها الحيوي والاستراتيجي وجهة متميزة للسياح والزوار الباحثين عن تجربة ثقافية غنية وطبيعة خلابة لما تزخر به من مقومات سياحية وتراثية وتنموية وثقافية غنية وطبيعة خلابة وأيضاً خدماتها المتنوعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعد موقع ولاية البريمي من أفضل مواقع ولايات السلطنة، فمن الشرق تحدها ولاية صحار وولاية ضنك ومن الشمال ولاية محضة ومن الجنوب ولاية عبري وغربها تحدها مدينة العين الكائنة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتعتبر سوقاً عمانية مميزة وواسعة تضم نخبة مميزة من السلع والبضائع الفاخرة التي تصل للولاية بحكم موقعها مع الولايات المجاورة لها، التي تحدها من جميع الجهات وتصلها أيضاً مع دولة الإمارات، لذلك فهي قبلة للزائرين الوافدين من مختلف الولايات والأنحاء ويتميز أهلها بكرم الضيافة.
وتضم البريمي ولايات عدة أبرزها البريمي وهي العاصمة الإدارية للمحافظة ويوجد بها كثير من المرافق التجارية والخدمية، وولاية محضة التي تشتهر بالأسواق التقليدية والمزارة وولاية السنينة التي تتميز بوجود المعالم التاريخية والأثرية، ويبلغ العدد السكاني للمحافظة 133 ألفاً و426 نسمة، والمساحة الإجمالية للمحافظة 8.068 كيلومتر مربع.
وتتمتع ولاية البريمي بشهرة ومكانة سياحية متميزة، حيث يوجد بها عدد من الحصون منها حصن الخندق الشهير وقديماً اتخذ كشعار للولاية وأطلقوا عليه اسم "توأم" أو "أرض الجو" وهناك حصن آخر يعرف بحصن الحلة، ونظراً إلى أهميته التاريخية تولت وزارة التراث القومي والثقافة ترميمه.
ولدى المحافظة رؤية لتكون بوابة الاستثمار السياحي في عمان، وتقوم هذه الرؤية على الإجادة في الأداء والخدمات لتحقيق تنمية اقتصادية تنافسية مستدامة، وهدفها تحقيق رسالة تقدم من خلالها خدمات بجودة وشغف وإبداع لمختلف فئات المجتمع.
كما توجد مؤشرات التنمية الاقتصادية في محافظة البريمي، متمثلة في قطاعات الأمن الغذائي والصناعي والتخطيط العمراني والطاقة المتجددة واللوجيستي والسياحي والتجاري والتعدين، وهناك عدد من المشاريع التنموية الكبرى منها مشروع المنطقة الاقتصادية في الروضة ومشروع شبكة السكك الحديد.
ومن أبرز المشاريع الجاري تنفيذها في المحافظة مشروع البحيرة الاصطناعية وهو المشروع الذي سيكون بمثابة إضافة نوعية للقطاع السياحي، على مساحة 91.400 متر مربع ويتميز بوجود عدد من الشاليهات والممرات والألعاب المائية للأطفال، ومركز للمؤتمرات ومسرح مفتوح للفعاليات.
وهناك أيضاً مشروع تطوير واحة البريمي (مركز المدينة) يعد أول مشروع داون تاون على مستوى المحافظات لتعزيز الجانب السياحي وتوفير فرص عمل لأبناء المحافظة، إذ سينفذ في المنطقة الواقعة بين حصني الحلة والخندق بولاية البريمي.
وأيضاً هناك مشروع الممشى الرياضي أمام حديقة البريمي العامة، إذ انتُهي من المرحلة الأولى من المشروع، الذي جرى تنفيذه وفق أبرز العناصر الحديثة مما أسهم في إظهاره بطابع خاص وفريد، إضافة إلى مشروع مركز المعلومات السياحية في بوابة البريمي، حيث يتمثل التصميم العام للمشروع في استغلال البوابة بموقعها المميز للقادمين لولاية البريمي وتعريفهم بالمحافظة.
ويبقى المشروع الأهم خط القطار صحار – البريمي – أبوظبي، الذي انطلقت الخطوات العملية الأولى لإنجاز السكك الحديد الخاصة به أخيراً، ويعد خطوة استراتيجية لتطوير البنية التحتية وتعزيز التكامل الاقتصادي في المنطقة.
ويتوقع أن تكون الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لمشروع السكك الحديد الجديد هائلة، وفقاً للرئيس التنفيذي للمجموعة، عبدالرحمن سالم الحاتمي، الذي أعلن في بيان صحافي أن "هدف المشروع هو زيادة فرص التجارة والسياحة بين الجارتين الخليجيتين وبقية المنطقة".
من جهة ثانية يعتبر حصن الخندق واحداً من المعالم المهمة في المحافظة، وسمي بذلك لأنه مطوق بخندق لأهداف دفاعية وهي استراتيجية استخدمت قديماً في حماية المدن والقلاع والحصون العمانية منذ فترات ما قبل وصول الإسلام.
ويعود تاريخ بناء الحصن إلى النصف الأول من القرن الـ19 الميلادي، وهو مربع الشكل ويتكون من 10 غرف موزعة على مساحة الحصن وأبراجه، ويشتمل الحصن على أربعة أبراج في الأركان الأربعة وتبلغ مساحة الحصن 3070 متراً مربعاً.
ويحيط بالحصن خندق وسور من جميع الجهات ويوجد به بوابتان شرقية وأخرى في الجهة الشمالية، كذلك يضم الحصن كثيراً من العناصر التحصينية الحربية، يبلغ عرض الخندق 5,7 متر وعمقه نحو ثلاثة أمتار وجداره الداخلي مبطن بالطوب الطيني.
أما المتاريس المحيطة بالخندق فيبلغ ارتفاعها 5,2 متر في حين أن سماكتها متر واحد عند القاعدة، وجداره الداخلي يرتفع على جداره الخارجي وهو معمول بطريقة مدورة من الأعلى ليصعب من تسلقه، كما يشتمل هذا الجدار الداخلي للخندق على فتحات ومرام للسهام والبنادق صغيرة.
رؤية 2040
لا يخلو أي حديث مع مسؤول عماني من ذكر رؤية 2040، وهي تصور مستقبلي للبلاد، مع الاعتماد على ثلاثة محاور رئيسة: "الإنسان والمجتمع" و"الاقتصاد والتنمية" و"الحوكمة والأداء المؤسسي"، ويحتوي كل محور على مجموعة من الركائز التي تثريه وتسهم في تطويره موضوعياً.
وتستند عملية إعداد الرؤية المستقبلية على عدد من المنطلقات الأساس تتمثل في الأولويات الوطنية، وتقرير الموجهات الرئيسة لصياغة الرؤية المستقبلية عمان 2040، والبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ"، ومخرجات لجان وفرق عمل الرؤية 2040، والدراسات والتقارير الاستراتيجية، ودروس ومنجزات رؤية عمان 2020، وأهداف التنمية المستدامة 2030 الصادرة من الأمم المتحدة، والاستراتيجيات القطاعية، والاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية، وخطة التنمية الخمسية التاسعة، والتقارير والمؤشرات الدولية المتعلقة بركائز الرؤية، ومخرجات مكتب الرؤية 2040.
الإنسان والمجتمع
تهدف هذه الركيزة إلى إرساء مبدأ العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، إذ ينعمون بالرعاية الاجتماعية ويكونون قادرين على التعامل مع المجتمعات الأخرى، من خلال تمكين الأسرة ودعم المرأة والاهتمام بالشباب والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين، إضافة إلى تمكين مؤسسات المجتمع المدني، مما يتطلب تطوير مظلة الرعاية والحماية الاجتماعية وتشجيع الاعتماد على الذات، ودعم التنمية المحلية المتوازنة، وتقليل الفوارق وتفاوت فئات الدخل المختلفة.
المحافظة على الهوية العمانية والتراث
تهدف هذه الركيزة إلى المحافظة على التراث والتقاليد الأصيلة، والهوية العمانية المرتكزة على القيم الإسلامية السمحة، باعتبارها الأساس الذي يمكن الاستناد عليه للتفاعل مع تيار العولمة ومتغيراتها والتعامل مع المجتمعات الأخرى بثقافاتها وقيمها المتنوعة.
تطوير الكفاءات والقدرات الوطنية
العمل على بناء قدرات المواطنين وإعدادهم بقدر عال من الكفاءة العلمية والعملية، وتسليحهم بالقوة والإرادة لبناء مجتمع مزدهر قادر على مواجهة التحديات والمتغيرات العالمية، بخاصة في ما يتعلق بتهيئتهم وإكسابهم المهارات المطلوبة للمستقبل في ظل التطور التقني الهائل في مختلف مناحي الحياة.
الاقتصاد والتنمية
العمل على بناء اقتصاد متنوع وديناميكي ومتفاعل مع معطيات العولمة وقادر على المنافسة وتلبية حاجات المواطنين في الحاضر والمستقبل، يكون للقطاع الخاص دور بارز فيه، كذلك تركز بصورة رئيسة على تحقيق التنويع الاقتصادي بما يضمن استمرار معدلات النمو.
تحقيق تنمية متوازنة للمحافظات
تهدف هذه الركيزة إلى وضع رؤية متكاملة لتحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق والمحافظات المختلفة، وتحديد الفجوة التنموية والمشكلات والمعوقات التي تحول دون تحقيق أهداف الخطط التنموية، كذلك تهدف إلى إذابة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين المحافظات المختلفة، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية.
