ملخص
يعاني المواطن السوري الذي لوعته سنوات الحرب الأهلية التي اندلعت في بلاده في عام 2011، من فقدان المقومات الحقيقية لقيام نظام صحي قوي يستطيع أن يخفف عنه ولو جزءاً من آلامه.
في سوريا للألم أشكال وأسماء عدة، وبما أن الألم الجسدي قد يفوق قدرة الإنسان على احتماله والصبر عليه باعتباره زائراً ثقيلاً غير مرحب به، فعندما يبتلى الإنسان بجسده يحاول الصمود واستجماع قواه ناشداً الشفاء، لكن أن يبتلى قطاع كامل يلجأ إليه السوريون للتداوي والعلاج فذلك أشد إيلاماً لإنسانيتهم وأبسط حقوقهم في هذه الحياة.
أميركا توقف الدعم الصحي في الوقت الحرج
لم يكف القطاع الصحي في سوريا أربعة عشر عاماً من الانهيار والتدهور، ليأتيه خبر قرار الخزانة الأميركية بتعليق جميع المنح الخارجية الموجهة لدعم المنظمات العاملة في المنطقة الشمالية في البلاد ليزيد الوضع سوءاً، إذ أثار هذا القرار الذي صدر نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، وجاء في سياق مراجعة شاملة للبرامج التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، موجة من القلق والاضطراب بين المنظمات الإنسانية والمرافق الصحية التي تعتمد بشكل كبير على هذا التمويل.
وفي الأسابيع الأولى من فبراير (شباط) 2025، بدأت تداعيات القرار تتضح بشكل جلي، حيث أعلنت منظمات دولية عدة عن تعليق مؤقت لأنشطتها، ويمتد التعليق إلى حين انتهاء المراجعة التي قد تستغرق ما يصل إلى 90 يوماً وفقاً للتقارير المتداولة.
"يعاني القطاع الصحي السوري بسبب بنيته المتهالكة على مستوى المرافق الطبية والمعدات، فضلاً عن القدرة الاستيعابية في المستشفيات الحكومية التي تبلغ ذروتها يومياً"، هذا ما قالته مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، وتابعت، "هناك أكثر من 15 مليون شخص في سوريا بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية، ومن بينهم ملايين السوريين النازحين داخلياً، فقد تعرضت معظم المرافق الصحية لأضرار وتجاوزت قدرتها على استقبال المرضى أو ببساطة تعاني من نقص التمويل".
ولفتت هاريس إلى وجود فجوة كبيرة في التمويل والحاجة إلى شراء كميات كبيرة من المعدات والمواد الطبية، وذكّرت بأن نظام الرعاية الصحية في سوريا تدهور منذ مدة طويلة، والعديد من مرافق الرعاية الصحية تعمل دون المستوى.
مؤشرات تهالك النظام الصحي في سوريا
واحدة من المؤشرات لنعرف واقع النظام الصحي في العالم هو معدلات متوسط الأعمار، وفي سوريا هو تقريباً 70 سنة وهو منخفض جداً بالمقارنة فقط مع دول الجوار، فهناك فارق يصل إلى عشر سنوات تقريباً، كما يوجد في سوريا نصف مليون طفل معرضين لسوء التغذية وهذا لا يعرضهم فقط للأمراض وضعف المناعة إنما للضعف البنيوي والعقلي، وفي الوقت نفسه هناك مشاكل الوصول إلى الماء النظيف والصرف الصحي وعدم وجود هذه البنية التحتية تزيد الأمراض وأعباء النظام الصحي.
ومن المؤشرات أيضاً، تقديم الخدمات، إذ تتحدث تقارير عن أن ربع المستشفيات وثلث المراكز الصحية الأولية هي خارج الخدمة وبالتالي فإن الناس في المناطق التي تتركز غالبيتها في شرق سوريا غير قادرة على الحصول على الرعاية الصحية، أما عن العاملين المتعددين في القطاع الصحي فيُعتقد أن خمسين في المئة قد غادروا البلد، وبحسب آخر الإحصائيات فإن هناك 5700 طبيب سوري بألمانيا ونحو 4000 طبيب في أميركا، وهذا انعكس بشكل مباشر وسلبي على المواطن في سوريا، ففي منطقة شمال شرقي سوريا التي يقطنها 5 ملايين نسمة لم يكن لديهم سوى ثلاثة أطباء متخصصين بالأورام.
ومن بين المؤشرات، عدم وجود نظام إلكتروني متكامل لحفظ المعلومات الخاصة بالمستشفيات والمرضى، إذ إنه من الضروري الاحتفاظ بسجلات ومعلومات كل مريض لسهولة الوصول إليها في ما بعد، كما لا يوجد إحصاء في سوريا عن عدد الأشخاص الذين يعانون من مرض معين أو تم إعطاؤهم لقاحاً محدداً، وهذا أمر مهم جداً للاعتماد عليه في رسم السياسات الصحية في البلد. وقد تولت هذا الجانب في السنوات العشر الأخير، المنظمات العالمية وأصبحت لديها إحصاءات تساعد الدولة السورية في هذه المهمة.
