ملخص
فجرت حادثة مصرع الشاب لؤي طيارة من مدينة حمص بعد اقتياده معتقلاً وموته تحت التعذيب، غضباً من قبل المنظمات الحقوقية والأوساط الشعبية التي اعتبرت أن ما حدث لا يرقى إلى كل التطلعات التي خرج بها الشعب السوري لتغيير النظام الذي مارس أشنع وأبشع صور التنكيل بالمعتقلين، وطالبوا بمحاسبة الجناة.
لم تتوقف حالات الانتهاكات "الفردية" من إعدامات ميدانية وتعذيب وإهانة من منطلق طائفي وسياسي وسط استنكار شعبي واسع من كل الطوائف والأديان، وهذا الاستهجان لم يشمل الشارع السوري وحده، بل تستنكره الإدارة الجديدة في سوريا وتعتبر أن العناصر المسلحة التي تنفذ هذه التجاوزات لا تمثلها وتشدد على أنها ستخضع للمحاسبة.
وفجرت حادثة مقتل الشاب لؤي طيارة من مدينة حمص بعد اقتياده معتقلاً وموته تحت التعذيب، غضباً من قبل المنظمات الحقوقية والأوساط الشعبية التي اعتبرت أن ما حدث لا يرقى إلى كل التطلعات التي خرج بسببها الشعب السوري لتغيير النظام الذي مارس أشنع وأبشع صور التنكيل بالمعتقلين، وطالبت بمحاسبة الجناة.
وأطلّ أحد الشبان من أصدقاء الشاب طيارة، معرباً عن حزنه على ما حصل إذ لم يكُن ذنبه إلا أن والدته تعمل في حزب "البعث"، وكان يملك مركبة يضع عليها صورة الرئيس المخلوع بشار الأسد، وأضاف أنه "إذا ما أردنا أن نحاسب السوريين على ذلك، فإن الشعب السوري مهدد بالقتل والتصفية، إنه شاب طيب وخلوق، أين المحاكم العادلة؟".
القضاء العسكري
من جهة مقابلة، أعربت إدارة الأمن العام عن استنكارها، وأكدت أن هذه الحادثة تحظى بتعامل جدي، ووعدت بفتح تحقيق رسمي وتوقيف جميع العناصر المسؤولة وإحالتهم إلى القضاء العسكري، وأعلن مدير إدارة الأمن العام في مدينة حمص التزام إدارته التام حماية حقوق المواطنين وصون كرامتهم، وأن جميع الإجراءات القانونية ستتخذ لضمان العدالة والشفافية والكشف عن نتائج التحقيق فور انتهائه، مع التأكيد أن أي انتهاك للقانون لن يسمح به تحت أي ظرف، بحسب ما نقلت الوكالة الرسمية "سانا".
الإعلان من قبل إدارة الأمن العام في المدينة أشعر المواطنين بالارتياح بعد الغضب الشعبي، مع تأكيدها أن "العدالة ستأخذ مجراها بالكامل، بغض النظر عن هوية الشخص المعني أو انتمائه السابق، وحماية المجتمع تتطلب الالتزام الصارم بالإجراءات القانونية".
وكشف الأمن العام عن تفاصيل توقيف الشاب طيارة قبل وفاته وجاء توقيفه بناءً على مذكرة صادرة عن النيابة العامة، وبعد توجه دورية من إدارة الأمن العام لعدم تسوية الشاب لؤي لوضعه القانوني إذ كان يعمل لدى صفوف الدفاع الوطني وفي حوزته أسلحة غير مصرح عنها، نفذت عملية الاعتقال ونقل إلى مركز الاحتجاز تمهيداً لإحالته إلى القضاء، وأثناء احتجازه وقعت تجاوزات من قبل بعض العناصر الأمنية المكلفة نقله، مما أدى إلى وفاته بعد تأكيد الطبيب الشرعي أنها ناجمة عن ضربة شديدة على الرأس.
