Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليمين المتطرف واستغلال السياسات المناخية لتحقيق أجندته

باتت الكوارث البيئية ساحة معركة انتهازية لأطراف كحزب "ريفورم" وحان الوقت للحكومة البريطانية لمواجهة التهديدات

  فيضان نهر نيني في بيلينغ أكوادروم بالقرب من نورثامبتون، بريطانيا، 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 (رويترز)

ملخص

سجل يناير الماضي أعلى درجات حرارة في بريطانيا، مع تصاعد تأثيرات تغير المناخ، مثل الفيضانات والعواصف والحرائق. يستغل اليمين المتطرف هذه الأزمة لتحقيق مصالحه، ويعرقل الحلول الفعّالة لتحديات المناخ، بينما تتراجع الحكومات في تنفيذ سياسات تؤثر إيجاباً على حياة الناس.

سجل يناير (كانون الثاني) الماضي أعلى درجة حرارة على الإطلاق، متجاوزاً جميع البيانات المناخية لهذا الشهر في بريطانيا، ويأتي هذا كجزء من سلسلة تحطيم أرقام قياسية مرعبة شهدتها الفترة الأخيرة. كما تصادف نهاية الأسبوع الجاري الذكرى السنوية الأولى لتجاوز درجات الحرارة العالمية الحد الحرج البالغ 1.5 درجة مئوية على مدار عام كامل [مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية]. ربما تبدو هذه الأرقام مجرد أرقام نظرية، ولكن تأثيراتها الملموسة ونتائجها المباشرة على الناس في مختلف أنحاء العالم لا يمكن أن تكون أكثر وضوحاً: فيضانات تودي بحياة المئات في إسبانيا، وعواصف تجرف معها الأرواح وسبل العيش في مختلف أنحاء منطقة البحر الكاريبي، إضافة إلى حرائق الغابات التي تلتهم لوس أنجليس، ولكن في الوقت نفسه هنا في المملكة المتحدة، يحقق حزب سياسي متمسك بإنكار تغير المناخ وعازم على إيقاف أي خطوات لمواجهة هذه الأزمة أو التعامل معها، صعوداً ملحوظاً في استطلاعات الرأي، إذ تجاوز حزب "ريفورم" هذا الأسبوع كلاً من حزب العمال والمحافظين للمرة الأولى.

ليست هذه مصادفة. فبينما ترتفع درجات الحرارة العالمية وتعاني المجتمعات آثار أزمة المناخ يستغل سياسيون يمينيون متطرفون حول العالم مخاوف الناس وقلقهم، وفي الوقت نفسه يعرقلون الإجراءات الضرورية لضمان مستقبل صالح للعيش للجميع. وعندما تضرب الكوارث المناخية المجتمعات، تصبح الفوضى الناجمة عنها فرصة ثمينة لأعداء الديمقراطية الذين يجيدون تأجيج الانقسامات لتحقيق مصالحهم.

أصبحت السياسات والإجراءات المتخذة لمكافحة تغير المناخ وتحقيق هدف الحياد الصفري انبعاثات كربونية ساحة صراح خصبة في الحروب الثقافية التي تخوضها التيارات اليمينية. يستغل سياسيون من أمثال نايجل فاراج الإحباطات الحقيقية التي يشعر بها الناس نتيجة عقد ونصف العقد من سياسات تقليص الإنفاق التي مارستها الحكومة البريطانية في مختلف القطاعات، مما أضعف المجتمعات وترك الخدمات العامة في حال ركود وتدهور، وعجز عن تلبية حاجات الناس الأساسية. ومع ذلك يوجهون أصابع الاتهام إلى الإجراءات الهادفة للحد من التلوث والازدحام، بينما يفلت المسؤولون الحقيقيون من المحاسبة، مثل عمالقة النفط والغاز الذين يجنون أرباحاً طائلة من تلويث البيئة، وفي الوقت نفسه يرفعون فواتير الطاقة، ليجد الناس أنفسهم مضطرين إلى الاختيار بين التدفئة وشراء الطعام.

في شتى أنحاء العالم تتحالف الحركات اليمينية المتطرفة مع فاحشي الثراء الذين يوفرون لها التمويل اللازم لأنهم يرون في إجراءات مكافحة التغير المناخي تهديداً لقدرتهم على تحقيق الأرباح. مثلاً في حال "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، بالنسبة إلى كثير ممن أدلوا بأصواتهم لمصلحة مغادرة البلاد الاتحاد الأوروبي، كان تصويتهم تعبيراً عن الإحباط والشعور بالتهميش من أصحاب السلطة، ولكن بالنسبة إلى مؤيدي "بريكست" من أصحاب الثروات الضخمة كان الهدف التخلص من تدابير الحماية التي يشملها الاتحاد الأوروبي بالكامل، والمصممة (على رغم العيوب التي تشوبها) لمنع الشركات الكبرى من استغلال العمال وتلويث بيئتنا.

