ملخص
لا توجد إحصائية دقيقة لوفيات الأمهات الحوامل أو الوفاة نتيجة لمضاعفات الولادة، لصعوبة تسجيل الوفيات في المراكز القليلة العاملة بطاقة ضعيفة، وانقطاع الإنترنت والكهرباء.
مع بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 سرعان ما انهار النظام الصحي في السودان، واتضح التدهور أكثر بتأثير الأزمة السريع على النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة. وتشهد مناطق السودان المختلفة خصوصاً القرى والأرياف وضعاً كارثياً وارتفاعاً مقلقاً في معدلات وفيات الأمهات بسبب صعوبة الوصول إلى المستشفيات والمرافق القليلة بعد تعرض أغلبها للقصف الجوي أو الإغلاق، مما يدعو إلى تدخل المجتمع الدولي لتوفير المساعدات الصحية لإنقاذ حياة الأمهات الحوامل وأطفالهن.
ولا توجد إحصائية دقيقة لوفيات الأمهات الحوامل أو الوفيات جراء مضاعفات الولادة، لانعدام الرعاية الصحية الأولية، وتوقف المستشفيات والمراكز الصحية للمتابعة في عدد كبير من أقاليم السودان، وصعوبة تسجيل الوفيات في المراكز القليلة العاملة بطاقة ضعيفة، وانقطاع الإنترنت والكهرباء.
وقبل الحرب كان النظام الصحي في السودان هشاً، والبنية التحتية متداعية، والمستشفيات ينقصها عديد من المعدات والطواقم الطبية والصحية. ووفقاً للأمم المتحدة فقد بلغ معدل وفيات الأمهات في السودان حينذاك نحو 270 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية. وبعد الحرب ذكرت وزارة الصحة الاتحادية أن معدل وفيات الأمهات في السودان بلغ نحو 100 وفاة بين كل 10 آلاف حالة ولادة في البلاد، وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
بدأت "جمعية الأطباء الأميركيين السودانيين" بمعية منظمات مثل "كير" و"الهيئة الطبية الدولية" ومنظمة "أطباء بلا حدود" و"منظمة إنقاذ الطفولة"، تسيير العمل في بعض المستشفيات وتمويل العمليات القيصرية لإنقاذ الحوامل. كما ذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان أنه نشر 56 فريقاً صحياً متنقلاً في 11 ولاية بالسودان تقدم خدمات الصحة الإنجابية والجنسية والحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له. لكن بعد اشتداد القتال واستهداف المستشفيات وتحولها إلى مسارح للقتال العنيف واستهداف موظفي هذه المنظمات ومستودعاتها خرجت أغلب طواقمها من السودان.
نقص الإمدادات
عندما اندلعت الحرب كانت هناك أكثر من 1.1 مليون امرأة سودانية حامل، ومن بين أولئك اللاتي كن في أمس الحاجة إلى المساعدة الإنسانية، 29 ألف امرأة كان يُتوقع ولادتهن في مايو (أيار) 2023. ومنهن ما لا يقل عن 4300 امرأة تعرضت لخطر الوفاة لحاجتها إلى رعاية التوليد الطارئة أو توفيت بالفعل بسبب عدم الحصول على الرعاية اللازمة بعد خروج أكثر من 80 في المئة من المستشفيات عن الخدمة.
ويقول اختصاصي النساء والتوليد السيد آدم "حدثت حالات كثيرة من وفيات الأمهات بسبب نقص الإمدادات الطبية الأساسية مثل المضادات الحيوية، وتعرض البعض لالتهابات وارتفاع ضغط الدم وحالات نزيف حادة، وعدم التمكن من انقاذهن لأن هناك نقصاً حاداً في الدم بعد توقف المعامل المركزية وغياب الأدوية المنقذة للحياة وتأخر وصول الحالات من القرى إلى المرافق الصحية في ظل ظروف الحرب".
وقال طبيب الأطفال المعالج ومدير إحدى المستشفيات في مدينة أم درمان محمد فتح الرحمن، إن "عدد الأطفال الذين ولدوا قبل الأوان في المستشفى الوحيد بالمنطقة قبل أن يتعرض للقصف الجوي من قبل الطيران الحربي، ارتفع بنسبة الثلث تقريباً منذ بدء القتال. وبوجود طاقم ضئيل قدّر أن قسم الولادة قد ولّد أكثر من 600 مولود جديد خلال شهر، أي 20 ضعف العدد المعتاد. وفي الأسابيع القليلة الأولى من الصراع كانوا يجرون ما يصل إلى 50 عملية قيصرية في اليوم، وغالباً مع طفلين حديثي الولادة يتشاركان الحاضنة نفسها".
وأفاد وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم، خلال اجتماع اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بضعف مؤشرات صحة الأم والطفل، التي تتضمن وفيات الأمهات والأطفال وسوء التغذية.
متطلبات غذائية
في مارس (آذار) الماضي أوردت "منظمة أنقذوا الأطفال" إن "ما يقرب من 230 ألف طفل وامرأة حامل وأم جديدة قد يموتون في الأشهر المقبلة بسبب الجوع ما لم يتم إصدار تمويل عاجل لإنقاذ الأرواح للاستجابة للأزمة الهائلة والمتفاقمة في السودان".
وأضافت المنظمة "من دون معالجة مشكلة التمويل ستعاني نحو 1.2 مليون امرأة حامل ومرضع من سوء التغذية هذا العام وتواجه مضاعفات صحية خطرة أثناء الولادة وبعدها". وأفادت بأن "خبراء التغذية في المنظمة رأوا نساء حوامل يتخطين وجبات الطعام ويذهبن إلى الفراش جائعات للسماح لأطفالهن بتناول الطعام، مما يحد بشدة من العناصر الغذائية المتاحة لأجنتهن النامية ويخلق مخاوف خطرة في شأن صحة هؤلاء الأطفال عند ولادتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السياق ذاته، أفادت متخصصة التغذية نجاة مدني، أن "وضع النساء الحوامل في السودان سيئ للغاية لعدم توافر الغذاء الكافي للأم وجنينها، فالنساء أثناء الحمل لديهن متطلبات غذائية عالية، وضمان حصولهن على وجبات غذائية متوازنة وكافية أمر أساسي، وبفقدان هذا العنصر نرى أن هناك زيادة في حالات الإجهاض والوفاة وسط النساء الحوامل".
وبينت "إذا كان سوء التغذية هو أحد المشكلات الرئيسة التي تضعف فيها الوظيفة الجسدية للفرد إلى الحد الذي لا يستطيع معه الحفاظ على الوظائف الحيوية الكافية مثل النمو ومقاومة الأمراض أو التعافي منها فإن حاجة الجسم بالنسبة إلى الحوامل تكون أكبر".
وأوضحت مدني "يمكن أن يؤدي سوء التغذية لدى النساء الحوامل إلى آثار صحية خطرة، إذ يتعرضن لخطر الإصابة بالإجهاض التلقائي وفقر الدم أثناء الحمل وخطر وفاة الأم، كما يتعرض الجنين لخطر تأخر النمو داخل الرحم، وصغر حجمه، والولادة المبكرة، وأحياناً وفاته داخل الرحم".
وأضافت أخصائية التغذية "هناك اهتمام عالمي بمكافحة سوء التغذية لدى الأمهات الحوامل، وبدأ يتحسن على مستوى العالم، لكن في سياق أزمة الحرب في السودان هناك حاجة إلى الإنقاذ العاجل، لا سيما أن السودان يقع ضمن المناطق ذات المؤشر المرتفع لنسبة الفقر".
مناطق الشدة
من ضمن مناطق السودان المختلفة يقع إقليم دارفور ضمن مناطق الشدة في وفيات الحوامل، بحسب تقرير أخير أصدرته "منظمة أطباء بلا حدود" في سبتمبر (أيلول) الماضي بأن نسبة وفيات الأمهات بين يناير (كانون الثاني) وأغسطس (آب) في مستشفيين بولاية جنوب دارفور وحدها تجاوزت 7 في المئة من إجمالي وفيات الأمهات التي سجلتها جميع مرافق "أطباء بلا حدود" في العالم خلال عام 2023.
ووفقاً للتقرير ذاته، سجلت 114 وفاة بين الأمهات في مستشفيي "نيالا" التعليمي و"كاس" الريفي بجنوب دارفور في الفترة نفسها، حيث وقعت 78 في المئة من هذه الوفيات خلال الـ24 ساعة الأولى من دخول المستشفى. ويُعزى ذلك إلى ندرة المرافق الصحية العاملة وكلف النقل الباهظة، مما يضطر عديد من النساء للولادة في ظروف غير صحية، ويزيد من خطر الإصابة بالمضاعفات والإنتان، وهو حال تهدد الحياة بسبب تدمير الجسم لأنسجته عند استجابته للعدوى وعجز الأعضاء عن القيام بوظائفها بصورة سليمة وطبيعية.
وفي أكتوبر الماضي، ذكرت مدير الصحة الإنجابية بولاية جنوب دارفور طيبة بخيت، أن "الحرب أثرت في إمكانات وزارة الصحة بسبب ما طاول مرافقها من حرق ونهب وسلب". وذكرت أن "الوزارة كان لديها 164 مرفقاً صحياً يعمل في مجال تقديم الرعاية الصحية للنساء الحوامل، لكن بعد الحرب تقلص عددها إلى 44 فقط، وكان هناك نحو 14 مستشفى ريفياً في مجال الأمومة والطفولة قبل الحرب تقلصوا إلى 7 مستشفيات فقط من دون إمكانيات".
وأوضحت أن "الوزارة أجرت مسوحات في بعض معسكرات النازحين وتوصلت إلى نتيجة مفادها زيادة أعداد وفيات الحوامل وحديثي الولادة، لكن لم تستطع إجراء المسوحات في أغلب المناطق بسبب استمرار القتال وانعدام وسائل الحركة وانقطاع الإنترنت".