وتسعى الإدارة الجديدة منذ توليها الحكم بعد سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 إلى ترسيخ العدالة ومحاسبة المجرمين من شخصيات النظام عبر القوانين والأنظمة، ويجزم أحد المواطنين في مدينة حمص أن ما يحدث من تجاوزات زاد عن حده، في وقت يستنكر العهد الجديد ما يحدث من تصرفات فردية سواء بالتصفيات التي تدور أو بالتعامل السيئ مع فلول النظام.
ويعتبر مراقبون أن الاعتراف بمقتل شاب تحت التعذيب أثناء توقيفه لدى الأمن العام يُعدّ سابقة من نوعها، ولم يحدث خلال عقود طويلة من حكم الأسد أن أعلنت الأجهزة الأمنية وفاة ولو واحد من الموقوفين تحت التعذيب، بل كانت التقارير الصادرة عن الأطباء الشرعيين أو تقارير السجون تتحدث عن "وفاة مفاجئة".
الرأي العام يترقب محاسبة عادلة
وبالحديث عن كثرة الانتهاكات التي تصل من ريفي حمص واللاذقية ضمن القرى ذات الغالبية العلوية، في ظل موقف صارم من قبل الإدارة بعدم رضاها، قال أحد القاطنين في مدينة اللاذقية جميل الأسعد "في كل مرّة تستنكر الإدارة هذه التصرفات وتتوعد بالمحاسبة، ولكن ما هي العقوبات بحق الأفراد الذين يمارسون تلك التجاوزات، لا بد من الإعلان عما أفضت إليه هذه التحقيقات أو ما توصلت إليه بصورة علنية كنوع من الشفافية بالتعاطي مع الرأي العام الذي يترقب محاسبة صارمة وحقيقية وعادلة، مع محاكمة عادلة أيضاً لفلول النظام بطريقة علنية".
في الأثناء، لقي اثنان من عناصر الأمن العام مصرعهما، وأصيب ثالث بكمين نفذه فلول النظام المخلوع قرب بلدة المختارية على طريق حلب اللاذقية (أم 4)، وهذا الاستهداف استدعى رد فعل بوتيرة أعلى من قبل القوات التي تنفذ حملات أمنية في ريفي حمص واللاذقية بحثاًُ عن مجموعات خارجة عن القانون أو خلايا لفلول النظام.
في غضون ذلك، ناشدت مؤسسات وهيئات مجتمعية وحقوقية بضرورة وضع حد للحوادث الفردية عبر تكثيف الرقابة على العناصر المسيئة، وطالب المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" بسام الأحمد في حديث إلى "اندبندنت عربية" بإجراء تحقيقات في مختلف الانتهاكات الحاصلة سواء كانت الإعدامات والتعذيب والاعتقالات التعسفية وكلها غير قانونية بخاصة الإعدامات، ومحاسبة المسؤولين عنها لأنها كما قال مسألة مهمة لبناء "دولة قانون ومؤسسات" مع ضرورة وجود ضمانات عدم تكرار مثل هذه التصرفات.
وأضاف أن "الوعود من قبل إدارة الأمن العام في حمص بإجراء تحقيقات للعناصر غير كافية، فلا بد من ضمان عدم تكرار ذلك، وتسعى منظمة ’سوريون من أجل العدالة والحقيقة‘ إلى توثيق كل الانتهاكات الحاصلة، وهذه الممارسات تذكرنا بممارسات النظام السابق، وأي شخص مطلوب لا بد من تقديمه إلى المحاسبة من دون إهانة أو تعذيب".
المطالبات لم تأتِ من المنظمات الحقوقية فحسب، بل شملت طيفاً من الشخصيات الشعبية ومن بينها مطالبة الفنان السوري مكسيم خليل المعروف بمعارضته لنظام الأسد وأدى دور البطولة في مسلسل "إبتسم أيها الجنرال"، بضرورة الكشف عن أسماء المتورطين ورفع دعاوى من محامين وتحريك الرأي العام حتى لا تتكرر هذه الانتهاكات في حق المواطنين.