والآن، بعد الانتهاء من مسألة مغادرة الاتحاد الأوروبي تحول التركيز إلى قضية تحقيق هدف صفر انبعاثات، لكن الاستراتيجية التي يتبعها هؤلاء [اليمينيون المتطرفون] لم تتغير، وكذلك الدوافع التي تحركهم بقيت ثابتة، ولكن كما تعاملت الحكومة البريطانية مع ملف "بريكست"، يتعين عليها أن تتبنى الاستراتيجية عينها في مواجهة التحديات المتعلقة بتحقيق هدف صفر انبعاثات. إذا كانت ترغب في التصدي لصعود اليمين المتطرف، وبصراحة تامة البقاء أيضاً في السلطة بعد خمس سنوات على الحكومة أن تصب تركيزها على تقديم سياسات تؤثر إيجاباً في حياة الناس الآن.

في الوقت الحالي تخفق الحكومة في تحقيق ذلك. الخدمات العامة تنهار، ومستويات المعيشة في ركود، وبدلاً من اتخاذ إجراءات حقيقية تقود إلى تحسين حياة الناس، يعلق القادة آمالهم كافة على النمو الاقتصادي. ولكنه نهج خاطئ.

أولاً وقبل كل شيء من غير المرجح أن تسهم السياسات التي تضر بالمناخ من قبيل مشاريع توسيع مطار هيثرو [التي تزيد انبعاثات الكربون] في تحقيق نمو اقتصادي ملموس، لكن الأهم من ذلك هو أن نمو الناتج المحلي الإجمال ليس مقياساً دقيقاً في تقييم أداء الاقتصاد. مثلاً معلوم أن الناتج المحلي الإجمال في روسيا آخذ في الازدهار، مدفوعاً بالزيادة في إنتاج الدبابات والقنابل والرصاص والزي العسكري [من دون أن يعكس ذلك رفاهية الشعب وجودة الحياة وتحقيق نمو إيجابي حقيقي في الاقتصاد]، ولكن قلة قليلة من الناس سترى أن هذا وضع تحسد عليه أي دولة. والأهم أن النمو الاقتصادي لا يعود بالنفع على الجميع بصورة متساوية، بل تتركز الفوائد في أيدي فئات معينة من المجتمع. وكما قالت إحدى النساء في تصريح شهير خلال مناظرات "بريكست" رداً على الاقتراح القائل إن الاتحاد الأوروبي قد جلب النمو إلى بريطانيا "هذا ناتجكم المحلي الإجمال اللعين. ليس ناتجنا نحن [في إشارة إلى الحكومة ورجال الأعمال والأثرياء]".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الحقيقة آن الأوان لكي يعترف السياسيون بأن الاقتصاد ليس ظاهرة طبيعية نعيش في نطاقها ونعجز عن تغييرها. إنه نظام من تصميم البشر، وفي المستطاع إعادة تصميمه بصورة مختلفة. لقد حان الوقت لإعادة توازن النظام كي يجني الناس فوائد حقيقية من عملهم الشاق بدلاً من أن تثقل كاهلهم الفواتير المرتفعة والأجور المنخفضة، وفي الوقت نفسه بناء اقتصاد أخضر مزدهر يعتمد على الطاقة المتجددة والممارسات البيئية المستدامة، ويكون صالحاً للأجيال المقبلة.

والحقيقة إن تغيير حياة الناس إلى الأفضل ومعالجة أزمة المناخ هدفان مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. ومن خلال فرض ضرائب عادلة على الثروات، واستثمار هذه الأموال في مجالات ومشاريع تعوزها بلادنا حقاً، نضمن حصول كل فرد على منزل آمن ومناسب يمكنه تدفئته وتحمل كلف العيش فيه. وكذلك نجعل كل رحلات النقل العام، بدءاً من التنقل اليومي المعتاد بين المنازل وأماكن العمل وصولاً إلى الإجازات العائلية ميسورة الكلفة وأكثر راحة. وفي وسعنا أيضاً إدخال تحسينات على خدماتنا العامة لتصبح عالمية المستوى، فيتلقى المرضى علاجهم في ظروف لائقة وليس في ممرات المستشفيات، ونمنح كل طفل التعليم الذي يستحقه.

الناس في كل أنحاء المملكة المتحدة يرون أن بلادنا تدار بطريقة غير فاعلة لا تحقق النتائج المرجوة. يبدو جلياً أنها لا تخدم الأسر، ولا المجتمعات، ولا الشركات الصغيرة، ولا تسهم أيضاً في معالجة أزمة المناخ. بناءً عليه لا بد من تغييرها. وإذا كانت الحكومة راغبة في التخلص من التهديد الذي يشكله حزب "ريفورم" واليمين المتطرف، فالأجدر بها أن تعترف بهذه الحقيقة، وأن تبدأ في اتخاذ القرارات المنطقية التي ستعود بالنفع علينا جميعاً.

كارلا دينير عضو في البرلمان البريطاني عن دائرة بريستول سنترال وشريكة في قيادة حزب "الخضر" في إنجلترا وويلز

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء