ملخص
بعد بناء علاقات غير متوقعة مع بايدن، تستعد رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية، جورجيا ميلوني، لتعزيز تحالف أكثر طبيعية مع الرئيس القادم ترمب، مما قد يمنحها دوراً محورياً في التواصل بين الولايات المتحدة وأوروبا. ومع ذلك، يثار جدل حول ما إذا كانت ستصبح صوتاً مؤثراً يعكس المصالح الأوروبية أم حصان طروادة يخدم أجندة ترمب في القارة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والدفاعية التي قد تفرضها سياساته.
بعد أن وطدت رئيسة الوزراء الإيطالية ذات التوجهات اليمينية، جورجيا ميلوني، علاقات ودية غير متوقعة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، من المرجح أن تستعد للاستفادة من تحالف أكثر طبيعية مع الرئيس المقبل ترمب، مما يضعها كلاعب رئيس في التواصل بين الولايات المتحدة وأوروبا.
فقبل أسابيع قليلة من حفل تنصيب ترمب، قصدته ميلوني في مجمعه الفخم في مارالاغو، واصفة الزيارة بأنها "تجاوزت كل التوقعات". وفي هذا السياق، قالت: "كانت هذه الرحلة فرصة لتأكيد علاقة مستقبلية متينة وواعدة للغاية"، قبل أن تضيف بلباقة دبلوماسية: "لست متأكدة إن كان بإمكاني وصفها بالعلاقة المميزة".
وفي حديث إلى الصحافيين مطلع الشهر الجاري، شددت على أن إقامة علاقة قوية عبر الأطلسي بين حكومتين محافظتين "تشكل قيمة مضافة، لكن ليس فقط لإيطاليا، بل أيضاً لأوروبا ككل".
لكن لمصلحة من ستصب هذه العلاقة؟. يفيد بعض المراقبين بأن ميلوني قد تصبح إما صوتاً مؤثراً قادراً على توجيه ترمب، أو حصان طروادة يخدم مصالح ترمب في أوروبا.
وفي سياق متصل، قال فرانكو بافونتشيلو، أستاذ العلوم السياسية ورئيس جامعة "جون كابوت" في روما: "من الواضح أنه في حال كان ترمب يبحث عن شخصية يستطيع الاعتماد عليها في أوروبا، فإن ميلوني تبدو كأنسب خيار"، وأضاف: "إن الساحة من حولها في أوروبا تبدو أشبه بصحراء قاحلة".
ميلوني توحي بالاستقرار
والحال أن إيطاليا، المعروفة بحكوماتها المتقلبة التي قلما تنهي عهدها البرلماني، تجد نفسها اليوم في وضع استثنائي، باعتبارها الحكومة الأكثر استقراراً بين أبرز الحلفاء الأوروبيين وضمن دول "مجموعة السبع" G7، مقارنة بألمانيا وفرنسا، وحتى كندا التي تواجه تحديات متزايدة.
ومن ثم، فإن ميلوني قادت حزبها الذي كان في الماضي مهمشاً وحمل في طياته ملامح مرحلة ما بعد الفاشية، نحو مواقف أكثر اعتدالاً، بخاصة في مجال السياسة الخارجية. فاكتسبت زخماً كشخصية سياسية رائدة في أوروبا بعد أن حقق حزبها اليميني المتطرف، "إخوة إيطاليا" Brothers of Italy، نتائج قوية في انتخابات الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) من عام 2024.
وسافرت الزعيمة الإيطالية، البالغة من العمر 48 سنة، إلى فلوريدا، بينما كانت حكومتها تحاول عقد صفقة لإطلاق سراح صحافية إيطالية اعتقلت في إيران في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وبعد عودتها للبلاد بأيام قليلة، أطلق سراح سيسيليا سالا، في ما اعتبرته ميلوني "جهوداً دبلوماسية ثلاثية" بين الولايات المتحدة وإيطاليا وإيران. وبعد أربعة أيام، قامت إيطاليا بإطلاق سراح مواطن إيراني كان قد تم احتجازه بموجب مذكرة توقيف أميركية.
وفي حين نفت ميلوني أي تدخل مباشر من ترمب لإبرام الصفقة، قالت وزيرة الدفاع في حكومتها إن صور ميلوني وهي واقفة إلى جانب الرئيس الأميركي عززت "مصداقيتها" في لحظة حاسمة.
ميلوني وترمب حليفان طبيعيان
من وجهة نظر أيديولوجية، فإن ميلوني هي حليفة طبيعية للرئيس الأميركي المقبل، بخاصة أنها اتخذت موقفاً صارماً حيال ملف الهجرة، وسعت إلى إبرام صفقات مع دول أفريقية لردع حركة الرحيل منها، وأبدت إصراراً على التدقيق في طلبات لجوء الرجال في مركزين أنشأتهما إيطاليا في ألبانيا. ومن ثم، فقد اعتمدت حكومتها سياسات أسرية محافظة، شملت حظر تأجير الأرحام واتخاذ إجراءات للحد من عمليات الإجهاض.
ويبدو الانسجام الشخصي واضحاً بين ترمب وميلوني، مما يعزز فرصها لتصبح الزعيمة المفضلة بنظره في أوروبا. وقد شوهد الاثنان منهمكين في نقاشات خلال حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام في باريس في السابع من ديسمبر (كانون الأول) 2024، واتفقا آنذاك على مجيء ميلوني لزيارته في مار أي لاغو. ومن ثم، فإن صداقة وطيدة وموثقة جيداً تربط ميلوني بإيلون ماسك، أحد كبار المستشارين لدى ترمب.
