ملخص
تواجه الهند تحدياً بيئياً متزايداً بسبب حوادث دهس القطارات بالأفيال، لا سيما في المناطق التي تعبر فيها خطوط السكك الحديد الغابات الكثيفة، والتي تمتد لمسافة نحو 1700 كيلومتر.
شهدت الهند ارتفاعاً مقلقاً في وفيات الفيلة خلال عام 2024 بسبب تصادم القطارات بها، إذ سجلت حوادث عدة مميتة، كان أبرزها في الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه في منطقة جالبايغوري بولاية غرب البنغال، عندما نفقت سبعة فيلة بعدما صدمها قطار بضائع متجه إلى غواهاتي في ولاية آسام، في واحدة من أسوأ الحوادث من هذا النوع.
وفي حادثة أخرى وقعت قبل أيام قليلة، دهس قطار بضائع مجموعة من الفيلة أثناء عبورها السكة الحديد للانتقال من غابة إلى أخرى مع قطيع مكون من 40 فيلاً في منطقة تشينتابوكاري بولاية أوديشا، وعلى رغم الجهود الحكومية لإنشاء ممرات آمنة، وحفر معابر تحت الأرض، وتركيب سياجات كهربائية، لا تزال هذه الحوادث تتكرر، مما يستدعي اتخاذ تدابير أكثر فاعلية لحماية الفيلة من أخطار القطارات.
أرقام رسمية
تشير البيانات الهندية الرسمية إلى ارتفاع أعداد الفيلة التي نفقت بسبب حوادث دهس القطارات خلال الأعوام الستة الماضية، ففي عام 2019 نفق 19 فيلاً، ثم عام 2020 نفق 14 فيلاً، وسجل عام 2021 نفوق 12 فيلاً ثم عام 2022 نفق 15 فيلاً وتكرر الرقم نفسه عام 2023 قبل ارتفاعه إلى 17 عام 2024.
وتعد حوادث القطارات ثاني أكبر سبب لنفوق الفيلة غير الطبيعية في الهند بعد حوادث الصعق الكهربائي، إذ نفق أكثر من 200 فيل بسبب تصادم القطارات خلال العقد الماضي. ووفقاً لمسؤول في إدارة الغابات، فإن مرور خطوط السكك الحديد عبر المناطق الحرجية يشكل تهديداً خطراً للحياة البرية، مما يستدعي تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لحماية الفيلة من أخطار القطارات.
تقنيات الذكاء الاصطناعي
استجابة لهذه الأزمة بدأت الهند في اعتماد تقنيات حديثة، ففي عام 2023 أطلقت ولاية تاميل نادو نظام مراقبة يعتمد على الذكاء الاصطناعي من خلال تركيب كاميرات مراقبة لرصد حركة الفيلة قرب خطوط السكك الحديد، يعتمد هذا النظام على أجهزة استشعار متطورة قادرة على اكتشاف تحركات الفيلة وإرسال تنبيهات فورية إلى سائقي القطارات ومراقبي الخطوط لمنع وقوع الحوادث.
كما طُبقت تقنية مماثلة في شمال شرقي الهند، حيث تعمل أنظمة استشعار على التقاط اهتزازات تحركات الفيلة بدقة تصل إلى 100 في المئة، وفي بعض المناطق ترسل هذه الأنظمة أكثر من 40 إنذاراً يومياً، مما يساعد مسؤولي الغابات وسلطات السكك الحديد على اتخاذ تدابير استباقية لحماية الفيلة من التصادمات المميتة.
وفي ولاية أوديشا تبنت إدارة الغابات في منطقة سوندرغر تقنيات متطورة للحد من الصراعات بين القطار والأفيال، شملت المبادرات الحديثة تركيب أربعة أبراج مراقبة تعمل بالذكاء الاصطناعي في المناطق الأكثر عرضة لحوادث القطارات.
وفي إطار مشروع تجريبي في مدينة روركيلا، رُكبت كاميرات ذكية لمراقبة الأفيال، ووفقاً لضابط الغابات في المنطقة، جاسوانت سيتي، أُنشئت هذه الأبراج في مواقع تشهد تحركات متكررة للأفيال، حيث تراقب الكاميرات مساحة تصل إلى خمسة كيلومترات، وترسل تنبيهات فورية لغرفة المراقبة التي تعمل على مدى الساعة.
قصة نجاح
خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024 أسهم الذكاء الاصطناعي في إنقاذ قطيع مكون من فيلين بالغين وعجل صغير من كارثة وشيكة، وقال مسؤول الغابات في مقاطعة راوركيلا، جاسوانت سيتي، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إنه في الثامن من ديسمبر 2024، اكتشفت كاميرا الذكاء الاصطناعي القطيع والتقطت صورة، إذ كان القطيع، المكون من 28 فيلاً بما في ذلك العجول، يتجول على معبر السكة الحديد بين باندهاموندا وبارسوان في راوركيلا.
وأوضح سيتي "في غضون دقائق من تلقي الصورة والموقع، اتخذ قرار بتأخير القطار المقبل لمدة نصف ساعة في أقرب محطة سكة حديد في لاتيكاتا، كما نسقنا مع السكك الحديد لضمان تمكن الأفيال من عبور المسار قبل وصول القطار، وتتنقل الأفيال عادة بين غابة محمية في راوركيلا"، وأشار إلى أن حركة الكاميرات بزاوية 360 درجة ساعدتهم أيضاً على اكتشاف عبور الأفيال إلى الجانب الآخر من مسار السكة الحديد بأمان، وبعد ذلك مر القطار بالمنطقة بسلام.
مسيرات أيضاً
إضافة إلى الذكاء الاصطناعي تستخدم إدارات الغابات في الهند تقنيات أخرى لحماية الأفيال، بما في ذلك طائرات من دون طيار (مسيرات) مزودة بكاميرات حرارية تعمل بالأشعة تحت الحمراء لمتابعة تحركات الأفيال في الزمن الفعلي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الهند، تنتشر المئات من الوحدات المتخصصة بحماية الغابات، حيث تؤدي دوراً حيوياً في الحفاظ على الحياة البرية والحد من الأخطار البيئية. وفي ولاية أوديشا تعتمد إحدى هذه الوحدات على تقنيات متطورة لمراقبة الغابات والتصدي للتهديدات التي تواجه الأفيال والحيوانات الأخرى، وقد نشرت أربع مسيرات في الوقت الحالي، مع خطط لتوسيع استخدامها.
كما تُستخدم أطواق مزودة بأجهزة تتبع لا سلكية على رقاب بعض الأفيال، إضافة إلى تركيب 46 كاميرا مراقبة جديدة خلال العام الحالي، ليصل إجمال عدد الكاميرات في الغابات إلى نحو 150 كاميرا، ونُشر أيضاً 350 مصباحاً تعمل بالطاقة الشمسية في المناطق القريبة من المستوطنات البشرية لتقليل احتمالات المواجهة بين البشر والأفيال.
إجراءات غير كافية
تمر خطوط السكك الحديد عبر 1700 كيلومتر من الغابات الهندية، مما يجعل عبور الحيوانات هذه المسارات أمراً بالغ الخطورة. وعلى رغم أن كثيراً من الحيوانات الصغيرة تموت من دون أن تسجل، فإن نفوق الأفيال يثير ضجة نظراً إلى حجمها وأهميتها البيئية.
ويحذر المتخصصون من أن مبادرات حماية الأفيال لا تزال غير كافية، إذ تحتاج الهند إلى تكثيف جهودها في ظل التراجع الكبير في أعداد الأفيال. وحسب تقديرات جمعية "وايلد لايف تراست أوف إنديا" المعنية بالحياة البرية ووزارة الغابات عام 2017، بلغ عدد الأفيال في البلاد نحو 29964 فيلاً موزعة على 33 محمية طبيعية تغطي مساحة 80777 كيلومتراً مربعاً، ومع ذلك لم تنشر الحكومة تقريراً حديثاً، وسط تقديرات تشير إلى انخفاض أعداد الأفيال 20 في المئة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
وتجري جمعية "وايلد لايف تراست أوف إنديا"، وهي جهة مستقلة في الهند، إحصاءً للأفيال كل خمسة أعوام، وتتحدث المؤشرات عن انخفاض مقلق في أعدادها. ويعود هذا التراجع الملحوظ في أعداد الأفيال إلى عوامل عدة رئيسة أبرزها تدمير المواطن الطبيعية نتيجة للتوسع في مشاريع التعدين والبنية التحتية، وإزالة الغابات من أجل بناء الفنادق، فضلاً عن أخطار الصيد الجائر والتصادم مع القطارات والصعق الكهربائي.
ويقول المتخصص في الحياة البرية دي أس سريفاستافا، إنه "إذا لم تُتخذ تدابير أكثر صرامة لحماية الأفيال، فقد تواجه الهند انخفاضاً كارثياً في أعدادها خلال الأعوام المقبلة، مما يهدد التوازن البيئي".
أما بالنسبة إلى تقنيات الذكاء الاصطناع، فأكد أنها قد تسهم بصورة كبيرة في الحد من وفيات الأفيال الناجمة عن حوادث القطارات والصراعات مع البشر، إذ يمكن أن تؤدي كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار دوراً حيوياً في الكشف المبكر عن تحركات الأفيال قرب مسارات القطارات.
ومع ذلك يظل نطاق تطبيق هذه المبادرات محدوداً، إذ تحتاج الهند إلى توسيع استخدامها بصورة كبرى لتغطية المساحات الشاسعة للغابات التي تمر عبرها خطوط السكك الحديد.