كما تعاني سوريا من خروج كثير من مصانع الأدوية عن الخدمة بالتالي هناك نقص في الأدوات الطبية والأدوية واللقاحات، بعدما كان هناك اعتماد شبه كامل على الصناعة المحلية للأدوية، وبسبب المعارك فإن عدداً كبيراً من الأطفال لم يتلقوا اللقاحات وبالتالي انتشرت في السنوات الأخيرة أوبئة وأمراض مثل شلل الأطفال.
أما في ما يخص التمويل فإنه بحسب التقارير فإن 90 في المئة من الشعب السوري تحت خط الفقر وموازنة الدولة للقطاع الصحي كانت منخفضة ولم تكن تلبي حاجات المجتمع، بخاصة في ظروف الحرب والأزمات الاقتصادية. وبلغ معدل الإنفاق الحكومي لكل فرد في القطاع الصحي 12 دولاراً فقط، بينما الحد الأدنى للإنفاق بحسب منظمة الصحة العالمية هو 86 دولاراً للفرد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رؤية وزارة الصحة والدعم العربي
وبعد استلامه لوزارة الصحة، قال الوزير المكلف في حكومة تصريف الأعمال السورية، ماهر الشرع، "إن القطاع الصحي متأثر بالعقوبات الغربية المفروضة على البلاد، كما أن مئات المرافق والمراكز الطبية تعرضت لتدمير جزئي أو كامل، وتعمل الوزارة حالياً على تنظيم العمل لتقديم المساعدة للسوريين"، إذ تعمل وزارة الصحة اليوم على تحسين وضع الكوادر الطبية بدءاً بالوضع الاقتصادي، مروراً ببيئة العمل والتعليم الطبي المستمر".
وأوضح الشرع أن "أكثر من نصف العاملين في وزارة الصحة من مدخلي بيانات وموظفين إداريين لا حاجة لنا بهم"، موضحاً أن "الوزارة تضم 82700 عامل، في حين تحتاج إلى نحو 27000 عامل فقط". أما في ما يخص معامل الأدوية في سوريا، بيّن الوزير وجود أكثر من 100 معمل أدوية، لكن التصنيع عشوائي وبخاصة المواد الأولية الرخيصة الثمن والعالية الربح، والتي لا تصنِّع بحسب حاجة السوق، لذلك "ستكون هناك سلل دوائية تفرضها وزارة الصحة على المعامل لتصنيعها بحسب حاجة السوق، كي نتجاوز فكرة فقدان بعض الأدوية من الصيدليات".
وفي إطار مساعدة سوريا بعد سقوط نظام الأسد والحاجات الملحة والطارئة في هذا القطاع، قامت دول عربية عدة وعلى رأسها السعودية بإرسال طاقم طبي، يضم 61 طبيباً ومختصاً سعودياً، يتبع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، في مهمة إنسانية لدعم القطاع الصحي في سوريا وإجراء مئات العمليات الجراحية المعقدة، شملت جراحات العظام والمفاصل والأورام إضافة إلى عمليات زراعة القوقعة، فكانت المشاهد مؤثرة من مستشفيات دمشق التي أظهرت أطفالاً سوريين يسمعون للمرة الأولى بعد إجراء عمليات زراعة القوقعة لهم، وشباباً وكهولاً انتظروا أدوارهم لسنوات لإجراء عملية جراحية.
تبرعات سوريو المهجر
كما وصل فريق طبي قطري متخصص في جراحة القلب إلى العاصمة دمشق، ضم مجموعة من أخصائيي جراحة القلب من مؤسسة حمد الطبية، لإجراء 80 عملية قسطرة قلبية وإصلاح تشوهات القلب الخلقية لدى الأطفال، إلى جانب تزويد المستشفيات بالمستلزمات الطبية اللازمة لهذه العمليات. وأجرى الفريق 150 عملية في جراحة القلب للمرضى من الأطفال والكبار.
وفي إطار المبادرات أطلق عدد من الشباب ورجال الأعمال السوريين في المهجر مبادرات لدعم المستشفيات الوطنية كل في محافظته، فقد أطلق شباب من دير الزور يقيمون في ألمانيا بالتعاون مع منظمة "أطباء متحدون" الألمانية UMFD حملة "دير الزور تستحق الحياة" لجمع التبرعات لتجهيز المستشفى الوطني بالمعدات الطبية، وتم تحديد حاجات المستشفى الوطني وتكلفة إعادة تشغيله التي تبلغ 1.5 مليون دولار.
كما تبرع عشرات الأطباء من محافظة درعا (جنوب سوريا) المقيمين في الخارج ورجال أعمال بمبلغ اقترب من مليون دولار لتحسين وضع مستشفى درعا الوطني.
وتعد المستشفيات الوطنية الوحيدة تقريباً في معظم الأماكن التي طاولها التدمير، وتغطي مناطق يقطنها أكثر من 100 ألف نسمة، بينما تقتصر الخدمات التي يقدمها على الإسعافات الأولية ومراقبة المرضى، وغرف عناية مشددة نادرة، في وقت يتحمل المرضى تكاليف شراء الأدوية في ظل عدم توافر معظمها داخل صيدلية المستشفى، إضافة إلى افتقار هذه المستشفيات إلى كوادر طبية كافية ومتخصصة.