ملخص
هيمن على مؤتمر ميونيخ القلق العميق من أن تكون واشنطن وموسكو تعملان باتجاه اتفاق سلام سيئ لأوكرانيا التي قد يتعين عليها التخلي عن أراضٍ لروسيا مع حرمانها من فرصة الانضمام إلى الناتو. وبعدما حضت واشنطن أيضاً شركاءها الأوروبيين في الناتو على التركيز على الدفاع عن أنفسهم وزيادة الإنفاق الدفاعي إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، سادت توقعات بأن نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس سيعلن خفض عديد القوات الأميركية في القارة.
أكد نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس الجمعة أن الولايات المتحدة مستعدة للضغط على روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، قبيل اجتماع مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وسعى فانس لطمأنة البلدان الأوروبية التي تشعر بالقلق من إمكانية استثنائها من المحادثات الرامية لوضع حد للنزاع المتواصل منذ نحو ثلاث سنوات، قائلاً إنه يجب بـ"التأكيد" أن تكون الدول الأوروبية على طاولة المفاوضات، لكنه أضاف أنه يتعين على أوروبا تحمل عبء أكبر في الدفاع عن نفسها.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن فانس قوله إن "الرئيس لن يخوض في هذا الملف مغمض العينين... سيقول: كل شيء على الطاولة، دعونا نتوصل إلى اتفاق".
وأفاد فانس بأن واشنطن قادرة على "الضغط عسكرياً" على روسيا بينما أكد دعمه "لاستقلال" أوكرانيا "السيادي".
وأكد فانس أن على أوروبا أن "تكثّف" جهودها الدفاعية بينما تركز الولايات المتحدة "على مناطق في العالم معرضة لخطر كبير".
مواقف أوكرانية
وفي تصريحات أدلى بها قبل لقائه فانس في ميونيخ، قال زيلينسكي إنه مستعد لعقد محادثات مباشرة مع روسيا فور توصل كييف إلى موقف مشترك مع الولايات المتحدة وأوروبا بشأن كيفية إنهاء الحرب.
وقال "نحن مستعدون لأي محادثات مع الأميركيين ومع حلفائنا. إذا قدموا لنا ردوداً محددة على طلبات معينة وفهماً مشتركاً في شأن بوتين الخطير، ومن ثم سنكون على استعداد للتحدث مع الروس".
وفي هذا السياق، بحث رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية أندريه يرماك مع الموفد الأميركي الخاص كيث كيلوغ "تنسيق الجهود المشتركة من أجل التوصل إلى سلام عادل ودائم"، بحسب ما أفاد يرماك.
رسائل أميركية مختلطة
لكن الرسائل الأميركية تبدو مختلطة إذ حذر وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث مجدداً من أنه سيتعين على شركاء الولايات المتحدة الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) القيام بالمزيد من أجل الدفاع عن أنفسهم وضمان السلام في أوكرانيا مستقبلاً.
وقال هيغسيث من وارسو "رسالتنا واضحة جداً لحلفائنا الأوروبيين. حان وقت الاستثمار إذ لا يمكنكم الافتراض بأن التواجد الأميركي سيدوم إلى الأبد".
وأشار هيغسيث أيضاً إلى أنه "لا يتوجب الوثوق ببوتين" للتفاوض مع روسيا، وذلك بعد يومين على تسبب ترمب بصدمة بين حلفائه بقوله إنه أجرى اتصالاً هاتفياً ودياً مع بوتين اتفقا خلاله على الاجتماع قريباً.
قلق أوروبي عميق
هيمن على مؤتمر ميونيخ القلق العميق من أن تكون واشنطن وموسكو تعملان باتجاه اتفاق سلام سيئ لأوكرانيا التي قد يتعين عليها التخلي عن أراض لروسيا مع حرمانها من فرصة الانضمام إلى الناتو.
وبعدما حضت واشنطن أيضاً شركاءها الأوروبيين في الناتو على التركيز على الدفاع عن أنفسهم وزيادة الإنفاق الدفاعي إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، سادت توقعات بأن فانس سيعلن خفض عدد القوات الأميركية في القارة.
وأفاد رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، كريستوف هيوسغن، إذاعة ألمانية الجمعة، "أعتقد أن نائب الرئيس الأميركي سيعلن اليوم بأنه سيتم سحب جزء كبير من القوات الأميركية من أوروبا".