المحافظة على استدامة البيئة
ضمان حماية الموارد الطبيعية واستخدامها بطريقة آمنة وسليمة، وحماية الإنسان من الآثار البيئية الضارة، إضافة إلى إدارة البيئة بصورة فعالة لخلق بيئة آمنة للمجتمع لكي يزدهر، كذلك تهدف هذه الركيزة إلى توليد الفرص الاقتصادية الكامنة بالاستفادة من البيئة.
إنشاء بنية أساس حديثة ونظام عمراني متكامل
استمرار الاستثمار في البنية الأساس في قطاعات عدة من أهمها المياه والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والنقل واللوجيستيات، إضافة إلى المدن الملائمة للعيش والمدن الذكية، مما يمكن السلطنة من الحفاظ على القدرة التنافسية لها كمركز لوجيستي ومحور للتواصل بين الدول المجاورة، فضلاً عن كون البنية الأساس العالمية المستوى عاملاً مساعداً في النمو الاقتصادي، ودافعاً رئيساً للتنمية وجذب الاستثمار ات المحلية والأجنبية.
الحوكمة والأداء المؤسسي
تهدف هذه الركيزة إلى تعزيز فعالية الحوكمة وسيادة القانون، إضافة إلى رفع كفاءة الأجهزة الحكومية وزيادة درجة التنسيق بينها وتعزيز ثقة المواطن فيها، من خلال إطار مؤسسي يعمل على تفعيل القوانين والممارسات التي تحدد الصلات والتفاعلات بين ذوي العلاقة، ويساعد على إيجاد نظام مساءلة فاعل وشفاف، ويحدد أولويات التوزيع الأمثل والعادل للموارد.
"فن الندبة"
يعتبر فن الندبة أحد أبرز الفنون التراثية في عمان، تشتهر به كثير من القبائل وهو تقليد قديم متعدد الاستخدامات. والندبة هي نوع من الفن على فرقة مكونة من قائد ويطلق عليه "النديب" نسبة إلى اسم الفن ذاته، وفي الغالب يكون كبير السن أو أحد أعيان القبيلة، ومجموعة من المرددين خلفه ويسمون بـ"الكبكوب" لا يزيدون على خمسة أفراد على الأكثر، مع إمكانية تكوين أكثر من كبكوب في الفرقة ذاتها.
و"النديب" أو قائد الفرقة يقف بين أعضائها ويشرع في إطلاق صيحات متتابعة تشبه عواء الذئب، وفي الوقت ذاته يرفع ذراعه اليمنى حتى يحاذي جبهته، ويبقيها معلقة، ثم يطلق متوالية من كلمات لا يمكن فك شيفرتها تبدو مثل صيحات متتالية، ويشهد الصوت صعوداً تدريجاً وهبوطاً موازياً في نبرته.
وتعددت استخدامات الندبة في التاريخ العماني، إذ بدأت في بداية الأمر كطريقة للتحذير من هجوم القبائل المجاورة في الزمن القديم ويردد الرجال وراءه بأصوات مماثلة، وإن كانت أقل ارتفاعاً، من دون أن تصاحب تلك الأصوات كلمات أو تعابير لغوية تذكر، إذ يكاد يعتمد على الصوت ودلالاته، باستثناء كلمتين فحسب، يرددهما ثلاث مرات تشيران إلى اسم القبيلة واعتزازها بنفسها.
محافظة الظاهرة
من المحافظات الغنية بإمكاناتها الزراعية والسياحية والتاريخية، وقد حققت تطوراً كبيراً وملموساً خلال أعوام النهضة العمانية الحديثة وفي كل المجالات، وهي عبارة عن سهل شبه صحراوي وينحدر من السفوح الجنوبية لجبال الحجر الغربي في اتجاه صحراء الربع الخالي، وتفصله جبال الكور عن داخلية عمان من ناحية الشرق، كذلك تتصل بصحراء الربع الخالي من ناحية الغرب ومحافظة الوسطى من ناحية الجنوب.
وتضم محافظة الظاهرة ثلاث ولايات هي: عبري وينقل وضنك، وتتميز بالنشاط الزراعي وموقعها الذي يتصل بالمناطق الأخرى في شبه الجزيرة العربية عبر طرق القوافل الممتدة منذ قرون، وتضم كثيراً من حقول النفط والغاز، وحظيت بنصيب وافر من المنجزات والمشاريع.
وشهد قطاع التراث والسياحة في المحافظة تطوراً خلال الفترة الأخيرة وزيادة الاستثمار في نشاط المنشآت الفندقية، إذ ارتفع عدد المنشآت الفندقية والسياحية خلال عام 2023 إلى 35 منشأة بين فنادق وبيوت ضيافة ونزل خضراء مقارنة بـ20 منشأة عام 2021 أي بنسبة زيادة بلغت 75 في المئة.