تظاهرات
وأضاف في منشور له "ماذا يعني تجاوزات!! وكيف يمكن أن نقبل بفكرة تسميتها تجاوزات، هي تسمى جريمة، والجريمة تحتاج إلى محاسبة شفافة، نحن الأشخاص الذين وقفنا ضد انتهاكات النظام السابق لا يمكن أن نقبل باستمرار أو تكرار أي نوع من أنواع الانتهاكات، ليس هناك من تبرير، وإذا أردت أن تبرر انتهاكاً كهذا، فحينها لا بد من السماح بتبرير انتهاكات نظام الأسد، السكوت عن أي حق هو خطوة إلى الوراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانتقد شاب سوري الأمن العام بعد خروجه ببث مباشر عبر وسائل التواصل لعدم منعه التظاهرات التي ترفع شعارات طائفية مع عبارات مسيئة لأبناء الطائفة العلوية، وقال "أنا من أبناء الطائفة السنية لا أرى سوريا جميلة إلا بتنوعها السني والعلوي والمسيحي، وهذه التظاهرات المسيئة للعلويين لا تعبر عن موقف أهل السنة بل هذه الإساءات تخرج من قلة قليلة، نطالب بوقف تظاهرات كهذه ومنعها كما يمنع الأمن شباناً من التحرش ولديه القدرة على تأديبهم، فهذه التظاهرات يجب أن تمنع بصورة قطعية، والانتباه إلى أن ذلك لا يفيد أبداً، فعلاوة على الانقسام الذي تحدثه بين الشعب السوري، هي أيضاً تدعو الإيراني إلى التدخل من جديد".
وكانت الإدارة الجديدة إبان سقوط النظام أصدرت توجيهات صارمة بضرورة عدم التعرض للمواطنين المسالمين والمدنيين بكل أطيافهم، بل محاسبة كل من ينعت أي شخص بكلمة "مؤيد" مع "فتح صفحة جديدة"، وفي ذلك الوقت عثر في ريف دمشق على جثة العالم حسان إبراهيم من الطائفة العلوية وعليها آثار عيارات نارية، وملقاة في بلدة معربا بريف العاصمة بعد عملية إعدام ميداني.
ووثق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مقتل شابين من قرية الكنيسة في ريف حمص بعد اعتقالهما في الـ22 من يناير (كانون الثاني) الماضي أثناء عملية تفتيش في القرية، وبحسب المعلومات التي حصل عليها "المرصد"، فقد أطلقت العناصر النار على قدم أحد الشابين خلال الاعتقال، ليُقتلا لاحقاً داخل السجون التابعة لإدارة العمليات العسكرية، فيما تسلّم أهلهما جثتيهما أمس السبت، وبذلك يبلغ عدد من قضوا في سجون إدارة العمليات العسكرية 12 معتقلاً، وفق ما أفاد "المرصد" بعد احتجازهم خلال العمليات الأمنية وعلى الحواجز في تصاعد مقلق لحالات التعذيب داخل مراكز الاحتجاز.
وبعد مجزرة قرية فاحل التي راح ضحيتها 16 مدنياً ومقتل 40 شخصاً في ريف حمص الغربي، قال "مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان" رامي عبد الرحمن إن الذين تسببوا بالاعتقال تم توقيفهم، وطالب الإدارة "بعدم زج عناصر غير مدربة للتعامل مع المدنيين ولا تلتزم تعليمات الإدارة، ولو طبقت لكانت الأمور جيدة في سوريا"، ولفت إلى أن محافظ حمص وقائدها عملا على تجنيب المحافظة حرباً طائفية".
وبالحديث عن حجم الانتهاكات التي تحدث بصورة متواترة، أفاد مصدر ميداني عسكري "بوجود حالات إطلاق نار من قبل الحملات الأمنية بسبب مباشرة المطلوبين بإطلاق النار على العناصر، فيحدث تبادل لإطلاق النار"، في حين أكدت إدارة العمليات التزامها تنفيذ حملات أمنية لملاحقة مجرمين من فلول النظام، وأخرى خارجة عن القانون من عصابات السرقة والخطف، وتمكنت القوى الأمنية من اعتقال عاطف نجيب المسؤول الأمني الذي أعطى الأوامر بتعذيب أطفال درعا واقتلاع أظافرهم، وكانت هذه الحادثة السبب المباشر باندلاع شرارة الانتفاضة السورية التي عمت البلاد.