وحذر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس من أنه لا يمكن لأوروبا الاستعاضة عن القوات الأميركية في أوروبا "بين ليلة وضحاها"، وأشار إلى أنه يتعيّن بأن تكون هناك "خريطة طريق" تدريجية لأي انسحاب.
زيلينسكي في ميونيخ
يزور زيلينسكي ميونيخ أيضاً للقاء القادة الأوروبيين والضغط من أجل مطلبه تحقيق "سلام عادل" بعد نحو ثلاث سنوات على اندلاع النزاع الذي سيطرت القوات الروسية على إثره على قرابة خمس الأراضي الأوكرانية.
وقبيل خطابه في ميونيخ الجمعة، قال فانس إنه ما زال من المبكر جداً تحديد حجم الأراضي الأوكرانية التي ستبقى في أيدي روسيا أو طبيعة الضمانات الأمنية التي يمكن للولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين عرضها على كييف. وقال "ثمة الكثير من الصيغ... لكن يهمنا بأن تحصل أوكرانيا على استقلال سيادي".
وحذّر زيلينسكي من جهته الخميس قادة العالم من "الوثوق في مزاعم بوتين بشأن استعداده لإنهاء الحرب".
وحذرت مسؤولة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس الخميس من أن "أي اتفاق يتم خلف ظهورنا لن ينجح... محاولات الاسترضاء هذه دائماً تفشل".
هوة تزداد عمقاً
ويسود قلق بالغ في أوساط القادة الأوروبيين والدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين في ميونيخ حيال الهوة التي تزداد عمقاً بين الولايات المتحدة وأوروبا وحتى حيال النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفضلاً عن فانس، توجه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أخيراً إلى أوروبا الجمعة بعدما أُجبرت طائرته على العودة بسبب عطل فني.
وقال ترمب الخميس إن "شخصيات عالية المستوى" من موسكو وكييف وواشنطن ستجتمع في ميونيخ الجمعة لكن منظمي المؤتمر نفوا الأمر لاحقاً.
وفي إطار حديثه عن خط الجبهة في أوكرانيا، قال زيلينسكي الجمعة إن مسيرة روسية استهدفت غطاء الوقاية من الإشعاعات في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، مضيفاً بأن مستويات الإشعاعات طبيعية.
وذكر سلاح الجو الأوكراني بأن روسيا أطلقت 133 مسيرة على أنحاء البلاد خلال الليل، بما في ذلك مسيرات هجومية، مستهدفة مناطق شمالية حيث تقع محطة تشيرنوبيل.
وأفاد زيلينسكي بأن الهجوم يعد دليلاً على أن "بوتين بكل تأكيد لا يستعد للمفاوضات. إنه يستعد لمواصلة خداع العالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قمة في السعودية
ومنذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا واظبت واشنطن وحلفاؤها على التأكيد أن أي قرار بهذا الشأن لا يمكن أن يتخذ من دون التنسيق مع كييف إلا أن الاتصال الهاتفي بين ترمب وبوتين نسف هذه الفكرة.
واتصل ترمب أيضاً بزيلينسكي الذي عبر عن امتعاضه من اتصال الرئيس الأميركي ببوتين قبل التحدث إليه، بينما شدد مرة أخرى على أنه كان يرغب بالتوصل إلى "خطة لوضع حد لبوتين" مع الولايات المتحدة قبل إجراء أي محادثات.
لكن ترمب أشاد بروح جديدة من التعاون مع بوتين، متحدثاً عن عقد قمة معه في المملكة العربية السعودية، اعتبرتها روسيا بمثابة انعطافة عن العزلة الدولية بسبب حربها على أوكرانيا.
وقال مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ماكس بيرغمان إن "هذا تحول كبير. يبدو أن الولايات المتحدة تنتقل من كونها داعماً رئيساً لأوكرانيا إلى السعي للعب دور حكم محايد".
واعتبر الرئيس السابق جو بايدن إنه لا يجد سبباً يدعوه للتحدث إلى بوتين بعد أن تحدى الرئيس الروسي تحذيراته ودخلت قواته إلى أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 في حرب أودت بعشرات الآلاف.
واشتكى الأوكرانيون بطء اتخاذ بايدن قرار إرسال أسلحة كان من الممكن أن تمنحهم تفوقاً في ساحة المعركة.