تدريب القابلات
كان مدير مركز الأبحاث بجامعة "الزعيم الأزهري" أحمد السيد، شدد في وقت سابق على أنه "نظراً لما يعانيه السودان من مشكلات صحية أهمها وفيات الأمهات الحوامل وأثناء الولادة، لا بد من الوعي بقيمة تخصص القبالة ورعاية مقدمي هذه الخدمة وتدريبهم لتقديم خدمات رعاية جيدة وتفعيل نظام حديث للمتابعة عن بعد خاص بالمناطق الريفية والولايات".
وأوضح السيد، "تعمل القابلات من أجل تقليل الأخطار المصاحبة ومضاعفات الحمل، ومع توافر التدريب والدعم الكافيين يمكن للقابلات تفادي ما يقدر بثلثي إجمالي وفيات الأمهات وحديثي الولادة".
من جهتها، قالت متخصصة الصحة الإنجابية رحاب العاقب، "تعتمد المنظمات الإغاثية بشكل متزايد على القابلات في مناطق الصراع لمساعدة النساء في مثل هذه المواقف في المناطق الخطرة وغير المستقرة، ولا تقتصر وظيفة القابلات على توليد الأطفال، فغالباً ما يتعين عليهن مساعدة النساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي ويعانين من مشكلات في الصحة الإنجابية".
وأضافت "بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب وتعذر الوصول إلى المرافق الصحية البعيدة، فإن الحوامل في القرى أصبحن يفضلن الرعاية المنزلية حتى مرحلة الولادة، ولكن تحيط بهذا الخيار أيضاً مصاعب منها نزوح أو لجوء القابلات وعدم توافر المعينات الصحية اللازمة بالمنازل وحدوث طارئ يؤثر على سلامة الأم وجنينها".
فجوة التمويل
وأفادت وزارة الصحة الاتحادية الإثنين، تدشين مشروع المساعدة الصحية والاستجابة للطوارئ في السودان بدعم من البنك الدولي بـ 20 مليون دولار، وتبلغ قيمة المشروع الإجمالية 80 مليون دولار، وتم تخصيص 20 مليوناً للمستشفيات عبر منظمة الصحة العالمية، وخصص المتبقي من المبلغ للرعاية الصحية الأساسية عبر "يونيسف".
وأكد وزير الصحة الاتحادي هيثم محمد إبراهيم، أن هذا المشروع سيغطي 10 ولايات كمرحلة أولى بغرض تقديم الدعم الصحي لنحو ثمانية ملايين مواطن سوداني في ولايات الشمالية وكسلا ونهر النيل والبحر الأحمر والخرطوم والنيل الأزرق وسنار وشمال كردفان وجنوب دارفور وغرب دارفور. كما أوضح مدير منظمة الصحة العالمية في السودان شبل صهباني، أن "المنظمة ستركز جهودها على دعم المستشفيات، فيما تركز "يونيسف" على توفير الرعاية الصحية الأساسية، لا سيما أن هناك نحو 30 مليون شخص في السودان بحاجة ماسة للخدمات الصحية الطارئة".
وبالنظر إلى أن أكثر من 6 آلاف مؤسسة صحية في السودان بحاجة إلى دعم عاجل فقد ذكر "صندوق الأمم المتحدة للسكان"، أن "آفاق التمويل لعام 2025 ليست واعدة على الإطلاق، لأن المساعدات الدولية تتعرض للتهديد بشكل متزايد، والفجوة بين الحاجات الإنسانية والتمويل اللازم لتلبيتها آخذة في الاتساع"، مضيفاً "على وجه الخصوص غالباً ما يتم تجاهل الحاجات المحددة للنساء والفتيات في الاستجابة الإنسانية، وهو أحد القطاعات التي تعاني من نقص التمويل".
وتابع "تبلغ المتطلبات لعام 2025 نحو 27.8 مليون دولار، وفي العام الماضي تم تمويل ثلث النداء فقط. وهذا يعني أن المنظمة لم تتمكن من الوصول إلى أكثر من 77 ألف شخص بخدمات الصحة الجنسية والإنجابية التي يحتاجون إليها، ولم تتمكن 50 ألف امرأة وفتاة من الوصول إلى الدعم المتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، ولم يعد يجري دعم نحو 111 مرفقاً للرعاية الصحية الأولية".
وجاء في تقرير أصدره صندوق الأمم المتحدة للسكان السبت الماضي، "من دون موارد كافية لا يستطيع الصندوق نشر القابلات حيث تشتد الحاجة إليهن، وتضطر ملاجئ الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى الإغلاق، وتفقد النساء والفتيات القدرة على الوصول إلى الإمدادات والخدمات الصحية الأساسية. كل هذا يتكشف بالفعل في بعض حالات الطوارئ الأكثر إلحاحاً ولكن الأقل دعماً في جميع أنحاء العالم".