ويعد مشروع محطة عبري 2 للطاقة الشمسية أول مشروع للطاقة الشمسية واسع النطاق في السلطنة، إذ يقع في محافظة الظاهرة، وبدأ تشغيل المشروع رسمياً عام 2022 بقدرة إنتاجية 500 ميغاواط، ويكفي إنتاج المحطة لتزويد ما يقدر بنحو 50 ألف منزل بالكهرباء، ويسهم في تخفيض نحو 340 ألف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
مدافن بات
تحتضن المحافظة موقعاً من أبرز المواقع التاريخية وهو مدرج ضمن قائمة التراث العالمي ويعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وهي عبارة عن قبور من طراز أم النار في الجزء الجنوبي، وفي الجزء الشمالي قبور خلايا النحل التي ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وهي تشبه في بنائها مدافن فترة حفيت، كذلك كشف عن مقبرة احتوت على 100 مدفن مبنية من الحجارة ويبدو فيها التطور من مدافن خلايا النحل إلى مدافن فترة أم النار، فقد كان مدفن خلية النحل يضم ما بين مدفنين إلى خمسة مدافن، أما مدافن فترة أم النار فهي مدافن جماعية.
وتكمن أهمية موقع بات في كونه يقع عند ملتقى الطرق التجارية القديمة، فقد كانت القوافل تمر ببات محملة بالبضائع متجهة إلى المواقع الأخرى القريبة منها، وقد اقترن إدراج مستوطنة بات في قائمة التراث العالمي، بموقعين آخرين هما الخطم "الوهره" ومدافن وادي العين.
أهم ما يبرز به موقع بات انتشار المقابر الأثرية على سطح الأرض وعلى قمم الجبال والممتدة بين قرية الوهرة وحتى قرية بات، بينما يصل عدد القبور المنتشرة على السفوح الجبلية وحدها ما يقارب 1000 قبر ويصل عدد القبور الموجودة على السطح بنحو 130 قبراً يغطي غالبيتها الفترة الممتدة من نهاية الألفية الرابعة وحتى بداية الألفية الأولى قبل الميلاد.
ويضم موقع بات ستة مبانٍ حجرية ضخمة دائرية الشكل تتوزع في الموقع وفي قرية بات وتتوسط غالبيتها بئر ماء، وقد أحيط عدد منها بخندق كبرج الرجوم وبرج (1156) وألحق بجميع هذه المباني غرف مبنية بالطين على أساسات حجرية.
وقد بنيت هذه المباني في فترات مختلفة يعود أقدمها إلى حقبة حفيت (3200 -2700 قبل الميلاد) كبرج الخطم وبرج الخفاجي.
تكمن أهمية موقع بات في كونه يقع عند ملتقى الطرق التجارية القديمة، فقد كانت القوافل تمر ببات محملة بالبضائع متجهة إلى المواقع الأخرى القريبة منها
لم تكن مدينة بات الأثرية في مطلع السبعينيات إلا مجرد أكوام من حجارة، تتناثر في البقاع والمرتفعات، وتنسج المخيلة الشعبية حولها قصصاً وأساطير، تحاول أن تعطي لها تفسيراً، وحينها لم يدر في خلد أحدهم أن هذه الأكوام تعود بزمنها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وأن سكانها قد عاشوا في عصر أطلق عليه العصر البرونزي، وأن المسافة التي تفصل بين من بنى تلك الأبراج الشبيهة بخلايا النحل وسكان بات الحاليين تصل إلى 5 آلاف عام، لذلك فالزيارة إلى مستوطنة.
تعتبر الأبراج من المنشآت البارزة لمستوطنات الألف الثالث قبل الميلاد في شبه الجزيرة العمانية، وهي عبارة عن مبانٍ بنيت بالحجارة أو الطوب اللبن أو بالمادتين معاً أو باستخدام كتل حجرية ضخمة يصل طول الواحد منها أكثر من متر، وكانت تشكل بطريقة متقنة وتثبت من دون استخدام ملاط، والنمط المعماري الغالب في هذه الأبراج يقوم على صفين من الغرف على جانبي ساحة في الوسط ولا يوجد بها أي شبابيك وتتوسط الساحة في بعضها بئر ماء.
وفي بات توجد ستة أبراج ضخمة يقع بعضها قرب المدافن الأثرية وبعضها يقع في وسط مزارع وقرية بات الحالية، ولضخامة هذه الأبراج تعارف السكان المحليون على تسميتها باسم قصور وأطلق عليها أسماء خاصة، وقد استمر استخدام بعض هذه الأبراج في العصر الإسلامي، إذ نجد أن أحد هذه الأبراج أعيد استخدامه كحصن لسكان القرية الحالية.