ملخص
تكشف حفريات مكتشفة في كهف "مازيتسكا" في بولندا عن سلوكيات أكل لحوم البشر التي مارسها الأوروبيون الأوائل، حيث استخدموا العظام البشرية التي تم العثور عليها كدليل على تناول أدمغة أعدائهم في سياقات حربية. هذه النتائج، التي نُشرت في ساينتفيك ريبورتس، تظهر أن الجماعات البشرية التي عاشت في الحقبة الماجدلينية اعتمدت على الصيد وجمع الثمار، وافتعلت سلوك أكل لحوم البشر لأسباب متعددة، منها الطقوس الاجتماعية والدينية وأيضًا بسبب نقص الغذاء نتيجة لتدهور الظروف البيئية خلال الحروب والمجاعات.
أظهرت حفريات مكتشفة في أحد الكهوف في بولندا أن الأوروبيين الأوائل الذين عاشوا في أوروبا خلال العصور القديمة كانوا يمارسون سلوك أكل لحوم البشر، وفي بعض الحالات كانوا يتناولون أدمغة أعدائهم [احتفالاً بالنصر]، خلال الحروب التي نشبت بين تلك الجماعات قبل نحو 18 ألف عام مضت.
النتائج المنشورة في مجلة "ساينتفيك ريبورتس" Scientific Reports سلطت الضوء على عادات مرتبطة بدفن الموتى وطقوس خاصة مارستها تلك الجماعات البشرية التي عاشت إبان الحقبة "الماجدلينية" خلال عصور ما قبل التاريخ في المنطقة المعروفة اليوم ببولندا، وقد اعتمدت في حياتها على الصيد وجمع الثمار.
وكانت بحوث سابقة أشارت أيضاً إلى أن المجتمعات البشرية القديمة لجأت إلى أكل لحوم البشر، ولكن كان الدافع وراء هذه الممارسة إما طقوس [دينية أو اجتماعية]، أو للضرورة بسبب شح الموارد الغذائية والجوع الناجم عنها.
ولكن في الدراسة الأخيرة وجد الباحثون، على عشرات العظام المأخوذة من كهف "مازيتسكا"Maszycka قرب مدينة كراكوف في بولندا، دلائل توضح أن تلك الجماعات مارست عادة أكل لحوم البشر وذلك في سلسلة عمليات حفر أنجزوها خلال القرنين الـ 19 والـ 20 واستمرت حتى ستينيات القرن الـ 20.
ولما كانت معظم العظام متكسرة أو متشظية عند اكتشافها لم يكن معروفاً أنها تعود لأصل بشري، والآن ومن طريق تحليل علامات التقطيع الموجودة على 53 عظمة باستخدام تقنيات الفحص المجهري الثلاثي الأبعاد، يمكن للعلماء أن يؤكدوا أن الجماعات البشرية التي مارست هذا السلوك قد لجأت إلى "أكل لحوم البشر كمصدر للغذاء".
ويؤكد التحليل المجهري الثلاثي الأبعاد أن الجثث قد اُستخدمت بعد فترة قصيرة من الوفاة من دون أن يُتاح لها الوقت الكافي لتبدأ عملية التحلل الطبيعي.
كذلك يقول الباحثون إن نتائج التحليل تكشف عن تطابق بين العلامات الموجودة على حفريات العظام البشرية من جهة وبين العلامات الموجودة على عظام حيوانات عمدت تلك الجماعات إلى تقطيعها واستهلاكها من جهة أخرى، ويبدو أن بعض العظام الحفرية قد فُتحت لاستخراج نخاعها الغني بالمواد المغذية وتناوله كمصدر غذائي.
وتبين علامات التقطيع الموجودة على الجماجم أن تلك الجماعات القديمة كانت تسلخ فروة الرأس واللحم للوصول إلى الدماغ، علماً أنه عضو غني بالعناصر الغذائية، وتشير العلامات والكسور المصنوعة عن عمد والموجودة على العظام إلى "استخراج الأنسجة العضلية والدماغ والنخاع" من الجثث، وبناء عليه يقول الباحثون إن "التقطيع المدروس للجثث يدل على استهلاك شامل للبقايا مع التركيز على الأجزاء الأكثر غنى بالعناصر الغذائية والاستفادة منها".
وفي هذا الصدد تحدث الباحث المشارك في الدراسة من "جامعة روفيرا إي فيرجيلي" الإسبانية، فرانسيسك مارغينيداس، فقال "إن مكان وتكرار علامات التقطيع والكسور المتعمدة في الهيكل العظمي تظهر بوضوح استخدام الجثث كمصدر للغذاء، مما يستبعد فرضية التعامل مع الجثث لأغراض جنائزية [مثل الدفن] من دون استهلاكها كطعام".
وكذلك تبين أن العظام البشرية التي عثر عليها كانت موجودة جنباً إلى جنب مع عظام حيوانات في الموقع نفسه، مما يشير إلى استهلاك البشر والحيوانات كطعام.
ونظراً إلى أن جميع العظام يعود تاريخها للفترة الزمنية نفسها تقريباً، يظن الباحثون أن الحيوانات والبشر ربما قُتلوا في الحدث عينه، وكان ذلك على الأرجح خلال فترة حرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت بالميرا سالادي، وهي باحثة مشاركة أيضاً في الدراسة، "إن أكل لحوم البشر سلوك وثقته [البحوث والدراسات] خلال حقب مختلفة من التطور البشري، وفي فترات ما قبل التاريخ ربما كانت هذه الممارسة استجابة إلى ضرورات البقاء على قيد الحياة [المجاعات ونقص الموارد الغذائية] وجزءاً من ممارسات طقسية دينية أو اجتماعية، أو حتى نتيجة أحداث عنيفة خاضتها المجموعات ضد بعضها بعضاً".
ويقول الباحثون إن التوسع الديموغرافي الذي أعقب ذروة العصر الجليدي الأخير منذ نحو 20 ألف عام مضت ربما عزز التنافس على الموارد الغذائية مما أدى بدوره إلى نشوب مواجهات عنيفة بين مختلف الجماعات البشرية الباكرة، ويعتقدون أن صراعاً على هذه الشاكلة ربما قاد في بعض الحالات إلى أكل لحوم البشر في خضم الحروب.
© The Independent