ليس الانتصار بل عدم الخسارة
وقال بيرغمان إن مع عودة ترمب "تركز أوكرانيا الآن ليس على الانتصار ولكن على عدم خسارة الحرب".
وتسعى روسيا منذ فترة طويلة إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا. قبل الحرب طالبت روسيا بضمانات أمنية تشمل رفض مساعي أوكرانيا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) المبني على ضمانات الأمن الجماعي.
واعتبرت إدارة بايدن موقف روسيا بمثابة ذريعة، مشيرة إلى أن بوتين رفض الشرعية التاريخية لأوكرانيا بعد اندلاع الحرب. وقال فريق بايدن إن أوكرانيا يجب أن تنضم في نهاية المطاف، ولكن ليس على الفور، إلى الحلف الأطلسي.
وبنبرة مختلفة قال وزير الدفاع الأميركي، إنه من غير الواقعي أن تصبح أوكرانيا عضواً في حلف شمال الأطلسي أو أن تستعيد كل أراضيها. وقال هيغسيث قبل اجتماع لوزراء دفاع الناتو إن الأمر "ليس خيانة"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة مهتمة بالسلام".
لكن الخبير في الشؤون الروسية في صندوق مارشال الألماني، ديفيد سالفو قال إنه يتوقع أن تدسّ موسكو "حبوب السم" في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة، ربما من خلال تقديم مطالب بشأن وضع القوات الأميركية في أوروبا.
وقال سالفو "هذه هي المغالطة التي يقع فيها كثيرون في واشنطن. فهم يعتقدون أن أوكرانيا هي مجرد أوكرانيا بالنسبة للروس. لكن الأمر ليس كذلك، بل هو أكبر من ذلك بكثير". وأضاف أن "روسيا تحاول فرض أقصى شروط على الولايات المتحدة ليس فقط في ما يتصل بأوكرانيا، بل أيضاً في ما يتصل بالبنية الأمنية الأوروبية".
التزام أميركي باستقلال أوكرانيا
اتصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الخميس بنظيره الأوكراني أندريه سيبيغا. وقالت الخارجية الأميركية إن روبيو عبر عن التزامه "باستقلال أوكرانيا واستقرارها"، لكنه لم يأت على ذكر السيادة أو سلامة الأراضي، وهما النقطتان اللتان كان فريق بايدن يشدد عليهما.
واتهم سيبيغا خلال زيارة إلى باريس، روسيا بالسعي إلى "يالطا" أخرى، وهي القمة التي عقدها قادة الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا بشأن تقسيم خريطة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وحذرت وزيرة خارجية فنلندا، إلينا فالتونين، بعدما أشارت إلى التاريخ الطويل لبلادها مع روسيا، من "حل سريع". وقالت إن بوتين "ليست لديه نية لوقف سعيه التوسعي".
وكتبت على وسائل التواصل الاجتماعي إن بوتين "سيدخل المحادثات ويستمتع بالاهتمام ويأخذ كل ما يمكنه من دون تقديم أي تنازلات حقيقية".
لكن بيل تايلور الذي شغل مرتين منصب أعلى دبلوماسي أميركي في أوكرانيا بما في ذلك خلال فترة ولاية ترمب الأولى، قال إن التدخل الأميركي المباشر يمكن أن يساعد في تفادي مأزق دبلوماسي كالذي حدث قبل عقد من الزمان وأشرفت عليه فرنسا وألمانيا.
اتفاقات مينسك
وضعت اتفاقيات مينسك لعامي 2014 و2015، والتي سعت لوقف القتال في وقت سابق في أوكرانيا، الانفصاليين المدعومين من روسيا على طاولة المفاوضات.
وأوضح تايلور "في هذه المفاوضات المقبلة، سيكون دور الولايات المتحدة توضيح الجهة المسؤولة عن هذه الحرب وكيفية إنهائها، فالمسؤولية تقع في المقام الأول على الكيان الذي بدأ الحرب، وهي روسيا".
ورأى أنه سيكون من الأهمية بمكان إشراك أوكرانيا وتمكينها. وأشار إلى اجتماع نائب الرئيس جي دي فانس الجمعة في ميونيخ مع زيلينسكي كمؤشر إيجابي.
وقال تايلور "إذا كان بإمكان الأميركيين أن يلعبوا دوراً في إنهاء هذه الحرب بطريقة عادلة ودائمة، علينا أن نفعل ذلك".