ويُشار إلى أن رئيسة الوزراء الإيطالية هي من بين عدد محدود من زعماء العالم الذين يُتوقع حضورهم لحفل تنصيب ترمب في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الجاري، مما يسلط الضوء على علاقتها الوثيقة بالإدارة الأميركية.
اهتمامات مشتركة مع بايدن الوسطي اليساري
بيد أن عنصر المفاجأة الأكبر يتمثل في العلاقة الوطيدة التي نشأت بين ميلوني وبايدن الذي نظر إلى صعود ميلوني إلى السلطة، في البداية، كإشارة إلى تحول العالم نحو حكم اليمينيين. ومع ذلك، تبددت مخاوف بايدن من أيديولوجيتها، بعد أن أظهرت دعمها لأوكرانيا التي كانت تسعى إلى مواجهة الغزو الروسي المدمر، وأبدت انفتاحاً على إمكان انسحاب إيطاليا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية للبنية التحتية.
والتقى الاثنان مرتين في الأقل في واشنطن، وهو أمر غير مألوف على الإطلاق بالنسبة إلى أي زعيم إيطالي يمارس السلطة منذ أقل من عامين. حتى إن بايدن كان يخطط للقيام برحلته الخارجية الأخيرة كرئيس هذا الشهر إلى إيطاليا. لكن سفره هذا ألغي في اللحظة الأخيرة ليتمكن من البقاء في واشنطن والإشراف على استجابة السلطات الفيدرالية لحرائق الغابات المدمرة في لوس أنجليس.
وعوضاً عن ذلك، أجرى بايدن وميلوني مكالمتين هاتفيتين الجمعة الماضي. وقد أعلن البيت الأبيض أن بايدن شكر ميلوني على دعم إيطاليا لأوكرانيا، وعلى الدور القيادي الذي تقوم به بلادها في "مجموعة السبع" والـ"ناتو" والاتحاد الأوروبي.
الأخطار الناجمة عن علاقة ميلوني بترمب
لا شك في أن موقف ميلوني المؤيد لحلف الأطلسي الذي سمح بتعزيز علاقاتها مع بايدن، قد يشكل تحدياً لعلاقتها مع ترمب. فالحال أن ترمب يحاول إرغام حلفاء "ناتو" على زيادة إنفاقهم ليصل إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي، مع أن إيطاليا واحدة من ثمانية أعضاء فقط لا يصلون إلى هدف الإنفاق الدفاعي البالغ اثنين في المئة.
وفي سياق متصل، قال ماريو ديل بيرو، خبير العلاقات عبر الأطلسي وأستاذ التاريخ الدولي في جامعة العلوم السياسية "سيانس بو" SciencesPo في باريس: "بالنسبة إلى أوكرانيا، ستسعى إدارة ترمب إلى إيجاد سبيل لإجراء حوار مع روسيا والوصول إلى حل، ومن المرجح أن تطلب من أوروبا بذل مزيد من الجهد. وهو ما سيضع إيطاليا في موقف صعب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد سبق لميلوني أن أرغمت على التعليق على خطاب ترمب التوسعي الأخير، إذ قالت للمراسلين الصحافيين إن المقصد من تعليقاته عن ضم غرينلاند وكندا وبنما هو الردع، معتبرة أنها بمثابة "رسالة قوية إلى القوى العالمية العظمى الأخرى، أكثر من كونها عملاً عدائياً".
وبدوره، سيواجه اقتصاد إيطاليا تحديات نتيجة تعهدات ترمب بفرض تعريفات جمركية على الصادرات، فيتكبد اقتصاد إيطاليا المعتمد على الصادرات كلفاً قد تصل قيمتها إلى سبع مليارات دولار، وفق دراسة أجرتها شركة تحليل الأخطار "بروميتيا" Prometeia. ومن ثم، فإن إيطاليا تتمتع بفائض تجاري قدره 42 مليار يورو مع الولايات المتحدة التي تُعدّ شريكتها التجارية الثانية في مجال التصدير بعد ألمانيا.
وفي هذا الصدد، وضع المحللون استنتاجاً نهائياً، مفاده بأن ميلوني تبقي فعلياً على قوميتها، وأنها ستحفظ مصالح إيطاليا دوماً في الطليعة وتبقيها فوق أي اعتبار آخر.
ولا شك في أن ذلك سيصب في مصلحة أوروبا، في حال نشوب حروب تجارية مثلاً، أو خلافات حول الإنفاق الدفاعي. لكنه قد يتبين أنه مضر بالوحدة الأوروبية على المدى الطويل.
ومنذ الآن، يمثل الاتفاق المعلن مع شركة "سبيس إكس" SpaceX المملوكة لإيلون ماسك، والهادف إلى توفير خدمات اتصالات عبر تكنولوجيا "ستارلينك" Starlink للمؤسسات الإيطالية، تهديداً لكوكبة الأقمار الاصطناعية "إيريس 2" Iris2 التي تضم 290 قمراً اصطناعياً التي يقودها كونسورتيوم أوروبي يضم شركة الدفاع الإيطالية "ليوناردو" Leonardo.
ومن جهتها، أعلنت ناتالي توتشي، مديرة "معهد الشؤون الدولية" Institute of International Affairs في روما، أنه "من السذاجة أن نتخيل أنها ستتمكن من الدفاع عن مصالح الاتحاد الأوروبي، بينما تستعد للعمل، على الأرجح، كحصان طروادة لمصلحة ترمب في أوروبا". وفي الختام أضافت: "عند مواجهتها لخيارات صعبة، سينتهي بها المطاف دوماً باعتماد نهج معادٍ لليورو لأنه كثيراً ما كان المكان الذي يهف له قلبها فعلياً".
أسهم عامر مادهاني من واشنطن العاصمة في كتابة هذه المقالة
© The Independent